عملت الواجب؟ جملة استفهامية يكرهها الصغار والكبار في مراحل التعليم الابتدائي والاعدادي بل والثانوي، خاصة عندما يتكرر سماعها من الأب والأم ومدرسي الفصول يوميا. فهم يكرورونها بلا كلل ولا ملل كأنها جرعة ماء لازمة للحياة وبدونها يموت الانسان ويفنى.
هذه الجملة تلقي بظلال الكآبة واحاسيس القهر الجبرية على الصغار وتشعرهم بعبء نفسي فوق طاقتهم ، خاصة اذا ما أمضوا وقتا طويلا بالمدرسة، وبعدها يكونوا مكلفين باداء واجباتهم المنزلية وينتهي بهم في عمل شاق يخرجون منه الى النوم، وهم مجهدين عصبيا وعقليا ونفسيا، لانهم لم يجدوا فسحة من الوقت لمشاهدة ما يفضلونه من برامج التلفاز، او متابعة الالعاب المفضلة على جهازهم المحمول او للدردشة والحوار مع الاسرة كنوع من التصريف والتنفيس عن أعباء يوم طويل أثقل كاهلهم.
ان الحياة لا تقتصر على الدراسة فالكثير من الخبرات الحياتية التي يحتاجها الاطفال تكمن في تعاملاتهم اليومية ، و يجب على الأهل تخصيص وقت كاف ليس للطفل او الصبي لسماع اهله والتعرف على عاداتهم الحميدة و أصول التعامل و اُسلوب التصرف الصح و الخطأ ، و ما يجب ان يقال و كيف يقال و لمن يقال ، يتعلموا كيف لكل مقام مقال ، وهذا يحتاج وقت كاف يوفره الأهل لقضائه مع أطفالهم .
إن اللعب و المرح حق مشروع لكل طفل لنموه النفسي و العقلي و العضلي و البدني ، والالعاب الرياضيه و الاجتماعية لها انعكاس إيجابي على نفسية الطفل و صحته الجسدية فضلا عن تنمية الذكاء و القدرات و يجعل منه طفلا إيجابيا اجتماعيا غير انطوائي متفاعل مع محيطه . إن التعليم لا يجب أن يقتصر على الكتب المدرسيه و المناهج فالثقافة العامه والعلم تطلب قراءات متنوعة ويجب تخصيص وقت للطفل لقراءة كتاب علمي اضافة لكتاب مسلي مثل القصص المصورة التي تنمي الخيال و تصنع الأحلام و الطموح و السعادة هذا يتطلب بعضا من الوقت الذي تاخذه الواجبات المدرسية اليوميه المكثفة و لا تسمح للطفل ان يمارس باقي متطلبات حياته
ان الطفل بحاجه لبناء علاقات مع الاهل و الاقارب و الجيران من جيله يتبادل معهم أطراف الحديث و الافكار و يمارس معهم هواياته الرياضية والفنية ، فالطفل يصاب بالتوحد و الانطوائية اذا انطوى على نفسه امام كتبه المدرسيه دون نشاطات اخرى مع اشخاص مختلفين شرط متابعة الاهل إن الطفل بحاجة للراحة و النوم ، ويلاحظ أن الكثير من الأطفال لا يتمكنوا من النوم المبكر بسبب الواجبات المدرسيه ما يؤدي إلى ارهاقه وينعكس ذلك على استيعابه للدروس.
ان المدرسه هي الصرح التعليمي المعني بتلقين الطفل العلوم بشكل علمي يراعي القواعد العلمية والنفسية .
ان الاطفال يعانوا طول العام الدراسى من كثرة الواجبات المدرسية والاختبارات الشهرية، وتحرمهم من التمتع بطفولتهم وكانهم يقولون في لعبتهم المفضلة "خلاوويص" ولكنهم يردون على بعضهم لسه! اشارة الي ان الواجبات لا تنتهي أبدا. قد تكون للواجبات المنزلية بعض الاهمية لدى الكثير من الأسر العربية باعتبار ما توفره من تأكيد المعلومة الدراسية وتثبيتها وتنشيط العقل بتفكير مستمر فيما يحصله من معلومات، ولذلك فهم يمارسون أقصى الضغوط على أبنائهم من أجل اتمام واجباتهم المدرسية متجاهلين ما يخلقه الضغط من آثار نفسية قد تؤثر سلبا على تحصيلهم الدراسي.
