الهيئة الوطنية للانتخابات: 4 ممارسات تبطل صوتك في انتخابات مجلس الشيوخ (صور)    البورصة تربح 22 مليار جنيه بختام تعاملات الأسبوع    الحكومة: إجراءات جديدة قبل سبتمبر لتيسير الإفراج الجمركي وزيادة الاستثمارات الأجنبية    مصر ترحب بإعلان رئيسي وزراء كندا ومالطا اعتزام بلديهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية    جماهير النصر السعودي بالنمسا تتسلل للفندق لرؤية كريستيانو رونالدو    حماية المستهلك: ضبط 45 طن زيوت ومواد غذائية معاد تدويرها من خامات مجهولة المصدر    خروج عجلات جرار قطار عن القضبان في المنيا دون إصابات    للعام الثاني، الجونة السينمائي وبرنامج الغذاء العالمي يطلقان مسابقة "عيش" للأفلام القصيرة    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد وضع حجر الأساس لمشروعين صينيين جديدين    سوريا.. 47 شاحنة مساعدات تتجه من دمشق إلى السويداء    جهود أمنية مكثفة لكشف غموض وفاة سيدة بطلقات نارية داخل منزلها بقنا    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بقرية الجبيرات فى سوهاج    "إعادة تدوير" لحملات المزايدة!    إذاعة الجيش الإسرائيلى: انتحار جندى بعد خدمته فى صفوف قوات الاحتياط    أشرف زكي من جنازة لطفي لبيب: فقدنا نجم كان مدرسة في الصبر    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    ئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    عروض فنية متنوعة الليلة على المسرح الروماني بمهرجان ليالينا في العلمين    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    نجم الزمالك السابق: إسماعيل إضافة للدفاع.. والفريق يحتاج إلى الهدوء    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    انخفاض حاد في أرباح بي إم دبليو خلال النصف الأول من 2025    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    نساء مصر ورجالها!    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتخصصون يكشفون الغطاء عن عالمه المغلق.. الطب الشرعى يمكن خداعه
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 04 - 2013

ما إن تذكر كلمة «الطب الشرعى» حتى تقفز إلى الذهن أسئلة عديدة لا يعرف إجابتها إلا أهل التخصص دون غيرهم، إذ لا يفلح فى الإجابة عنها هواة الفتوى كما هو معروف فى العديد من المجالات.
وتقارير الطب الشرعى لا تحتمل الهزل أو تعدد التفسيرات والتأويلات، فالتقرير يمكنه إنهاء حياة أشخاص وكذا براءتهم، ويمكنه أيضا تلويث سمعة إنسان أو إبراء ذمته.
وبقدر خطورة هذا التقارير تأتى الأهمية بل القدسية التى تلقاها، إلا أن هذه القدسية أفسدتها السياسة أخيرا والتلفيقات التى اعتمدتها وزارة الداخلية منذ عدة سنوات لتبرئة بعض أفرادها، وتقف حالة الشاب خالد سعيد حالة صارخة قبل الثورة، والشاب محمد الجندى بعدها كدليل على ذلك.
وبسبب كثرة حوادث القتل التى شهدتها ثورة يناير والمظاهرات التى تبعتها، مازال الطب الشرعى يلعب الدور الكبير فى سبيل الحصول على الأدلة ضد الجناة، أضف إلى ذلك سؤالا ضخما يقول: هل يمكن أن يواجه الطب الشرعى الضغوط السياسية؟ إجابة غير المتخصصين تقول نعم، بل وصل الأمر لاتهام رئيس مصلحة الطب الشرعى المستقيل د. إحسان كميل، بالتزوير لمخالفته تقرير اللجنة الثلاثية فى أسباب وفاة الشاب محمد الجندى
وبطبيعة الحال لا يقف الطب الشرعى عند مجال القتل فقط وإنما العديد من المجالات منها السموم والتزوير والتزييف.
