عرفت مصر خلال التاريخ المعاصر أداء اليمين الدستورية من قبل الحاكم، ملكا كان أو رئيسا، و اختلف أداء القسم و ما صاحبه من مظاهر احتفالية حسب الظروف السياسية التى مرت بها البلاد، لنصل إلى يومنا هذا الذى يشهد حلف اليمين و تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعد غدٍ السبت، اليمين الدستورية أمام مجلس النواب لفترة رئاسية ثانية، وللمرة الأولى، نظرًا لعدم وجود برلمان خلال الفترة الرئاسية الأولى عام 2014. ويعد اليمين الدستورية فى مصر تقليد عتيد، إيذانا بفترة حكم جديد، يستوجب أن يقف الحاكم أمام الله والشعب قاسما على الولاء وأن يكون راع مسؤول، وفيما يلي نص القسم: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهورى وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، تدوي القاعة بهذه الكلمات لثواني وتمر دون أن نعرف أصل القصة، ولهذا رصدت الأهرام العربي في تقريرها التالى منذ متى تم أداء اليمين الدستورية. الملك فاروق 6مايو سنة 1936 هو التاريخ الرسمي لجلوس الملك فاروق على العرش خلفا لوالدة. في هذا التاريخ كان الملك فاروق قاصراً ولم يبلغ بعد السن القانونية التي تؤهله لحكم البلاد فقد تم تشكيل مجلس وصاية برئاسة ابن عمه الأمير محمد على بن الخديوي توفيق شقيق الملك فؤاد الأول ( الذي أصبح وليا للعهد ) وكان سبب اختياره هو من بين أمراء الأسرة العلوية بأنه كان أكبر الأمراء سناً وعضوية محمد شريف صبري باشا وعزيز عزت باشا ، واستمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاث شهور إذ أنّ والدته الملكة نازلي خافت بأن يطمع الأمير محمد علي بالحكم ويأخذه لنفسه فأخذت فتوى من المراغى شيخ الأزهر آنذاك بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجري وأدّى ذلك إلى أن يتوّج فاروق ملكاً رسمياً بتاريخ 29 يوليو 1937. وقف الملك فاروق إمام مجلس الشيوخ وأقسم اليمين الدستورية وكان نصها بالعربية: «أحلف بالله العظيم أنى أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية، وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه». وهتف رئيس مجلس الشيوخ «يعيش الملك» ثلاث مرات وردد الأعضاء الهتاف خلفه ليدوى صوتهم فى أرجاء البرلمان وانتهت الجلسة وعاد الملك إلى قصر عابدين وسط احتفالات الشعب الذي اصطف الشوارع للاحتفال بالملك. محمد نجيب و بعد قيام ثورة يوليو 1952، تم إعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953 وإلغاء الملكية، واختار الضباط الأحرار محمد نجيب رئيسا للجمهورية، وقام نجيب بالقسم على الولاء للجمهورية في الفناء الداخلي للقصر الجمهوري بعابدين فى 23 يونيو 1953 و كان ذلك أمام الوزراء ومجلس قيادة الثورة، وخرج إلى شرفة قصر عابدين، ليشهد الاحتفال الذى أقيم بهذه المناسبة. وفى هذا الاحتفال أمسك عبد الناصر بالميكروفون وطلب من الجماهير التى احتشدت أمام القصر أن تردد وراءه يمين الولاء والمبايعة لنجيب، ثم ردد القسم والجماهير تردد وراءه: «اللهم إنا نشهدك وأنت السميع العليم أننا قد بايعنا اللواء أركان حرب محمد نجيب قائدا للثورة، ورئيسا لجمهورية مصر، كما أننا نقسم أن نحمى الجمهورية، بكل ما نملك من قوة وعزم، وأن نحرر الوطن بأرواحنا وأموالنا، وأن يكون شعارنا دائما، الاتحاد والنظام والعمل والله على ما نقول شهيد والله أكبر وتحيا الجمهورية والله أكبر والعزة لمصر". ثم توجه الرئيس نجيب بعد ذلك إلى الإذاعة و ألقى خطابا على الشعب. عبد الناصر فى 17 أبريل 1954 تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية، وقرر مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر 1954 إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً، وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر. وفى 24 يونيه 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور 1956 و حصل على 99.784% من أصوات المشاركين فى الاستفتاء. وخطب عبدالناصر يوم 25 يونيو فى حفل تكريمه بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية بنادى الضباط و قال: "فى هذا اليوم الذى أعلن فيه شعب مصر للعالمين أنه قد آلى على نفسه أن يسير قدما فى زحفه المقدس فى سبيل حريته وفى سبيل حياته، فى هذا اليوم الذى تقابله مصر لأول مرة فى تاريخها، فلأول مرة يجرى الاستفتاء على الدستور فى مصر، ولأول مرة يجرى الاستفتاء فى مصر على الرئاسة لأحد أبناء مصر". وبعد انعقاد مجلس الأمة فى سنة 1957 والذى يعد أول مجلس بعد ثورة يوليو ورأسه الرئيس السادات، حلف عبد الناصر اليمين الدستورية أمام هذا المجلس يوم 23 يوليو فى الذكرى الخامسة للثورة، ثم ألقى بيانا قال خلاله إنه كان يتطلع لأن يلتقى بنواب الشعب مع قيام الثورة، وأضاف أن التجربة أثبتت أن الأمر لم يكن بسيطا، و أن الطريق كان مليئا بالصعاب.