رئيس جامعة المنصورة يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بعدد من الكليات    نائبة: تعديلات قانون الانتخابات تضمن عدالة التمثيل وفق بيانات 2025    ارتفاع الرقم القياسي للصناعات التحويلية 3.9% خلال مارس 2025    قانون تنظيم الحج: فرض عقوبات مشددة لحماية الحجاج وتنظيم الرحلات    7 شهداء و60 مصابا في قصف للاحتلال على رفح الفلسطينية    وزارة الدفاع الروسية: دمرنا 94 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل فوق عدة مقاطعات    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    تجميد حسم البطل.. المحكمة الرياضية تحدد موعد قرار قمة الأهلي والزمالك    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    المؤبد لمتهم بحيازة 1839 طربة حشيش في الإسكندرية    بعثة حج القرعة المصرية: وصول 6720 حاجًا إلى المدينة المنورة وتقديم كافة التسهيلات    نائب وزير الصحة تبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة    الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان    «الداخلية»: إحباط محاولة تشكيل عصابي جلب «حشيش اصطناعي» ب70 مليون جنيه    طارق الشناوي ينعى المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا: يغادر الحياة يوم عرسه    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    نائب وزير الصحة تبحث مع وفد الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية    وزير الري يوجه بتطهير مصرف البلبيسي بالقليوبية    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم 24-5-2025    صدقي صخر عن فيلم "ولا عزاء للسيدات": "جريء ومختلف"    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    خلاف على «انستجرام» بين مراهقات يتحول إلى عنف خارج أسوار المدرسة    توفير فرص عمل بالأردن برواتب تصل إلى 290 دينارا شهريا    أخبار الطقس في الإمارات اليوم السبت.. أجواء غائمة على هذه المناطق    الضفة.. الجيش الإسرائيلي يقتحم نابلس ويعتقل ثلاثة شبان    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    فركش فيلم "روكي الغلابة" ل دنيا سمير غانم وعرضه بالسينمات بموسم الصيف.. صور    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يعود إلى أرض الوطن بعد إنتهاء زيارته الرسمية لفرنسا    مسئولو "الإسكان" يتابعون المشروعات الجاري تنفيذها بالقرى السياحية    وزيرة البيئة: نسعى لاتفاق عالمي عادل لمواجهة التلوث البلاستيكي يراعي خصوصية الدول النامية    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    مواعيد مباريات السبت 24 مايو - نهائي دوري أبطال إفريقيا.. والزمالك ضد بتروجت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    موسم تاريخي ل"رجال يد الأهلي" بعد التتويج ب6 بطولات والابطال يتحدثون    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم 24-5-2025 (موقع رسمي)    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    السكة الحديد: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    "القاهرة _ واشنطن" جهود مشتركة وعلاقات وطيدة    ضبط عاطل بتهمة الاعتداء على طفل جنسيا في الحوامدية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    تامر حسني يدعم كزبرة بعد أول حفل يجمعهما: «كمل يا وحش.. أخوك في ضهرك»    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال    دمشق ترحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    سباق سيارات ينتهى بحادث تصادم فى دمياط وإصابة 3 أشخاص    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده جبير يتذكر.. نجيب محفوظ كاتب مهم وليس عظيماً
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 12 - 2015

جبير مع نجيب محفوظ لم يكن نجيب محفوظ مبدعاً واحداً، بل هو جيل كامل من المبدعين الذين خرجوا من تحت عباءته، اعتادوا أن يلتفوا حوله في مقهي ريش مساء كل يوم جمعة من الساعة السادسة وحتي التاسعة، يتبادلون الحديث ويتناقشون حول قضايا مختلفة تخص الوطن والأدب والحياة بشكل عام، ومن بين هؤلاء كان الكاتب الروائي "عبده جبير"، الذي أحب محفوظ وقدّر قيمته وتأثر به كثيرا، منذ أن تعرف عليه في المقهي عام 1969 .
