نجيب محفوظ أهدانى أصداء السيرة الذاتية الكثير من النقاد فى الإمارات صنفونى بأننى «روائية إنسانية»
ظلت الكاتبة والروائية مريم الملا، تقرأ على مدار 30 عاما، وفجأة دون أن تشعر وجدت شيئا غريبا يزاحم نفسها، فنهضت من نومها وأمسكت بقلمها وخطت أول كتاب لها “أمومة وطفولة” كتبت عن إحساسها بابنتها وهى فى رحمها، وهذا ما جعل الروائى السورى حنا مينه ينصحها بأن تستغرق أكثر فى عالم الخيال، فسرعان ما اتجهت لكتابة «الثلج الحزين» ثم «زمن الصبر» وكل رواية لها نكهة خاصة، عاشت لسنوات فى دولة الإمارات، تأثرت بكل شيء هناك واهتمت بشكل كبير بالتراث وساعدها فى ذلك عملها كمسئول إعلامى فى مكتب «الشيخه فاطمة»، وفى حوارها مع «الأهرام العربى» كشفت عن زيارتها إلى مصر لأول مرة فى حياتها، حيث التقت بنجيب محفوظ فى أحد مقاهى القاهرة على النيل وأهداها «أصداء السيرة الذاتية».
كتبت رواية «الثلج الحزين» حيث تحدثت فيها عن والدك صراحة، فكيف تأثرت به خصوصا أنك دائمة الحديث عنه فى أغلب أعمالك؟ تأثرت كثيرا بوالدى، فكان مثلى الأعلى، كان يتمتع بذكاء شديد، تأثرت به لدرجة أنهم فى العائلة كانوا يلقبوننى “بنت أبوها” ورثت فكره وجيناته ونشأت علاقة روحية بينى وبينه، فالبرغم من أنه كان عنده ثلاث بنات فإنه كانت يتمنى وجود ابنة رابعة ليسميها مريم على اسم والدته التى توفيت قبل ولادتى بشهرين.
تأثرت بوالدك فى كل شيء باستثناء إجادتك للغة الكردية برغم حرصه الشديد على أن إتقانها لدرجة أنه أتى بمدرس للمنزل لتتعلموها؟ طبعا أنا كردية الأصل من الأبوين، ما حدث أننا الأربع بنات لم نكن نفهم أهمية اللغة الكردية، ووالدى كان يتقنها أكثر من العربية، لكننى لم أقدر أن أتقنها، باستثناء أخواتى يعرفنها جيدا.
ولوجك لعالم الأدب جاء متأخرا فما السبب؟ والدى هو أول من اكتشف الجانب الأدبى والإبداعى عندي، فكنت أحب دائما الكتاب، أى كتاب يقع فى يدى كنت ألتهمه وأقرأه لدرجة الحفظ، والدى رأى شغفى للمطالعة، لذلك كان يعطينى مصروفا يزيد على مصروف أخواتى لأشترى كتبا، قرأت لأكثر من 30 عاما، فأصبح عندى مخزون كبير، حيث اطلعت على الأدب العربى والغربى وقصص الأطفال، كنت أذهب للمكتبة المجاورة لبيتنا، وكل شيء كنت أقرأه أتخيله فيلما سينمائيا، بعد ذلك ذهبت للخليج، واستكملت دراستى هناك خصوصا أننى تزوجت صغيرة فى السن، وعندما بلغت الأربعين من عمرى طبعا أمومتى أثرت في، بشكل كبير، وابنتى كانت دافعا للكتابة، فجأة بالليل ودون أى سابق إنذار، كنت جالسة وسألت نفسى لماذا لا أكتب؟!وعلى الفور أسرعت من نومى وأمسكت بالورقة والقلم، وكتبت كتاب “أمومة وغربة” حكيت فيه عن فترة حملى فى ابنتي، ومن هنا كانت البداية.
كتبت فى كل الأجناس الأدبية، لكنك تعتبرين الرواية الأقرب لقلبك هل لأنها الأعلى مبيعا؟ الرواية هى الفن الذى يستمر لسنوات فهى تكتب فى سنوات وأقرأها لسنوات، عندى حب للسرد الطويل والقراءة الطويلة، عندما ذهبت للخليج كان عمرى 16 عاما، قرأت رواية” الدون الخائن” كانت ملحمة، فالسرد الطويل أعجبنى وكانت الرواية عن الحرب الروسية العالمية للكاتب ميخائيل شيرخو، فظهر عندى شغف بقراءة الرواية وقراءتها وكتابتها، فأنا أجد نفسى فى هذه الرواية.
