د. ناهد يوسف: برنامج وطنى لتحسين منظومة المخلفات فى مختلف المحافظات د.نور فرج: مشكلة متراكمة واللجوء لغير المتخصصين أدى لانفجار الأزمة
تعانى مصر من مشكلة القمامة المستعصية منذ سنوات كثيرة، في الأحياء الراقية والفقيرة علي السواء، متسببة في تلوث البيئة وتشويه المظهر العام للشوارع، بالإضافة إلي الأمراض التي تصيب المواطنين نتيجة تراكم الحشرات عليها. وبرغم كل الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة، ما زالت الأزمة مستمرة. حيث تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة البيئة إلى زيادة حجم القمامة عاما بعد عام بشكل كبير خصوصا مع تزايد عدد السكان، حيث بلغ حجم القمامة عام 2000 نحو 20 مليون طن، بل إنها وصلت إلى 30 مليون طن عام 2016. وفي السطور التالية تناقش «الأهرام العربي» قضية القمامة من منظور من يلمسون واقع الأزمة لوضع حلول يمكن تنفيذها علي أرض الواقع : في البداية يقول الدكتور نور فرج المستشار البيئي: إن مشكلة المخلفات في مصر متراكمة منذ سنوات وقد تم طرح حلول كثيرة منها المبتكر ومنها التقليدي، وهناك مقولة شهيرة تقول (المخلفات في مصر ملهاش صاحب يسأل عنها) التى تعبر عن سوء المشكلة لذلك يجب أن نحدد المسئوليات بوضوح، خصوصا أن إدارة المخلفات الصلبة موضوع يحتاج إلى عدد كبير من التخصصات، خصوصا أننا لا نعانى نقصا في المعدات، إذ نشترى معدات بملايين الدولارات، ونظرا لأنه لا توجد منظومة تشغيل جيدة، نفاجأ بمشاكل نقص السائقين المدربين والعمالة المهرة لتشغيل المعدات، ونقص ورش صيانة المعدات، من ثم تظل المعدات مهملة حتى يتم تكهينها، والأمثلة علي ذلك كثيرة، فعلي سبيل المثال، ففى إحدى المحافظات تم إنشاء محطة وسيطة متطورة منذ 20 سنة تقريبا، وهذه المحطة كانت ممولة من جهة مانحة حتى الآن وللأسف المحطة لم تعمل، والضواغط أو مكابس النفايات. ويؤكد فرج أن منظومة المخلفات لا تقتصر على عملية جمع المخلفات من البيوت، فالمنظومة تشمل الجمع والنقل والتخلص الآمن، ونظافة الشوارع العامة والتقاط النفايات من الشوارع، وكنس الشوارع، وتوفير صناديق وحاويات لجمع المخلفات، ثم نظام غسيل للحاويات كل فترة لمنع توالد الحشرات، كما أن التخلص الآمن معناه أننا نفرز المواد القابلة للتدوير ونشجع الصناعة الخاصة بإعادة التدوير، ويمكن إنتاج الوقود البديل من المرفوضات، وإقامة مدافن صحية طبقا للمواصفات الفنية الهندسية السليمة، وإقامة نظام لتجميع الغازات الناشئة عن الدفن الصحي وهو (غاز الميثان) والاستفادة منه في توليد الكهرباء، معالجة مياه الرواشح. وأشار الخبير البيئى إلى أن المواطن يهمه في المقام الأول التخلص من قمامته كخطوة أولي لذلك فإن القطاع الخاص أسهل وأسرع وأكثر حرصا على صيانة المعدات، لأنها رأس ماله، لكن دون وجود جهة إدارية قادرة على الرقابة والمتابعة نجد أن معظم الشركات