سؤال آخر يقول هل يمكن للجانى الماكر أن يخدع الطب الشرعى؟
وأيضا، ما الفترة التى يستغرقها استخراج تقرير الطب الشرعى؟ وهل هناك مبرر للتأخير كما حدث فى وفاة فقيد الصحافة الحسينى أبو ضيف الذى أثار الشكوك والتساؤلات؟
سؤال آخر أكثر دهشة، هل يمكن أن تصل يد الرشوة للطبيب الشرعى؟ وهل حدث ذلك من قبل؟
وما المؤهلات التى تجعل طالب الطب صالحا لأن يكون طبيبا شرعيا؟ وهل ما يتقاضاه من دخل شهرى يكفل له الحياة الكريمة؟
أسئلة كثيرة جدا، وفى محاولة للوصول إلى إجابات لهذه التساؤلات وغيرها كان لنا هذا التحقيق مع بعض المتخصصين وأصحاب الخبرات الطويلة فى هذا المجال سواء فى مصر أو غيرها من الدول العربية .
مسرح الجريمة
البداية كانت حول التقارير وما أثير مؤخرا عنها بسبب تضاربها، وفى ذلك أشار الدكتور فخرى صالح، كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، إلى أن التقرير الشرعى هو تقرير مادى يقدم من الخبير حسب دراسته وخبرته وكفاءته ودرجة إقناعه فى كتابته، ووفقا لما أسفر عنه التشريح الذى يتم وفق أصول علمية عالمية، ففى حوادث إطلاق النار مثلا يتم عمل مقارنة باستخدام الميكروسكوب المقارن بين السلاح المستخدم والمقذوف الذى عثر عليه فى جسد المجنى عليه أو فى مسرح الجريمة، فإذا جاءت النتيجة مطابقة بما لا يدعو للشك نتيجة للتوصل لما يسمى بالعلامات الثانوية، والتى تؤكد ذاتية حدوث الإطلاق من نفس السلاح المشتبه به، هنا لا يمكن أن يكون هناك تضارب فى التقارير، ولكن التضارب قد يحدث عندما لا يكون هناك مثل هذا التطابق بسبب عدم وجود الطلقة ذاتها فى مسرح الجريمة أو أنها موجودة لكنها مشوهة بعد أن تكون قد اخترقت جسد الضحية وخرجت منه، وحالات أخرى عديدة، هنا يكون لكل واقعة تصورها من كل طبيب شرعى، ومهما اختلفت التصورات فكلها أقرب تصور للحقيقة، ولكن الفرق هنا يكمن فى الخبرة والكفاءة وكلما زادت الخبرة كلما وصلنا للتصور الحقيقي.
أدلة جديدة
وعما إذا كان لأجهزة الفحص دور فى تضارب التقارير، أكد كبير الأطباء الشرعيين أن جهاز الفحص واحد للجميع والجهاز الذى لدينا هو نفس الجهاز الذى يتعامل به الطب الشرعى فى أمريكا ويعطى نفس النتائج، موضحا أن التقرير الذى يقدمه الطبيب الشرعى ليس قرآنا، وللقاضى أن يتعامل به إذا كان يتماشى مع الأدلة المتوافرة لديه، فإذا كان لا يتماشى يقوم بإسناده لخبير آخر أو تحويله للجنة ثلاثية للحكم عليه، ثم لجنة ثلاثية عليا برئاسة رئيس المصلحة، ومن حقه أيضا أن يأتى بلجنة ثلاثية من الجامعة علاوة على أن هناك درجات للطعن فى التقرير حتى يكون هناك اطمئنان لأقصى درجة، ليس هذا فحسب بل نحن لدينا أفضل قانون فى العالم، فبجانب حكم أول درجة وثانى درجة، هناك النقض كمرحلة أخيرة، فمن الممكن أن يحكم على المتهم بالإعدام فى الدرجتين الأولى والثانية، ويحكم له بالبراءة فى النقض، فمثلا قد يرد فى تقرير الطبيب الشرعى الأولى أن هناك زرقة بلون داكن فى الظهر نتيجة للطعن ونزيف الدم، هذه الجملة يقف عندها صاحب الخبرة ليؤكد أن هناك تناقضا لأنه لا يمكن أن يكون هناك رسوب للدم بلون داكن مع النزيف، فالنزيف يجعل الزرقة باهتة وليست داكنة، وفى كل الأحوال القاضى هو صاحب الكلمة العليا، وهو الذى يتحمل المسئولية أمام الله ولا يوجد ما يلزمه إلا قناعته الشخصية، خصوصا أنه لا يكتفى فقط بالتقرير، فهناك أدلة أخرى يقدمها المعمل الجنائى والشهود، وكل ذلك يساعده للوصول للحقيقة.
