ترصد مجلة "الأهرام العربى" فى عددها الصادر السبت الاعتداءات على التراث المعمارى لمدينة بورسعيد التى ينشط شبابها المثقف لمواجهة هذه الحالة على النحو الذى يعيد فى الذاكرة إنتاج مشاهد من مسلسل “الراية البيضاء “ الذى كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة، ليجسد صور المواجهة بين رأس المال الطفيلى والمثقف العاجز عن الفعل . خالد عبد الرحمن جزء من حملة نشطة وقف ممثلوها بلافتات أسفل المركز الثقافى اليونانى القديم ومعه عدد من مثقفى المدينة لوقف عملية هدم المبنى ومعه مئات المبانى التى نجح شباب الحملة فى تسجيلها فى قائمة تضم 505 مبان بهدف وضعها على قوائم التراث العالمى . ويحدد عبد الرحمن والفريق الذى ينشط معه جملة من المبانى من بينها المركز التجارى سيموت آرت على كورنيش القناة فى منطقة الممشى قرب معدية بورفؤاد، وهو مبنى تديره شركة الصالون الأخضر حاليا، وكان ضمن ممتلكات عائلة يهودية معروفة، وتم تأسيسه فى الثلاثينيات وهو مبنى له سمات معمارية نادرة لأنه يعبر عن العمارة الإيطالية خلال الثلاثينيات فى قمة تجليها الطليعى، كما تضم القائمة مبنى فنار بورسعيد القديم وعدة مبان على كورنيش القناة من بينها المركز الثقافى الإيطالى المغلق حاليا “ يخشى أن تواجه مصير سينما الأردورادو" المغلقة حاليا من دون ترميم أو عناية، وتواجه مصيرا غامضا أو أن تعيش مأساة فندق أثينا الذى حضرت كاميرا “الأهرام العربى “ آخر مراحل هدمه، وهو فندق صغير يجاور مبنى مهمل لفندق تاريخى آخر هو فندق “ الناسينوالى “ الذى كان أحد أبرز علامات بورسعيد فى الأربعينيات، كما تكشف عن ذلك الصور التى وضعها عبد الرحمن على الفيس بوك والتى يمكن مقارنتها بصور حديثة لنفس المبانى وضعها المصور وليد منتصر كاشفا عن مأساة تعيشها تلك المبانى كلها . ويشير الكاتب أسامة كمال إلى أن المحافظة أبدت نوعا من الاهتمام، لكنه اهتمام غير فاعل ولا يقوم على قاعدة بيانات صحيحة، إضافة إلى أن المحافظة شهدت فتورا فى القيادات التنفيذية لم يؤد إلى اتخاذ قرارات جادة وملزمة لوقف عمليات الهدم من ناحية، ومن ناحية أخرى تعانى المدينة من غياب لدور “ مخطط المدن “ الواعى باحتياجاتها الثقافية العمرانية والمجتمعية، فالدولة لا تملك تصورا لاستيعاب الزيادة السكانية، وبالتالى ترى أن هدم المبانى التاريخية واستبدالها بالأبراج يمثل بدوره مساهمة فى حل أزمة السكن . ويرى الدكتور صدقى أن هناك عشرات البدائل التى تمكن من استثمار هذه المبانى بشكل رشيد، ويتساءل لا توجد سياسات حماية للمبانى، وليس لدينا ميثاق عمرانى أو كود مبان، وكل هذه المبانى بالقانون لو سقطت، ووزارة الثقافة غير مهتمة أصلا، متهما جهاز التنسيق الحضارى الذى يترأسه الكاتب سمير غريب بالعجز أو عدم الاكتراث، فهو على حد قوله «لم يقم بجهد فى الشارع لتوعية الناس بقيمة المبانى التاريخية، ولم ينظم ورش عمل لحماية التراث، وحتى اللجنة التى شكلها لحصر مبانى المحافظة برئاسة المعمارية دليلة الكردانى يراها صدقى غير فاعلة « كما لا يوجد تنسيق بين الجهاز الاستشارى ووزارة الإسكان وأجهزة المحليات، لكنه يؤكد أن المبانى التى بحوزة هيئة قناة السويس لا تزال تحت الحماية على الرغم من تدهور حالتها بسبب غياب وعى سكانها بقيمتها التاريخية، مشيرا إلى حالة صور فيلات « بورفؤاد « التى يسكنها كبار موظفى هيئة قناة السويس . وفى مقابل الإهمال الرسمى، تسعى جمعية الثقافة الفرنسية ببورسعيد إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية، كما يشير إلى ذلك الفرنسى بيار الفاروبة، مدير الجمعية الذى يسعى إلى مخاطبة اليونسكو لوضع مجموعة من مبانى المحافظة ضمن قائمة التراث العالمى، وهذا من شأنه أن يضمن لها الحماية الدولية ومن ناحية أخرى يدفع إلى البحث عن سبل لإعادة توظيفها بما يخدم مصالح الناس . يقول بيار: « شعرت بالأسف عندما جئت لبورسعيد فى العام 2009 ووجدت نمطا معمارياً فريدا لا مثيل له فى العالم، لذلك قررت التوقف عن عملى كمدرس لغة فرنسية والتفرغ لهذه المهمة إنقاذ لهذا التراث، والعمل مع معماريين بارزين وتطوير الجهد الذى قامت به المديرة السابقة للجمعية، وهى فاليرى نيقولا التى عملت مع مرممين ومعماريين فى ورش عمل عديدة لتوثيق هذا التراث فى كتب تضمن كل مدن القناة . وتقول الدكتورة سهير زكى حواس، رئيس الإدارة المركزية لجهاز التنسيق الحضارى: إن الجهاز اهتم بالمبانى التاريخية لبورسعيد خلافا لما هو شائع لكن الجهاز يواجه جملة من المشكلات فى التعامل مع هذا الملف، أبرزها مناخ الانفلات الأمنى وشيوع حالات التعدى على أملاك الدولة والأراضى الزراعية. وتشير حواس إلى أنه من المفترض أن تقوم أجهزة المحافظة بالعودة إلى جهاز التنسيق الحضارى قبل اتخاذ قرارات تسمح بالهدم، لكن لا يحدث هذا، فالإنشائى إذا وجد أى عقار مهددا، فعليه أن يوصى برفعه من قوائم الحصر الموثقة لدى مجلس الوزراء لا أن يتخذ القرار ترى حواس أن الهندسة لا تعرف المستحيل، وأنه بالإمكان حماية أى مبنى، ففى أسوأ الظروف يمكن إزالة المبنى والإبقاء على الواجهات، فهناك صور عديدة لإحياء أى مبنى لكن المشكلة الرئيسية أن جهاز التنسيق الحضارى لا يملك حق الضبطية القضائية، وبالتالى سلطة إيقاف التعدى، لكنه يقوم بإبلاغ الجهات المختصة، وهنا تبقى سلطة الضبط منوطة بالمحافظة . وقد سعت «الأهرام العربى» للاتصال بمحافظ بورسعيد لكنه لا يرد على هاتفه الشخصى.. وفى العدد بقية التفاصيل.