إن التعليم وفق هذه المنظومة يصبح اكثر وحشية حيث يدخل الطالب والاسرة في دوامة لا تنتهي من الالتزامات الصعبة، فالتلميذ مطالب بأداء الواجبات المدرسية، و ينهك في تحصيل دراسي أخر عبر الدروس الخصوصية التي يأخذها خارج المدرسة وهي الاخري عليها واجبات منزلية فلا يجد الطالب وقتا لكل ذلك فيلجأ لمساعدة أسرته، التي تعيش في توتر هي الاخرى بين انفاق المال على الدروس الخصوصوية، وبمساعدتها ابنائها في تحصيل الدروس بالمدرسة والدرس معا. وان كانت هذه الاسر المؤمنة بأهمية هذه الواجبات المدرسية و ترى انه لا يمكن الاستغناء عنها، فانني أعتقد انها مطالبة بتقليص الضرر الواقع على الطلاب بتقليل هذه الواجبات بأكبر قدر ممكن وذلك عبر التنيسق والتشاور مع المدرسين والطلاب.
صراع يومي
بينما يقف بعض من المتخصصيين في علم النفس والاجتماع موقفا مناهضا تماما من الواجبات المدرسية مطالبين بضرورة الغاءها، واستندوا في رفضهم الى زيادة العبء النفسي والذي يلقاه الطالب عند عودته للمنزل ويشرع في أداء هذه الواجبات مما يصيبه بالاجهاد العقلي ويؤثر سلبا على تحصيله الدراسي ودعوا لأهمية التعلم من خلال اللعب والاستمتاع.
وانني من المؤيديين لهذا الرأي، خاصة وأرى ان قهر الطلاب بالواجبات المدرسية يخرج لنا أجيالا مقهورة تعيد الكرة فتمارس هي الاخرى القهر بمن حولها فيما بعد، وبذلك فإننا نحول العملية التعليمية من تنشئة علمية وتربوية وفكرية سليمة تنهض بالانسان ليكون سلوكه سوي واكثر تحضرا وانفتاحا على الاخرين الى انسان اخر معقد بفعل القهر واجباره على الخضوع اليومي للواجبات المدرسية المهدرة لآدميته في الاستمتاع بالحياة واكتشافها بطريقته الخاصة.
ان المتخصصيين في علم نفس الطفولة يؤكدون عبر دارساتهم المستفيضة، أن الواجبات المدرسية التى تزيد عن الحد، تحرم الطفل من التمتع بطفولته، وهى تضر بصحة الطفل النفسية وقدراته التعليمية على عكس ما يزعمه البعض من أنها تنمى قدراته المعرفية، حيث يقع التلميذ فريسة لمجموعة من الآثار السلبية منها: شعور الطفل بالإرهاق الجسمانى والعصبى الدائم، ضعف درجة الانتباه والتركيز بجانب فقدان الثقة بالنفس والميل الى الحزن والشعور بالملل والاحباط، بجانب فقد القدرة على التفكير الإبداعى والابتكارى في ظل شعوره الدائم بأنه كائن ضعيف مظلوم ومقهور.
ومن النتائج المترتبة على هذا الواجب المنزلي انه يضعف الذكاء الاجتماعي لدى التلميذ وأيضا الذكاء الأكاديمي ومن ثم انخفاض مستوى التحصيل الدراسى. كما انه يؤدي الى اضطراب العلاقة مع الوالدين نتيجة كثرة إلحاحهم، وضغطهم المستمر، واستخدام العقاب أحيانا لإجبار التلميذ على استكمال واجباته بجانب اضطراب علاقته بمدرسيه نتيجة عدم قدرته علي اتمام كل واجباته، بل كثرة هذه الواجبات تجعل التلاميذ ينفرون من العملية التعليمية برمتها ويكرهون مواصلة التعلم.
تجارب مذهلة المدهش في الأمر ان الاتجاهات الحديثة في التربية ترفض تكليف الطالب بالواجبات، وترى أن الوقت الذي يقضيه الطالب في المدرسة كاف، ووقته في البيت هو ملك له ومن حقه أن يكون تحت تصرفه ويستمتع به.
ولذلك، فاننا قد لا نندهش من دولة من أكثر دول العالم تقدما في مجال التعليم وهي فنلندا، قد ألغت الواجب المدرسي، بعد اثبتت ان الدراسة المكثفة ترهق العقل وتحول دورن قدرته علي الاستيعاب بشكل أفضل.
وأتصور اننا في أشد الحاجة لاستعادة الانشطة الثقافية والفنية والرياضية التي كانت تعج بها المدارس في الماضي وكانت تستهوي الصغار والكبار وتجعلهم اكثر ارتباطا بالمدرسة واكثر قدرة على تحمل الدراسة ومشاقها مثل الندوات والرحلات ومهرجانات سينما الاطفال.
وعلى الاسر ان تلجأ نظام الحوافز لتشجيعه على التركيز داخل الفصل ومذاكرة دروسه مثل منحه مكافأة مالية او منحه هدية قمية كان يحبها او اصحطابه الى احدى المطاعم التي يفضلها. كما يمكن شراء القصص التي يحبها وغيرها حين تشير تقارير المدرسة الى تفوقه العلمي.