أفهم من كلامك أن الكتابة بالنسبة لك مجرد هاجس؟ هى بالنسبة لى مجرد تعبير عما يختلج بنفسى من مشاعر وأحاسيس، كل شيء أحسه وأعيشه، هذا الهاجس يسيطر على من مفاهيم، أخط الأدب الإنسانى أكثر فلا تتخيلى كيف أعيش إنسانيتى والكثير من النقاد فى الإمارات صنفونى روائية إنسانية.
اهتمامك بحياة الإنسان جاء نتيجة عملك الإعلامى؟ العمل الإعلامى ليست له علاقة، فللأسف أصبح هناك خلط واضح بين العمل الإعلامى والصحفى والكتابة، لم أكتب فى يوم من الأيام للصحافة لكنى انطلقت للرواية، وهاجسى دائما الإنسان فقد خلقه الله مميزا بأشياء كثيرة أهمها عواطفه ومشاعره.
أفهم من كلامك أنك معنية بدراسة النفس البشرية، فهل درست علم نفس لمعرفة تركيبة الإنسان بانفعالاته المختلفة؟ لا لم أدرس علم نفس لكن الإنسان هو”المبدع”.
معنى ذلك أنك لديك عين الرقيب لكل حركات وتصرفات الناس من حولك؟ عينى تراقب كل شيء فى الحياة والطبيعة، وأشعر بأن الإنسان أفضل شيء فى الدنيا، أعتنى بالإنسان وهو هاجسي، أحب البشر من جميع الطوائف والجنسيات.
“شجرة التين” تناولت فيها القضية الفلسطينية برغم أنك لم تعيشى هناك؟ فى مدارسنا الابتدائية، ونحن أطفال كان عندنا لاجئون فلسطينيون فى سوريا، ففى مدينة دمشق دخل الفلسطينيون فى سفط لقربها من مدينة دمشق، وكان أغلب صديقاتى فى الابتدائى فلسطينيات، حتى اليوم أتذكر أسماءهن، كنت أرى معاناتهم وتظل التساؤلات فى ذهنى وكنت أقول لنفسى ماذا لو كنت مكانهم؟ ماذا حدث لهم؟ تكون شيء داخلى عنهم منذ صغرى وظل يلازمنى حتى هاجرت من سوريا إلى الخليج، وتعاملت معهم فى الإمارات فكتبت بدافع الواجب، وفى عام 2014 كتبت رسائل بحار فلسطينى وهى قصة حقيقية فقد قابلت بحارا فلسطينيا، كتبت عن حياته بعد التهجير وما حدث له وعائلته، حيث رصدت القضية الفلسطينية قبل الاحتلال فى 2014.
من رواية “شجرة التين” لرواية “زمن الصبر” فما الحكاية؟ عشت فى الإمارات العربية المتحدة نحو 37 سنة، فكان لا بد أن أكتب عن هذا البلد الذى أعطانى الكثير، فزمن الصبر كان حالة غير طبيعية عشتها، عشت فى عهد الشيخ زايد 21 عاما وعملت عند زوجته الشيخة فاطمة إعلامية فى مكتبها الخاص فى أبو ظبى وهذا ما قربنى منهم.
من خلال برنامجك التليفزيونى حاورت عددا كبيرا من أهم الشخصيات؟ عندما دخلت الإمارات فى 17 يناير 1983 بسبب زواجى، وقتها كنت أسمع حكايات كثيرة عن الشيخ زايد وعطائه ما جعلنى أهتم برؤيته، وقتها البلد كان يتم بناؤه بشكل لافت للنظر، هاجس الإنسان عندى دفعنى للبحث فى شخصية هذا الحاكم الذى يعتبره الجميع الأب الروحى، كان إنسانا نبيلا ومعطاء وله نظرة ثاقبة، كنت شغوفة بمعرفة طريقة تفكيره خصوصا بعدما أقام دولة الامارات بهذا الشكل الرائع التى عليه اليوم، بنى بلده، هو فعلا مدرسة حقيقية، وللأسف رأيته مرة على كورنيش أبو ظبى، والثانية حضرت وفاته وشاهدت نقل جثمانه.
