احتفالية القوات المسلحة بيوم الشهيد التى تنظمها إدارة الشئون المعنوية، تأتى جديدة ومليئة بالمفاجآت، فالندوة التثقيفية التى أقيمت مطلع الأسبوع، جاءت لتمزج ما بين الوفاء والعرفان لأرواح الشهداء وتكريما لذويهم، وما بين وقفة الحساب مع النفس، وعرض ما وصلت إليه مسيرة الوطن الذى بدأ التعافى من جرح الإرهاب، وفى الوقت نفسه، يقطع خطوات كبيرة فى مسيرة التنمية. نجاح العملية الشاملة
الجزء الخاص من الاحتفالية، والذى شهد الاحتفال والوفاء والعرفان لأرواح الشهداء، والتكريم لذويهم، جاء بحجم أقل بكثير من الأعوام السابقة، مما يشير إلى الإنجازات والنجاحات الكبيرة التى حققتها العملية الشاملة سيناء 2018، والجهود التى تبذلها الشرطة وعملياتها الاستباقية، فى الحرب على الإرهاب، وهو ما استحق إشادة الجميع.
هذا النجاح أكده الرئيس السيسى فى كلمته قائلا: "لقد نفذت القوات المسلحة والشرطة، العملية الشاملة، التى حققت نجاحات ضخمة ومؤثرة، استطاع من خلالها الجيش والشرطة تأمين مصر وأهلها، وتضييق نطاق الخطر، وحصار العناصر الإرهابية والقضاء على أعداد كبيرة منهم مع معداتهم وأسلحتهم وشبكات إمدادهم ودعمهم، وذلك على الرغم من صعوبة الحروب غير النظامية، التى لم تُرهب أبناء المصريين فى القوات المسلحة والشرطة الذين استعانوا على الإرهاب وشره بإيمانهم بالله، وبيقينهم فى أنهم على الحق المبين، وبحُسن تدريبهم، وأدائهم العسكرى الراقي". الرئيس السيسى حرص على توجيه التحية والتقدير والعرفان لأرواح الشهداء، وكذلك للقوات المسلحة والشرطة، وكل المخلصين من أبناء الوطن، قائلا "إن هذا اليوم، يوم استشهاد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض، ويوم استشهاد أى من أبطالنا العظام من رجال القوات المسلحة والشرطة البواسل، أو أى مصرى ومصرية على اتساع الوطن، هو يومٌ نُكرّم فيه.. ليس فقط أرواح من استشهدوا منا.. وإنما أيضًا عطاء الصابرين الصامدين.. الذين يحملون مسئولية هذا الوطن.. ويَصِلون الليل بالنهار.. ليحيا المصريون.. فى سلام وأمان واستقرار".
الإرهاب والإهمال
المحور الثانى فى احتفالية يوم الشهيد، جاء ليعلن صرخة مدوية فى وجه الإهمال الذى لا يقل فى خطورته عن الإرهاب، فكلاهما يدفع ثمنه الأبرياء من أبناء الوطن، الإرهاب يستهدف القوات المسلحة والشرطة ومؤسسات الدولة ليهدمها، والإهمال فى خطورته مثل السوس الذى ينخر فى مفاصل الدولة، وإذا لم يتم إيقافه فيؤدى إلى انهيارها، وتأتى هذه الوقفة بعد أيام. الرئيس أكد ذلك فى كلمته قائلا "إننا إذ نستمر فى مواجهة الإرهاب، فلا يمكن أن نقبل أن يحصد الإهمال أرواح مواطنين أبرياء مِنّا، لا يمكن أن نقبل أن تتسبب أخطاء فردية فى مقتل العشرات من المواطنين، كما حدث فى محطة مصر.. ودعونى أصارحكم، بأننا كمصريين، يجب أن نقف وقفة صادقة مع النفس، ندرك فيها أن خطر الإهمال لا يقل عن خطر الإرهاب، وأن الفساد وانعدام الكفاءة والضمير تحصد مِنّا ليس فقط الأرواح، وإنما كذلك الأمل فى المستقبل الأفضل الذى نعمل جميعًا من أجل تحقيقه". الرئيس السيسى عالج تلك الأزمة بطريقة تسير على قضيبين فى وقت واحد، الأول هو مواجهة ومحاسبة أى مهمل وفقا للقانون، والثانى هو إسناد مسئولية وزارة النقل لأحد أكفأ ضباط القوات المسلحة، وهو الفريق كامل الوزير، مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، دينامو المشروعات القومية العملاقة التى تشهدها مصر حاليا، الذى أعلن الرئيس السيسى ترقيته إلى رتبة الفريق، تتويجا لمسيرته الرائعة فى القوات المسلحة. مسار المحاسبة وفقا للقانون أوضحه الرئيس قائلا: "إحنا عملنا فى قانون الخدمة المدنية الجديد إجراءات عشان نضبط أداءنا، مينفعش واحد ياخد مخدرات (أستروكس) يركب قطار، لأنه حيضيع ولادنا وأهلنا الموجودين فى المحطة، وإحنا مش هنسمح وهنحاسب بالقانون اللى وافق عليه نواب الشعب، اللى يتعاطى مخدرات، يتم إنهاء خدمته فورًا"..
