لا أؤمن بأن مشكلات مصر عصية على الحل أو أنها تحتاج إلى كل هذا الجدل واللغط، إلى حد التفكير فى استيراد خبراء لحل مشكلة المرور!.. الحكاية ببساطة أن مصر لم تعرف التخطيط العلمى على مدار عصورها إلا فيما ندر، والتخطيط العلمى الذى أقصده هو وضع الخطط وتحديد إجراءاتها التنفيذية بناء على فهم طبيعة الناس ومركبهم الثقافى، لا التعالى عليه باستيراد خطط شعوب أخرى وضعت من أجلهم خصيصا..ماذا لو صدق المسئولون – مثلا - أن السكك الحديدية والنقل النهرى هما الحل السحرى لمشكلات مصر المرورية، ربما يعرف الجميع أن مشكلات القاهرة المرورية بدأت فى التضخم المرعب، منذ قرر المسئولون العظماء إلغاء شبكة ترام القاهرة، التى كانت تمتد لكل أحياء المدينة، وترك الحبل على آخره للسيارات التى تسببت بمرور الوقت فى إحداث حالة من الفوضى المرعبة، والتلوث السمعى والبصرى الذى شوه أرواح المصريين..هل يحتاج الأمر إلى أكثر من عناية بشأن قطارات السكك الحديدية وزيادة أعدادها وتقليل أوقات التقاطر، وتطوير عرباتها بما يتناسب والاستخدام الآدمى لها، وكذلك تشجيع النقل عبر السكك الحديدية بما يخفف الضغط على الطرق.. هل يحتاج الأمر إلى أكثر من تخفيض أسعار ركوب القطارات بما يتناسب ودخول عموم المصريين، ورفع تعريفة سيارات الأجرة بما يجعلها قاصرة على القادرين ماديا فقط، مع التشديد فى منح التراخيص، وتقليص تراخيص السيارات الملاكى بالاقتصار على منح ترخيص واحد فقط لكل أسرة.. وهو ما ينعكس حتما على خفض معدلات استهلاك شبكة الطرق ودورات إصلاحها، ومن ثمّ تحسين أدائها وتوسيعها، وهما الهمان الأزليان اللذان يستنزفان جانبا كبيرا من موازنة مصر السنوية. فكروا معى فى شكل وجوه سكان القاهرة وحالتهم النفسية – مثلا - فيما لو قام المواطن صباحا واتجه إلى النيل ليطالع انسياب الماء وتدفقه التاريخى، واستقل الأتوبيس النهرى إلى مكان عمله أو إلى زيارة أقاربه وأصدقائه..رؤى وأطروحات عديدة مشابهة لمشكلات التعليم والصحة والزراعة، يضيق عنها هذا المقام، كلها تؤكد أن ما نحتاج إليه هو خيال جديد، فليحيا الخيال إذن.