الفرق بين الدول المتحضرة وغيرها أن الأولى يسودها القانون ويحكم كل شىء فيها، ويطبقه المسئولون بصرامة على الكبير والصغير، أما الدول غير المتحضرة فلديها قوانين مشلولة معطلة قد تطبق على الصغار، أما الكبار فيدوسون القانون بأحذيتهم لمصالح خاصة وإن تعارضت مع الصالح العام. هذا ما جرى فى هيئة الأبنية التعليمية عندما كانت تحت إدارة المهندس محمد نبيل حلمى، منذ تولى مسئولية الهيئة وحتى انتهت مهمته بها، مخالفات قانونية بالجملة، نشرنا فى العدد السابق جانباً منها، ونواصل فى هذا العدد كشف المزيد منها. مدير الهيئة بمعاونة عدد من كبار مساعديه تمكنوا من تعطيل القانون، وقاموا بإجراء مناقصات معيبة من الناحية القانونية فى عمليات صيانة أبنية المدارس والحضانات، شابتها مخالفات كثيرة تسببت فى إهدار المال العام باستعمال محررات مزورة. أولى هذه المخالفات إجراء مناقصات محدودة لصيانة أكثر من مائة مدرسة وحضانة بالمخالفة للقانون الذى يحتم طرح مثل هذه الأعمال فى مناقصات عامة للحصول على أفضل وأرخص العروض فى ضوء المنافسة العلنية بين شركات المقاولات المسجل منها أكثر من 4 آلاف شركة فى الهيئة. ثانية هذه المخالفات تتمثل فى تشكيل لجان للبت فى مناقصات الصيانة الممولة بقروض من الخارج فى جلسات قصيرة جداً لا تتجاوز الجلسة الواحدة الساعة ليقوم بعدها أعضاء اللجنة المكونة من 4 أفراد فقط، بالتوقيع على 16 مناقصة، وهو أمر مستحيل من الناحية العملية، بما يفيد «سلق» هذه الموافقات من دون الدراسة الكافية لكل مناقصة على حدة، ومن دون معاينة للمدارس على الطبيعة للتحقق من الأعمال المطلوبة لكل مدرسة على حدة. 9 لجان قامت بالتوقيع على محاضر البت فى أكثر من مائة مناقصة «محدودة» للصيانة فى 9 ساعات فقط. أولى هذه اللجان تشكلت من المهندس محمد دسوقى سلوم، والمهندسة ابتسام محمد أبوالخير، ومحمد زكريا أحمد وشريف حسان محمد واجتمعت بتاريخ 29 ديسمبر 2009، فى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقامت بالتوقيع على محاضر البت فى 16 مناقصة لصيانة المدارس الثانوية الممولة من قرض هيئة التنمية الدولية رقم 3194 لمدارس (أجهور الكبرى سرياقوس طنان الشهيد جابر عبدالحميد عمر بن الخطاب) بمحافظة القليوبية، ومدارس (جزيرة الحجر شدوان الزعيم محمد حسنى مبارك تلوانة شبرا باص مصطاى) بالمنوفية، إضافة إلى مدارس (الإبراهيمية صلاح سليم شلشلمون جميزة بنى عمرو عبدالقادر قنصوة) بالشرقية. اللجنة الثانية تشكلت واجتمعت يوم 20 ديسمبر 2009، بموجب موافقة مدير الهيئة من كل من: المهندس سامى شفيق جاد، والمهندسة سحر أحمد أحمد، ورفعت طه همام وهانى أبوالحسن أبو النجا، للبت فى مناقصات صيانة فصول حضانة الطفولة المبكرة الممولة من قرض البنك الدولى رقم 7274، وقامت بالتوقيع على محاضر البت لصيانة فصول (تنمية المجتمع بكوم العرب مركز طما) جمعية مسجد القاضى عنبر وحضانة البر الإسلامية (طهطا)، الجمعية الخيرية الإسلامية (المراغة) جمعية تنمية المجتمع بعينبس (جهينة)، حصانة تنمية المجتمع بالمحامدة البحرية بمركز سوهاج، وحضانات التقوى والجيل الجديد والجمعية المصرية لتحسين مؤشرات التنمية البشرية (أخميم)، جمعية الطوايل (ساقلتة)، جمعية العبور بالمرأة الريفية بمركز دار السلام بسوهاج. اللجنة الثالثة المكونة من المهندس عبدالله بلبع، والمهندسة حنان عيسى وياسر أحمد وابتسام الإمام، واجتمعت فى نفس اليوم ونفس الساعة ووافقت على مناقصات صياغة فصول حضانات الطفولة المبكرة المحول من نفس القرض ل (جمعية المحافظة على القرآن الكريم بمركز حوش عيسى، وجمعية تنمية المجتمع صفط الحرية بإيتاى البارود، وجمعية الهلال الأحمر التنشئة الاجتماعية للطفل وجمعية تنمية المجتمع بنقرها بدمنهور بمحافظة البحيرة). اللجنة الرابعة المكونة من المهندس عبدالله محمود أحمد، المهندس وصفى بولس حبشى وحمدى محمد رضوان وأحمد محمد عبدالله، واجتمعت بتاريخ 27 ديسمبر 2009، وقامت بالتوقيع على محاضر البت فى مناقصات صيانة المدارس الثانوية الممولة من قرض هيئة التنمية الدولية 3194 لمدارس (إبشان المشتركة الزعفران إبشان الثانوية العامة سنهور المشتركة بطيطة المشتركة شباس الشهداء) بمحافظة كفر الشيخ، ومدارس (الملعب طناح بطرة كوم النور غزالة) بالدقهلية، و(ناصر الدكتور على مشرفة كفر العرب فهيمة بدوى) بدمياط. اللجنة الخامسة المكونة من المهندس محمد أحمد المسيرى والمهندسة أمانى عبدالنبى السيد، أسامة على القسط، خالد أبو يوسف، ووقعت بالموافقة على مناقصات صيانة المدارس الثانوية الممول من نفس القرض السابق فى نفس التاريخ لمدارس (الرخا المشتركة العامرية بنين سامول الثانوية العامة ميت ميمون المشتركة السنطة البلد المشتركة) بالغربية، و(إدكو بدر حوش عيسى بنات) بالبحيرة و(الحضرة الانطلاق شهداء الأقصى) بالإسكندرية. اللجنة السادسة المكونة من المهندس راتب أمين عبدالكريم، المهندسة شذا محمود، سرى عبدالحميد، محمود صلاح الدين عبدالعظيم، وقامت بالتوقيع على محاضر البت فى مناقصات صيانة مدارس (قلمشاه الثانوية العامة أبو كساة مدرسة جامعة عين شمس طاهية مصطفى عبدالمجيد منية الحيط)، بالفيوم، و(وردان الثانوية العامة كرداسة بنات) بمحافة 6 أكتوبر، و(يوسف السباعى العجوزة) بالجيزة و(باروط الثانوية وشطوط) ببنى سويف. اللجنة السابعة والمكونة من المهندس عبدالرحمن سالم حسنين والمهندس عبدالله مكاوى، وعبدالناصر أحمد على وشريف حسان محمد واجتمعت فى نفس التاريخ ونفس الساعة ووافقت على مناقصات لصيانة مدارس (سلوا الثانوية بنين بنات، بنبان الشيخ سليمان) بأسوان، و(أولاد عليوه المدمر الثانوية المشتركة على بهنس البطاح الثانوية العامة) بسوهاج، ومدارس (المحامين بحرى المراشدة الحراجية الثانوية العامة قفط مدرسة الثانوية العامة بمصنع السكر) بمحافظة قنا. اللجنة الثامنة والمكونة من المهندس السيد عبدالعال همام، المهندس سمير مسلم، محمد عبدالصبور نجم، شريف حسان محمد، واجتمعت فى نفس التاريخ ونفس الساعة ووافقت على مناقصات صيانة مدارس (الفريق عبدالغنى الجمسى المحسمة الثانوية المشتركة 25 يناير الثانوية بنات) بالإسماعيلية، و(الشيماء الثانوية بنات، طبرى روكسى عبدالعزيز السيد أمير الشعراء الصديق الخديو إسماعيل روض الفرج الثانوية بنات محمد أمين الراعى نجيب محفوظ صدقى سليمان) بالقاهرة. اللجنة التاسعة والمكونة من المهندس طاهر حماد عبدالخالق، المهندسة أمانى محسن عبدالعزيز، هشام عبدالعاطى محمد، شريف حسان محمد، وقامت بالتوقيع على محاضر البت فى مناقصات صيانة المدارس الثانوية الممولة من نفس القرض فى التاريخ والساعة نفسها لمدارس (السلام طهنشا) بالمنيا، و(فاطمة الزهراء بنات الثانوية بنين بمنفلوط يحيى كيلانى بنى عدى بنين) بأسيوط. 