عبد الخالق صبحى - فى أجواء عالمية مسمومة ومضطربة ومشحونة بحالة من العداء الصريح والمعلن بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية عبرت عن نفسها فى صورة استفزازات مسيحية متعمدة لمشاعر المسلمين حول العالم بإنتاج فيلم أمريكى ينضح بالعنصرية والكراهية والحقد و يسئ للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم استكمالاً لمسيرة الإساءة التى بدأتها صحيفة «يولاندز» الدانماركية قبل 7 سنوات من خلال عدد من الرسوم الساخرة التى نشرتها عام 2005، والتى حذت حذوها وسارت على نهجها فى وقت لاحق صحف ألمانية وفرنسية وإسبانية، أثارت غضب المسلمين ودفعتهم للتظاهر والهجوم على البعثات الدبلوماسية الأمريكية فى كثير من العواصم العربية والإسلامية والأوروبية وأيضاً فى أستراليا، وترتب عليها مقتل السفير الأمريكى فى مدينة بنغازى الليبية كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين من العاملين بالقنصلية. فى ظل هذا الاحتقان الدينى العالمى، وفى ضوء تباين ردود فعل الشعوب والأقليات الإسلامية إزاء هذه الإساءات من الاكتفاء بالإدانة والشجب مروراً بالتظاهر ورشق السفارات والقنصليات الأمريكية بالحجارة وحرق العلم الأمريكى وترديد الشعارات المناهضة للعنصرية الغربية، وصولاً إلى استخدام الأسلحة والقتل والتهديد باستهداف المصالح الأمريكية حول العالم، ظهر فجأة على الإنترنت شريط فيديو يصور عملية اعتقال الكاتبة الصحفية المصرية الأمريكية منى الطحاوي بتهمة محاولة طمس إعلان مسئ للمسلمين فى إحدى محطات مترو أنفاق نيويورك باستخدام (إسبراى) أحمر، فيما كانت يهودية أمريكية تحاول منعها بالوقوف بينها وبين الإعلان للحيلولة دون طمسه،انتشر شريط الفيديو الذى شاهده آلاف وربما الملايين من مستخدمى الإنترنت كالنار فى الهشيم، وبدأت المواقع الإلكترونية تتبادله بسرعة البرق. وبدا وكأن المسلمين حول العالم وجدوا ضالتهم فيمن ينتصر لعقيدتهم فى عقر دار الأمريكيين أنفسهم، وتحولت منى الطحاوى – بطلة الشريط – إلى مجاهدة من نوع المسلمين القادرين على تغيير المنكر بأيديهم .. وليس فقط بالقول أو بالقلب..منتهى الإيجابية!! سجل الآلاف إعجابهم بشجاعة وصمود الطحاوى التى وقفت وحيدة فى مواجهة العنصرية الأمريكية . وأصبحت بطلة عربية إسلامية عن جدارة واستحقاق! شاهدت الشريط أكثر من مرة وأعجبتنى إيجابيتها وجرأتها وهممت بالكتابة عنها فى عمودى اليومى ، ثم عن لى أن أوثق المقال بمزيد من المعلومات حول هذه الأيقونة المصرية الجديرة بالاحترام والتقدير فهالنى ما وجدت من معلومات عن الكاتبة على الإنترنت، عندما علمت أنها مراسلة لصحيفة «جيروزاليم بوست» المملوكة للملياردير اليهودى روبرت ميردوخ، والتى تصدر فى إسرائيل وتسهم بالكتابة فى الجيروزاليم ريبورت. وكشفت رحلة البحث عن الكاتبة المرموقة الحاصلة على الجنسية الأمريكية فى 3 سنوات فقط بالمخالفة لقوانين الهجرة والجنسية للولايات المتحدةالأمريكية – بما يعنى استثناء واشنطن لها من شرط الإقامة لمدة 5 سنوات متصلة أو الزواج من أمريكى – والتى لا يعفى منها أحد إلا لظروف استثنائية جداً كأن يكون عالماً فذا فريداً من نوعه أو شخصاً ذا إمكانات خارقة للعادة أو