« الوزير».. فى مهمة عاجلة
المسار الثانى الذى استخدمه الرئيس السيسي، وبالتوازى مع مسار محاسبة المهملين، هو تكليف الفريق كامل الوزير بمهمة وزارة النقل، وهى المهمة العاجلة، التى لا يمكن الانتظار عليها لوقت أكثر من ذلك، لأن الأبرياء يدفعون أرواحهم ثمنا للمشكلات المتفاقمة فى السكة الحديد منذ عقود. الرئيس السيسى أشاد بشكل كبير بالفريق كامل الوزير، واصفا إياه بأنه "واحد من أحسن ضباط الجيش"، وهى الإشادة التى يستحقها وعن جدارة الفريق كامل، بشهادة جميع المصريين، بعد الجهد الكبير الذى بذله فى المشروعات القومية الكبرى، التى غيرت وجه مصر منذ تولى الرئيس السيسى مسئولية رئاسة الجمهورية، بداية من حفر قناة السويس الجديدة، ومرورا بالمشروع القومى للطرق، وكذلك مشروعات الصوامع وتطوير البحيرات المصرية، ومشروعات الإسكان بمختلف أنواعها، وغيرها من المشروعات الضخمة، التى أشرفت على تنفيذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بقيادة كامل الوزير. وكشف الرئيس السيسى عن سبب تأخير تعيين الفريق كامل الوزير فى منصب وزير النقل، بسبب ضرورة موافقة البرلمان على تعيين أى وزير طبقا للدستور الحالي، والذى بدأت مسيرة تغيير بعض مواده، وإن كانت هناك مواد أخرى تحتاج إلى تعديل، مثل اشتراط موافقة البرلمان على أى وزير قبل توليه مهام منصبه، وهى المادة التى سببت تأجيل تعيين كامل الوزير فى مهمته كوزير للنقل، بسبب أن البرلمان فى إجازة برلمانية، والأصل أن البرلمان يعطى الثقة أو يحجبها عن الحكومة بأكملها، وليس عن كل وزير ضمن التشكيل الحكومى.
كامل الدعم
الرئيس حرص على تأكيد الدعم الكامل والمطلق، من كل أجهزة الدولة ومؤسساتها للفريق كامل الوزير فى مهمته فى وزارة النقل، بهدف سرعة إصلاح مرفق السكة الحديد، ووعد الرئيس ومن بعده كامل الوزير بتغيير شامل فى السكة الحديد منتصف العام المقبل، حيث قال الرئيس: "سترون مرفقًا جديدًا فى 30 يونيو 2020".