9 لجان فقط تبت بالموافقة على مناقصات بصيانة 104 مدارس فى 10 محافظات فى ساعة واحدة، يفترض أن تقوم خلال هذه الجلسة بمراجعة المستندات لكل عطاء من العطاءات المقدمة واستيفاء ما قد يكون ناقصاً، وإحالة هذه العطاءات للجنة فنية كتقييم العطاء فنياً ومدى مطابقته لكراسة الشروط من عدمه، وسابقة أعمال كل عطاء، وهذه الإجراءات تستغرق أياماً لكل مناقصة على حدة، ومن خلال استعراض اللجان التى قامت بالبت يثبت استحالة قيام 4 أفراد هم أعضاء كل لجنة بالعمل المكلفون به على الوجه الأمثل، كما تقضى اللوائح والقوانين فى مناقصة واحدة فيما كانت بعض اللجان تقوم باعتماد 16 مناقصة فى جلسة واحدة، مما يؤكد الرغبة فى «سلق» هذه المناقصات على الوجه المعيب الموضح بالتفصيل. هذه البيانات وردت فى التقرير المرفوع من وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور أحمد زكى بدر إلى النائب العام السابق الدكتور عبدالمجيد محمود، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية، لهذه المخالفات، والذى حصلت «الأهرام العربى» على نسخة منه من مصادرها الخاصة. كما أثبتت البيانات أغتصاب رئيس الهيئة السابق لسلطات واختصاصات الوزير الأسبق، بصفته رئيس مجلس إدارة الهيئة، فى طرح تلك الأعمال واعتماد محاضرها وإسنادها، بل والتصرف فيها بتاريخ لاحق على إلغاء التفويض الذى كان ممنوحاً له من جانب الوزير السابق على الدكتور أحمد زكى بدر والذى كان يتصرف بموجبه فى شئون الهيئة وسقط تلقائياً بوجود وزير جديد، وقام مدير الهيئة السابق بالتصرف فى مبلغ تجاوز ال 100 مليون جنيه لحساب أعمال الصيانة بموافقات كتابية صريحة بعد إلغاء التفويض صراحة، الأمر الذى يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات رقم 99، 155 فى حال ثبوته، وبرغم توصية مفوض الدولة بإلغاء كل هذه المناقصات لمخالفتها للقانون. وكشف التقرير أيضاً، فى تحفظاته على طرح أعمال صيانة المدارس وفصول الحضانات فى مناقصات محدودة، عن مخالفة هذا الإجراء للقانون الخاص بالمناقصات والمزايدات والممارسة العامة الذى يشترط طرحها، والإعلان عنها فى مصر والخارج فى الصحف اليومية مع جواز إضافة وسائل إعلامية أخرى واسعة الانتشار، لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة وحرية المنافسة والشفافية، سواء كانت خارجية أم داخلية، ونبه إلى أن التعاقد بطريق المناقصة المحدودة لا يتم إلا فى حالات تتطلب طبيعتها قصر الاشتراك فى المناقصة على أشخاص أو مقاولين أو استشاريين أو فنيين بذواتهم، وهو ما لا ينطبق على مناقصات صيانة المدارس وفصول الحضانات التى طرحتها الهيئة بطريقتها المشار إليها، وهو ما كان يوجب على الهيئة طرح هذه الأعمال بالمناقصة العامة، وعدم اللجوء إلى طريق استثنائى لم تتوافر