بطلاً قادراً على حصد ميداليات فى دورات الألعاب الأوليمبية ورفع العلم الأمريكى، الأمر الذى أثار فى نفسى الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة الدور المتوقع من الكاتبة فى الدولة الأقوى وهى ليست واحدة ممن أشرت إليهم. انتقاد القرآن الكريم! قرأت بعض مقالاتها المنشورة فى صحف واسعة الانتشار (عربية وأمريكية وإسرائيلية وغيرها) تحدثت فيها عن أصدقائها اليهود الذين فتحوا عيونها على ما زعمته بالقسوة الموجوده فى القرآن الكريم ضد اليهود والمسيحيين والنساء، وعن مناظرتها مع سيدة أمريكية منقبة هاجمت فيها الحجاب والنقاب معاً وشاهدت وسمعت المناظرة ..فتأكد لى أن الفيديو الموجود على الإنترنت والذى رسم لها ملامح مناهضة للعنصرية الأمريكية واليهودية ضد المسلمين مضلل تماماً ومفتعل ولا يعكس حقيقة الكاتبة التى تتقاضى راتباً شهرياً من صحيفة تصدر فى دولة الاحتلال الإسرائيلية..وتتبنى سياسة تؤيد اليهود فى مقابل المسلمين. فالإعلان الذى كانت تحاول طمسه بالإسبراى كان يقول: «فى أى معركة بين الرجل المتحضر والهمجي.. ادعم الرجل المتحضر، ادعم إسرائيل واهزم الجهاد» . ومن هنا كانت معركتها فى الشريط للتعبير عن رفضها واحتجاجها على هذا المضمون العنصرى البغيض، معركة مشرفة بكل المقاييس، تشرح صدر كل متحرر وليبرالى ومسلم على السواء، موقف شديد الاحترام، يدعو للفخر، ويزيد من هذا الإحساس أن من قامت به امرأة مسلمة مصرية جريئة، ولكنه وبكل أسف اتضح لإدراكى المتواضع والقاصر أنه مجرد موقف تمثيلى – دون الافتئات على نياتها الداخلية التى لا يعلمها إلا الله – إذ لا يستقيم أن تقوم به من كانت هذه قناعاتها المنشورة فى كل الجرائد التى تفسح لها مساحات للكتابة وترحب بنشر وجهة نظرها فى كل ما تكتبه. وهو الأمر الذى يدفع أى عاقل للتساؤل: أى عنصرية هذه التى كانت الطحاوى تواجهها فى الشريط المضلل؟ فإذا كانت الإجابة عنصرية أمريكا المنحازة لإسرائيل على طول الخط يترتب على الإجابة طرح السؤال التالى: وهل هناك اتساق بين موقف الكاتبة منى الطحاوى فى محطة المترو من الإعلان، ومواقفها المعلنة على صفحات الصحف؟ هل يتفق موقفها هذا مع تطبيعها العملى مع إحدى الصحف التى تصدر فى الدولة العبرية؟ فى مقال للكاتبة نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية، أكدت الطحاوى أنه – من وجهة نظرها طبعاً - لا يمكن اعتبار النزاع الإسرائيلى الفلسطينى قضية إسلامية، وإنما قضية نزاع على الأرض حول احتلال يجب أن ينتهى، وحول شعب يستحق أن تكون له دولة. لكنه ليس نزاعا دينيا. الكاتبة المحترفة خريجة الجامعة الأمريكية بالقاهرة التى تجيد الكتابة بالعربية والإنجليزية على الأقل، وربما تجيد العبرية أيضاً بحكم إقامتها فى إسرائيل لثلاث سنوات متصلة كمراسلة لوكالة الأنباء البريطانية (رويترز)، والتى تملك خلفية ثقافية عريضة تتجاهل فى مقالها حقائق تاريخية ثابتة وغير قابلة للجدل وهي أن إسرائيل دولة احتلال لم يكن لها وجود على الإطلاق كدولة فوق هذه الأرض قبل عام النكبة 1948وأنها استولت عليها من أصحابها الفلسطينيين وقامت بطردهم فى ظروف تاريخية يعلمها الجميع، وفى ضوء ذلك لا يستقيم استخدامها لتعبير(النزاع)، لأنها