بعد عقود من ظلم تشربت آلامه كل ذرة رمل على أرض مصر التي ملَّت النهب، وتجرعته كل قطرة ماء من النيل الذي كاد أن يرحل هربًا من القهر، ونهشت كل خلية لحم نبتت بغذاء طالما تلوث عمدًا بيد من لم يدركوا يومًا معنى للرحمة.
ولم يعرفوا مكانًا للرب فضلاً عن تحقيق مراده في خلقه وملكه. بعد عقود من ضياع للدين، وقهر للإرادات، وإخراس لصوت الحق، وقطع لأعناق الحريات، وتكبيل لأيد طاهرة ما أرادت إلا الإصلاح ما استطاعت ..
بعد عقود من الجوع والمرض والخوف والجهل .. رباعية الانهيار .. والانحطاط .. والانزلاق إلى هاوية الضياع والانسحاق تحت أقدام الأمم.
بعد كل ذلك كانت النتيجة الحتمية .. المتأخرة .. التي خرجت من صدور ضاقت بها الأحوال .. وكادت أن تنقطع بها الأسباب .. فثارت .. وخرجت لتقول: لا. لا للظلم. لا للقهر. لا لتجويع أبنائنا. لا للتلاعب بمصائرنا. لا لتغييب إرادتنا. لا لإهمال مشاكلنا.
لا لكل طاغية ظالم .. رضي أن يكون ذيلاً تافهًا يتمرغ على أعتاب من أرضعوه من ثدي الذلة والخنوع. فما أنتم إلا بشر مثلنا .. بل لو صدقنا فيكم القول لانطبق عليكم قول ربنا (كالأنعام بل هم أضل) .. فلستم أنتم العقلاء المعصومين، ولا نحن بفاقدي الأهلية أو مجانين.
بل أنتم بشر تصيبون وتخطئون، وربما تخطئون وتخطئون، ولا يقع منكم صواب البتة. ونحن الملايين .. الذين أشغلتموهم طيلة عقود بالتفكير فقط في توفير لقمة عيشه، وأغرقتموه في ديون رغيفه، حتى سرق فحبستموه، أو جاع فقتلتموه، أو عفَّ فعاش في ضنك من العيش.
كفى .. فلن أعكر قلمي بالكلام عنكم أكثر من ذلك .. فأمركم مفضوح .. ورائحتكم كريهة .. يشعر بها كل من كان في قلبه ذرة من إحساس.
لكني أردت أن أتكلم مع من كسر قيد القهر .. وانفجر لسانه - أخيرا - كفوهة بركان أخرجت حممًا طالما انحبست في صدر امتلأ حنقًا وغيظًا من ذلك النظام الجائر.
إخواني المتظاهرون ..
رغم أني كغيري من ملايين الشباب الذين فروا هربًا من بلدهم المنكوب بهؤلاء الظلمة .. طمعًا في أن يجد حياة كريمة على أرض أخرى .. أو يوفر ما يسد رمقه من لقمة العيش.
إلا أني أردت أن أشارككم في يوم الغضب .. عسى أن أنال شيئًا من هذا الشرف المعلق على صدور تصدت بلا خوف إلى مجنزرات العدو الغاشم. ومشاركتي ستكون بعدة وقفات تنبهوا لها جيدًا .. حتى يتم الله لكم مرادكم .. وينعم عليكم بتحرركم المنشود.
الوقفة الأولى:
إياكم أن تبعدوا الله عز وجل عن هذا المشهد الرائع .. بل تمسكوا بحبله .. فهو نعم المولى .. ونعم النصير .. وبيده مقاليد السماوات والأرض .. يقلب الأمور .. ويصرف الدهور .. ولا يحدث في كونه إلا ما يريد .. فلا مُكرِه له .. ولا رادَّ لحكمه .. وهو على كل شيء قدير.
فاجعلوا الدعاء والاستعانة والاستغاثة به سبحانه خير أسلحتكم .. وأول سبلكم للتغيير. وأخلصوا لله النية .. فلا خير في عمل - مهما كان نبله - لم يكن فيه نية صالحة .. ولتكن نيتكم إرضاء ربكم عز وجل بإنهاء عصر ضاعت فيه معالم دينه .. وسيطرت فيه قوى الشر والظلم والطغيان.
