بدأ الإنسانُ مُنذ خَلَقَهُ اللهُ تعالى وأسكَنه هذه الأرض، واستمرَ على مدى آلاف السنين فى وضع تكوينات ونواميس ونظم لحياتِه. وتوالت الأجيال، الجيلُ تلو الآخر يُضيف لمن سبقَه ويُعَمِّر فى الحياة ويصنعُ المستقبلَ لمن يليه من الأجيال.
ولا يمكن للمستقبل أن يتَشَكَّل ويتكوَّن فى الزمن اللاحق، ولكنه يتَشَكَّل فى الزمن الحاضر ويَزهو ويسطَعُ فى الزمنِ اللاحق، فالمستقبل يصنعهُ كلُّ جيلٍ فى حاضِرِه من أجل الجيل الذى سيلحقُ به. فنحن فى جيلِنِا هذا من سيصنعُ المستقبلَ لأبنائنا، والأبناء هم من سيصنعونه للأحفاد وهكذا تسيرُ الحياة متتالية ومتعاقبة.
وترتبط قدرةُ كلُ جيلٍ على صنع المستقبل بقدرتِهِ على صنع التغيير. وفى هذا الشأن تحديداً يختلفُ كلُ جيلٍ عن الآخر، فبعضُ الأجيال تقبل أمورَ حياتِها كقوالبٍ ثابتة بحُلوِها ومُرِّها ولا يألون أيَ جهدٍ لِصُنع أى تغيير، فتسير بهم الحياة رتيبة ومملة واذا بهم يجتَرُّون مشاكلها الثابتة يوماً بعد يوم ولا يسعَونَ الى حلِّها أو حتى محاولة حلِّها. وعلى هذا، تنتهى بهِم الحياة كما بدأت ويتركونها دونَ أثرٍ منهم يذكرهُ لَهُم التاريخ. ليس هذا فقط ، بل يُورِّثونها لأبنائهِم وأحفادِهم.
كما أن التغيير واجبٌ على كلِّ جيلٍ من أجل صُنع المستقبل، فإن سرعةَ التغيير والقدرة على تحقيقِه فى أقصرِ وقتٍ ممكنٍ لا تقلُ أهمية عن التغيير نفسِه. فالزمن محسوبٌ على الإنسان، وحياةُ الإنسان ما هى الا فترة زمنية محددة بأمر الله ما بين نقطتين ثابتتين هما ميلادِه ووفاتِه، وفيما بينهما عليه أن يَجِد ويجتهد ليُعَمِّر فى الأرض ويُحدِث كلّ تغييرٍ إلى الأفضل وفى أسرعِ وقتْ فالنقط ثابتة لن تتغير وكل دقيقة فى حياته تمر دون فائدة محسوبةٌ عليه وهو خاسِرُها إن لم يكسبَها فلا يوجد خِيارٌ ثالث. ويتوَجَّب عليهِ أن يسعى لأن يكون كلُّ يومٍ من عُمرِهِ مُثمراً وله ناتجٌ ملموسٌ لَهُ أو لأهله أو لوطنِه. وبعضُ الأوطان تمرُ بأزمنةٍ تكون فيها أحوجَ ما تكون لتستوعب وتُفَعِّل هذه ألفلسفة سابقةَ الذكر، ومنها مِصْرُنا الغالية، فالسنوات الأخيرة من عمرِ هذا الوطن تَمَيّزت بمخاطرٍ وتهديدات من الداخل والخارج ، إن لم نكن منها على يقظةٍ وإستعداد أتت علينا وعلى مُقدَّرات الوطن، وهذا يَستوجبُ أن نعمل ونُغَيِّر ونَسعى إلى تحسين حاضرنا، وأن نصنع المستقبلَ لأبنائِنا على أقلِ تقدير إن لم يُمهِلُنا الزمن لنصنعَ الحاضرَ لأنفُسِنا. فإن وَفقنا اللهُ إلى هذا فقد أحدَثنا تغييراً سَيقف له العالمُ احتراماً وتقديراً لنا وتتذكرنا الأجيالُ القادمة بكلِ خير ويترَحَّم على أرواحِنا الأبناءُ والأحفاد أَنْ ضَحينا بحاضِرنا من أجل مستقبل الوطن.
لعل ما سبق من إيضاحٍ لحقائق الحياة ونواميسِها يُبين لنا ويُفَسِّر لماذا أسرع الرئيس بِكل ما أُوتى من قوة وإمكانات لإحداث تغييرات قوية وواضحة فى مشاريع التنمية والعلاقات الدولية وتعزيز قدرات الجيش التسليحية والمعنوية. قامَ بكلِّ هذا مُصارعاً الزمن وحاثّاً ألمسئولين والشركات المصرية وغيرها أن يُقلِّصوا زمن المشاريع ما أمكن.
لقد قام الرئيس بكلِّ هذا لإدراكِه أنه لا مَجال لتضييع الوقت فكلُ دقيقةٍ محسوبةٌ علينا، وكذلك لإدراكه حجمَ المسئولية المُلقاة على عاتقِ هذا الجيل بالتحديد بحُكم ما أتى به التاريخ من أحداث فى السنواتِ الأخيرة وبحكم حجم مصر الدولة ذات التاريخ ، وكذلك لإيمانه بقدرات هذا الشعب بشبابِه ومُخضرَميه على إحداث التغيير الحقيقى وتَفعيل التنمية كما يجب أن تكون. ولا بأس أن يكون المستفيد الأكبر من كل ما يحدثُ من تطوير، سيكون للأجيال القادمة أكثر مما يستفيد منه الجيلُ الحالي.
إذاً فهى معركةٌ حقيقية من أجل المستقبل وهى ليست بالمعركةِ السهلة ، ولكن هذا قدرُنا لا محالة فقد ضاعَ من الوقت الكثير ولا مكان بيننا إلا للشرفاء السّاعين إلى نهضة الوطن والمُدركين أننا ما بين نقطتين.