عبدالتواب يوسف أشهر كاتب ومترجم لأدب الأطفال، ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم كله، فقد تم تكريمه بمنحه العديد من الجوائز العالمية الكبرى، ذلك غير العشرات من الجوائز المحلية، وهو أول من أسس جمعية لثقافة الطفل فى عام 1968، وأول من قدم الكاتب الدانماركى الأشهر «هانز كريستيان أندرسن» فى اللغة العربية، واكتشف قصته الأشهر «مولد الرسول» أشهر قصة للأطفال عن الرسول كتبت فى الغرب، حول أدب الطفل وقضاياه، وقصص أندرسن كان لنا معه هذا الحوار.. ماذا يعنى احتفاء الدانماركيين بمولد الرسول واكتشافك لهذا النص «مولد الرسول فى عيون أندرسن»، وهو مسيحى غربى كتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كان ذلك مصادفة عجيبة جدا، فنحن قدمنا أندرسن فى مصر سنة 1945، وترجمه محمود إبراهيم الدسوقى فى الإسكندرية، وقد مات منتحرا فيما بعد، وذلك أيام المد الليبرالى الشديد فى مصر، وقد قدم الدسوقى كتابا لأندرسن يحتوى على أربع وثلاثين قصة، وقتها كانت لدىّ الأعمال الكاملة لأندرسن، فلفتت الترجمة نظرى إليها، وبدأت فى قراءتها، وكانت المفاجأة هى عثورى على هذه القصة «مولد الرسول»، وكنت أقرأها باللغة الإنجليزية، وقررت ترجمة القصة كاملة، وظل لدى الناشر أكثر من ثلاث سنوات، وكانت مفاجأة كبيرة لى، أن الإخوة فى السفارة الدانماركية قرأوا الكتاب، وقالوا لى: إن هذا رد حضارى على الصور المسيئة للرسول، والأعجب أنهم لم يكونوا منتبهين إلى وجود هذه القصة فى الأعمال الكاملة لأندرسن. هل كان فى ذهنك الرد على الصور المسيئة وأنت تترجم الكتاب؟ لا يمكننا أن نسئ إلى دولة بالكامل، لأن رساما ينتمى إليها أساء إلينا، ونشرع فى تنظيم المظاهرات وتكسير المحلات، ونطالب بمقاطعتها، الرد على الإساءة لا يكون بهذا الشكل، بل يجب أن نفكر بشكل أعمق، أولا نمنعهم من الإساءة أصلا إلى الرسول، وذلك بأن نعرفهم ما هو الإسلام، ونحن مقصرون فى هذا تقصيرا كبيرا جدا، فالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية كوّن لجنة مهمتها التعريف بالإسلام، تقوم بترجمة معانى القرآن إلى لغات عديدة، ولدينا عامل مصرى مسيحى فى مكتبة الكونجرس اسمه فوزى تادرس، قام بعمل ببليوجرافيا لكل الترجمات التى تمت لمعانى القرآن الكريم، وقد أحيل الآن إلى المعاش، ونحن - ثانيا - يجب أن نترجم هذه الببلوجرافيا إلى كل لغات العالم، وأن نعمل ثالثا بشكل مؤسسى للتعريف بديننا لمن يجهله. متى بدأ اهتمامك ب «أندرسن»؟ اهتممت به منذ كنت طفلا، لأن كتب المطالعة على أيامنا كانت متقدمة جدا، وكان ضمن هذه الكتب قصة له عنوانها «بائعة الثقاب»، تصف البؤس والفوارق الطبقية، فى الدانمارك وقتها، وهى قصة مأساوية، ظللت أبكى أياما بعد قراءتها، تعلق اسم أندرسن فى ذهنى، وتابعت الاهتمام به بشكل كبير جدا، وفى الثانى من إبريل كل عام، حيث ولد أندرسن عام 1805، يحتفل العالم كله بمولد هذا الأديب العظيم، وهو يوم للكتاب العالمى، لأن أندرسن أول كاتب عالمى يكتب للأطفال، وبعدها انفجر العالم فى الكتابة للأطفال، وأنا أقود هذه الاحتفالات فى مصر منذ فترة، لمعرفتى الكبيرة به. كيف تنبهت أنت إلى هذه القصة عن مولد الرسول؟ أعمال أندرسن الكاملة عندى باللغة الإنجليزية، وعندما قرأت هذه القصة، انبهرت من المفاجأة، كيف ترجمنا أغلب قصص الرجل، ولم ننتبه إلى هذه القصة؟ هل تجاهلها المترجمون مثلا؟ وهل قرأوها وعزفوا عن ترجمتها؟ فقررت أن أترجمها، وسعادتى كبيرة بنقل هذا العمل إلى اللغة العربية، وقد التزمت فى ترجمتى بروح النص، مع ألا أتجاوز عبارة واحدة لكى أكون أمينا فى النقل، إيمانا منى بأننى أحق الناس بهذه المهمة الصعبة، التى آثرت أن ألقيها على عاتقى ربما مكافأة لى على عثورى على هذا النص المهم. لكن ظروف كتابة هذا النص غائبة عنا لا نكاد نعرف عنها شيئا؟ بعد أن اشتهر أندرسن بكتابته للأطفال، أعجب به ملك الدانمارك، و أرسله فى رحلات خارجية لكى يوسع من آفاقه، ويصقل خبراته، وكانت أولى رحلاته إلى القسطنطينية، وهذا الكتاب يمثل رحلته فى تركيا، التى نزلها فى يوم احتفال الأتراك بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، فانبهر بهذه الاحتفالات، وخرج للمشاركة فيها، وحمل مصباحا أو فانوسا، كما تقضى عادات الاحتفال وقتها، فلم يكتف بذلك، بل جلس بعد ذلك ليسجل ذلك المشهد البديع بالكلمات، وكتب كلاما رائعا جدا عن سيدنا محمد، وبعد أن قمت بترجمة الكتاب أخبرنى الدانماركيون أن ما فعلته هو الرد الحضارى المصرى على أزمة الرسول، الرد الذى يظهر روح الإسلام الحقة. فى الخمسينيات قابلت ضابطا دانماركيا من قوة الطوارئ الدولية، على مقهى فى الإسكندرية، وسألنى بشكل مفاجئ: ماذا تعرف عن الدانمارك؟ هل تعرف اسم قائد عسكرى أو اسم رئيس الوزراء؟ فقلت أعرف اثنين، الأول هو «هاملت»، والثانى «أندرسن»، فاندهش وانزعج فى الوقت نفسه وقال: نحن بلد ذات تاريخ عريق، وفى يوم من الأيام كنا نحتل الجزيرة البريطانية، وكل ما يعرفه الناس عنا هو «أندرسن»، فقلت له هذا يكفيكم، لأنه رجل أدى للإنسانية خدمة جليلة، ورسالة أهم وهى الكتابة للأطفال. عندما يكتب كاتب بأهمية أندرسن كتابا عن الرسول.. فما الرسالة التى يوجهها إلى المسلمين فى هذا الظرف الحضارى؟ الكتاب ليس موجها للقارئ العربى أساسا، وإنما موجه للقارئ العالمى، الذى يقرأ بالإنجليزية، وهى أوسع اللغات انتشارا، لذلك تم نشر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، لنرد على الرسام الدانماركى الذى أساء للرسول، ونحن مطالبون الآن أن نعرف العالم ما هو الإسلام، فهناك كثيرون لم يسمعوا به، ولابد من تأليف كتب عن الرسول وعلاقته بالأطفال، فالرسول كان له صحابة من الأطفال، ومنهم عبدالله بن عمر، وقد طرح الرسول على الصحابة لغزا، عن شجرة تؤتى ثمارها، فلم يعرفوا، وكانت إجابة اللغز «النخلة»، وعندما رجع عبدالله بن عمر مع والده إلى المنزل أخبره أنه كان يعرف الإجابة، لكن خجل من الكلام أمام كبار الصحابة، ففرح بذلك جدا، وفى يوم من الأيام جمع عبدالله بن الزبير الأطفال، وذهب إلى الرسول لمبايعته، فعلاقة الرسول بالأطفال معروفة جدا، وكذلك الصحابة، ونحن مقصرون فى الكتابة من هذا الأمر. هذا يأخذنا إلى حاضر الكتابة للأطفال الآن.. كيف تراه؟ هناك نوع من التقدم بلا شك، وصارت لدينا كتب تضاهى مثيلاتها العالمية، أنا شخصيا حصلت على أربع جوائز عالمية فى الكتابة للأطفال، وأهم كتاب نلت عنه جوائز هو «حياة سيدنا محمد»، وقد ترجم إلى سبع لغات، وكان الكتاب قد صدر منذ ثلاثين عاما، وأعيدت طباعته الآن، وفاز بالجائزة الأولى فى معرض «بولونيا» الدولى بكتب الأطفال سنة 2000، وفزت مرتين بجائزة المجلس العالمى لكتب الأطفال والناشئة فى سويسرا عن كتاب «توشكى» سنة 2000 أيضا، وقد ترجم هذا الكتاب بعد أن عرض فى أكثر من عشرة معارض، وفزت بجائزة عن ترجمته. ما الذى ينقص الكتابة للأطفال الآن حتى تكون على هذا المستوى؟ ينقصها شئ هو أن يقرأ كتاب الأطفال وللكتاب العالميين فى هذا المجال، وهم مع الأسف لا يعرفون أبرز الأسماء فى مجالهم، وهذا ما دفعنى لإصدار سلسلة عن أهم كتاب الأطفال فى العالم، الذين حصلوا على جائزة «هانز أندرسن» وهم أهم الكتاب فى العالم، وكتبت عن خمسة عشر كاتبا حصلوا عليها وأهم أعمالهم. أنت ترى إذن أن الجوائز تشجع على الكتابة للأطفال؟ طبعا.. الجوائز شئ مهم للكاتب، والأهم منها هو أن نتقن الكتابة، ليس فقط لنلبى رغبات الأطفال بكتابة ما يحبون، بل لابد من كتابة أعمال تخاطب عقولهم وقلوبهم ووجدانهم، وهذا ما نحاول تدريب الكتاب عليه. ما ملاحظاتك على من يكتبون للأطفال من الشباب؟ هى كتابة تنقصها الدراسة، أولا لابد من الموهبة، وهناك شروط للكتابة للأطفال، من بينها: أن يعرف الكاتب الشاب مراحل الطفولة، ليس هناك ما يسمى «طفل» وفقط، بل هناك طفل ما قبل المدرسة، وهناك طفل الابتدائى، والإعدادى، وهكذا، فالطفل فى القوانين الدولية من هو قبل الثامنة عشرة، وذلك لأسباب قانونية، حتى لا يحبس مثلا مع المجرمين إذا ارتكب مخالفة قانونية، وبالتالى فمهمتنا هى تعريف شبابنا من الكتاب بكل إنجازات الإبداع فى مجال الكتابة للأطفال، فمثلا هناك كاتبة أمريكية من أصل صينى اسمها لان داجاج، كتبت كتابا صغيرا اسمه «ملايين القطط»، وقامت برسمه فى الوقت ذاته، بحيث تداخل الرسم والكتابة لا تستطيع قراءة القصة معزولة عن الرسوم، فسمى هذا النوع من الكتب «الكتاب المصور» بفضل هذه المؤلفة، أصبحت أمريكا الآن تصدر ألف كتاب فى العام من هذا النوع، وهناك عدد كبير من المصريين، وبالذات بيكار، توصل إلى هذا النوع دون أن يسمع عن تجربة «لان داجاج»، وقد أشرك الرسامين الشباب وقتها معه فى التجربة، كان محيى اللباد وقتها طالبا فى فنون جميلة، وكتب سلسلة من القصص المصورة فى سلسلة «صندوق الدنيا»، ورسم وكتب فيها كاتب أزهرى هو صلاح طنطاوى، الذى يجهله الكثيرون للأسف، مع أنه كتب سلسلة من الكتب المصورة منتهى فى الجمال. الشىء الآخر الذى ينبغى أن يتوافر فى كاتب الأطفال هو معرفة اللغة بحيث تكون لديه ثروة لغوية ضخمة جدا، حتى يحسن اختيار الكلمات، فالأدب معناه الارتفاع بمستوى الأسلوب، ومن جهة أخرى ينبغى أن يعرف حجم ثروة الطفل من اللغة، فهل يعقل أن نحكى قصة لطفل ما قبل المدرسة عن «الكانجارو» وهو لم يشاهده ولا يعرفه، فأطفالنا لا يجيدون التعامل مع المعاجم اللغوية، خصوصا أن المعجم العربى صعب لأنه أقرب إلى دائرة المعارف منه إلى المعجم، وليس من المعقول أن يلجأ طفل فى سن صغيرة إلى المعاجم ليعرف كلمة فى قصة المفروض أنها مكتوبة له أساسا. وهناك شرط لازم فى الكتابة للأطفال، وهو أن يكون الكاتب «خفيف الظل»، لأننا نريد للطفل أن يضحك ويبتسم ويرقص ويغنى، ليصبح طفلا منفتحا ذهنيا، لذلك تجد الكتاب العالميين فى منتهى خفة الظل عندما يكتبون للأطفال، وللأسف كتاب الأطفال عندنا «دمهم ثقيل». ما دور الدولة فى ازدهار «أدب الأطفال»؟ دور الدولة هو التشجيع، وتنشئ الجوائز للمتميزين فى هذا النوع من الكتابة، وتنشئ الأجهزة مثل المجلس القومى للأطفال، وكذلك لجنة الأطفال فى المجلس الأعلى للثقافة.