لا تعمل بصورة جادة، فمثلا نجد مكانس لنظافة الشوارع تعمل في شوارع رئيسية مهمة وبدلا من أن تنظف نجد سحابة أتربة تصاحبها. بالإضافة إلى أنه يجب التعامل مع منظومة إدارة المخلفات على أنها صناعة وخدمة مثلها كمثل خدمة الإمداد بمياه الشرب والصرف الصحي والطرق والخدمات الصحية، وتحتاج إلى جوانب متعددة منها الجانب المؤسسي والتشريعي، الجوانب الفنية التي تشمل العامل والفني المدرب، والموارد المالية اللازمة لشراء المعدات وصيانتها وتوفير قطع الغيار اللازمة لتشغيلها وإحلالها بجديدة عند انتهاء العمر الافتراضي، مشيرا إلى أنه يجب عند تخطيط المدن الجديدة ووضع البنية الأساسية اللازمة لإدارة المخلفات بتحديد أماكن وضع الحاويات (صناديق جمع المخلفات)، تصميم أماكن المحطات الوسيطة وتخطيط الشوارع حولها، وتحديد أماكن التخلص الآمن، التى تشمل استعادة المواد القابلة للتدوير وتدويرها، واسترجاع الطاقة، والدفن الصحي للمخلفات. ومن جانبها تقول الدكتورة ناهد يوسف، رئيس الجهاز التنفيذى لإدارة المخلفات بوزارة البيئة: إن تدوير المخلفات قضية مهمة تعمل الوزارة للسيطرة عليها منذ فترة طويلة، وهى خدمة تؤديها الدولة للمجتمع المصرى، موضحة أن جهاز تنظيم إدارة المخلفات والذى تم فصله ككيان مستقل فى أواخر عام 2015 بقرار من مجلس الوزراء، لرسم الخطط التنفيذية والسياسات الخاصة لدعم منظومة المخلفات على مستوى الجمهورية، مشيرة إلى تخصيص هذا الجهاز كجهة لاستحداث تكنولوجيات جديدة لمعالجة المخلفات ومراجعة القوانين القديمة وخلق استثمارات جديدة. وأوضحت يوسف، أن منظومة المخلفات لها مراحل متعددة تبدأ من التجميع والنقل والتدوير ثم التخلص النهائى، وكل مرحلة من هذه المراحل تدعمها الدولة بشكل كبير، مؤكدة أن منظومة القمامة بها فجوة تمويلية كبيرة لتقوم بدورها على أكمل وجه، مؤكدة أنه تم وضع مخططات وإستراتيجيات جديدة لجميع المحافظات لدراسة احتياجات كل محافظة على حدة لتحسين منظومة جمع المخلفات والانتهاء من تلك الخطة ووضعها فى مخطط عام للدولة للسير عليه وهو ما يندرج تحت البرنامج الوطنى للمخلفات الصلبة الذى يبدأ بأربع محافظات وهى كفر الشيخ والغربية وأسيوط وقنا. وتضيف رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة، إن البرنامج الوطنى للمخلفات، يدعم المحافظات الأربع المعنية بتطبيق المنظومة، وهى كفر الشيخ، والغربية، وقنا، وأسيوط، حيث إن الجهاز له دوران أساسيان فى ذلك البرنامج، الأول يتضمن تحسين وضع معدات المخلفات وصيانتها، والثانى يتضمن إنشاء مصانع لتدوير المخلفات، موضحة أن المرحلة الأولى بدأت خلال 2016 و2017، حيث تدعم البرنامج بمعدات شاملة وهى عبارة عن مجموعة من اللوادر والجرارات والمقطورات، وسيارات النقل، مؤكدة تعظيم الاستفادة من المخلفات والقمامة، حيث قامت البيئة بتسهيل المنح المقبلة بشأن منظومة المخلفات.