جمعتهما علاقة يسودها الود والتفاهم في مجملها، ضمت العديد من المواقف والحكايات، وعنها يقول جبير: "حين عدت مؤخرا لأرشيفي، وجدت أنني نشرت قصصا كثيرة حدثت بيني وبينه، معظمها حكاها لنا في جلساته، كنت التقط بعضها لاحتفظ به، لأني كنت أري فيها أهمية خاصة تتعلق بفن الرواية أو بالحياة الأدبية، وكنوع من توثيق هذه الحكايات كنت أنشرها في حينها خلال حياته، علي سبيل المثال؛ حكي لنا محفوظ حكاية المعركة التي جرت في ميدان العتبة حين نشرت جريدة السياسة الحلقات الأولي من رواية "زينب"، بعد أن سمعت القصة وجدت أنها مهمة جدا في تاريخ الأدب لأن التيار المحافظ في مصر كان يعتبر الرواية فنا وافدا غربيا وليس من تراثنا، وبالتالي كانوا يحرمون التشخيص في الرواية ويعتبرونه نوعا من الخروج علي الإسلام، فرأيت أن تسجيل هذه الحادثة وتوثيقها ونشرها بمثابة تأكيد علي ضرورة وأهمية هذا التاريخ الذي شهد نشر أول رواية مصرية مسلسلة، وما جري حولها من أخذ وعطاء بين المحافظين والعصريين".
وجد جبير في أرشيفه مجموعة كبيرة من المقالات والقصص التي تتعلق بنجيب محفوظ، فجمعها وكتب لها مقدمة، ونشرها في كتابه "بفضل كل هذا الخيال"، والتي نشرت بالكامل من قبل في حياة نجيب محفوظ، ماعدا واحدة تخص موقفا أغضب محفوظ منه هو والناقد سليمان فياض، فيتذكر عبده جبير: "لقد كانت نيتي طيبة جدا، بعدما أسست دار نشر خاصة بي، أردت إصدار جريدة تهتم بالكتب العربية، ورغبت في تكريمه بأن أنشر في أول عدد علي غلافها صورة محفوظ ومعها موضوع، كانت روايته المنشورة في هذه الأيام هي "حضرة المحترم"، وكان منطقيا أن أنشر عنها، فلن يكون مناسبا وضع مقال عن عمل قديم، باعتبار أنها جريدة تتابع ما يصدر أولا بأول".
ويستكمل جبير: "اخترت من بين المهتمين بأدب محفوظ شخصا هو نفسه يحترمه ويقدّره، وأنا كذلك، هو سليمان فياض، كلفته بكتابة هذا المقال، فكان صادقا ومهتما جدا، وكتبه بحرفية عالية، نشرته احتراما لرأيه دون تدخل، واعتبرت أن هذا شيء طبيعي، فالمعرفة أو الصداقة لا دخل لها في الرأي النقدي، ولكن يبدو أن اقتناص فياض لفكرة الموظف أزعجت نجيب محفوظ، لأن الوظيفة بالنسبة له كانت ضرورية لكي يقي نفسه العوز أو فعل شيء آخر غير كتابة الرواية، والتي لم يكن يستطيع العيش منها حتي فاز بجائزة نوبل، ولذلك كان مضطرا أن يحافظ علي وظيفته، لكن تفسير فياض بأن محفوظ يتسم بعقلية موظف أزعجته كثيرا فغضب، واستمر ذلك لبضع سنوات ثم عادت الأمور لطبيعتها".
لم يكن غضب محفوظ من سليمان فياض فقط، وإنما من عبده جبير أيضا، ومن مظاهره أنه عندما يدخل إلي المقهي مثلا ويجدهما يدير وجهه للجانب الآخر ولا يرد علي تحيتهم، وفي ذلك يوضح جبير: "الكاتب مهما كانت مكانته، هو إنسان في النهاية، يغضب ويفرح ويخاصم صديقه ثم يصالحه، ومحفوظ أنا شاهدته في حالات غضب شديدة جدا عندما كان يكتب أحد عن أعماله بطريقة فيها تحامل عليه، وأحيانا كان يضحك ويسخر من بعض الذين كتبوا عن أولاد حارتنا مثلا وخاصة المشايخ، فهو إنسان عادي ويتأثر، لكنه كان رجلا مهذبا ويكرر دائما (ليس من العيب أن يغضب المرء وإنما العيب أن يعبر عن غضبه)".
»(الرجال هم الأغلبية في أدب نجيب محفوظ، ذلك أمر طبيعي في مجتمع أبوي ومتخلف، ومن يقرأ قصص نجيب محفوظ سيلحظ ثلاث مجموعات رئيسية: عالم الموظفين، وعالم الفتوات، وعالم الدراويش، وبصورة خاصة فإن الموظفين يحتلون أغلب القائمة، وأغلب هؤلاء من الكتبة والإداريين، وتكاد مشكلة التوظيف والوظيفة، والترقي في الدرجات والتنافس عليها أن تحتل جانبا كبيرا من المشكلات القصصية في تجارب نجيب محفوظ، وهذا طبيعي، فنجيب محفوظ ابن القاهرة المركز الرئيسي لموظفي الدولة، وهو نفسه عمل إثر تخرجه من الجامعة كاتبا في سراديب وزارة الأوقاف، وعمل كموظف مثالي صغير، يضع علي رأسه الطربوش ويزرر جاكتته، فنجيب محفوظ حين يكتب عن الموظفين، فإنه يكتب عما عاشه وعاناه، عما يعرفه معرفة حياتية واثقة، يكتب عن معاناته وقلقه«.
