تظل عقولُ البشر مُحيّرة بما فيها من تعقيدٍ وتشابك. وتظل العقول تحتارُ فى أمرِ العقول. كما أن الله قد خلقنا على الفطرةِ السليمة، حيث ندرك بتلقائية ما هو الخير وما هو الشر، وكذلك ندرك ما هو صحيح وما هو خاطئ، فإننا أيضا ندرك من البشر من يمارس الخطأ وهو يعلمه، ويرتكب الأخطاء والمعاصى وهو على بينة من كونها أخطاء ومعاصي، لكن يسول له شيطانه حججاً تبرر له ما يقترفه من إثم. ونضرب مثلاً لكفارٍ فى عرض البحر وقد ضربت سفينتَهم الأمواجُ العاتية فيرفعون أذرعهم إلى السماء صائحين ومنادين “يا الله”، حيث تدرك فطرتهم وجود الخالق القهار وإن كفروا بهذه الحقيقة لحين. ونحن ندرك أيضاً أن هناك القلة ممن لا يترددون فى قول الحق والاعتراض على كل ما يندرج تحت مسمى “اللا منطق”. ونجد أن هؤلاء دائماً ما تَصعُب عليهم أمورُ حياتِهم وتتثاقل عليهم الهموم، فهم يجدون أنفسهم فى صراعاتٍ شتى ترهق أذهانَهم وأبدانَهم ولكنهم - بسبب طبيعتهم وما لديهم من خلفية ثقافية ومبادئ لا تَنهَزِم - نجدهم لا يسعون إلى غير ذلك سبيلاً فهم لا يَكِلِّون ولا يَمِلُّون ولا يَنهَزِمون ولا تتغير مبادئهُم. وهكذا تسير الحياة بما فيها من متناقضات تراها أعيننا وتُدركها حواسُنا، وتتمكن فطرتُنا التى غرسَها فينا الخالق، أن تُميِّز فيها الصالح من الطالح. ويشترك أغلب الناس فى قدرتهم على التعرف على ما هو منطقى من أمور الدنيا وأحوالها، لكنهم يختلفون ويتباينون فى ردود أفعالِهم. ومما لا شك فيه أن أغلب الناس لا يتفاعلون مع ما يرونه ويدركونه فى سياق حياتهم اليومية، من أمور تندرج تحت مسمى “اللا منطق”، التى تصادف مجريات حياتهم العملية والوظيفية وحتى الشخصية. فإن أخَذْنا أحد أماكن العمل مثالاً كأن يكون شركة أو مصنعا أو جامعة .. فسندرك أن أغلب العاملين به يتعاملون مع “اللا منطق” بقبول وترحاب كأنما هو طبيعة غالبة ولا مَفر منها، فلا يُبدون اعتراضاً ولا تعليقاً ولا ينطقون بكلمة الحق. وسنجد على الجانب الآخر قلة قليلة ممن لا يرضون بهذا “اللا منطق” ويفصحون عن اعتراضاتهم وتعلو أصواتهم مطالبةً بالمنطق ولا يخافون فى الحق لومةَ لائم. فعن أبى سعيدٍ الخدرى رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبهِ، وذلك أضعفُ الإيمان) رواه مسلم . كما أن ربَ العزةِ سبحانه وتعالى قد أمرنا بصدق القول فلا نهابَ أحداً إلا هُوْ، فنقول الحق ولا شيء غيره. ولا ننسى أن من أسمائه الحسنى “الحق” . قال تعالى فى الآية 32 من سورة يونس : “فذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ". كما انه - جلَّ فى عُلاه - قد وصف الإسلام بدين الحق. قال تعالى فى الآيه 33 من سورة التوبة، “هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ". وأيضاً جاءت كلمة الحق وصفاً للقرآن الكريم، فقال تعالى " وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا “ الإسراء: 105 وعلى هذا فواجب علينا أن ننبرى بقول الحق دون خوف، حُباً لهذا الوطن وإتباعاً لأمر الخالق وسُنّةِ نبيه ونبتغى فى هذا رضوان الله ومغفرته. ولن تنهض مصرُنا الحبيبة بهؤلاء الراضين باللا منطق والخاضعين لمصالحهم وأهوائهم دون النظر إلى الصالح العام وما يُفيد الوطن. إن المحروسة لن تنهض إلا بأبنائها المخلصين الأقوياء الرافضين للا منطق والذين لا تعلو أصواتهم إلا بالحق. قال تعالى “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ “ الأعراف: 181 تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر ..