أثار تسلم مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى للعام الجارى، ارتياحا كبيرا وسط الدول العربية، نظرا لما تمثله القارة السمراء من بعد إستراتيجى وأهمية كبيرة، بسبب المزايا الفريدة التى تمتلكها، إضافة إلى أن تلك الخطوة تسهم بالتأكيد فى ضمان حقوق مصر المائية، التى تأثرت سلبا بحالة الجفاء المصنوعة التى حدثت بين مصر وعمقها الإفريقى فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وحكومة الإخوان التى لم يكن يشغل بال قادتها سوى تمكين أنفسهم فى حكم البلاد وأخونة جميع أجهزة الدولة. واستمر ذلك التجاهل لسنوات عديدة، تناقص فيها عدد الرؤساء الأفارقة الذين زاروا مصر، كما انحسر مستوى التنسيق بين الجانبين حول القضايا التى تشغلهما. هذا الوضع أدى إلى تراجع مستوى التأثير المصرى فى المحيط الإفريقي، وأدى إلى حالة من الغياب المعنوى استثمرتها جهات لتحقيق مصالح خاصة بها، طمعا فى ثروات القارة الإفريقية، وبدأت فى التغلغل وسط الدول الإفريقية، تجاريا وأمنيا وسياسيا، وحرصت على تعميق الفجوة بين إفريقيا والعالم العربي.
بعد ذهاب نظام الإخوان وتفجر ثورة يونيو، اتخذ الاتحاد الإفريقى قرارا متسرعا بتجميد عضوية مصر، بذريعة الاستيلاء على السلطة، وفور انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونتيجة لجهود قامت بها العديد من الدول التى تدرك حجم التأثير المصرى وضرورته، عادت القاهرة إلى لعب الدور الذى ظلت تقوم به. وهنا ينبغى الإشادة بطريقة التعامل التى اتبعتها حكومة الرئيس السيسى فى التعامل مع تلك الأزمة، التى ابتعدت عن الانفعال والتعامل بردود الأفعال، فكانت العودة طبيعية وبدون آثار جانبية، فقد حرصت مصر على تأكيد جملة من الثوابت التاريخية والإستراتيجية، المتمثلة فى تعزيز التعاون مع دول القارة، والمساهمة الفاعلة فى برامج الاتحاد الإفريقي، ووضع جميع الخبرات والإمكانات المصرية تحت تصرف شقيقاتها من الدول، وزيادة المنح الدراسية التى تقدمها للطلاب الأفارقة، إضافة إلى دعم مصالح جميع دول القارة فى المحافل الدولية. وأسهمت هذه السياسة الحكيمة فى إذابة الجليد الذى اعترى العلاقات خلال الفترة الماضية. كذلك تبنت القاهرة خطابا سياسيا وإعلاميا جديدا، يقوم على الاعتزاز بالانتماء الإفريقي، وتزايدت زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى وكبار مسئولى الدولة للدول الإفريقية ومشاركتها فى جميع المناسبات الوطنية لتلك الدول، وتدشين مسارات جديدة من العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون على جميع المستويات، وكان لذلك الاهتمام أثر كبير فى ارتفاع مؤشر العلاقات الثنائية بين الجانبين.
ويلمح كل متابع للأوضاع السياسية الاهتمام الكبير، الذى يوليه الرئيس السيسى شخصيا لعلاقات بلاده بدول القارة السمراء، فمنذ انتخابه رئيسا لمصر فى يونيو 2014، وعقب رفع قرار تجميد عضوية بلاده فى الاتحاد الإفريقى قام بنحو 21 زيارة لدول إفريقية، مما يشير بوضوح إلى رغبته الكبيرة فى تعزيز العلاقات المصرية - الإفريقية، وانعكس ذلك الاهتمام مباشرة فى تراجع أزمة سد النهضة التى مثلت تهديدا مباشرا لشريان الحياة فى مصر، المتمثل فى نهر النيل، وأبدت معظم دول حوض النيل مرونة فى إعادة التفاهم حول القضايا التى كانت مثار خلافات واسعة فى الماضي، حتى إثيوبيا التى أبدت فى السابق تعنتا حول تفاهمات سد النهضة اختلفت حدة تعاملها، وبات بالإمكان التفاهم للوصول إلى حلول وسطى ترضى الجميع.
عودة مصر الطبيعية إلى حضنها الإفريقى لاشك ستنعكس خيرا على جميع الأطراف، فالقاهرة مهتمة بطبيعة الحال بزيادة ذلك التفاهم، عطفا على مصالحها الكبيرة فى القارة السمراء، ودول إفريقيا فى أمس الحاجة للخبرات المصرية الكبيرة فى جميع المجالات، الاقتصادية والبشرية والتعليمية، ووزنها السياسى الكبير. حتى الدول العربية سوف تجنى الكثير من المكاسب، لا سيما على الصعيد الاقتصادى إذا أخذنا فى الاعتبار الإمكانات والثروات الطبيعية الهائلة التى تذخر بها إفريقيا، إضافة إلى كونها سوقا ضخمة يمكنها استيعاب المنتجات العربية، وقبل كل ذلك زيادة التأثير فى دوائر صنع القرار السياسي، خصوصا إذا أدركنا أن مواقف الغالبية العظمى من الدول الإفريقية مساندة بقوة للحقوق العربية، وفى مقدمتها حقوق الفلسطينيين فى قضيتهم العادلة.