وعن إمكانية السماح بإعادة تشريح الجثة بهدف إصدار تقرير جديد أكد د. فخرى أنه ليس من حق أحد أن يشرح الجثة مرة أخرى، وكل الخبراء يتعاملون فقط مع التقرير الأول، فمهمة الطبيب الذى يقوم بالتشريح هو أن ينقل فى تقريره ما يراه بصورة دقيقة سواء بالوصف أو بالصور، فمثلا لو جاء فى التقرير بأن هناك جرحا طوله 5 سم، فليس من حقى كخبير طب شرعى أن أقول بأنه يتجاوز هذا الطول أو يقل عنه، فقط أتعامل مع كل ما تم إثباته عندما تم التشريح، والبناء عليه لأنه لو لجأنا للتشريح مرة أخرى فسوف يؤدى ذلك إلى طمس الأدلة التى كانت موجودة، فيخرج التقرير الثانى أضعف من الأول، وكل دور الخبراء بعد ذلك هو تقديم تصوراتهم وتفسيراتهم للنواحى الفنية من واقع الكتب العالمية فى الطب الشرعى والخبرة.
سعاد حسنى
وحول علامات الاستفهام الكبيرة عن تأخر تقرير الطب الشرعى للصحفى الحسينى أبو ضيف لمدة قاربت الشهرين، والسبب فى ذلك والمدة الزمنية الطبيعية لأى تقرير، قال : عادة يستغرق إعداد التقرير فى القضايا العادية من أيام إلى أسابيع قليلة، ولكن هناك قضايا تحتاج إلى فحوصات معملية مثل ال DNA والدم والأنسجة أو فحوصات كيميائية، وذلك أيضا لا يستغرق سوى فترة قصيرة، إلا أن عملية استكمال الناقص فى بعض القضايا هو ما يعطلها، فقد تكون الملابس أثناء الحادث غير موجودة ويطالب بها الطب الشرعى، وإذا كان المجنى عليه دخل المستشفى قبل وفاته فقد يستلزم الأمر طلب قرارات العلاج للاطلاع عليها، والاستعانة بشهادات وتقارير الأطباء الذين كانوا يعالجونه، وهذا لا يحدث فى مصر فقط، بل فى كل دول العالم، وكلنا يذكر قضية سعاد حسنى فقد استغرقت لندن فى تقريرها وقتا طويلا بسبب الطلبات والفحوصات ومناقشة الظروف، وهل هى وفاة عادية أم انتحار أم قتل؟ وفى كل الأحوال لا يتأخر التقرير إذا كانت كل عناصره مكتملة، فالأجهزة حاليا أكفأ، كما أن الضغط الإعلامى لبعض القضايا وتسليط الضوء عليها يجعلان الأطباء يسابقون الزمن للكشف عن تقريرهم.