الوقفة الثانية:
كونوا على استعداد من الآن لبذل الدماء .. واحتمال الأذى .. فإن النظام حين احتضاره سيستخدم كل أساليب القمع والقهر ضدكم .. ولا نستبعد ما فعله من سبقوه من خروج جيوشه المتحالفة مع ظلمه لضحد إرادتكم .. وإيقاف إصراركم .. فاصبروا .. وصابروا .. ورابطوا .. ولا تتخاذلوا ..
واعلموا أن المجد بناءٌ لبناته تغزل بجماجم الأحرار .. وملاطه دماء الأبرار . فإن خوفوكم بالرصاص .. فأطلقوا عليهم سهام (الله أكبر) التي أرعبت من قبل قصر قيصر .. وحطمت ملك كسرى .. واستعينوا بالله ولا تعجزوا.
الوقفة الثالثة:
انتبهوا لدهاء هؤلاء الشياطين .. الذين تمرسوا في الخداع وقلب الحقائق .. فسيحاولون الإيقاع بكم في مستنقع تهمة العنف والإرهاب حتى يبرروا لأنفسهم أساليب قمعكم .. فالتزموا بالسلم طيلة مسيرتكم ..
وركزوا هدفكم في إيصال كلمتكم ... وتحقيق مطالبكم. الوقفة الرابعة: إياكم ودهاء النظام الذي احترف التسكين الوقتي لآلامكم .. بإلقاء بعض العظام لإلهائكم بها ..
مثل تفاهات الوعود الكاذبة بالإصلاح .. أو توفير وظائف .. أو إقالة وزير أو حكومة .. أو ما شابه .. فأنتم تطالبون بالتغيير الكلي .. ولا يكون ذلك إلا بتجديد دماء القيادة التي أنتجت كل هذه الصور من الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي.
الوقفة الخامسة:
لا تحسبوا أن التغيير سيكون سريعا .. حتى وإن رحل الظالمون إلى جدّة .. بل إن ما تفنن هؤلاء في إفساده طيلة ثلاثة عقود لا يتصور عقل أن يتم إصلاحه في أسابيع أو شهور .. وإن بيوتنا التي امتلأت فقرًا وجوعًا عشرات السنين .. لن تمتلئ ذهبًا في يوم وليلة.
لذا فإن عليكم دورًا .. أيها الأحرار .. بعد ذلك لا يقل أهمية عن دوركم الآن .. ألا وهو إفهام الناس وحثهم على الصبر حتى يتم التغيير المنشود ..
الوقفة السادسة:
إياكم من الوقوع في خطأ إسقاط طاغية من أجل الهتاف لطاغية آخر .. ولا تتعجلوا في نصرة أحد من يدَّعون أنهم قادرين على التغيير من الآن .. فلا البرادعي ولا نور .. ولا فلان ولا علان .. من أرسله الله إلينا من السماء لإنقاذنا .. بل دعونا نستخير الله بتأنٍّ ليوفقنا إلى من يقترب بنا إلى ما يرضي ربنا .. ويرجع كرامتنا .. ويسد رمقنا .. ويحفظ علينا أمر ديننا.
الوقفة السابعة:
إن أسمى ما تستطيعون تحقيقه في بداية شأنكم أمران: الوحدة فيما بينكم .. والاستمرار في طريقكم .. فإنا تعلمنا من دين ربنا أن الفُرقة قرينة للفشل .. وأن يده مع الجماعة .. وأن خير الأعمال أدومها .. وأنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
وإنكم إن سعيتم شرقا وغربا فلن تجدوا خيرا من حبل الله تجتمعوا عليه .. فاعتصموا بحبل الله جميعا .. وإياكم أن تفرقكم الأهواء .. أو الشعارات ..
فإنكم ما خرجتم لنصرة حزب أو جماعة .. ولا هتفتم بحياة ملك أو نظام .. إنما خرجتم لإنقاذ الأمة .. وإخراجها من غيابات جب الظلم والقهر .. إلى نور الرحمة والعدل.
فتحركوا وقلوبنا من قلب الغربة المفروضة علينا تدعو لكم .. ونرفع أكف الضراعة بنصرتكم .. أعانكم الله وسدد خطاكم .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.