الشوربجي: "بوابة تراث مصر الثقافي" منصة شاملة لحفظ تراث الصحافة القومية    مصر في عيون العالم| حملات إعلامية دولية تروج للسياحة ب«لمسة معاصرة»    وزيرة البيئة تعقد لقاءا ثنائيا مع الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأراضي الرطبة    رئيس الوزراء يُتابع الخطة التنفيذية لمحطات تحلية مياه الساحل الشمالي الغربي    مصر تعرب عن خالص تعازيها للعراق إثر اندلاع حريق في شرق البلاد    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    تعرف على الصالات المستضيفة لبطولة العالم لناشئي كرة اليد في مصر    تموين الفيوم يضبط 30 مخالفة تموينية متنوعة تشمل سلع مدعمة وسجائر وسلع زراعية محظورة    أصوات البراءة غرقت.. كيف ابتلعت ترعة البداري أحلام الطفولة لثلاث شقيقات؟    الاثنين.. إعلان تفاصيل مشروع اكتشاف وتدريب المواهب بقصور الثقافة بالتعاون مع المايسترو سليم سحاب    وحدة السكتة الدماغية بمستشفى النفسية بجامعة أسيوط تحصل على الاعتماد الدولي كوحدة متقدمة    الإسكان: كراسات شروط الطرح الثاني ل"سكن لكل المصريين7" متاحة بمنصة مصر الرقمية    بيتكوين تستقر قرب 118 ألف دولار وسط تراجع لقيمة الدولار    قرار جمهورى بالموافقة على منحة لتمويل برنامج المرفق الأخضر من الاتحاد الأوروبى    أبي أحمد يكذب ورسائل حاسمة من السيسي وترامب، آخر مستجدات أزمة سد النهضة الإثيوبي    18 شهيدًا في تصعيد إسرائيلي على غزة بينهم عناصر تأمين للمساعدات    رغم الحرب.. روسيا تحتفظ بمكانتها كرابع أكبر اقتصاد في العالم    "أوتشا": أكثر من 80% من الأشخاص ذوى الإعاقة فى غزة فقدوا احتياجاتهم الأساسية    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول «هايبر ماركت» في العراق ل63 حالة وفاة و40 إصابة (فيديو)    إصابة كاهن ونازحين فلسطينيين بقصف إسرائيل كنيسة في غزة    سقوط 54 قتيلا جراء الأمطار الموسمية فى باكستان خلال 24 ساعة    عراقجى يدين الهجمات الإسرائيلية على دمشق: أى عاصمة ستكون التالية؟    بشرى لطلاب الثانوية العامة: الأكاديمية العربية تقدم كلية العلاج الطبيعي بفرع العلمين الجديدة    حزب الوعي ينظم مؤتمرًا صحفيًا لتقديم مرشحيه في انتخابات مجلس الشيوخ الأحد المقبل    أحمد شريف: شيكابالا كان لاعبا خرافيا.. وجون إدوارد سبب رئيسي لانضمامي ل الزمالك    أحمد شريف: الزمالك أحسن من الفلوس وشيكابالا أسطورة والسعيد لن يتكرر    شوبير يكشف مفاجأة بشأن موعد عودة إمام عاشور لتدريبات الأهلي    تعرف على مواجهات مانشستر يونايتد الودية ضمن معسكر الإعداد للموسم الجديد    ميعاد انطلاق الدعاية الانتخابية للمرشحين بانتخابات مجلس الشيوخ غدًا    خلال زيارته لسوهاج.. نقيب المهندسين يلتقي المحافظ لبحث أوجه التعاون    نقابة النقل والمواصلات: نسبة المتعاطين لم تتجاوز 4.2% وباقى السائقين ملتزمون    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    الفرص ومواعيد الامتحان والدرجات.. التعليم تجيب عن أسئلة حول البكالوريا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    خريطة العام الدراسي الجديد 2026.. موعد بدء الدراسة والامتحانات والإجازة    صعود المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 1% بمنتصف تعاملات جلسة الخميس    فتح