وعما يردده البعض يقول بأن هناك ضغوطا تمارس على الطب الشرعى، لذلك تتأخر التقارير حتى يهدأ الرأى العام أو لكى تخرج لصالح النظام الحاكم، أكد د. فخرى أنه لا توجد أى ضغوط تمارس على الطب الشرعى، ولكن أحيانا يكون هناك نوع من الغباء فى عرض التقرير، بدليل أنه يكون هو نفس التقرير الذى يبنى عليه الآخرون تفسيراتهم الأخرى الصحيحة، وهو أكبر دليل على أن الاختلاف يكون فقط فى الشرح والرؤية وليس نتيجة ضغوط، مفسرا ما حدث فى قضية خالد سعيد بأنه مات نتيجة استعمال القسوة مع الضرب الذى أفضى إلى الموت بسبب ما وجد على جسده من آثار ضرب، ولكن لم يثبت القتل العمد، موضحا أن التقرير الأول أكد وجود لفافة بانجو فى فمه لم يكن قد بلعها، وتم وصفها بشكل معين تستحيل معه عملية البلع، فالبلع يكون للأشياء الصغيرة التى تمر من الحلق مثل الكبسولة أو ربع قرش حشيش مثلا وليس للفافة طولها 7.5 سم كما جاء فى التقرير.
وعما إذا كانت قد وضعت فى فمه فى محاولة لإجباره على بلعها قال “ لو كان ذلك قد حدث نكون أمام قتل عمد، وهو ما نفته المحكمة وربما يكون قد تم وضعها بعد وفاته، ولكن الثابت أن استعمال القسوة أدى إلى الوفاة، ولذلك تم الحكم بخمس سنوات على المتهم باعتباره الحد الأقصى .
الشرطة أم المندسون؟
وحول الاتهامات العديدة التى تؤكد مسئولية الشرطة عن حوادث القتل بالأعيرة النارية فى ميادين الثورة والتظاهر، أشار إلى أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بأن الطلقات التى سكنت جسد المجنى عليهم خرجت من أسلحة محددة المعالم أو أن هذه الأسلحة تابعة للشرطة دون مقارنة الطلقات بواسطة الطب الشرعى بالأسلحة التى تم ضبطها أو محل الاتهام، خصوصا أن تسليح الشرطة يماثل ما لدى الأفراد من أسلحة فقد تجد ضابطا معه سلاح حلوان وآخر معه 6 مللى وثالثا معه 7.62 والتى يستخدمها الجيش، فكيف إذن للمواطنين العاديين الفصل فى هذا، علاوة على كم الأسلحة الكثيرة التى تم تهريبها من الأقسام فى الفترة الماضية، وما يمكن تهريبه من المصانع الحربية التى تقوم بتصنيعها، أما الأسلحة التى يمكن أن نقول إنها تقتصر فقط على الشرطة، فهى التى تضرب القنابل المسيلة للدموع والمطاطية الخاصة بفض المظاهرات. مفسرا عملية قتل الكثيرين بأن أغلب ما كان يضرب فى الثورة هو الفرد الخرطوش، وكان يطلقه المندسون وسط المتظاهرين فهو سهل الحمل ورخيص التكلفة باعتباره صناعة محلية ولصغر حجمه يمكن إخفاؤه، فى حين أن اغلب البنادق التى يحملها أفراد الشرطة تستخدم لضرب القنابل المسيلة الدموع أو الرصاص المطاطى، لكن لا يمكن الجزم بأنها لم تكن تضرب بالخرطوش، كما كان يحدث القتل باستخدام كاتم الصوت، وهو ما حدث فى التظاهر ضد السفارة الإسرائيلية، فلم يكن هناك أى إطلاق للرصاص، وحدث أن أصيب أربعة بالإعياء فتم نقلهم للمستشفى، وهناك تم اكتشاف ضربهم بالنار، وما حدث أنه تم قتلهم بكاتم الصوت أو وضع لفافة من القماش تقوم بكتم صوت المسدس فلا يسمع له صوت فى المظاهرات، وهناك سفاح المهندسين الذى كان يرتكب جرائمه فى وضح النهار ووسط الناس باستخدام كاتم الصوت.