حرب الشائعات.. والإصلاح الاقتصادى
المحور الثالث فى احتفالية يوم الشهيد، كان معركة الوعي، ومواجهة حرب الشائعات، ومن هنا كانت كلمة أسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق، التى أعقبتها كلمة مطولة للرئيس السيسي، مفندا الشائعات التى تتعرض لها البلاد، بعدما أصبحت حرب الشائعات هى أحدث الحروب التى تواجهها مصر. وفند الرئيس الشائعات حول تمويل بناء المدن الجديدة وأولها العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك الشائعات حول حملة 100 مليون صحة، مشيرا إلى أن تقدم مصر وقطعها خطوات للأمام، يثير حفيظة أعدائها، ويدفعهم لمحاولة عرقلة تقدمها، حيث قال الرئيس "إن نجاحات مصر فى الداخل والخارج، وتعزيز مكانتها، وصمودها فى وجه المحن والشدائد، بل تقدمها للأمام بخطىً ثابتة وواثقة، لا يَرضى عنه البعض الذى يسارع بتسديد سهامه المسمومة نحو صدورنا، هادفًا إلى وقف تقدمنا، وعرقلة خطواتنا"، مضيفا "أظهرت لكم الأيام الماضية أنه عندما استعصى على مَن يريدون بنا السوء إلحاق الأذى بمصر من الخارج، فإنهم يعمدون إلى الحرب النفسية وإلى حروب الشائعات، بهدف تكوين صورة ذهنية غير حقيقية تستقر فى وعى المواطن، لتحبطه وتهدم ثقته فى نفسه وفى دولته وقيادته".
المجلس العسكرى.. وأكاذيب الإخوان
الرئيس السيسى كشف بعض خزائن الأسرار الخاصة بفترة تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، بعد تنحى الرئيس مبارك، وهى واحدة من المرات النادرة التى يتحدث فيها الرئيس السيسى عن تلك الفترة، التى كان يشغل خلالها منصب مدير المخابرات الحربية، حيث كشف بعض التفاصيل الخاصة بأحداث شارع محمد محمود التى وقعت فى شهر نوفمبر 2011، والتى راح ضحيتها العديد من الضحايا، مؤكدا أن القوات المسلحة كانت حريصة كل الحرص على حياة كل المواطنين، موضحا أن تلك الأحداث كانت جزءا من خطة استهداف الدولة وإسقاطها وتدميرها. كلمات الرئيس السيسى أكدت الانطباع لدى جموع المصريين بأن من وقف خلف كل تلك الأحداث الغامضة التى شهدتها مصر منذ أحداث يناير 2011، من عمليات قتل وحرق، كان المسئول عنها هم جماعة الإخوان الإرهابية، بهدف تشويه صورة مؤسسات الدولة لدى المواطن، ليفقد المواطنون الثقة فى مؤسسات دولتهم، من الشرطة والجيش، ويتم إحداث الفرقة فيما بينهم، فيثوروا ضدهم، كوسيلة لإسقاط الدولة، وإغراقها فى بحور الفتن والحرب والصراعات الأهلية.
شمس مصر.. تسطع من جديد
احتفالية يوم الشهيد جاءت بعد أيام فخر جديدة لمصر، بعد نجاحات عديدة حققتها الدولة على مسار استعادة مكانتها الإقليمية والدولية، بعد رئاسة مصر للاتحاد الافريقي، ونجاح مؤتمر القمة العربية- الأوروبية فى شرم الشيخ، وهو ما أكده الرئيس قائلا: "الشهر الماضى، كما جاء لنا برياح حزينة ومؤلمة، فإنه شهد افتخاركم بوطنكم، وهو يستعيد مكانته الدولية، فلا يخفى عليكم، كيف كان وضعُ مصر على الساحة الدولية منذ سنواتٍ مَضَت، وكيف أصبح الآن، فما بين رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، بعد أن كانت عضويتُها معلقة به، وقيامها بدورها الطبيعى فى القارة الإفريقية، يدًا بيد مع أشقائنا الأفارقة، الذين نتشارك معهم وحدة الهدف والمصير، ثم استضافتنا لأول وأكبر تجمع من نوعه على الإطلاق بشرم الشيخ بين الدول العربية والأوروبية، وبحضور الغالبية العظمى من قادة هذه الدول، الذين أتوا إلى مصر، لنضع أسسًا جديدة لتعاون عربى أوروبى، يقوم على الاحترام المتبادل والندية والشراكة الحقيقية، وما بين تلك الأدوار النشطة، على الساحات الإفريقية والعربية والأوروبية، فقد عادت شمسُ مصر للسُطوع".