ما سبب اهتمامك بالتراث الإماراتى؟ بطبيعتى أحب دراسة الجغرافيا والتاريخ، لكن عملى بمكتب الشيخه فاطمة جعلنى أهتم بالتراث وشغفت به خصوصا أن هناك بلدا عبارة عن سماء وبحر ورمل وبيوت العريش، أهل الساحل كان عندهم بيوت عريش وكانت من جريد النخيل، لفتت انتباهى معيشتهم، فحياتهم كانت قائمة على التمر والسمك والرطوبة العالية، فتساءلت كيف عاشوا، وانتبهت للغوص واهتمامهم باللؤللؤ، ذهبت لمنطقة الهير، وهى مليئة بالصدف، فهذا العالم جذبنى وكان آخر غواص بأبو ظبى يحكى لى عن الغوص وكان عمره 90 عاما ويدعى “خميس” ، الإمارات دولة لها تاريخ وتراث والبعض يعتقد أنها مدينة لها 50 عاما لكن ما أحد يعلم تاريخ هذا البلد ، الشيخ زايد دائما كان يشدد على حماية التراث.
كتبت فى عام 2007 ديوان «شظايا» فلماذا اتجهت للشعر إذن برغم عشقك للرواية؟ لا أنكر حبى الشديد للرواية، ولكن فى عام 2007 توفى والدى فلم أستطع كتابة شيء، لأنى انكسرت فكتبت شعرا، فكانت لدى رغبة لأعبر عن شيء يقتلنى من داخلي.
أعتقد أن المعاناة سبب قوى جدا للكتابة فلماذا لم تكتبى عن أحداث سوريا اليوم؟ أزمة سوريا اليوم سببت لى صدمة كبيرة لم أستطع أن أفيق منها، فهى وطنى الذى عشت فيه 17 سنة وتوقف الزمن عند هذه السن، سوريا وطنى ودمشقمسقط رأسي، أنا هربانة لم أستطع أن أرى سوريا مجروحة لم أصدق أن هذا البلد الجميل قتل، للأسف الاحتلال قتل شيئا كنت أحبه.
حلمت بالكتابة عن “مصطفى البرزانى” فما الذى منعك من الكتابه عنه؟ ظروف كثيرة، لكن فى الوقت نفسه تمنيت فعلا الكتابة عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن من خلال برنامج “رحلة عمر” اخترت 13 شخصية رافقت الشيخ زايد فى البناء وكلها شخصيات اقتربت منه.
كيف كانت علاقتك بنجيب محفوظ؟ أول دخول لى للقاهرة ساعدتنى فيه الكاتبة سناء البيسى وسناء صليحة ووفاء عبد الحميد ود. محمد الناصر، وحميدة عبد المنعم من جريدة الجمهورية هى التى أخدتنى لنجيب محفوظ، عندما علمت علاقاتها به طلبت منها أن أراه، وطبعا الأهرامات والنيل ونجيب محفوظ هم أهم أشياء بالنسبة لى فى مصر المحروسة، قابلته فى فندق على الكورنيش كان دائما يجلس فيه مع أصدقائه، حكيت له ظروفى وأنى روائية كنت أشعر بفخر شديد وأنا معه، وأهدانى سيرته الذاتية.
وماذا عن حنا مينه؟ طبعا حنا مينه شيخ الرواية السورية نصحنى عندما قرأ كتابى الأول “أمومة وطفولة” قال لى اكتبى شيئا من خيالك، وعندما كتبت الليل الأبيض قرأها وشكرنى كثيرا.
ما مشروعك الجديد؟ كتاب “هذه حياتى” أمرضنى حتى وصلت لدرجة كآبة كبيرة.
هل الثقافة فى الوطن العربى تصلح ما أفسدته السياسة؟ برغم كل الانكسارات التى آلت بالمجتمعات، لابد أن تكون الثقافة موجودة، الحروب دائما تخلف الفقر والانفلات الأمنى وأمراضا أخرى كثيرة فى المجتمع، تفرز مشكلات، لذلك لا بد أن نتسلح بالثقافة والاطلاع.
المشهد الثقافى فى الإمارات لافت للانتباه لماذا من واقع معيشتك هناك؟ لأنهم يدركون أن الثقافة سلاح مهم، كل إمارة تقيم مهرجانات كثيرة الحراك الثقافى رهيب، الثقافة بالنسبة لهم هى أساس الإنسان وتقدمه.