ذلك كان جزءا من مقال سليمان فياض الذي أغضب محفوظ فوصفه ب "قلة الأدب"، وذلك طبقا لما نشره جبير في كتابه؛ الذي افتقد لقصة لم تلحق به، كان يظن أنه جمع مادتها ولكنه حين بدأ في تجهيز الكتاب لم يجدها، وهي تتعلق بعمليات نهب وسرقة لمخطوطات نجيب محفوظ، التي ظهر بعضها في لندن، يستطرد جبير: "لقد عرضت بإحدي المؤسسات التي تبيع المخطوطات، وكان هناك جدل حولها، كيف خرجت من مصر؟ ومن فعل ذلك؟ أهو شخص من أقاربه أم أصدقائه أم العاملين في دور النشر التي كان يتعامل معها، لا أحد يعلم، فهو لم يكن يعطي أهمية كبيرة لمخطوطاته، كان يبعث الرسالة مثلا بخط يده لدار النشر أو المجلة أو الجريدة ثم لا يهتم بالأصول، كنت أريد تسجيل هذا الأمر باعتباره آخر ما علمت به، ولكني للأسف لم أجد الملف إلا بعدما نشرت الكتاب".
كان عبده جبير يعمل في مجلة المصور، وبالتالي مكنه ذلك من الاطلاع علي كل يجري حول العالم، وحينما فاز محفوظ بجائزة نوبل، وجد أن العالم كله مهتم بالأمر، ولذلك رأي أنه يستحق موسوعة كالتي نُفذت للكاتب الأيرلندي جيمس جويس، فكتب مذكرة بهذا الأمر وذهب للمجلس الأعلي للثقافة ليحصل علي تفرغ يساعده في الإنفاق علي الموسوعة، لكن الباحثين في المجلس رفضوا ذلك لأنه ليس باحثا وإنما كاتب قصة، يضيف: "أخبروني أنني لو تقدمت للتفرغ بفرع الرواية قد يمنحوها لي ولكن الموسوعة لا، فقررت أن أنفق عليها من مالي الخاص واستعنت بشخصين، هما الصديق المؤرخ عرفة عبده علي، وزميلتي ضحي طه التي ساعدتني في العمل، فكنت أكتب أنا المادة الأدبية وعرفة يكتب المادة التاريخية، وعملنا لمدة عام، لم ننه خلالها سوي 4 أعمال، فوجدت أنه نتيجة لقلة العدد ولأنني أنفق علي المادة سأستغرق عشر سنوات لكي أنتهي من الموسوعة، لذا توقفت؛ علي أمل أن أجد هيئة أو مؤسسة تساعدني، لكن هذا لم يحدث، وظلت عندي مادة كثيرة مخطوطة ولم تنشر، كما أني بعد الانتهاء توقفت؛ علي أمل أن أجد هيئة أو مؤسسة تساعدني، لكن هذا لم يحدث، وظلت عندي مادة كثيرة مخطوطة ولم تنشر، كما أني بعد الانتهاء من هذه الأعمال الأربعة خلال العام، اكتشفت أن المادة التاريخية أكبر من الأدبية، فتخوفت من أن يفسر نجيب محفوظ عمل الموسوعة بأنني أريد أن أظهره كمؤرخ وليس روائيا، خاصة وأن هناك من كتبوا ذلك، بأن نجيب محفوظ تأتي أهميته من كونه يؤرخ للحياة الاجتماعية والسياسية المصرية وأنه ليس روائيا كبيرا، فهذان العاملان تسببا في تجميد الموسوعة وتوقف المشروع".