زبال زمان أما (أحمد عيد) صاحب شركة نظافة فيقول: لابد من رفع مستوي الوعى لدى المواطن بأهمية النظافة ودور عامل النظافة في المجتمع من خلال حملات دعائية في الفضائيات وقنوات الأطفال وفي المدارس والجامعات والنوادي، وهذا دور وزارة البيئة والمحليات، والعمل على استغلال المخلفات وإعادة تدويرها، حيث إن معظم دول العالم الآن جزء كبير من اقتصادها قائم على تدوير المخلفات، وأكبر تجربة على ذلك قيام اقتصاد دولة البرازيل قائم على إعادة تدوير واستغلال المخلفات، بالإضافة إلي عودة جامعي القمامة "زبال زمان"، وأهمية تقنين واسترجاع تربية الخنازير لأنها كانت قادرة علي التهام 60 % من حجم القمامة البلدية، وأيضا لو أن الحكومة قامت بشراء القمامة من المتعهدين، بأي قيمة زهيدة لكيلو القمامة حتى لو بقروش بسيطة فسيتهافت الجميع على جمع القمامة لبيعها بدلا من التخلص منها في الساحات والشوارع. وأشار عيد إلي أن الابتكارات في مجال تدوير المخلفات والتخلص من القمامة أصبحت كثيرة منها علي سبيل المثال توجد الآن ماكينات عالمية على أعلى مستوى يتم وضع المخلفات بها وتنتج أكثر من 15 منتجا منها الماء الصالح للزراعة و الكهرباء والغاز والسولار عالي الجودة وغيرها وحتى الآن لم تنتبه الدولة إلى مثل هذه الماكينات ولا قامت الدولة بتفعيل دور القطاع الخاص للعمل بمثل هذه الأعمال بشكل جدي وحقيقي .
حلول مبتكرة فى الإطار نفسه يتحدث إسلام الرفاعي مدير الشركة المسئولة عن تصنيع ماكينة “بنك الكانز”، قائلا: إن تلك الماكينة هي صناعة مصرية وتعطي المستخدمين مكافآت مقابل النفايات الصلبة مثل الكانز والزجاجات البلاستيكية لإعادة تدويرها فيما بعد، وهي أحد الحلول المبتكرة لحل جزء من منظومة القمامة وفصل المخلفات الصلبة من المنبع ثم بيعها لشركات تدوير المخلفات لاستخدامها وإعادة تصنيعها، مشيرا إلي أن أزمة القمامة في الخارج تحكمها قوانين غليظة وحلول مبتكرة كثيرة، لذلك فكرنا في نشر فكرة “بنوك الكانز” كما يطلق عليها، خصوصا أننا وجدنا أن هذا الاستثمار في تدوير المخلفات يحتاجه المجتمع وفي الوقت نفسه مربح ويحل جزءا من مشكلة القمامة المعقدة في مصر. وأضاف الرفاعي أنهم قاموا بتطوير مشروع موجود بالفعل في كثير من دول العالم وهو “ماكينات الكانز والزجاج”، وفكرتها أن يضع المواطنون فوارغ قمامتهم من علب الكانز والزجاجات البلاستيكية للمشروبات الغازية والعصير لتستخدم فيما بعد في إعادة التدوير مقابل الحصول على عملات مالية، ولكن في مصر تم تطوير الفكرة ليكون المقابل خصومات للشراء أو دقائق شحن بدلا من المال، لأنها ستكون قليلة جدا لن تفيد كما في الخارج، مشيرا إلي أن صناعة هذه الماكينات داخل مصر يكلف فقط ربع تكلفتها إذا تم استيرادها من الخارج .كما أن إدخال فكرة الكوبونات وكروت الشحن هي فكرة مصرية، يجعل من الفكرة استثمارا مشتركا بين أكثر من جهة يؤدي في النهاية إلي رفع الوعي للحفاظ علي البيئة، ونحن الشركة الوحيدة التي تصنع هذه الماكينات محليا بالإضافة إلي إدارتها وصيانتها. وأشار الرفاعي إلى أن المشروع يركز علي أماكن وجود الشباب والأطفال فى الأندية والمدارس والجامعات والمولات التجارية وغيرها، آملا فى أن يتمكن في المستقبل من جعل ماكينات تجميع الفوارغ أو بنوك الكانز تستوعب أنواعا أكثر من القمامة مثل أكياس الشيبسي والبسكويت والشيكولاتة وغيرها من السناكس التي يتهافت عليها الشباب لتوسيع فكرة ومفهوم تدوير القمامة والحفاظ علي نظافة أماكن وجودهم. وفي الوقت نفسه يستفيدون ماديا، موضحا أنهم قد بدأوا تنفيذ الفكرة بالفعل في القاهرة الجديدة والتجمع الخامس في بعض المولات وبداخل الجامعة الأمريكية ونادي هليوبوليس.