بالرغم من ان محافظة البصرة هي المنتج الأول للنفط في العراق فضلا عن خيراتها الأخرى، غير انها لم تستفد من هذه الخيرات والعوائد المالية للنفط في حل مشكلاتها المتفاقمة منذ سنوات خاصة ازمة شح المياه والكهرباء ونقص الخدمات. فمعاناة اهل البصرة من شح المياه والخدمات ليس وليد اليوم، بل ترجع لسنوات طويلة، ومع استمرار الصراعات السياسية والحروب فقد زادت معاناة أهلها، في الوقت الذي لم يولي المسئولون في الحكومات المتعاقبة الاهتمام الواجب لحل مشكلاتها المتواصلة عاما بعد أخر بشكل يقلص على الأقل من معاناة سكانها. إن اهل البصرة يعانون من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي، بل وأصيب الكثير منهم بالأمراض نتيجة تلوث المياه وغياب كبير للخدمات في الكهرباء والرعاية الصحية، ناهيك عن أزمات البطالة الناتجة عن تأثيرات سنوات الحرب والإرهاب الداعشي، وكانت النتيجة الطبيعية ان ينفجر الناس من الداخل، وعبروا عن انفجارهم الداخلي بما شهدناه من احتجاجات وتظاهرات. ورغم انني أؤيد حق اهل البصرة بالمطالبة بحقوقهم في حياة كريمة من مأكل ومشرب ورعاية صحية وخدمات كالكهرباء والاتصالات غيرها، ولا اعترض اطلاقاعلى خروجهم في هذه التظاهرات لدق ناقوس الخطر ودفع المسئولين للاسراع في إيجاد حلول عملية لأزماتهم الصحية والمائية الا انني أقف امام تجاوز التعبير بالاحتجاج السلمي الى اعمال شغب التي أدت تخريب بعض المنشأت و المصالح الحكومية و خاصة ما يسهم في انبعاث نيران الفتنة مجددا ، والي فوضي بات العراق قاب قوسين للتخلص من أثارها . ان الاحباط الذي يعاني منه غالبية الشعب العراقي يرجع في احد اسبابه إلى الفساد المستشري في أغلب مفاصل المؤسسات، ما يستوجب أن تسرع الحكومة العراقية في اقتلاعه من جذوره. وفي تقديري ان كل المسئولين بالعراق مطالبون بالإسراع لإخماد نيران فتن الفساد، ومحاسبة كل من يتورط فيه بالأحكام العقابية المشددة. واتصور ان المسئولين مطالبين بإعلان حالة الطوارئ في البصرة والبدء في خطة عمل شاقة تستهل أعمالها بعلاج المصابين نتيجة تلوث المياه، والتعاون مع جميع دول الجوار عبر اتفاقيات تعاون لإيجاد حلول سريعة وعملية لإنقاذ اهل البصرة من العطش وتلوث المياه. كما ان اهل البصرة في حاجة ماسة لتوفير فرص عمل لتقليص نسب البطالة بين شبابها، وهنا ادعو رجال الاعمال الشرفاء الوطنيين للإسراع في إقامة مشروعات اقتصادية عاجلة لتوظيف قدرات الشباب العاطل عن العمل حتي ولو في مهن بسيطة حتى يستعيد العراق عافيته الاقتصادية. اكرر أن احتجاجات اهالي البصرة يظل حقا مشروعا، ولكن ليس مقبولا ان يتجاوز حدود الاحتجاج السلمي الى قيام البعض بأعمال فوضي و اقتحام مؤسسات نفطية والاضرار ببعض المبانٍ والممتلكات الحكومية والاقتصادية. ولا شك ان سقوط جرحى ومصابين في صفوف المحتجين المواطنين خلال عمليات فض هذه التظاهرات يعد شيئا مؤسفا لم نتمنى وقوعه ، فدم الموطن العراقي غالي واصابة أي فرد يمثل جرحا للوطن كله، لكن هناك ضرورات أمنية تدفع الأجهزة الأمنية لوقف الاحتجاجات الفوضوية التي تدمر المصالح العامة الا انها يجب ان تكون محكومة بمعايير حقوق الانسان و الالتزام بقوانين حرية التعبير و حق المواطن بالمطالبة بحقوقه الشرعية التي تاخرت عليه كثيرا. في تقديري انه كان بمقدورنا تجنب ما وصلنا اليه من انفجار شعبي، لو ان المسئولين استجابوا لحقوق سكانها المشروعة في توفير الخدمات الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية، وعلى ذلك فان اول خطة ينبغي اتخاذها في معالجة هذه الازمة هي محاسبة المتورطين فيها وهم المقصرين في أداء وجباتهم بحق اهل البصرة. واظن ان القرارات السريعة التي اتخذتها الحكومة الاتحادية لاحتواءها عبر تشكيل لجنة وزارية لمتابعة الأوضاع في المحافظة، خطوة على طريق الإصلاح تبعها اعلان وزارة النفط عن توفير10 آلاف درجة وظيفية على قطاع النفط لأبناء المحافظة في أسرع وقت اتمني ان يتم التوظيف اليوم قبل الغد. اعتقد ان الأوضاع المأزومة بالعراق خاصة بالبصرة تحتاج أكثر من أي وقت مضي الى التحلي بالحكمة واعمال القانون، والإسراع بحل مشكلات الناس وانهاء معاناتهم قدر الاستطاعة في محاولة سريعة لامتصاص الغضب الشعبي من ناحية، ولتطبيق حقوق الانسان في حياة كريمة في وطنه الذي لا يعرف غيره.قبل ان تتزايد نسبة المهاجرين بلا عودة الى بلاد الغربة هربا من الظلم المادي و الاجتماعي و الخدمي ولعل اسراع الحكومة العراقية بإعلان التحقيق في حادث إصابة بعض المتظاهرين من البصرة خطوة مهمة في سياق الحفاظ على كرامة المواطن العراقي وحفظ دمه وروحه. كما ان الحكومة العراقية مطالبة ببذل اقصى جهدها وتسخير طاقتها وعلاقاتها وخبرائها المتخصصين في حل مشكلة ملوحة المياه بالبصرة، ولعل بشائر الخير قد تحقق قربيا بعد اتفاق العراق مع جارته ايران في يوليو الماضي على انشاء سدّ على شطّ العرب لمواجهة أزمة ملوحة المياه، في منطقة أبو فلوس. نعم انها خطوة عملية لحل ازمة المياه لكنها تأخرت كثيرا . وهنا ادعو كل المسئولين بالعراق الى ضرورة الإسراع بحل مشكلات البلاد في جميع جوانب الحياة اليومية للمواطنين قبل ان تنفجرالأوضاع وان نستفيد من أخطائنا السابقة ونحول دون انفجار الغضب الشعبي في اية منطقة من مناطق العراق الحبيب.