رغم أهميته الأدبية وما قدمه من أعمال للمكتبة العربية و العمل الوطني.. جاءت الاحتفالية التي نظمها معرض الكتاب للشاعر الكبير بيرم التونسي بعنوان "خمسون عاما على رحيله.. بيرم التونسي المغترب مبدعا" على عكس المتوقع بسبب غياب ضيوف المنصة، فقد غاب عن الندوة الضيوف: جمال بخيت ود. صلاح الراوي والموسيقار عمار الشريعي. وفى محاولة لإنقاذ الموقف تحدث الكاتب محمود قاسم عن مشوار بيرم التونسي من خلال الأغاني التي كتبها في الأفلام السينمائية. كذلك تدخلت الشاعرة الدكتورة سحر سامي في محاولة منها لتخفيف وطأة الغياب.. مؤكدة أنه لا يمكن اختصار حياة بيرم التونسي في ندوة فهو يمثل حالة فريدة في الشعر العربي، كما أن مشواره كان مليئا بالاختلافات، سواء حول شخصه أم مولده ، هل هو مولود في تونس أم أنه سكندري؟! وأضافت: تأثر بيرم التونسي بالتراث الشعبي المصري .. وخرج من عباءته العديد من شعراء العامية ومن بينهم فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.. وأشارت إلى أن حبه لمصر وانتقاده الدائم لسياسات الأنظمة جعله يدفع الثمن غاليا فقد نفى نتيجة لهجائه للنظام ومفاسده ورغم ذلك لم ينس مصر فكتب عن النيل و المرأة المصرية والإنسان المصري. كما أثر في شكل الغناء المصري .. فقد جاءت قصائده بسيطة وحميمية ومستقاة من طبيعة وحياة الشعب واضطر أمير الشعراء أحمد شوقى أن يلقبه ب"أمير شعراء القصيدة العامية". ولد بيرم التونسي في الإسكندرية في 4 مارس 1893، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسيا قدم إلى مصر سنة 1833، وعاش بيرم طفولته في حي الأنفوشي بالاسكندرية ، والتحق بكُتّاب الشيخ جاد الله، ثم كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده إلى المعهد الديني بمسجد مسجد المرسي أبو العباس، وعندما توفى والده انقطع عن المعهد وارتد إلى دكان أبيه – كان فى الرابعة عشرة من عمره – لكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين. بدأت شهرته عندما كتب قصيدته "بائع الفجل" التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية ، بعد أن فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب. أصدر بيرم التونسي مجلة "المسلة" في عام 1919م وبعد إغلاقها أصدر مجلة "الخازوق" ولم يكن حظها بأحسن من حظ سابقتها، وبسبب مواقفه الوطنية وانتقاداته اللاذعة نفي إلى تونس ثم سافر إلى فرنسا ليعمل حمّالاً في ميناء مرسيليا لمدة سنتين. بعدها استطاع أن يعود إلى مصر، وإلى أزجاله النارية التي ينتقد فيها السلطة والاستعمار آنذاك، حتى ألقى عليه القبض مرة أخرى لتنفيه السلطات المصرية إلى فرنسا فعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية.. لكنه فصل من عمله بسبب مرض أصابه فعاش حياة صعبة وواجه أياماً قاسية يملؤها الجوع والتشرد. وفي عام 1932تم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس بعد أن قامت السلطات الفرنسية بطرد الأجانب، وهناك أعاد نشر صحيفة الشباب ، ثم أخذ يتنقل بين لبنان وسوريا لكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله فتم نفيه إلى إحدى الدول الأفريقية حتى عاد به القدر إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء بورسعيد فيقف باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد، فيصادف أحد الركّاب ليحكي له قصته فيعرض هذا الشخص على بيرم النزول في مدينة بورسعيد، وبالفعل استطاع هذا الشخص أن يحرر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر. بعدها أسرع لملاقاة أهله وأسرته، ثم قدم التماساً إلى القصر بواسطة أحدهم فتم العفو عنه وكان ذلك بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر. عمل التونسي كاتباً في أخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة "المصري" ثم "الجمهورية". وقدّم أعمالاً أدبية مشهورة، كان أغلبها أعمالاً إذاعية، منها: سيرة الظاهر بيبرس وعزيزة ويونس وفي سنة 1960منحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية ، وعلى إثرها حصل على الجنسية المصرية.