وحول ما إذا كان هناك احتمال ولو ضعيفا لخداع الطب الشرعى، فجر د. فخرى مفاجأة قائلا: بالطبع هناك حيل يلجأ لها المحترفون والأذكياء لتضليل رجال الطب الشرعى منها ما فعله الجناة الذين كانوا يسطون على محلات الذهب فى الثمانينيات، فقد كانوا يقومون بفك الأجزاء للأسلحة المستخدمة فى جريمتهم وتبديلها من سلاح لآخر، فكان الطب الشرعى عندما يقوم بعمل مقارنة بين الرصاص والأسلحة تخرج النتيجة سلبية، وقد كنت أول من اكتشف هذه الحيلة، فالجانى الذكى هو الذى يستطيع أن يغير فى مسرح الجريمة، وفى هذه الحالة ما الذى يمكن للطب الشرعى أن يفعله مع مقذوف أمامه وسلاح، وعند مطابقتهما يكتشف أنه ليس السلاح الذى قام بضرب النار، فيكتب تقريره بذلك، فى حين أن المقذوف الذى وجد بجوار المجنى عليه فى مسرح الجريمة ليس هو المقذوف الحقيقى بعد أن استبدله الجانى بمقذوف آخر، أو أن هذا المقذوف الذى تم استخراجه من جثة القتيل فى المستشفى بطريقة أو بأخرى تم استبداله بآخر.
الجريمة الكاملة
وتتفق د. سهام على السيد جاد الحق أستاذ الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة المنصورة مع ما سبق، وتضيف قائلة: هناك جرائم لا يمكن اكتشافها خصوصا فى مجال السميات، حيث إن هناك مواد كيماوية تدخل الجسم فتكسره خلال دقائق ولا يمكن اكتشافها سواء بتحليل الدم أو البول أو عينة من المعدة، كذلك هناك حيل تستخدمها المخابرات فى الدول المتقدمة ولا علم ولا خبرة لنا بها . وبجانب ذلك هناك ما نقوم بتدريسه للطلبة تحت ما يسمى بالجرائم المفبركة، مثل الجروح المفبركة والطلق النارى المفبرك، كالذى يقوم بتقطيع نفسه بالموس ويتهم آخر، أو من يقوم بالقتل ويلقى بالمجنى عليه فى البحر ليبدو كأنه غرق، أو يعلقه فى حبل ليظهر وكأنه قد شنق نفسه، ولكن مثل هذه الحالات يمكن اكتشافها ولكن ممن لديهم الخبرة، ولكن المشكلة والتى ينتج عنها تضارب التقارير تكمن فى أنها تكون صادرة من أطباء قليلى الخبرة وحديثى التخرج، لأن المعايير التى يعمل على أساسها الطب الشرعى واحدة، وبالتالى فإن احتمالية اختلاف آراء التقارير غير موجودة بالنسبة للخبراء والكبار فى هذا التخصص، إلا إذا تدخلت أمور أخرى لا تتعلق بالعلم مثل السياسة وغيرها، لأن تطبيق المعايير يؤدى دائما إلى طريق واحد.
وحول السبب فى وقوع الأطباء الشرعيين فى هذه الأخطاء، أشارت د. سهام إلى أن ما يحدث هو أن وزارة العدل عندما تطلب دفعة من الأطباء يتقدم لهم الكثيرون، فيتم الاختيار وفقا للمجموع وليس بناء على اختبارات شخصية، ودون اشتراط مؤهلات إضافية كالدراسات العليا والماجستير والدكتوراه، أو حتى عمل دورات متخصصة لهم، موضحة أن الطبيب الشرعى يجب أن تتوافر فيه صفات معينة مثل قوة الأعصاب، مستشهدة بما حدث لها عندما كانت هناك محاضرة عملية فى التشريح فدخلت المحاضرة وظلت حتى انتهاء المحاضرة مغمضة العينين لا تقوى على النظر لعملية نشر الدماغ بالمنشار وفتح البطن، وبلا شك هناك مثلها ممن لا يتحملون عبء هذه المهنة، واستخراج الجثث وتشريحها والتعامل معها وهى عفنة، فهذه أمور تفوق طاقة الكثيرين من البشر، حتى إن هناك من يستقيل فور قبوله للعمل بها.