و قد أعيد اختيار عبد الناصر و لكن كرئيس للجمهورية العربية المتحدة بعد وحدة مصر وسوريا ، و ذلك فى استفتاء شعبى بين مواطنى الشعبين المصرى والسورى فى فبراير 1958 و بلغت نسبة الموافقين على رئاسة عبد الناصر 99.994%، حيث لم يصوت ضده سو 452 شخصًا. وفى مارس 1965، اختير ناصر لمرة ثالثة كرئيس للجمهورية، فى استفتاء جديد صوت 99.999% من المشاركين فيه بالموافقة. و حلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة. السادات و بعد أن توفى الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر عام 1970، عين أنور السادات، نائب الرئيس كرئيس مؤقت للبلاد ، وفى 7 أكتوبر عام 1970 وافق مجلس الأمة على ترشيحه رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس الراحل عبدالناصر، وأجرى استفتاء شعبى على ترشيح السادات يوم 15 أكتوبر من نفس العام، ووافق الشعب على انتخاب السادات لرئاسة الجمهورية بنسبة 90%. وفى 17 أكتوبر أدى الرئيس أنور السادات أمام ممثلى الشعب فى مجلس الأمة فى تمام السادسة والنصف مساء اليمين الدستورية التى ينص عليها الدستور و كان نصه: " أقسم بالله العظيم، أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه". و ألقى السادات بعد ترديد القسم خطابًا قال فيه: "أيها الأخوة والأخوات، لقد تلقيت أمركم. أدعو الله أن يكون أدائى للمهمة على نحو يرضاه شعبنا وترضاه أمتنا.. ويرضاه المثل الأعلى القائد جمال عبدالناصر". و فى أكتوبر 1976 تم اختيار السادات لرئاسة الجمهورية للمرة الثانية والأخيرة بعد حصوله على نسبة 99.9% و حلف اليمين أمام مجلس الشعب بعد أن تغير اسمه فى دستور 1971. مبارك و لم يمهل القدر السادات ليتولى فترة رئاسية جديدة، بعد أن تم تعديل الدستور عام 1980 الذى أطلق مدد الرئاسة بعد أن كانت مقيدة بمدتين، و ذلك بعد أن اغتالته يد الغدر فى 6 أكتوبر 1981 يوم ذكرى نصر أكتوبر المجيد، وتولى الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية لحين انتخاب الرئيس الجديد، كما ينص الدستور، ورشح مجلس الشعب نائب الرئيس محمد حسنى مبارك لرئاسة الجمهورية، وتم إجراء استفتاء شعبى على مبارك رئيسا للجمهورية يوم 13 أكتوبر 1981، وحصل فيه على 98.46%. و فى يوم 14 أكتوبر حلف مبارك اليمين الدستورية فى مجلس الشعب بحضور الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميرى، وكانت البلاد فى هذه الفترة تعيش حالة من القلق والترقب بعد الرحيل المفاجئ والدرامى للرئيس أنور السادات. وقال مبارك فى كلمته أمام البرلمان بعد أداء اليمين الدستورية: تعالوا نوحد كلمتنا ونضم صفوفنا ولنبنى مصر بالحب والأمل والعمل. وأضاف: سألتزم بقانون الطوارئ فى النطاق المحدود الذى يقتضيه أمن مصر، ولا عصمة لأحد من سيف القانون القاطع الذى لا يفرق بين قوى وضعيف أو غنى وفقير.. وأعلن لكل اللاعبين بالنار أن نار الشعب هى الأقوى. ثم توالت فترات مبارك التى وصلت إلى خمس فترات استمرت قرابة ثلاثين عاما، ليحلف اليمين أمام مجلس الشعب فى 5 أكتوبر 1987 ثم 12 أكتوبر 1993 و 26 سبتمبر 1999 و كانت كلها عقب استفتاءات، و أخيرا فى 28 سبتمبر 2005 بعد أول انتخابات رئاسية تنافسية أجريت بعد تعديل المادة 76 من الدستور. الرئيس منصور لم يمهل القدر مبارك لاستكمال مدته الأخيرة، بعد أن قامت ثورة يناير 2011، و تمت الإطاحة بمبارك، و تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد فى 11 فبراير بعد 18 يوما من قيام الثورة، إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية لعام 2012، إلا أن بعد عام واحد من حكم الجماعة الإرهابية لمصر،ثار الشعب عليهم، وانحاز الجيش إلى ثورة 30 يونيو 2013، و أعلن خريطة الطريق فى 3 يوليو. و في 4 يوليو 2013، أدى الرئيس المؤقت المنتهية فترة ولايته المستشار عدلى منصور اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وقام المستشار عدلى منصور بتلاوة القسم ثم ألقى كلمة أكد فيها أن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه هو الذي كلفه برئاسة مصر في الفترة الانتقالية، لأنه مصدر السلطات. وكان قد أدى يمينا آخرى قبلها بدقائق لرئاسة المحكمة الدستورية العليا، حيث كان قد صدر له قرار برئاستها فى آخر أيام الرئيس المعزول. السيسي للمرة الثانية يؤدي الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستوري رئيسًا للبلاد مجددًا يوم السبت المقبل 2 يونيو، تزامنًا مع انقضاء ولايته الرئاسية الأولى التي امتدت لأربع سنوات منذ عام 2014.
وأُعيد انتخاب السيسي في أواخر مارس المنصرم رئيسًا للبلاد لولايةٍ ثانيةٍ وأخيرةٍ، وقد وصلت ولايته الأولى إلى خط نهايتها، فبات من المنتظر أن يتم تنصيب السيسي رئيسًا من جديد هذا السبت.
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن احترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، هذا هو اليمين الذي سيحلف به السيسي يوم السبت المقبل لتبدأ من بعدها ولايته الثانية في حكم البلاد.