كان ذلك تكريم جبير لمحفوظ، بينما الدولة كان لها تكريم آخر، فأثناء عمل عبده جبير كمدير تحرير لإحدي المجلات الثقافية وصلته نسخة من المذكرة التي أصدرها وزير الثقافة للاحتفال بنجيب محفوظ، وعندما قرأها لم يجد فيها سوي تفكير انتهازي يتسم به النظام أو وزارة الثقافة تجاه المبدعين، يوضح: "وجدوا أنه رجل حقق إنجازا عالميا كبيرا عندما فاز بجائزة نوبل، فأرادت الوزارة أن تستغله، فأصدر الوزير بطريقة بيروقراطية جدا وثيقة تدعو للضحك عند قراءتها، وكأنها وثيقة احتفال بحفر قناة السويس، فيأمر فيها الجهات المعنية باتخاذ اللازم، بأن تنتج السينما أفلاما وكذلك المسرح والتليفزيون، وأن تصدر دور النشر كتبا، بدون حتي التفكير إن كان من حقهم فعل ذلك أم لا، وبدون مشاورة نجيب محفوظ نفسه، فكانت من ضمن الأوامر أو الفقرات أنه علي هيئة الكتاب إعادة نشر أعماله، وكأن هذه الأعمال ليست لها حقوق أو مباعة لدور نشر أخري، وفي النهاية لم يسفر هذا القرار البيروقراطي السخيف عن بأي نتيجة حقيقية إلا الاحتفال الكبير الذي أقاموه وحضره رئيس الجمهورية".
ضمن مقالات كتابه، يضع جبير واحدا بعنوان "كيف كان يجور علي رواياته من أجل السينما"، ولكنه رغم ذلك وجد أن نجيب محفوظ رجل ذكي وواقعي جدا، فيقول: "لقد أدرك من خلال تجربته الشخصية ككاتب أنه يكتب في مجتمع لا يقرأ، ففكر كيف يمكنه تحقيق الشهرة الكبيرة التي تدفع أكبر عدد ممكن من الناس لشراء كتبه، فوجهه عقله بأن يدخل بها لمجال السينما، لأنه في النهاية مجال واسع وترتاده فئات كثيرة، إلي جانب أنه كتب للسينما سيناريوهات كثيرة، بعضها عن رواياته وبعضها لروايات أخري، وبالتالي هو يفهم أن هناك فرقا بين الرواية والسيناريو، ولذلك لم يكن يهتم بفكرة التزام كاتب السيناريو بحرفية الأحداث والشخصيات في أعماله، فكان يكفيه أن تتحول الرواية لفيلم سينمائي، لأن ذلك سيخدمه كروائي، حتي ولو جار علي الرواية، فكل منهما فن منفصل، وهو تنتهي مسئوليته مع كتابة الرواية، وما بعد ذلك مسئولية السيناريست والمخرج".
ثم استطرد جبير: "كما أنه من الناحية المادية لم يكن يهتم بالحصول علي مقابل كبير لتحويل أعماله إلي السينما، فكان يوافق علي مبالغ أنا نفسي لا يمكن أن أقبل بها، وقد نجح في ذلك أكثر من أي شخص آخر، فأغلب أعماله تحولت إلي السينما لأنه كان يجعل الأمر يسيرا علي السينمائيين والمنتجين، وبالتالي كان أكثر ذكاء منا في هذا المجال".
وصف عبده جبير علاقته بمحفوظ بأنها علاقة إنسانية جميلة، وأضاف: "لقد وثق بي لدرجة كبيرة جدا، وكنت أول صحفي عربي يدخل بيته بعدما فاز بجائزة نوبل، فاستقبلني بالأحضان وقال (قهوة ريش فازت بنوبل)، باعتبار أننا زملاء قهوة ريش، فذهبت حينها لأجلب الشربات، وأحضرت بعض الصحفيين الشباب، ورحنا نساعد زوجته في توزيع المشروبات علي الناس وغسل الأطباق، وكنت أرد علي هاتفه أحيانا عندما يكون مشغولا باعتباري جزءا من البيت، فكانت تلك علاقة ود كبيرة جدا".
لم يتعلم جبير من محفوظ في الأدب بقدر ما تعلمه في مجال سلوك الكاتب في العالم الثالث، بأن يعرف كيف يحافظ الشخص علي موهبته ويجلس يوميا لكي يكتب، وكيف يكون هدفه الأساسي هو عمله، فيقول: "أعجبت بأعمال كثيرة له ولم تعجبني أخري، ولكني تعلمت منه في السلوكيات أكثر من تعلمي في كتابة الرواية، ربما لأنني أنتمي لمدرسة أخري في الكتابة، فتعلمت من الأمريكي ويليام فوكنر، همنجواي، فرجينيا وولف، ودوس باسوس؛ أكثر مما تعلمته منه في الحرفة، ولم يمنعني هذا من أن أحب له الكثير من الأعمال، فهو منحني أنا وجيلي كله انطباعا بأننا مستندون إلي مكتبة هو صنعها، ولم تعد الرواية شيئا دخيلا علي الأدب العربي، فجيل الرواد الذي ينتمي له نجيب محفوظ لم يكن وراءهم عدد كبير من الكتاب تؤكد إن الرواية ثبتت في الأدب العربي وأصبحت جزءا منه، فإيمانه العميق بفن الرواية جعلنا كجيل بالكامل نؤمن به، وحفزنا إلي أن نستمر فيه".
