خاتم الرسل والأنبياء حين كلّم جبل أحدعندمااضطرب تحت قدميه صلى الله عليه وسلم فقال أحد فإن عليك نبيًا وصديقاً أبو بكر وشهيدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهم جميعًا التجلى والحب الإلهى لايقعان على البشر فقط كما يوحى ظاهر المعانى لعقولنا، ففى إشارة لطيفة ينبهنا الحق بأن كل شيء،كل شيء يسبح بحمده، لكن بلغته الخاصة التى لا يفقهها البشر إلا قليلًا منهم مثل نبى الله سليمان حين كلّمه الهدهد: «فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقينإنى وجدت امرأة تملكُهُم وأُوتيت من كُلِّ شَيءِ ولهاعَرشٌ عظيمٌ «النمل 22، 23»، ومن اللطيف أن نبى الله سليمان يستخدم الهدهد فى مهمة أشبه بالمهمات العسكرية يقول: «اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون «النمل 28». وخاتم الرسل والأنبياء حين كلّم جبل أحد عندما اضطرب تحت قدميه صلى الله عليه وسلم فقال: «اثبت أحد فإن عليك نبياً وصديقاً «أبو بكر» وشهيدين» عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان» رضى الله عنهم جميعًا وتلك من معجزات النبى الكريم بما سيحدث فى قابل الأيام، وقد حدث ولقى أمير المؤمنين عمر ربه شهيدًا، وكذا أمير المؤمنين عثمان. يقول الحق: «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم «44الإسراء»، ويفَّصِل الحقُ بعد إجمال فيقول فى سورة الحج الآية 18: «ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدَّواب وكثيرٌ من الناس وكثيرٌ حقَّ عليهِ العذابُ، ومن يُهِن الله فما لهُ من مُكرِمٍ إِنَّ الله يفعلُ مايشاءُ». أعجب من ذلك ما جاء فى سورة الأحزاب الآية 72: «إنَّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فَأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهُولا». وإذا تأمّلنا كلمة «أشفقن منها» تأكدلنا أن كل مَن على وجه الأرض وتحتها يتمتع بحياة لا تدركها أبصارنا. ولكنها من مخلوقات الله المُسبِّحة لجلاله سبحانه كما ذكرت الآيات «الجبال» وما أدراك ما الجبال فيها ولها وعنها أسرار وأسرار لا يلتفت إليها كثير من الناس، برغم شهرتها بينهم، وربما العيش فى أحضانها. أسرار تؤكد أنها حية تتكلم وتتحرك وتشعر وتضطرب وليس كما نتوهّمها صامتة جامدة، وكأنها فقط مصدر للخامات والمعادن وغيرها من الكنوز التى يكتشفها العلماء، كلما توافرت وتطورت أدوات الاكتشاف،انظر إلى لطيف قول الحق: «وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تَمرُّ مَرَّ السحاب «88 النحل. وانظر إلى لطيف الأمر الإلهي: «وسخرنا مع داود الجبال يُسبِحنَ والطيرَ وكُنَّا فاعلين» الأنبياء، 79 وقوله: «ولقد آتينا داودَ منَّا فضلًا ياجبال أَوِّبى معهُ والطير وألنا لهُ الحديد «سبأ 10، ومعنى أوّبى أى سَبّحي. وعندما طلب كليم الله موسى عليه السلام حبًا وعشقًا للنور الأسنى، أن يرى الله بعدما سمع كلامه سبحانه بشكل مباشر، وذلك طمع المحب العاشق لمحبوبه، بغية الانتقال إلى درجة أعلى فى حبه جاء الرد ليس نفيًا للرؤية بشكل مطلق، ولكن قضى ربك ألا يرى نور وجهه مخلوق فى الدنيا، أما الآخرة فهى شأن آخر تمامًا تكون فيها القلوب المؤمنة قد تأهّلت لقوة التجلى ورؤية نور الوجه الأسنى، وفى هذا الشأن أحاديث نبوية كثيرة، بل يصفهم الحق فى سورة القيامة قائلًا: «وجوه يومئذٍ ناضرةإلى ربها ناظرة». فتلك القلوب المؤمنة أقوى بكثير من الجبال وصلابتها وقوتها التى لم تحتمل قوة التجلى الإلهى لحظة،كما حدث مع كليم الله: «ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمهُ ربه ُ قالَ ربِى أرِنى أَنظُر إليكَ قال لن ترانى ولكن انظُر إلى الجَبَل فَإنِ استقرَّمكانهُ فَسوفَ ترانى فَلَمَّاتَجَلَّى ربهُ للجَبلِ جَعَلهُ دَكَّا وخَرَّ مُوسَى صَعِقَا فَلمَّا أَفَاقَ قال سُبحانكَ تُبتُ إليكَ وأنا أولُ المُؤمِنِينَ». وإلى مشارف المدينةالمنورة، حيث جبل أحد، الذى كان خامل الذكر قبل موقعة أحد فى السنه الثالثة للهجرة، التى دارت رحاها فى حضنه من الناحية الجنوبية التى استشهد فيها سبعون من الصحابة، على رأسهم عم الرسول أسد الله حمزة بن عبد المطلب. وفى ذلك اليوم، كما يروى أنس بن مالك رضى الله عنه صعد النبى صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه النبى برجله وقال: اثبت أحد فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيدان رواه البخاري. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم راجعًا وبدا له أحدقال: «إن أحد جبل يحبنا ونحبه» رواه مسلم. وإن كنت قد رأيت أحدًا عند زيارتى له حزينًا تكسو قمته غلالة تميل إلى السواد، وكأنه الحداد على الأحباء الذين رحلوا، فما عاد يكلمه الرسول الكريم وما عاد يصعده أبوبكر وعمر وعثمان، ولم يعد يرى الإمام عليًا كرم الله وجهه وصحابة الرسول الأجلاء، ولمَ لا وهم خير قرن، كما أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني.