بحضور وزير الأوقاف.. «النواب» يناقش تضمين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في الخطاب الديني اليوم    «مصادرة الآلة وإلغاء مادة الضبط».. إحالة 12 طالبًا ب«آداب وأعمال الإسكندرية» للتأديب بسبب الغش (صور)    تراجع طفيف لسعر الذهب اليوم الأحد في مصر ببداية التعاملات    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 19 مايو 2024.. الطماطم ب 5.5 جنيه    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    اليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه    الرئيس خلال كلمته بالقمة العربية.. السيسي: ثقة جميع شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار.. لا مثيل له    تحديات وأزمات غير مسبوقة القمة العربية ومصير الشر ق الأوسط    القاهرة الإخبارية: مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لبحث عملية رفح الفلسطينية    كوريا الجنوبية تستضيف وفدا أمريكيا لبحث تقاسم تكاليف نشر القوات الأمريكية    الدفاع الروسية تعلن اعتراض 60 طائرة مسيرة في مقاطعة بيلغورود وإقليم كراسنودا    حصلت على أكثر من 500 ميدالية دولية ومحلية شيماء سامى: تكريمى من السيدة انتصار السيسي نقطة انطلاق للبطولات الرياضية    بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي التونسي    تداول امتحان مادة العلوم للشهادة الإعدادية بالقليوبية    انتداب المعمل الجنائي لفحص أسباب حريق 10 أكشاك فاكهة بشبرا الخيمة    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    القناة الدولية الأهم التى تحمل القضية المصرية والعربية: أحمد الطاهرى: «القاهرة الإخبارية» صاحبة الرؤية الموضوعية فى ظل ما أفسده الإعلام العالمى    بالصور.. متحف شرم الشيخ ينظم معرضا للصور وعروض للأطفال    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. الإفتاء توضح المعنى المقصود منه    «الصحة» توجه عدة نصائح مهمة للمواطنين بشأن الموجة الحارة    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    برنامج واحد من الناس يواجه أحمد ماهر بابنه لأول مرة على قناة الحياة غداً الإثنين    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده جبير يتذكر.. نجيب محفوظ كاتب مهم وليس عظيماً
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 12 - 2015

جبير مع نجيب محفوظ لم يكن نجيب محفوظ مبدعاً واحداً، بل هو جيل كامل من المبدعين الذين خرجوا من تحت عباءته، اعتادوا أن يلتفوا حوله في مقهي ريش مساء كل يوم جمعة من الساعة السادسة وحتي التاسعة، يتبادلون الحديث ويتناقشون حول قضايا مختلفة تخص الوطن والأدب والحياة بشكل عام، ومن بين هؤلاء كان الكاتب الروائي "عبده جبير"، الذي أحب محفوظ وقدّر قيمته وتأثر به كثيرا، منذ أن تعرف عليه في المقهي عام 1969 .
جمعتهما علاقة يسودها الود والتفاهم في مجملها، ضمت العديد من المواقف والحكايات، وعنها يقول جبير: "حين عدت مؤخرا لأرشيفي، وجدت أنني نشرت قصصا كثيرة حدثت بيني وبينه، معظمها حكاها لنا في جلساته، كنت التقط بعضها لاحتفظ به، لأني كنت أري فيها أهمية خاصة تتعلق بفن الرواية أو بالحياة الأدبية، وكنوع من توثيق هذه الحكايات كنت أنشرها في حينها خلال حياته، علي سبيل المثال؛ حكي لنا محفوظ حكاية المعركة التي جرت في ميدان العتبة حين نشرت جريدة السياسة الحلقات الأولي من رواية "زينب"، بعد أن سمعت القصة وجدت أنها مهمة جدا في تاريخ الأدب لأن التيار المحافظ في مصر كان يعتبر الرواية فنا وافدا غربيا وليس من تراثنا، وبالتالي كانوا يحرمون التشخيص في الرواية ويعتبرونه نوعا من الخروج علي الإسلام، فرأيت أن تسجيل هذه الحادثة وتوثيقها ونشرها بمثابة تأكيد علي ضرورة وأهمية هذا التاريخ الذي شهد نشر أول رواية مصرية مسلسلة، وما جري حولها من أخذ وعطاء بين المحافظين والعصريين".
وجد جبير في أرشيفه مجموعة كبيرة من المقالات والقصص التي تتعلق بنجيب محفوظ، فجمعها وكتب لها مقدمة، ونشرها في كتابه "بفضل كل هذا الخيال"، والتي نشرت بالكامل من قبل في حياة نجيب محفوظ، ماعدا واحدة تخص موقفا أغضب محفوظ منه هو والناقد سليمان فياض، فيتذكر عبده جبير: "لقد كانت نيتي طيبة جدا، بعدما أسست دار نشر خاصة بي، أردت إصدار جريدة تهتم بالكتب العربية، ورغبت في تكريمه بأن أنشر في أول عدد علي غلافها صورة محفوظ ومعها موضوع، كانت روايته المنشورة في هذه الأيام هي "حضرة المحترم"، وكان منطقيا أن أنشر عنها، فلن يكون مناسبا وضع مقال عن عمل قديم، باعتبار أنها جريدة تتابع ما يصدر أولا بأول".
ويستكمل جبير: "اخترت من بين المهتمين بأدب محفوظ شخصا هو نفسه يحترمه ويقدّره، وأنا كذلك، هو سليمان فياض، كلفته بكتابة هذا المقال، فكان صادقا ومهتما جدا، وكتبه بحرفية عالية، نشرته احتراما لرأيه دون تدخل، واعتبرت أن هذا شيء طبيعي، فالمعرفة أو الصداقة لا دخل لها في الرأي النقدي، ولكن يبدو أن اقتناص فياض لفكرة الموظف أزعجت نجيب محفوظ، لأن الوظيفة بالنسبة له كانت ضرورية لكي يقي نفسه العوز أو فعل شيء آخر غير كتابة الرواية، والتي لم يكن يستطيع العيش منها حتي فاز بجائزة نوبل، ولذلك كان مضطرا أن يحافظ علي وظيفته، لكن تفسير فياض بأن محفوظ يتسم بعقلية موظف أزعجته كثيرا فغضب، واستمر ذلك لبضع سنوات ثم عادت الأمور لطبيعتها".
لم يكن غضب محفوظ من سليمان فياض فقط، وإنما من عبده جبير أيضا، ومن مظاهره أنه عندما يدخل إلي المقهي مثلا ويجدهما يدير وجهه للجانب الآخر ولا يرد علي تحيتهم، وفي ذلك يوضح جبير: "الكاتب مهما كانت مكانته، هو إنسان في النهاية، يغضب ويفرح ويخاصم صديقه ثم يصالحه، ومحفوظ أنا شاهدته في حالات غضب شديدة جدا عندما كان يكتب أحد عن أعماله بطريقة فيها تحامل عليه، وأحيانا كان يضحك ويسخر من بعض الذين كتبوا عن أولاد حارتنا مثلا وخاصة المشايخ، فهو إنسان عادي ويتأثر، لكنه كان رجلا مهذبا ويكرر دائما (ليس من العيب أن يغضب المرء وإنما العيب أن يعبر عن غضبه)".
»(الرجال هم الأغلبية في أدب نجيب محفوظ، ذلك أمر طبيعي في مجتمع أبوي ومتخلف، ومن يقرأ قصص نجيب محفوظ سيلحظ ثلاث مجموعات رئيسية: عالم الموظفين، وعالم الفتوات، وعالم الدراويش، وبصورة خاصة فإن الموظفين يحتلون أغلب القائمة، وأغلب هؤلاء من الكتبة والإداريين، وتكاد مشكلة التوظيف والوظيفة، والترقي في الدرجات والتنافس عليها أن تحتل جانبا كبيرا من المشكلات القصصية في تجارب نجيب محفوظ، وهذا طبيعي، فنجيب محفوظ ابن القاهرة المركز الرئيسي لموظفي الدولة، وهو نفسه عمل إثر تخرجه من الجامعة كاتبا في سراديب وزارة الأوقاف، وعمل كموظف مثالي صغير، يضع علي رأسه الطربوش ويزرر جاكتته، فنجيب محفوظ حين يكتب عن الموظفين، فإنه يكتب عما عاشه وعاناه، عما يعرفه معرفة حياتية واثقة، يكتب عن معاناته وقلقه«.
