على مدى 32 عاما، من انطلاق مسيرة التعاون الخليجى فى عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أبوظبى عام 1981، والهاجس الأمنى يشكل أهم التحديات التى تواجه دول التعاون بصفة خاصة ومنطقة الخليج والعالم العربى بصفة عامة. ولعل أزمات الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج وما تثيره من تحديات مستمرة هو ما أدى إلى تصدر الملف الأمنى لجدول أعمال القمة الثالثة والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون الخليجى التى اختتمت أعمالها بالبحرين الثلاثاء الماضي، يضاف إليها العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بدول المجلس إلى جانب القضايا الإقليمية والدولية بالإضافة إلى أزمات المنطقة وفى مقدمتها بالطبع المأساة السورية. وقد جسدت قرارات القمة بإنشاء قيادة عسكرية موحدة تتولى التنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البحرية والجوية المخصصة والإضافية فى دول مجلس التعاون الخليجى الست، واعتمادها للاتفاقية الأمنية بصيغتها المعدلة، مدى إدراك الدول الأعضاء للمخاطر التى تتهدد هذه الدول. وفى خضم كل هذه التحديات والمتغيرات وما شهدته المنطقة العربية من تطورات سريعة فى عامى 2011 و 2012 واستغلال البعض فى دول الخليج للثورات التى شهدتها بعض الدول العربية فى محاولة منهم لتنفيذ مخططات أو تحقيق مطالب، أيقنت دول مجلس التعاون أن الحاجة باتت ملحة لوجود كيان أكثر ترابطا وقدرة على مواجهة التحديات وفى مقدمتها المخاطر الأمنية، وهو ما عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عاهل السعودية بإطلاق مبادرته بانتقال مجلس التعاون الخليجى من حالة «التعاون» إلى حالة « الاتحاد». وقد تأكد عزم دول المجلس على خروج هذا الاتحاد إلى الوجود من خلال قمة استثنائية ستعقد فى العاصمة السعودية الرياض، وقد كشف ولى العهد ووزير الدفاع السعودى الأمير سلمان بن عبد العزيز، أن بلاده تقدمت بمشروع مقترح بالنظام الأساسى للاتحاد الخليجي، وقال إن بلاده تتطلع إلى الإعلان عن هذا الاتحاد فى القمة الخليجية التى ستعقد بالرياض، وأكد أن الانجازات التى تحققت منذ تأسيس مجلس التعاون فى عام 1981، وحتى الآن لا ترقى لمستوى طموحات شعوب دول المجلس. وكان عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قد افتتح أعمال القمة بالتأكيد على ثقته فى أن مجلس التعاون سيواصل مسيرته الناجحة صفا واحدا للتعامل مع التحديات الكبيرة التى تواجه دول المجلس وما يموج به العالم العربى من تغيرات ومتقلبات عديدة، وأعرب عن تقديره لدول المجلس لمساندتهم للبحرين. وقال الملك حمد: إن الإنجازات التى تحققت لدول مجلس التعاون ستسهم فى الوصول إلى التكامل والاتحاد بين هذه الدول، معربا عن التطلع لأن تتخذ القمة الحالية فى البحرين قرارات ملموسة لصالح المواطنين وتعزز ما تم إنجازه من تعاون بين دول المجلس فى مختلف المجالات. وإذا كان أمن الخليج يشكل الهاجس الأساسى فى قمة المنامة، فإن هناك أيضا هواجس وتداعيات المأساة السورية على دول المنطقة ووسائل دعم المعارضة بعد اعتراف دول الخليج بالائتلاف السورى للمعارضة وتأكيدها حق الشعب السورى فى تحديد خياراته المستقبلية. وقد بادر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، خلال افتتاح القمة الخليجية بالإعلان عن استضافة بلاده المؤتمر الدولى للمانحين لدعم الشعب السورى فى نهاية يناير المقبل، وقال إن ذلك يأتى استجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، وأكد الشيخ صباح أن وحدة المعارضة السورية بالإعلان عن الائتلاف السورى الموحد يعد خطوة مهمة لتمكين الشعب السورى من توحيد صفوفه. وقد جددت القمة رفضها استمرار التدخلات الإيرانية فى شئون دول مجلس التعاون الخليجى وطالبت إيران بالكف فورا ونهائيا عن هذه الممارسات وعن كل السياسات والإجراءات التى تزيد التوتر وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة، وشددت على ضرورة التزام إيران بمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها. كما شددت على التزام إيران بالتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجعل منطقة الشرق الأوسط ومن بينها منطقة الخليج خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، ونوهت بالجهود الدولية لحل قضية البرنامج النووى الإيرانى بالطرق السلمية، ودعت إيران للشفافية التامة فيما يتعلق بمفاعل بوشهر النووى والانضمام الفورى لاتفاقية السلامة النووية وتطبيق أعلى معايير السلامة فى منشآتها النووية. ومن جانب آخر أكد «إعلان الصخير» الذى صدر فى ختام القمة أن أى اعتداء على دولة من دول مجلس التعاون الخليجى هو اعتداء على جميع دول التعاون، وعلى تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة لتوسيع التكامل الاقتصادى والاجتماعي. كما أكد الالتزام بتطبيق التكامل الخليجى والالتزام بالجدول الزمنى لتحقيق السوق الخليجية المشتركة والعمل على إزالة المعوقات التى تعترض تطبيق الاتحاد الجمركي. وشدد على تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة، تعزيزاً للحمة الاجتماعية والنسيج الأسرى وتقوية وشائج القربى والترابط الاجتماعي، وتسهيل المهام والأعمال الاقتصادية لمواطنى مجلس التعاون. وأكد الإعلان مبدأ الأمن الجماعى المشترك من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية والبناء الذاتى لكل دولة من دول المجلس، والالتزام بتعزيز وتطوير منظومة الدفاع المشترك، باعتبارها رمزاً للتكاتف ووحدة المصير والهدف وتجسيداً للدفاع المشترك. ويبقى السؤال مطروحا عما ستتخذه دول مجلس التعاون الخليجى من إجراءات وخطوات لتعزيزا قدراتها فى مواجهة التحديات والمخاطر؟ وما إذا كان عام 2013، سيشهد ولادة الاتحاد الخليجي، بما يحقق قفزة تاريحية فى العلاقة بين الدول الست الأعضاء فى المجلس