يعدد عبده جبير سمات نجيب محفوظ كما لاحظها، فيراه شخصا قويا جدا علي عكس ما يبدو عليه، صارما في حياته وحتي في بيته، يعطي الأولوية للكتابة ونظام الحياة الذي يأهله ويمكنه من العمل يوميا، خاصة أنه اضطر للعمل طوال حياته كموظف في جهات مختلفة كوزارة الأوقاف ومؤسسة السينما والأهرام، فكان لابد أن ينظم وقته ليصنع الإنجازات الكبيرة التي حققها، ويضيف: "هو شخص مهذب وذكي جدا، كان قادرا علي أن يشارك في بعض المواقف من بعيد، فخلال عمره لم يخرج في مظاهرات معنا، أذكر أنه عندما قُتل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني والمجموعة التي معه، أتي يوسف إدريس ودعانا للخروج بمظاهرة وتحدث إلي نجيب محفوظ الذي وافق وأخبره أنه سيأتي، ولكنه لم يفعل، في حين أنه عندما أصدر توفيق الحكيم بيان عام 1972 يطلب من النظام العفو عن قيادات الطلبة في السجون، وقع نجيب محفوظ عليه ولم يجبن، فهو لم يكن يتقدم الصفوف أثناء المعارك الأدبية والثقافية والسياسية التي خضناها ابتداء من السبعينيات، لكنه كان يشارك بالتعاطف والموافقة وأحيانا بالتوقيع علي البيانات، هو ليس رجل فعل في الشارع، حيث يؤمن بأن الكاتب لا يفترض به أن يشارك بشدة في الحياة السياسية من خلال المظاهرات والأحداث، ولكن يمكنه التعبير عن رأيه السياسي في كتبه بالقلم، تلك وجهة نظر تحترم وقد وفرت عليه كثيرا من الأمور، منها أنه لم يتعرض للاعتقال مثل يوسف إدريس".
رغم كل تلك المشاعر التي حملها جبير نحو محفوظ، إلا أن تقييمه له أدبيا جاء مختلفا، فيقول: "نجيب محفوظ كاتب مهم وليس عظيما، ليس في حجم ويليام فوكنر أو تالستوي أو تشيكوف، يظل رجلا متوسطا، فنحن للأسف ليس لدينا حتي الآن كاتب كبير بحجم الكتاب الذين ذكرتهم، فليس لدينا من هو بحجم ماركيز أو تالستوي أو غيرهما، وربما يكون هذا هو التطور الطبيعي، لأن تراثنا في الرواية قليل، قد يظهر الكاتب العظيم الذي يمكن أن يصنع نقلة في فن الرواية بالعالم فيما بعد، بعد جيل أو اثنين، فنحن لم تتكون لدينا تراكمات في هذا الأمر بعد.
وعن محفوظ وعالمه، يؤكد أن ما ينقصه حتي الآن هو أن يُصدر كتابا نقديا محترما عنه، فلا يوجد في ذلك سوي جزء صغير كتبه الناقد الكبير إبراهيم فتحي بعنوان "العالم الروائي في عالم نجيب محفوظ"، قام خلاله بعمل تحليل عميق جدا للمرحلة الأولي من رواياته ثم توقف، فيما عدا ذلك؛ كل ما نشر عن محفوظ من دراسات هي مقالات مكتوبة للصحف أو المجلات الثقافية، ثم جمعت في كتاب، فيختتم جبير: "لم يقم ناقد كبير حتي الآن بتحليل كتابات محفوظ جيدا في عمل نقدي به مجهود يساوي المجهود الذي بذله نجيب محفوظ، فالناقد لابد أن يكون موهوبا وثقافته عالية في كل المجالات، ولابد أن يتفرغ فترة طويلة للعمل، وقد تكون تلك المشكلة، لأن فكرة تفرغ النقاد ليست موجودة لدينا، فنحن لدينا نقد صحفي وليس نقدا بالمعني العريض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.