عشت سنوات وسنوات أبحث عن الحب، كما شاهدته فى الأفلام أو قرأته فى الروايات، حتى كبرت ورأيت بنفسى «وما حدش قال لى» أصحاب الروايات والكتابات ونجوم الأفلام وكتاب السيناريو ومخرجيها. كانت تلك لحظة فارقة قلبت حياتى رأسا على عقب، بعدما تأكدت أن هؤلاء إنتاجهم فى واد، وحياتهم الخاصة فى واد تانى خالص، بل إنهم لا يصدقون إلا من رحم ربى، إلا عندما يكتبون أو يمثلون أو يغنون أو يفنون أو يؤلفون.
فصاحب القلم الانفتاحى على الآخر، محافظ جدا إلى حد التعقيد فى حياته الخاصة مع زوجته وأولاده وإخوته وبناته. والذى يغنى الآهات لا يجرؤ عليها مع حبيبته، إلا إذا استأذن أولى الأمر من أهله!
لا أنكر أن تلك اللحظة الفارقة حولتنى من كائن رومانسى إلى كائن عقلانى جدا، لا يؤمن إلا بقياس المسافات بين الاثنين وحساب الحسابات، وأن الحب لا يولد إلا بعد الزواج، وقد لا يولد وقد لا يوجد، وعليك الاستمرار بدونه، وذاك أفضل للجميع.
وبالطبع طبقت نظريتى العقلانية على كل من قابلتهم وحاورتهم من الكبار، حتى رأيت أحمد بهجت المتحفظ، على الأقل فى الفترة التى كنت أراه فيها، يقول متعجبا: كيف أن الحب صار يتيما؟! لا يجد من يرعاه ويربت على رأسه؟
وكيف أن الناس صاروا يتحدثون عن الحب بعقل! بل وهم قادرون على قيادة مشاعرهم كما يقودون سياراتهم. ويملكون القدرة على فرملة هذه المشاعر كما يفرملون سياراتهم. بكيت كثيرا عندما قال أحمد بهجت هذا الكلام، فقد أقر بالفعل بما يحدث فى المجتمع من تحول رهيب، جفف مشاعر من يقدر على التنفيذ، وترك من لا يقدر على الفرملة نهبا لحوادث هى أشبه بالانتحار.
وعندما أعلن مستنكرا أننا مع الأسف ندخل عصرا جديدا للحب، عصرا يتم فيه إلغاء كل الأشياء الجميلة، بكيت بل وانتحبت، فالشعور بما يحدث شىء، لكن الإقرار به من قبل فارس من فرسان الكلمة الصوفية شىء آخر، وكأنك تواجه الحقيقة قبل أن تقع!
هل هذا معناه أننى سأظل أبحث عن الحب إلى ما لا نهاية، وقد تحول من واقع أو حتى فكرة شبه مستحيلة، إلى حلم أسطورى من أحلام كتب الأساطير الهندية. حتى عندما بسط أحمد بهجت فكرة «نجيب الريحانى»، عن حبيب الروح، وقال: إن الحب هو سكن لروح فى روح أخرى، واكتشاف الروح لنفسه خلال هذا السكن الجديد، لم يعطنى أملا بل زادنى يأسا على يأس، ثم تركنى أبحث عما أسماه استقرار الروح التى هى بنفس أهمية راحة الجسد وضروريتها، فإذا كانت راحة الجسد أمرا ضروريا للإنسان، لكن استقرار الروح أمر أكبر أهمية.
ظللت مع أحمد بهجت حتى وصل بى إلى الطريق المسدود فى تلك القضية، عندما وضع العقدة وأحكم ربطها بأن الإنسان عندما يعرف الملاذ الروحى الأمين، عندئذ فقط يعرف جزءا من حقيقة الجنة، ولأننى أستكثر على نفسى ومكونات شخصيتى عثورى على مثل هذا الطريق، أرجأت البحث عن الطريق وأخذت مهلة محارب قديم، وأنا ما زلت فى العقد الرابع من عمرى. كانت أيام..