صدق أو لا تصدق البنوك المصرية مكدسة بالنقود والفلوس التى تبحث عمن يصرفها فى الاستثمار، ولكن لا أحد يقترب منها أو يستغلها أو يستثمرها، فحسب ما أعلنته الحكومة، ارتفعت السيولة المصرفية لدي البنوك إلي تريليون و300 مليار جنيه، وهو ما يبعث القلق من كيفية استمرار تدفق الأموال داخل البنوك دون استثمارها وتوقف شبه تام لعمليات الإقراض والتسليف بسبب توقف المشروعات في مصر، وعدم إنشاء مشروعات جديدة فى ظل الظروف التى تعانى منها البلاد منذ عامين تقريبا مع احتمال تحوّل قسم كبير من القروض السابقة إلى ديون مشكوك بتحصيلها، وهو ما سيظهر جليا خلال الأيام المقبلة فى ميزانيات البنوك السنوية وأرباحها لعام 2012 الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على النمو الاقتصادى فى البلاد مع تراجع الاستثمار. المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد المصري، وعلي رأسها عدم توافر ملاذ آمن لمدخرات الأفراد أسهم في لجوء العديد من المواطنين إلي البنوك للاستفادة من أسعار الفائدة مع ركود السوق العقاري وتوقف النشاط السياحي في البلاد، فضلا عن عدم توافر الأمن والاستقرار، إضافة إلي المشكلات الخارجية التي تواجه الدول المحيطة في الشرق الأوسط ومنطقة اليورو من تقلبات مما أسهم في عودة الأموال المصرية من الخارج خشية الأزمة الأوروبية. وتشير آخر إحصائيات البنك المركزي المصري إلي ارتفاع حجم السيولة المحلية فى نهاية سبتمبر الماضى إلى تريليون و112 مليار جنيه بزيادة قدرها 29.9مليار جنيه أى ما نسبته 2.7% . وينصح خبراء البنوك بأهمية استثمار هذه الودائع؛ سواء من خلال دعم المشروعات التي تعزز معدلات الإنتاج أم عبر الإقراض المصرفي الذي يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي ويحول دون ركود الأسواق، وهو ما يثير التساؤلات حول اتجاه الحكومة إلي الاقتراض الخارجي وزيادة حجم الديون الخارجية للبلاد التي وصلت إلي 34 مليار دولار في الوقت الذي بلغ فيه الدين المحلي أيضا تريليونا و238 مليار جنيه في نهاية يونيو الماضي مما يحتم ضرورة تغيير السياسات المالية للدولة لإنقاذ الاقتصاد. بسنت فهمى المستشارة المصرفية السابقة لرئيس بنك البركة – مصر، تؤكد أن ارتفاع السيولة المكدسة في البنوك هي مؤشر قوي على زيادة التحوط والحذر من الاستثمار في ظل الظروف التي مرت بها البلاد منذ 25 يناير 2011 موضحه أنه في حالة استغلالها بشكل مثالي تستطيع أن تسهم في خروج مصر من أزمتها الحالية وعدم اللجوء إلي الاقتراض من الخارج أو من الدول العربية. وطالبت الحكومة بوضع برنامج اقتصادي واضح لاستغلال السيولة من خلال طرح المشروعات الاستثمارية ومشاركة القطاع الخاص الذي يسعي للاقتراض من البنوك، مما يساعد علي تقليل حجم البطالة في الدولة والتي تساعد علي تنشيط الدورة الاقتصادية والأسواق من خلال زيادة الصادرات وفتح الأسواق الجديدة وتنشيط الحركة السياحية. ومن جانبه يقول الدكتور فؤاد شاكر أمين عام اتحاد المصارف العربية السابق إن البنوك توظف السيولة في أذون الخزانة والسندات الحكومية في الوقت الذي تبحث فيه عن مشروعات ذات ضمانات حقيقية في ظل الظروف الراهنة التي تعاني منها البلاد من تقلبات سياسية، مما انعكس بالتالي علي إنشاء المشروعات الجديدة وتوقف الشركات علي استمرار أنشطتها الاستثمارية وهو ما انعكس سلبيا علي دوران عجلة الاقتصاد . ولفت النظر الدكتور شاكر إلي أن السيولة داخل المصارف ارتفعت تدريجا منذ ثورة 25 يناير نتيجة لاتجاه الأفراد لادخار الأموال بالبنوك لأنها الملاذ الآمن في الوقت الحالي نتيجة لعدم توافر أدوات استثمارية أخري يتم توظيف أموالهم بها، مشيرا إلي أن السيولة غير مكدسة بالبنوك برغم ارتفاعها، حيث تقوم هذه البنوك بتوظيفها في مجالات مختلفة مع مشروطية وجود ضمانات حقيقية تضمن أموال المودعين. وأوضح أن الحكومة لا يمكنها اللجوء إلي الاقتراض الداخلي بعد ارتفاع الدين المحلي إلي أكثر من تريليون جنيه، وهو مؤشر خطير لبلوغه هذا المستوي مع ارتفاع حجم المديونية الخارجية في الوقت الذي يعاني فيه السوق من بعض المشاكل, منها عدم استقرار سعر الصرف وتراجع الجنيه المصري مقابل جميع العملات بنسبة مرتفعة. بينما يؤكد الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي ضرورة استغلال السيولة المكدسة بالبنوك والحكومة مطالباً بوضع برنامج اقتصادي لاستغلال هذه الأمول من خلال منظومة اقتصادية محكمة تتبناها الدولة لجذب المستثمرين الذين يتجهون للاقتراض من البنوك لإنشاء مشروعاتهم، في ظل مناخ اقتصادي مستقر تعمل الحكومة علي تهيئته، مشيرا إلي أن غياب الرؤية الإستراتيجية للحكومة هي السبب في عدم استغلال هذه السيولة والاتجاه دائما للاقتراض لسد عجز الموازنة وتغطية الأجور والمكافآت مما يؤكد افتقار هذه الحكومة لحل المشكلات المالية في البلاد..وأشار الشريف إلي أن ارتفاع السيولة يبعث القلق لأنه يؤكد عدم استثمار هذه الأموال وتوقف عمليات الاقتراض, مما سيؤثر علي ربحية البنوك في الفترة المقبلة برغم أن البنوك توظف الأموال في أذون الخزانة والسندات. وطالب الشريف بضرورة استغلال هذه الأموال ووضعها في مشروعات استثمارية تساعد علي خروج الاقتصاد المصري من كبوته الحالية والاتجاه السريع للقضاء علي استمرار الأيادي المرتعشة للحكومة المصرية، وسرعة طرح وتنفيذ المشروعات ذات الجدوي الاقتصادية التي تمتص أعدادا كبيرة من العاطلين في البلاد