متاحف الإسكندرية وكافة المواقع الأثرية بها مجانا للجمهور 24 يوليو    وفاة والدة النجمة هند صبري    احتفالاً بالعيد القومي لمحافظة الإسكندرية.. فتح المواقع الأثرية كافة مجانا للجمهور    فيلم الشاطر لأمير كرارة يحصد 2.7 مليون جنيه في أول أيامه بدور السينما    كابتن محمود الخطيب يحقق أمنية الراحل نبيل الحلفاوى ويشارك في مسلسل كتالوج    مباحثات لتعزيز علاقات التعاون المشتركة بين جامعة القاهرة وجامعة جيجيانغ الصينية    لا تخشى قول الحق مهما كلفها الأمر.. 5 أبراج تحب المواجهة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    الجامعة البريطانية في مصر تنظم أول مائدة مستديرة حول إعلام الخدمة العامة    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير (139) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    "كوكاكولا" تعلق على تصريحات ترامب بإضافة السكر الطبيعي    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    التفاصيل والشروط.. إدارة المنح والقروض ب"الصحة" تعلن احتياجها لكوادر بشرية    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    أكذوبة بعث القومية العربية في عهد ناصر    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    الأهلي يكشف كواليس عرض الحزم السعودي لضم أحمد عبد القادر    الزمالك يقترب من ضم المغربى عبد الحميد معالى نجم اتحاد طنجة    لو لقيت حاجة فى الشارع اتصرف إزاى؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجمل المصرى»
نشر في الأهرام العربي يوم 27 - 03 - 2019

كان الزمان فى منتصف التسعينيات، وكانت جراحة القلب فى المحروسة قد انطلقت بقوة منذ عدة عقود على يد أساتذة مصريين كبار، ولكن كانت جراحات الشرايين التاجية لا تزال في حاجة إلى الكثير من التطوير على عكس جراحات الصمامات وجراحة الصدر التى كان لها تاريخ قوي يسندها.
وكان على كل طامحٍ من أبناء هذه المهنة أن يعقد العزم ويشد الرحال إلى واحدة من تلك الدول التي سبقتنا فى هذا التخصص لينهل من ذلك التخصص ويطور من قدراته الجراحية، وهذا ما فعله صاحبنا الدكتور عمار الذي كان من أوائل ذلك الطابور من جراحي القلب الذي تدفق على مركزٍ كبيرٍ لجراحة القلب فى ميلانو بإيطاليا، ونهل من ذلك العلم الجراحي حتى اعتلى جراحو القلب المصريون فى هذا التخصص الدقيق قمة الهرم الجراحي فى مصر والعالم، وعلموا الأجيال اللاحقة لهم فلم تعد فى حاجة لشد الرحال وتحمل آلام الغربة، بل تطوروا وتفوقوا وهم فى أحضان الوطن.
ولم تكن لدى الدكتور عمّار مشكلة فى هذه المهمة تفوق إحساسه الزائد بالغربة، فقد كان يعاني آلامها وتضرب جنباتِ قلبهِ مشاعر الحنين إلى الوطن بمجرد أن يشتري تذكرة السفر وقبل أن يسافر بشكل فعلي، وكانت هذه إحدى مشاكله التي جعلت كل رحلاته خارج الوطن تنتهي أسرع مما يتوقع الجميع أو هو نفسه.
ولكنه على الجانب الآخر كان يأخذ بأسباب النجاح، فقد أدرك أن الإيطاليين ضعاف فى استخدام اللغات الأجنبية ومنها اللغة الإنجليزية ما قد يخلق عائقاً له فى التدريب، حيث إن استخدام اللغة له أهمية كبيرة فى ممارسة المهنة الطبية سواء فى التعامل الحرفي مع الزملاء أو التواصل مع المرضى، وعليه، فقد انخرط الدكتور عمار فى دراسة اللغة الإيطالية قبل سفره لدورتين متتاليتين.
