في خطوات لافتة للنظر، ضاعف الحراك السلمي الجنوبي تحركاته للمطالبة باستعادة دولته الشطرية، وفض وحدة طوعية مع الشمال تحققت عام 1990 ، في الوقت الذي يترقب فيه اليمنيون مجريات الحوار الوطني، وسط مخاوف من أن يؤدي الحوار ومن قبله الاحتجاجات الشعبية ضد نظام حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى إقرار الانفصال كواقع لا مفر منه. المعطيات في صنعاء تختلف عنها في عدن، فبينما أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارا بتشكيل لجنتين لإنصاف الجنوبيين المبعدين عن وظائفهم جراء حرب صيف عام 1994 وإعادة الأراضي المنهوبة إلى أصحابها، وأقر مشاركة الجنوبيين بنسبة 50 % في الحوار الوطني، فإن عدن وبقية محافظات الجنوب الست تغطيها أعلام شطرية رافضة واقع الوحدة. . وتسبب رفض فصائل أساسية في الحراك الجنوبي للمشاركة في الحوار الوطني في تأخير انطلاقه المفترض في منتصف نوفمبر الماضي، وربما يتأخر أيضا إلى شهر مارس المقبل بسبب إصرار بعض الفصائل على الانفصال والعودة إلى دولة الجنوب التي كانت مستقلة حتى عام 1990، بينما تطالب فصائل أخرى بالفيدرالية مع الشمال. ومن بين القيادات الجنوبية المتشددة في قضية الانفصال المهندس حيدر أبوبكر العطاس رئيس الوزراء الأسبق، والذي علق على تصريحات للرئيس اليمني التى أكد فيها أن الخليجيين والمجتمع الدولي مع الحلول في إطار الوحدة بقوله “لن تستطيع أي جهة إقليمية أو دولية أن تقف في وجه الجنوبيين". كما يبدو علي سالم البيض نائب الرئيس علي عبد الله صالح بعد الوحدة 1990 من أشد المدافعين عن الانفصال والرافضين للوحدة، واعتبر البيض في تصريحات من منفاه في بيروت أن مشروع الوحدة اليمنية فشل منذ عام 1994، وأن الجنوب منذ ذلك الوقت في حكم المحتل ، حسب قوله ، وهم الآن يطالبون بالتحرير، ودعا ما وصفهم بالأشقاء في الشمال إلى النظر بجدية لمطالب شعب الجنوب و"التقاط اللحظة التاريخية والاعتراف بفشل مشروع الوحدة. وكان لافتا للنظر أن ينظم الحراك الجنوبي في حضرموت استعراضا عسكريا رمزيا برره أحمد محمد بامعلم رئيس مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب بمحافظة حضرموت بأنه يستهدف إظهار أن شعب الجنوب، وهو على مشارف استلام دولته قادر على تأسيس جيشه وأمنه في أي لحظة من اللحظات، وأكد أن أي دولة تقام لابد أن يكون لديها جيش وأمن وعادة يتم تشكيله من أبناء البلاد أنفسهم، لافتاً النظر إلى أنه لابد أن يكون لأبناء الجنوب جيش وأمن حتى يحفظوا أرضهم وأمن المنطقة والعالم كله، و أن البرنامج السياسي للحراك قد وضع الخيار مفتوحاً أمام الشعب الجنوبي، مؤكداً أنه من حق شعب الجنوب أن يدافع عن نفسه وأنه لا يمكن السكوت على قتل أبناء الجنوب، ودماؤهم تسيل في ميادين وساحات النضال السلمي. ويعتبر رئيس حزب رابطة أبناء اليمن والقيادي الجنوبي عبد الرحمن الجفري إن الحل الوحيد في اليمن هو تقسيمه إلى دولتين، معتبراً أن الفيدرالية المطلب الذي كان حزبه يتبناه لم يعد صالحاً إلا في إطار الدولتين المنقسمتين. لكن وزير الإعلام اليمني علي العمراني يرفض تصريحات الجفري، ويقول: إنه مع الحفاظ على وحدة اليمن إلى الأبد، ومهما بلغ تخاذل كثيرين اليوم .. فسنجد في نهاية المطاف أن للوحدة ربا يحميها.. وبالتأكيد شعب يحميها! ويرى الدكتور أحمد عبيد بن دغر القيادي الجنوبي في حزب المؤتمر الشعبي العام ووزير الاتصالات في الحكومة الحالية أن الوحدة ليست قيمة يختلف الناس حولها أو فعلاً عابراً غير ذي أثر، الوحدة أكبر في المعنى، وأمضى في الأثر، هي قدر لليمنيين، وقد حان الوقت أن يبدي الجميع قدراً كافياً من المرونة إزاء مشكلات ومعضلات الدولة. ويتفق الدكتور فارس السقاف رئيس مركز دراسات المستقبل في صنعاء مع هذا المنطق ، مؤكدا أن اليمنيين لا يمكن أن يفرطوا في الوحدة، ولا يمكن أن يفرطوا في استقرار اليمن، الجميع اليوم ينادي بالدولة المدنية القوية المقبلة، الآن تتركز العقدة في نتائج الحوار . وفي أفضل تعبير عن الموقف الدولي والإقليمي الرافض للانفصال، يتهم السفير الأمريكي في صنعاء، إيران بدعم أطراف في الحراك الجنوبي لزعزعة الاستقرار في اليمن. وذكر سفير الولاياتالمتحدة في اليمن جيرالد فايرستاين في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام بصنعاء أن إيران تدعم قيادات في الحراك الجنوبي تقيم في بيروت بالمال لزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة بشكل عام، ودعا فايرستاين قيادة المعارضة الجنوبية في الخارج إلى المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، واعتبرها فرصة يجب انتهازها لحل القضية الجنوبية التي تعتبر جزءا أساسيا في المبادرة الخليجية. وفي الختام فإن ملامح مستقبل اليمن وخيارات الانفصال أو الفيدرالية أو استمرار الوحدة ستحددها مخرجات الحوار الوطني ومدى نجاحه في الخروج بصيغة يرتضيها اليمنيون في الشمال والجنوب .