أى كتابة عن (عمار الشريعى) كالطلق في الهواء لا تأثير لها… فرصد النجوم وتعقُّبها لا يزيدها بريقاً. ولكنها دعونا نسبح في كنوز الثمانينيات ونقلِّب فى صناديق ال (نوستالجيا) فنتستدعى الماضى الجميل الذى بات ملاذاً آمناً ومريحاً نرتكن إليه فى رحلتنا للبحث عن البهجة. ومن بين مكتبة (الشريعى) الموسيقية الفذة أعدت اكتشاف واحدة من روائعه لا يعرفها الكثيرون ولم تحظ بالشهرة الكافية رغم أنها من بين إن لم تكن الأروع فى أعماله الخالدة. هذه الرائعة هى تتر مسلسل أذيع فى منتصف الثمانينيات فى شهر رمضان اسمه (المحروسة 85) بطولة الفنان الكبير محمود مرسى وسميحة أيوب ومحمود الجندى وصابرين، للكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة هذا التتر ظل حبيساً فى ذاكرتى منذ الطفولة، حاملاً أجواء رمضانية جميلة ، حيث لا هموم ولا ضغوط ولا هواجس ولا آلام ، وقت أن كان جهاز استقبالنا بكراً غضاً يثمن ويقدر الروائع والكنوز. قبل اختراع اليوتيوب، بحثت عن هذا التتر في جميع محلات أشرطة (الكاسيت)، وجميع منافذ بيع شركات الصوتيات والمرئيات، حتى لم يعد هناك سوى حلّين لا ثالث لهما الأول: هو التوجه لمبنى الإذاعة والتلفزيون ومحاولة الوصول لشرائط المسلسل، ثم الاستماع للتتر وكان هذا ضرباً من ضروب المستحيل، فمن سيسمح لطالب ثانوى أو جامعى بزيارة المبنى والحصول على شرائط ثمينة لمجرد سماعها، لأن اقتناؤها هو المستحيل ذاته. الثانى: هو مقابلة (عمار الشريعى) نفسه، وهذا الحل وإن بدا أسهل من الأول إلا أنه لم يكن عملياً أيضاً فاستسلمت للأمر وقبلت بفكرة الاستمتاع باللحن من خلال ذاكرتي التى بالكاد تسعفنى فيه. إلى أن ظهر (اليوتيوب) وال (ساوند كلاود) الذى لا تخفى عليهما خافية، وفيهما من كنوز الصوتيات والمرئيات النادر والمستعصي. وكانت المفاجأة … أن كلا الموقعين لا أثر فيهما للتتر ولهذه المقطوعة !! ما الحل إذن؟!… لعله الذهاب للموسيقار العظيم نفسه، لكن بكل أسف فات الأوان فقد بدأت البحث عنه بعد أن وافته المنية وانتقل إلى جوار الله !! ومنذ يومين ومن خلال قراءة فى صفحة الكاتب الراحل سعد الدين وهبة على (ويكيبيديا) علمت أن من ضمن أعماله كتابة مسلسل (المحروسة 85) ، فتجددت طاقتى فى البحث عن اللحن الماتع، وكتبت من جديد على (يوتيوب) اسم المسلسل وأخيراً وجدت التتر متخفيا فى الحلقة الأولي التى بدأها المخرج محمد فاضل بطريقة غير تقليدية بدون تتر ثم دخل بالتتر بعد الدقيقة 3٫40 بعد حوار بينه وبين سكرتيرته سميحة أيوب. المسلسل يعد أول عمل درامى معاصر يتناول القرية المصرية ومشكلاتها بطريقة خفيفة وكوميدية، وكانت موسيقى التتر ، وإن شابهت معظم أعمال (عمار الشريعى) إلا أنها اختلفت من حيث الحنين الذى تكتنفه أوتار العود، وتلك المحادثة البديعة ما بين الكامنجا والعود طوال التتر ، والأجمل والأورع هو الجملة الموسيقية المتكررة بلا ملل اللحن عليه ختم الشريعى وبالتالى فهو يتسم بسماته العامة والتى تحظ بالقبول فور سماعها، منها حسن الاستهلال وقوة الدخلة ، وحسن الخاتمة وروعة النهاية، فضلاً عن البهجة وحالة المرح والسعادة الموجودة فى اللحن نفسه. أرجوك … أرجوك اسمع اللحن وستكتشف أنه يستحق كل هذه المعاناة فى البحث عنه، ثم أعد على نفسك السؤال التقليدى: هل كان (عمار الشريعى) إنساناً طبيعياً مثلنا، أم شخص ذو قدرات خاصة متخطياً بها حواجز البشرية؟!! لينك الحلقة الأولى التى يختبىء فيها التتر بعد الدقيقة 3٫40