تعلم الفرق الجوهرى بين كلمتى (الصراع والنزاع) بالضرورة، كما تعلم أن استخدام كلمة نزاع فلسطينى – إسرائيلى يفهم منه أن حقيقة الصراع الدائر بينهما غير معلومة على وجه اليقين، وأن القضية مازالت قضية خلافية تحتاج إلى المزيد من التفاوض لدفع الفلسطينيين إلى اليأس من المطالبة بحقوقهم أو القبول بأى حل يفرض عليهم كما هو حادث الآن، وكأنها تتحدث وتكتب بلسان وبقلم المحتل الإسرائيلى،كما تجاهلت حقيقة أخرى تتمثل فى المقدسات الإسلامية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك (أولى القبلتين الشريفتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ..عندما نفت كون القضية الفلسطينية قضية إسلامية، زاعمة أنها قضية نزاع على الأرض حول احتلال يجب أن ينتهى فقط ونزعت عنه أى وصف دينى. فمن أين لها كل هذه الجرأة لتتحدث عن القضية الفلسطينية بلغة المحتل لكى تصرف الشعوب الإسلامية عن نصرة الفلسطينيين لاسترداد أرضهم المحتلة التى سلبت منهم بموجب مؤامرة استعمارية يعرف تفاصيلها كل طفل فلسطينى وكل عربى ومسلم وكل منصف مهما كانت جنسيته وديانته وانتمائه الثقافى؟ ومن يتصدى للاحتلال الإسرائيلى العنصرى القمعى الذى يدنس أفراده المقدسات الإسلامية والمسيحية كل يوم ؟ الفلسطينيون وحدهم؟ وهل ننكر على المسلمين ألمهم وغضبهم وغيرتهم على الأقصى الأسير؟ هل هذا تسطيح للقضية الفلسطينية التى هى قضية كل عربى ومسلم؟ هل نقبل هذا المنطق المغلوط من مسلمة حريصة على التصدى لإعلان عنصرى فى محطة مترو؟ ماذا عسانا أن نفهم من مقالات الكاتبة الحاصلة على جائزة مؤسسة أناليند الإسرائيلية؟ فلتتبن الكاتبة المواقف التى تروق لها وفقا لقناعاتها الشخصية.. لكن عليها أن تتحلى بالشجاعة نفسها وألا تلجأ إلى حيلة رخيصة للتسلل إلى قلوب العرب والمسلمين بقناع مزيف. جوائز من أجل التطبيع منحت الجماعات والمنظمات الإسلامية فى الغرب منى الطحاوى مديرة تحرير القسم العربى لمنظمة أخبار المرأة الدولية فى نيويورك لقب “قائدة مستقبل الإسلام"! وفازت الصحفية المصرية بجائزة إلياف ستروى لصحافة الشرق الأوسط، التى تمنح للمقالات التى تهدف لزيادة التفاهم بين العرب والإسرائيليين. لا أرى أى داع لأن تحاول الكاتبة العالمية المرموقة تغيير ملامح صورتها فى أذهان قرائها وتقمص شخصية أخرى تختلف كل الاختلاف عن حقيقتها إذا كانت تؤمن بما تقوله وتكتبه حقاً، فهى بالفعل شخصية متميزة وتحظى باحترام من يتفق معها فى الرأى حتى لو اختلف معها كل مسلمى العالم، ولديها من يصدقها فى إسرائيل والدانمارك والولايات المتحدةالأمريكية وفى قارات العالم القديم والجديد وفى هذا الكفاية وزيادة، ومن المستحيل أن تحظى بالقبول هنا وهناك فى الوقت نفسه، فإما هنا وإما هناك، واختيارها واضح كل الوضوح، إما أن تحاول أن تقنعنا أنها مخلصة المرأة المسلمة من الظلم الواقع عليها، وبأن القرآن الكريم يقسو على اليهود والمسيحيين والنساء، فتلك فرية اخترعها الغرب وصدقها ولسنا مضطرين لتصديقها، دون ذلك خرط القتاد. وإذا كانت منى الطحاوى صدقت من وصفوها بقائدة مستقبل الإسلام، فليقلدوها هذه الرتبة فى العالم الافتراضى الذى جاءتنا منه ولتحتفظ بعبوة الإسبراى الأحمر لملصق إعلانى آخر.