ذلك كان جزءا من مقال سليمان فياض الذي أغضب محفوظ فوصفه ب "قلة الأدب"، وذلك طبقا لما نشره جبير في كتابه؛ الذي افتقد لقصة لم تلحق به، كان يظن أنه جمع مادتها ولكنه حين بدأ في تجهيز الكتاب لم يجدها، وهي تتعلق بعمليات نهب وسرقة لمخطوطات نجيب محفوظ، التي ظهر بعضها في لندن، يستطرد جبير: "لقد عرضت بإحدي المؤسسات التي تبيع المخطوطات، وكان هناك جدل حولها، كيف خرجت من مصر؟ ومن فعل ذلك؟ أهو شخص من أقاربه أم أصدقائه أم العاملين في دور النشر التي كان يتعامل معها، لا أحد يعلم، فهو لم يكن يعطي أهمية كبيرة لمخطوطاته، كان يبعث الرسالة مثلا بخط يده لدار النشر أو المجلة أو الجريدة ثم لا يهتم بالأصول، كنت أريد تسجيل هذا الأمر باعتباره آخر ما علمت به، ولكني للأسف لم أجد الملف إلا بعدما نشرت الكتاب".
كان عبده جبير يعمل في مجلة المصور، وبالتالي مكنه ذلك من الاطلاع علي كل يجري حول العالم، وحينما فاز محفوظ بجائزة نوبل، وجد أن العالم كله مهتم بالأمر، ولذلك رأي أنه يستحق موسوعة كالتي نُفذت للكاتب الأيرلندي جيمس جويس، فكتب مذكرة بهذا الأمر وذهب للمجلس الأعلي للثقافة ليحصل علي تفرغ يساعده في الإنفاق علي الموسوعة، لكن الباحثين في المجلس رفضوا ذلك لأنه ليس باحثا وإنما كاتب قصة، يضيف: "أخبروني أنني لو تقدمت للتفرغ بفرع الرواية قد يمنحوها لي ولكن الموسوعة لا، فقررت أن أنفق عليها من مالي الخاص واستعنت بشخصين، هما الصديق المؤرخ عرفة عبده علي، وزميلتي ضحي طه التي ساعدتني في العمل، فكنت أكتب أنا المادة الأدبية وعرفة يكتب المادة التاريخية، وعملنا لمدة عام، لم ننه خلالها سوي 4 أعمال، فوجدت أنه نتيجة لقلة العدد ولأنني أنفق علي المادة سأستغرق عشر سنوات لكي أنتهي من الموسوعة، لذا توقفت؛ علي أمل أن أجد هيئة أو مؤسسة تساعدني، لكن هذا لم يحدث، وظلت عندي مادة كثيرة مخطوطة ولم تنشر، كما أني بعد الانتهاء توقفت؛ علي أمل أن أجد هيئة أو مؤسسة تساعدني، لكن هذا لم يحدث، وظلت عندي مادة كثيرة مخطوطة ولم تنشر، كما أني بعد الانتهاء من هذه الأعمال الأربعة خلال العام، اكتشفت أن المادة التاريخية أكبر من الأدبية، فتخوفت من أن يفسر نجيب محفوظ عمل الموسوعة بأنني أريد أن أظهره كمؤرخ وليس روائيا، خاصة وأن هناك من كتبوا ذلك، بأن نجيب محفوظ تأتي أهميته من كونه يؤرخ للحياة الاجتماعية والسياسية المصرية وأنه ليس روائيا كبيرا، فهذان العاملان تسببا في تجميد الموسوعة وتوقف المشروع".
كان ذلك تكريم جبير لمحفوظ، بينما الدولة كان لها تكريم آخر، فأثناء عمل عبده جبير كمدير تحرير لإحدي المجلات الثقافية وصلته نسخة من المذكرة التي أصدرها وزير الثقافة للاحتفال بنجيب محفوظ، وعندما قرأها لم يجد فيها سوي تفكير انتهازي يتسم به النظام أو وزارة الثقافة تجاه المبدعين، يوضح: "وجدوا أنه رجل حقق إنجازا عالميا كبيرا عندما فاز بجائزة نوبل، فأرادت الوزارة أن تستغله، فأصدر الوزير بطريقة بيروقراطية جدا وثيقة تدعو للضحك عند قراءتها، وكأنها وثيقة احتفال بحفر قناة السويس، فيأمر فيها الجهات المعنية باتخاذ اللازم، بأن تنتج السينما أفلاما وكذلك المسرح والتليفزيون، وأن تصدر دور النشر كتبا، بدون حتي التفكير إن كان من حقهم فعل ذلك أم لا، وبدون مشاورة نجيب محفوظ نفسه، فكانت من ضمن الأوامر أو الفقرات أنه علي هيئة الكتاب إعادة نشر أعماله، وكأن هذه الأعمال ليست لها حقوق أو مباعة لدور نشر أخري، وفي النهاية لم يسفر هذا القرار البيروقراطي السخيف عن بأي نتيجة حقيقية إلا الاحتفال الكبير الذي أقاموه وحضره رئيس الجمهورية".
ضمن مقالات كتابه، يضع جبير واحدا بعنوان "كيف كان يجور علي رواياته من أجل السينما"، ولكنه رغم ذلك وجد أن نجيب محفوظ رجل ذكي وواقعي جدا، فيقول: "لقد أدرك من خلال تجربته الشخصية ككاتب أنه يكتب في مجتمع لا يقرأ، ففكر كيف يمكنه تحقيق الشهرة الكبيرة التي تدفع أكبر عدد ممكن من الناس لشراء كتبه، فوجهه عقله بأن يدخل بها لمجال السينما، لأنه في النهاية مجال واسع وترتاده فئات كثيرة، إلي جانب أنه كتب للسينما سيناريوهات كثيرة، بعضها عن رواياته وبعضها لروايات أخري، وبالتالي هو يفهم أن هناك فرقا بين الرواية والسيناريو، ولذلك لم يكن يهتم بفكرة التزام كاتب السيناريو بحرفية الأحداث والشخصيات في أعماله، فكان يكفيه أن تتحول الرواية لفيلم سينمائي، لأن ذلك سيخدمه كروائي، حتي ولو جار علي الرواية، فكل منهما فن منفصل، وهو تنتهي مسئوليته مع كتابة الرواية، وما بعد ذلك مسئولية السيناريست والمخرج".
ثم استطرد جبير: "كما أنه من الناحية المادية لم يكن يهتم بالحصول علي مقابل كبير لتحويل أعماله إلي السينما، فكان يوافق علي مبالغ أنا نفسي لا يمكن أن أقبل بها، وقد نجح في ذلك أكثر من أي شخص آخر، فأغلب أعماله تحولت إلي السينما لأنه كان يجعل الأمر يسيرا علي السينمائيين والمنتجين، وبالتالي كان أكثر ذكاء منا في هذا المجال".
وصف عبده جبير علاقته بمحفوظ بأنها علاقة إنسانية جميلة، وأضاف: "لقد وثق بي لدرجة كبيرة جدا، وكنت أول صحفي عربي يدخل بيته بعدما فاز بجائزة نوبل، فاستقبلني بالأحضان وقال (قهوة ريش فازت بنوبل)، باعتبار أننا زملاء قهوة ريش، فذهبت حينها لأجلب الشربات، وأحضرت بعض الصحفيين الشباب، ورحنا نساعد زوجته في توزيع المشروبات علي الناس وغسل الأطباق، وكنت أرد علي هاتفه أحيانا عندما يكون مشغولا باعتباري جزءا من البيت، فكانت تلك علاقة ود كبيرة جدا".
لم يتعلم جبير من محفوظ في الأدب بقدر ما تعلمه في مجال سلوك الكاتب في العالم الثالث، بأن يعرف كيف يحافظ الشخص علي موهبته ويجلس يوميا لكي يكتب، وكيف يكون هدفه الأساسي هو عمله، فيقول: "أعجبت بأعمال كثيرة له ولم تعجبني أخري، ولكني تعلمت منه في السلوكيات أكثر من تعلمي في كتابة الرواية، ربما لأنني أنتمي لمدرسة أخري في الكتابة، فتعلمت من الأمريكي ويليام فوكنر، همنجواي، فرجينيا وولف، ودوس باسوس؛ أكثر مما تعلمته منه في الحرفة، ولم يمنعني هذا من أن أحب له الكثير من الأعمال، فهو منحني أنا وجيلي كله انطباعا بأننا مستندون إلي مكتبة هو صنعها، ولم تعد الرواية شيئا دخيلا علي الأدب العربي، فجيل الرواد الذي ينتمي له نجيب محفوظ لم يكن وراءهم عدد كبير من الكتاب تؤكد إن الرواية ثبتت في الأدب العربي وأصبحت جزءا منه، فإيمانه العميق بفن الرواية جعلنا كجيل بالكامل نؤمن به، وحفزنا إلي أن نستمر فيه".
