ليست المشكلة فقط فى الفساد المالى والإدارى لدى بارونات الصحافة المصرية، فى العصر الماضى الذى ترك هؤلاء على مدى ربع قرن وأكثر يعيثون فى أرض الصحافة القومية فسادا، حتى أصابوها بالعطن والعفن، وتم تبويرها بسحل وصلب وانتهاك عرض جيل بأكمله، هو الجيل مع الأسف الذى أنتمى إليه جيل شباب الثمانينيات. بل المشكلة الأساسية فى الفساد الأخلاقى، الذى جعل هؤلاء البارونات يتصورون أنهم يحكمون عزبة السيد الوالد، «والدهم بكل فخر»، يديرونها بأسلوب السلطنة وحريم السلطان مع الاعتذار لعنوان المسلسل التركى. لا أنكر ولا أتهم جيلنا بأكمله بالإحباط والانبطاح والانهيار نفسيا وفكريا وثقافيا وقوميا وعروبيا، ودينيا وسياسيا ووطنيا أمام رؤساء تحرير وإدارات صحفية قومية حكمونا على مدى دهر، فقد خرج منا فرسان وأبطال رفضوا الانبطاح والانهيار وخرج منا صابرون وصابرات على الاضطهاد والبطش والتنكيل، حتى ولو كان صبرا سلبيا أو إيجابيا، فالصبر على الابتلاء والغمة مهما طال اسمه صبر لو احتسبته عند الله. وقد كنت من الفئة الأخيرة، بعد أن جربت الوقوف فى البداية وحدى أحمل قلمى الذى تم قصفه فى أخبار اليوم بعد 18 عاما، وظللت مثل دون كيشوت أحارب طواحين الهواء ومثل الكتكوت المفترس أمام الفيل أبو زلومة، حتى انفعصت وبدأت ألملم ريشى حتى اضطررت للاستقالة ومن قبلها تم التنكيل بى وحرمانى من الكتابة ومن ممارسة مهنتى الصحفية فى دارى الصحفية الأم، ووافقت من تحت أنقاض الانهيار أن أبدأ من أول وجديد فى مؤسسة «الأهرام»، وبالتحديد فى مجلة «الأهرام العربى» الذى يشاء القدر أن يخرج غلافها فى الأسبوع الماضى بصورة البارون الأكبر الذى قهر جيلنا على مدى ربع قرن، أخذت نصيبى من الربع 18 عاما بالتمام والكمال، كما ذكرت. لا أنسى الفساد والقهر النفسى والتنكيل والتفرقة ورفع اللئيم لإذلال الكريم وتسليط المكير على البرىء! والزهو بالسلطة المطلقة بدون حسيب ولا رقيب ولا خوف من الله عز وجل ولا من لحظة الانتقام الإلهية، فساد لا يمكن أن تشكوه للأجهزة الرقابية ولا لإدارات الكسب غير المشروع!، ولا لأجهزة المحاسبات والاستهزاء بالمظلومين وهم يصلون ويلجأون بدعواهم إلى الله عز وجل، والآن بعد أن جاءت لحظة الحساب السماوية يتذكر البارون الأكبر من بارونات الصحافة القومية من سويسرا الأستاذ إبراهيم سعدة، أنه اقترب من هوة القبر! درس واللهم لا شماتة تقدمه السموات لكل صاحب منصب لا يتقى الله فى رعيته صغارا وشبابا وكبارا فى السن.