كانت هناك صلة قوية بين ملوك اليهود وأنبيائهم، فالنبى صموئيل كان كاهنا فى أحد معابد يهوه وينتمى إلى اللاويين، سبط «قبيلة» لاوى بن يعقوب، واختص اللاويون بالشئون الدينية ومنذ تدمير الهيكل اقتصر عملهم على قراءة التوراة فى الكنيس، وكان موسى وهارو، لاويين وكون أبناء هارون عائلة كهنوتية متميزة وظلوا لاويين، وكل كهونيم لاوى وليس كل لاوى كهونيم وأن لهم حقوقا وعليهم واجبات تميزهم عن غيرهم من عامة اليهود..كان النبى صموئيل قد حاز على ثقة اليهود الشماليين «اليشوعيين» وعاش فى الفترة التى وصل فيها اتحاد الفلسطينيين إلى أقصى قوته، ولذلك استشعر الخطر من أن يسيطر الفلسطينيون على كل أرض كنعان، فلجأ صموئيل إلى محاولة توحيد الطرفين الإسرائيليين اللذين اغتصبا أرض كنعان اليشوعيين الشماليين..واليهود الجنوبيين لدرء خطر الفلسطينيين لم تكن العلاقات فى أحسن أحوالها على أرض كنعان بين اليشوعيين الشماليين «السامرة» واليهود الجنوبيين «يهودا» وحتى ينجح صموئيل فى توحيد الشماليين والجنوبيين أخذ يبحث عن قائد عسكرى شجاع يستطيع أن يملى إدارته على الطرفين، فكان اليشوعيون الشماليون قد قبلوا عبادة يهوه إلى جانب آلهتهم، اشتورث والأفعى والعجل، كان اليهود الجنوبيون يحتقرون اليشوعيين وينظرون إليهم على أنهم برابرة ومتخلفون، بعد موت شاول أول ملوك بنى إسرائيل، أو بالأحرى انتحاره فى معركة الجلبوع، تولى السلطة من بعده داود بن يسى البيتلجى، الذى بدأ حياته راعيا للغنم، وكان سبق لصمويل أن باركه وتذكر التوراة أن شاول كان معجبا بداود، ولكنه كان يخشاه فتآمر ضده وحاول قتله ثم لجأ شاول إلى وسيلة أخرى يأمن جانب داود، فزوجه ابنته ميكال التى رغبت فى الزواج من داود صموئيل الأول: 18 إلى هنا لا تبدو فى أمر هذا الزواج السياسى أية غرابة، ولكن الغرابة فى المهر الذى حدده شاول لابنته، وهو مائة قتيل من الفلسطينيين، فما كان من داود إلا أن ضاعف له المهر..وقدم له مائتى قتيل من الفلسطينيين..وكان رجلا تجسدت فيه الشهوات 42-38، وجاء فى سفر صموئيل الثانى من العهد القديم: وكان فى وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى على السطح امرأة تستحم، وكانت جميلة المنظر جدا فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد أليست هذه بتشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثى، فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه، فاضطجع معها وهى مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها فحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إنى حبلى (صموئيل الثانى 5-11)..فأرسل داود رسالة بيد أوريا زوج بتشبع إلى يوآب رئيس الجيش يطلب منه أن يضع أوريا فى مكان خطر فى ساحة المعركة، وهكذا كان، وقتل أوريا فندبته زوجته بثشبع ولما انتهت المناحة ضمها داود إلى بيته وأصبحت من نسائه وولدت له ابنا، وأما الذى فعله داود فقبح فى عينى الرب (صموئيل الحادى عشر: 27)، ولكن الولد مرض ومات وعزى داود امرأته بثشبع ودخل إليها واضطجع معها فولدت له ابنا فدعا اسمه سليمان (صموئيل الثانى عشر: 24). فى جانب آخر كان داود انتهازيا ورجل دهاء وسياسة فلقد حالف الفلسطينيين وأبدى لهم المودة والصداقة فى البداية، حيث كان ملكهم أخيش قد منح الحماية لداود وعصابته عندما طاردهم شاول، فاستغل داود الفلسطينيين للاستيلاء على القدس من اليبوسيين، حيث كانت لدى الفلسطينيين أسلحة متطورة وآلات لدك الأسوار، وما إن احتل داود القدس حتى دمج جيش اليبوسيين فى جيشه، وانقلب على الفلسطينيين ودك مدنهم بآلاتهم نفسها..كان داود متسامحا دينيا مع اليشوعيين غير اليهود من بنى إسرائيل، فسمح لهم بعبادة العجل، وإعادة الفتيات إلى معابد اشتيروث لمعاشرة المترددين على هذه المعابد، وكان شاول قد ألغى كل هذه العبادات وأبقى على عبادة يهوه التى جعلها داود على رأس العبادات الأخرى، وقد تطلع داود إلى بناء معبد ليهوه فى القدس، فاستعان بمنهدسين فنيقيين للتخطيط لبناء هذا المعبد، حيث كانت تربطه صداقة قوية بحيرام ملك صور..ترك داود لابنه سليمان ثروة هائلة هى عبارة عن كل ما كان لدى الفلسطينيين من ذهب ومجوهرات تم سلبها خلال غزوه لمدنهم، فلم يكن لدى اليهود الذين كانوا من البدو الرحل مثل هذا الثراء، وهكذا وجد سليمان الأموال جاهزة، فأقام الهيكل الأول بأموال الفلسطينيين، وبخبرة المهندسين، والحرفيين المهرة من الفنيقيين، وقد ساعد هذا الثراء الهائل سليمان على استئجار جيش من المرتزقة لمحاربة الجبارين. لقد اتحد الإسرائيليون الشماليون مع اليهود الجنوبيين فى دولة داود وسليمان التى استمرت فترة حياتهما، تحت سطوة هذين الملكين، وعلى الصعيد الدينى كانت آلهة متنوعة تأخذ مكانها فى الهيكل، فلم يكن المعبد خالصا ليهوه، بل كان فيه العجل والأفعى وصفان من تماثيل أبى الهول، وبقيت هذه الآلهة فى الهيكل حتى أزالها النبى أشعيا فى أواخر القرن الثامن قبل الميلاد..ظلت العلاقة بين اليشوعيين فى الشمال واليهود فى الجنوب تسودها المنافسة ويزعزعها انعدام الثقة بين الطرفين، وقد عاشت دولة داود وسليمان ثمانين سنة (1012ق م 932 ق.م) ثم انشطرت هذه الدولة بتأثير عوامل الانقسام، ودمر الأشوريون بقيادة الملك سنحاريب الشطر الشمالى منها، أما الشطر الجنوبى يهودا فقد تولى الحكم فيه سلسلة من الملوك الذين لا يؤبه لهم من رحبعام بن سليمان إلى صدقيا الذى عينه نبوخذ نصر أثر السبى البابلى، ثم عاقبه عندما خانه بأن قتل ولديه أمام ناظريه، ثم فقأ عينيه وأودعه السجن. عندما اغتصبت قبائل بنى إسرائيل أرض كنعان واستوطنتها، أقامت فيها دولة صغيرة سرعان ما تهالكت فى أقل من مائة عام، وفى تلك الديار دخلت المسألة اليهودية طورا جديدا بسبب عدم إدراك القوى اليهودية لموقعها على خريطة العالم، وعدم التوافق مع مسيرة التاريخ، حيث ورط اليهود أنفسهم فى صراع انتحارى ضد قوى لا قبل لهم بمجابهتها فأسرهم البابليون، وشتتهم الرومان، فعادوا إلى الشتات الذى جاءوا منه.