حط صاحبنا برحاله على تلك الأرض الباردة، وبذل من الجهد الكثير ليخفف من عبء ذلك الإحساس القوي بالحنين للوطن والأهل لكي يتفرغ عقله لتحصيل ما جاء من أجله، ولم يمر من الوقت الكثير حتى أدرك تلك النظرة التصنيفية لأهل تلك البلاد تجاه القادمين إليهم، ولم يكن هو وأصحابه فى قمة ذلك التصنيف، ولم يزده هذا الأمر إلا تشبثاً بوطنيته واعتزازه ببلده مستنداً إلى تاريخٍ عريقٍ ضاربٍ فى القدم، تنوعت فيه أشكال الحضارة، وكان دائماً يُذَكِّر محدثيه من أبناء تلك البلاد بتاريخ وطنه وحضارة أجداده فتنعقد ألسنتهم ويضربون فى صمت رخيم.
ولم ينس أبداً أول يومٍ له فى غرفة العمليات، فعندما مرق إلى الغرفة رمقته إحدى الممرضات الإيطاليات وتدعى "ستيفانيا" وقالت:
"Il cammello egiziano è arrivato" وتعني بهذا: «لقد وصل الجمل المصرى»
لم يبد صاحبنا أي رد فعل، ولم يُبيِّن لأحدٍ أنه يفقه أساسيات تلك اللغة، وبدأت العملية الجراحية وكان مساعداً للجراح الإيطالي كونه فى أول أيام عمله، وكان هذا الجراح - ويدعو فابيو ديتيرليتسي - أحسنهم فى اللغة الإنجليزية، ومن عادة الجراحين الصمت فى المراحل الدقيقة من الجراحة، التى إن مرت بسلام يبدأون فى الحوار والحديث فى أمور شتى قد لا تتعلق بالجراحة، خصوصا أثناء إغلاق جرح المريض، وهي خطوة تُعد روتينية إلى حدٍ كبير، كان فابيو قد شرع يتحدث عن "العلاقات" بين البشر وتطرق فى حواره إلى تفاصيل يندى لها الجبين، كان الحديث متشعباً وكان الدكتور عمار سعيداً بقدرته على فهم ما يُقال، فقد كان هذا أول اختبار عملي لما درسه فى اللغة الإيطالية قبل سفره، وفى نهاية الحوار لم يتمالك عمار نفسه إلا وقد تفاعل معه وقام بالتعليق باللغة الإيطالية مُطلقاً عدة جمل إيطالية ببراعة بعد أن أستحضرها فى ذهنه جيداً، عندها ساد الصمت غرفة العمليات من هول المفاجأة، نظر فابيو - ضاحكاً - إلى ستيفانيا صاحبة مقولة "الجمل المصري" قائلا:«عزيزي دكتور عمار، إن كانت لغتك الإيطالية تصل إلى هذا المستوى، فإن إحدى زميلاتي فى هذه الغرفة فى مأزق حقيقي»، طأطأت الممرضة الإيطالية بوجهها فى الأرض خجلاً وضج الجميع بالضحك.
اكتمل من الزمن عام كامل من التدريب، وقد أبلى عمار وكذلك زملاؤه بلاء حسنا، وعادوا إلى مصرهم بعلم انتفع به مرضاهم، وعلموا أجيالا تلتهم.
ولم يكن اعتزاز الدكتور عمار القوى ببلده وتشبثه بوطنيته وإصراره على التعامل بندية وقوة، إلا سببا فى احترام الجميع له ولاسم بلده، وكانوا فى حواراتهم دائما ينظرون إليه مبتسمين، فلم ينسوا أبداً أن "الجمل المصرى" يعالج القلوب ويتحدث الإيطالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.