شروطه، وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا. يذكر أن الهيئة تذرعت فى مذكرة المستشار القانونى لها إلى استنادها إلى أن أعمال الهيئة لها طبيعة خاصة، وأكدت وجود ضرورة لبناء وصيانة المدارس قبل العام الدراسى وأنها تعمل فى طرق وعرة، وتحصل على قروض دولية تخشى معه التأخير فى التنفيذ، وأنها حصلت من رئيس مجلس الوزراء الأسبق على استثناء من القواعد العامة يتيح لها بطرق استثنائية للمناقصة والممارسة المحدودة وبالقوائم المسعرة، وأن هذه الطريقة، وفقاً للشريعة الإسلامية، من المصالح المرسلة. وقد نفى التقرير جواز أن تكون طبيعة وظروف الاستعجال لبناء وصيانة المدارس ووعورة الطرق والقروض سبباً فى مخالفة نصوص قانونية صريحة، وترك الطريق العام فى التعاقد واللجوء لطريق استثنائى بالمناقصة المحدودة، كما أن جميع جهات الدولة وأجهزتها تعاني نفس الظروف ولا تخالف طرق الطرح، خصوصاً أن القانون، وفقاً لفتوى مجلس الدولة، أسقط حالة الاستعجال للشراء بالمناقصة أو الممارسة المحدودة. وأفاد التقرير الذى تم رفعه للنائب العام السابق، عدم صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء الأسبق بذلك، وأنها كانت مكاتبة أشار فيها أمين عام مجلس الوزراء إلى إمكانية ذلك، وأنها لا ترقى إلى مرتبة القرار الإدارى كما عرفه القضاء، كما أن رئيس الوزراء لم يحدد حتى تاريخ تقديم التقرير بالقواعد والشروط التى تحكم هذا الاستثناء الوارد بالمادة 8 من قانون المناقصات والمزايدات، مؤكداً أن هذه المكاتبة ليست (صك غفران) تأخذ به الهيئة لمخالفة الطريق العام فى الطرح كل تلك السنوات بالمخالفة للقانون. ورد التقرير على ذريعة الهيئة باعتبار الإجراء الاستثنائى في طرح المناقصة المحدودة وفقاً للشريعة باعتبار ذلك من المصالح المرسلة، أنه من المسلم به فقهياً أن درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة. كما تحفظ التقرير الذى رفعه الوزير الأسبق للنائب العام السابق، على طرح أعمال الصيانة والبناء فى مناقصات محدودة بعدم صدور قرار الموافقة على الطرح فى بعض المناقصات، واعتماد إجراءاته من غير السلطة المختصة من دو ن تفويض من الوزير. وأشار إلى أن الطرح بالصورة التى تم عليها لم يراع الإمكانات المالية والفنية لكل مقاول، ونبه إلى عدم إسناد أعمال المقاولين مسنداً إليهم أعمالاً إلا بعد الانتهاء من أعمال تحت الإنشاء أو الصيانة. وكشف التقرير عن عدم وجود معاملات التغيير فى الأسعار بكراسة الشروط والمواصفات (ثبات الأسعار والأثمان التى ارتضاها صاحب العطاء، بغض النظر عن تقلبات الأسعار فى الأسواق المحلية والعالمية) برغم أن القانون يقضى بضرورة التزام الجهة المتعاقدة فى تعاقداتها فى العقود التى تكون مدة تنفيذها 6 أشهر فأكثر، تلتزم نهاية كل 3 أشهر بتعديل قيمة العقد وفقاً للزيادة والنقص فى تكاليف بنون العقود التى طرأت بعد التاريخ المحدد لفتح المظاريف الفنية، أو بعد تاريخ التعاقد المبنى على أمر الإسناد المباشر. وكذا عدم حصول الجهة قبل الطرح على التراخيص والموافقات اللازمة للبناء، برغم نص القانون على ضرورة الحصول عليها قبل طرحها مناقصات عامة أو محدودة.