يعدد عبده جبير سمات نجيب محفوظ كما لاحظها، فيراه شخصا قويا جدا علي عكس ما يبدو عليه، صارما في حياته وحتي في بيته، يعطي الأولوية للكتابة ونظام الحياة الذي يأهله ويمكنه من العمل يوميا، خاصة أنه اضطر للعمل طوال حياته كموظف في جهات مختلفة كوزارة الأوقاف ومؤسسة السينما والأهرام، فكان لابد أن ينظم وقته ليصنع الإنجازات الكبيرة التي حققها، ويضيف: "هو شخص مهذب وذكي جدا، كان قادرا علي أن يشارك في بعض المواقف من بعيد، فخلال عمره لم يخرج في مظاهرات معنا، أذكر أنه عندما قُتل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني والمجموعة التي معه، أتي يوسف إدريس ودعانا للخروج بمظاهرة وتحدث إلي نجيب محفوظ الذي وافق وأخبره أنه سيأتي، ولكنه لم يفعل، في حين أنه عندما أصدر توفيق الحكيم بيان عام 1972 يطلب من النظام العفو عن قيادات الطلبة في السجون، وقع نجيب محفوظ عليه ولم يجبن، فهو لم يكن يتقدم الصفوف أثناء المعارك الأدبية والثقافية والسياسية التي خضناها ابتداء من السبعينيات، لكنه كان يشارك بالتعاطف والموافقة وأحيانا بالتوقيع علي البيانات، هو ليس رجل فعل في الشارع، حيث يؤمن بأن الكاتب لا يفترض به أن يشارك بشدة في الحياة السياسية من خلال المظاهرات والأحداث، ولكن يمكنه التعبير عن رأيه السياسي في كتبه بالقلم، تلك وجهة نظر تحترم وقد وفرت عليه كثيرا من الأمور، منها أنه لم يتعرض للاعتقال مثل يوسف إدريس".
رغم كل تلك المشاعر التي حملها جبير نحو محفوظ، إلا أن تقييمه له أدبيا جاء مختلفا، فيقول: "نجيب محفوظ كاتب مهم وليس عظيما، ليس في حجم ويليام فوكنر أو تالستوي أو تشيكوف، يظل رجلا متوسطا، فنحن للأسف ليس لدينا حتي الآن كاتب كبير بحجم الكتاب الذين ذكرتهم، فليس لدينا من هو بحجم ماركيز أو تالستوي أو غيرهما، وربما يكون هذا هو التطور الطبيعي، لأن تراثنا في الرواية قليل، قد يظهر الكاتب العظيم الذي يمكن أن يصنع نقلة في فن الرواية بالعالم فيما بعد، بعد جيل أو اثنين، فنحن لم تتكون لدينا تراكمات في هذا الأمر بعد.
وعن محفوظ وعالمه، يؤكد أن ما ينقصه حتي الآن هو أن يُصدر كتابا نقديا محترما عنه، فلا يوجد في ذلك سوي جزء صغير كتبه الناقد الكبير إبراهيم فتحي بعنوان "العالم الروائي في عالم نجيب محفوظ"، قام خلاله بعمل تحليل عميق جدا للمرحلة الأولي من رواياته ثم توقف، فيما عدا ذلك؛ كل ما نشر عن محفوظ من دراسات هي مقالات مكتوبة للصحف أو المجلات الثقافية، ثم جمعت في كتاب، فيختتم جبير: "لم يقم ناقد كبير حتي الآن بتحليل كتابات محفوظ جيدا في عمل نقدي به مجهود يساوي المجهود الذي بذله نجيب محفوظ، فالناقد لابد أن يكون موهوبا وثقافته عالية في كل المجالات، ولابد أن يتفرغ فترة طويلة للعمل، وقد تكون تلك المشكلة، لأن فكرة تفرغ النقاد ليست موجودة لدينا، فنحن لدينا نقد صحفي وليس نقدا بالمعني العريض".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.