وعن الأوضاع المادية أكدت أنها تحسنت كثيرا فى الفترة الأخيرة، حتى إن الخبراء والقيادات من الأطباء الشرعيين أصبح دخلهم يعادل من يعملون فى البلاد العربية، وإذا كان حق الفئة الأصغر مهضوما من قبل، فإن الوضع اختلف تماما فى السنوات الأخيرة، وتحسنت أجورهم بشكل كبير مقارنة بغيرهم فى الوزارات الأخرى، حتى إن العمل فى الطب الشرعى أصبح مميزا والإقبال عليه كبيرا، وفى مختلف تخصصاته، فهو يدخل فى خدمة القضايا المجتمعية المدنية منها والجنائية من مشاجرات واغتصاب وقتل وتزوير وتزييف، علاوة على انتحال الشخصية والتسنين وتحديد نوعية الخطوط وأصحابها وغيرها .
الدولة الوحيدة
من جانبه يرى د. عبد العزيز غانم أستاذ الطب الشرعى والسموم الإكلينكية بكلية طب المنصورة، أن محاضر الشرطة لها دور كبير فى تضارب التقارير، لأن من مهام الطبيب الشرعى أن يقوم بالتكييف ما بين ما تقول به هذه المحاضر ووصفها للجريمة ومسرحها، وبين الواقع الذى يقوم بتحليله، فعندما يقول محضر الشرطة بحدوث ارتطام سيارة بجسد المجنى عليه، فهذا الارتطام قد يؤدى إلى نفس الكسور التى قد يحدثها الضرب بآله صلبة، وكلاهما قد يسبب الوفاة، وبالتالى فمجيء الرواية خطأ من التحريات يوقع الطبيب الشرعى فى الخطأ والتضارب، ومثل هذه الأمر لا تجده فى أغلب الدول، ففى السعودية مثلا والتى عملت بها كطبيب شرعى لمدة 6 سنوات، عند وقوع حادث لا يمكن للشرطة أن تتدخل وتقوم بنقل الجثث أو المصابين إلا بعد حضور الطب الشرعى وقيامه بالمعاينة، كما أن مصر هى الدولة الوحيدة التى لا يشرف أساتذة الجامعة على الطب الشرعى، رغم أن هناك قانونا من أيام الملك فاروق ينص على ذلك .
وبجانب ما تقوم به الشرطة فى بعض الأحيان من إخفاء بعض الحقائق بشكل متعمد، فهناك سبب آخر له دور فى ضعف التقارير الصادرة عن مصلحة الطب الشرعى، وهى كثرة القضايا التى تعرض عليها وتصل شهريا لنحو 200 قضية، كل قضية فيها تحتاج أسبوعا بشكل يصعب معه قراءة كل المذكرات، بسبب قلة الأعداد وانعدام الاتصال بالجامعة، واكتفاء الكثير من الأطباء بالفحص الظاهرى وترك مهمة التشريح للفنيين.
واستبعد د. عبد العزيز أن يكون التضارب فى التقارير سببه وجود رشاوى كما يردد البعض، مبررا ذلك بأنه طوال عمله فى هذا المجال لم يأت له من يعرض عليه أى رشوة، كما أن ما يتمتع به الطبيب الشرعى من دخل جيد لا يحصل عليه نظيرة الذى يعمل فى وزارة الصحة، باعتباره كادرا خاصا فى وزارة العدل، علاوة على كونه رجلا محميا لديه حصانة تجعله بعيدا عن مقاضاته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.