حققت الدبلوماسية المصرية خلال فترة وجيزة إنجازات مهمة في محيطها الإفريقي, لتستعيد مكانتها المفقودة لسنوات طويلة في القارة السمراء بسبب إدارة ملف العلاقات المصرية الإفريقية بأقل قدر من الاهتمام, دون النظر للمصالح المشتركة التي يتطلب تحقيقها التعامل مع الأفارقة باعتبارهم شركاء في التنمية ووحدة المصير. وتأتي زيارة رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما للقاهرة الأسبوع الماضي, بمثابة تتويج للجهود المصرية الرامية لإعادة مصر إلي إفريقيا وتكريس للنشاط الإفريقي البارز الذي يقوده الرئيس السيسي, فجنوب إفريقيا كانت آخر دول القارة التي أقرت بشرعية30 يونيو, كما أنها كانت وراء تجميد عضوية مصر بالاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد. المتابع للإستراتيجية المصرية في التعامل مع القارة الإفريقية يستطيع أن يدرك أنها تجاوزت مرحلة البحث عن الشرعية, إلي مرحلة توطيد العلاقات, في إطار الأمن القومي بمفهومه الشامل الذي يمتد لجنوب القارة السمراء. النتائج الإيجابية للقاء السيسي وزوما كانت واضحة في التصريحات المنسوبة لرئيس جنوب إفريقيا, سواء فيما يتعلق بالإعلان عن تقديره للحوار مع الرئيس, وما أتاحه من إيضاحات مهمة لحقيقة تطورات الأوضاع في مصر, أو فيما يخص التحديات التي تواجه المنطقة والقارة الإفريقية, والأهم من كل ذلك وصفه اللقاء ب الصفحة الجديدة في العلاقات بين البلدين. المساعي المصرية لتأكيد عودتها القوية إلي إفريقيا بدت واضحة من خلال المشاركة رفيعة المستوي في جميع الفعاليات والقمم التي جرت مؤخرا, بعد تجاهل استمر عدة سنوات مما ساهم في إزالة انطباعات سيئة بسبب تفسير الغياب المصري بأنه نوع من التعالي والتجاهل. تصريحات رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب مؤخرا خلال مشاركته في قمة الكوميسا تترجم علي أرض الواقع نتائج التعامل الجاد مع ملف العلاقات الإفريقية, فهو يشير إلي أن حرص جميع الدول الإفريقية علي الالتقاء بالمسئولين المصريين يؤكد أن مصر استعادت دورها في المقدمة بالقارة, وإنها انتقلت من مرحلة الخمول إلي الفاعلية في المؤسسات الإفريقية المختلفة. مصر تعمل حاليا علي بناء الثقة المفقودة في إفريقيا, حيث تراجعت مصداقيتها في الماضي مع تراكم الوعود التي لم يتم تنفيذها, لكن مصر في الوقت الراهن تعمل وفق توجه جديد لكسب وتعزيز هذه المصداقية. الفرصة متاحة أمام مصر لتحقيق مكاسب كبيرة من خلال تدعيم التعاون الاقتصادي مع دول القارة الإفريقية, حيث تشكل إفريقيا سوقا كبيرة للاستثمارات المصرية, مع عدم إغفال الأهمية السياسية, فالقارة تضم54 دولة يشكلون قوة كبيرة يعتد بها, ودعما لمصر في المحافل الدولية. وفي هذا الإطار تبرز أهمية استضافة مصر في يونيو المقبل بشرم الشيخ قمة التكتلات الاقتصادية الثلاثة في إفريقيا, الكوميسا, تجمع شرق إفريقيا, السادك, لإعلان اندماج التكتلات الاقتصادية الثلاثة لتكون خطوة مهمة نحو إنشاء منطقة التجارة الإفريقية الحرة. وفيما يتعلق بالملف الأمني علينا أن ندرك أن إفريقيا هي الباب الجنوبي للأمن القومي المصري, خاصة أن الكثير من الحركات الإرهابية لها أصول إفريقية, كما أن تجارة تهريب البشر والسلاح والمخدرات, الغالبية منها وافدة من إفريقيا وتؤثر بشكل مباشر علي أمن مصر. لاشك أن الجهد المصري الموجه إلي القارة الإفريقية حقق نجاحا ملموسا في ترميم جسور الصداقة مع دول القارة, في سبيل تحقيق المصالح المشتركة التي تتنوع في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية, كما أنه يسهم في إعادة مصر إلي مكانتها الرائدة إفريقيا باعتبارها لاعبا أساسيا في التعامل مع كافة قضايا القارة الواعدة. [email protected]