ومن منطلق مبدأ “خير لنا أن نحاول السير قبل أن نفكر بالركض” هكذا بدأ البريطانيون لعبتهم فى الشرق الأوسط، لكن فى خضم حيرة شديدة، فالوضع مع تركيا واليونان أصبح لعبة تعاون، وقياداتهما يسهرون على رعاية أهدافهم المشتركة على حد قوله! إذن إيران؟! لا يمكنهم ذلك كما أشرنا من قبل، فنسبة التفاهم والانسجام وصلت إلى 90 % ! ولم يبق غير العالم العربي. إذن ما الذى سيجعلهم يتعاونون سوى أن يتقلد الحكم أشخاص ذوو ثقافة أوسع وإدراك أعمق وشركات بترول أمريكية تجعلهم أغنياء... وأمام تلك الخطط ومقابلتها من الحكام العرب بكل رفض وتأهب مسبقين للدوافع الغادرة تبقت الشعوب! وبعد سلسلة طويلة من تشريح الجسد العربى، فهنا يقول نبدأ بالعراق، ويقف الحكام العرب بالمرصاد، وهكذا فى لبنان والأردن ومصر، وفى ذلك الوقت كانت أوضاع سوريا الاقتصادية مريحة للغاية ولم يفلح أى استعمار تركى أو فرنسى على حد سواء فى إخضاع شعبها أو ترويضه. لذا كان المدخل لسوريا آنذاك بالانتخابات الديمقراطية، ومن أخطر ما قرأته فى ذلك الكتاب هو تفاخر الكاتب مايلز باستمتاعه الشديد بمجريات لعبة الانتخابات السورية، وكيف شجعوا وعاونوا بعض السياسيين هناك عن طريق رجال السلك الدبلوماسى، واستخدامهم للصحافة الأجنبية ولعبة الورقة الناجحة على الدوام إذاعة B.B.C التى أنشئت لأغراض مخابراتية فى الأساس لخدمة أهدافهم والترويج لها وتغييب وعى الشعوب، وترسيخ مفهوم أنها منبر للحقائق ونصرة الشعوب وفضح الفساد! ومع دمج الصحافة الأجنبية والعملاء السريين، الذين كان دورهم حث الشعب السورى على انتخاب رجال معينين، وتأليب الشعوب على حكامهم لمنعهم من توجيه أى انتقادات لتدخل الغرب فى بلادهم.. ووضعوا أولى لبنات بناء قاعدة الأكراد الذى أثبت التاريخ لنا دورهم فيما بعد فى تشتيت وتمزيق الأراضى العربية، التى أصبحت منطقة قابلة للاشتعال والنزاعات والاستنزاف، ويجب ألا نغفل أبداً عن قول “هنرى كسينجر” حينما وقفت أمريكا موقف المتفرج سنة 1948 عندما حصل السوفيت الشيوعيون على غنيمة الصين الضخمة، ولننتبه جيداً للفظ “غنيمة” فتوزيع الدول، أياً كانت بالنسبة لأمريكا وبريطانيا ومن وراءهم هو مجرد “غنيمة” يجب الحصول والسيطرة عليها.. حتى لو بدا الانشقاق بين الصين والسوفيت، وتظاهرت موسكو بأنها زعيمة حركة شيوعية متحدة... فاللعبة لعبة سيطرة على الشعوب واستعمار غير معلن، حتى إن تم استخدام شعارات “ويلسون الملائكية”، هذا التكنيك هو ما يستخدمونه حتى مع شعوبهم، فلنقرأ جزءا من خطبة “نيكسون لشعبه (أننا لا نريد أرض أحد، ولا نسعى للسيطرة على أى من الشعوب، إننا نسعى إلى الحق فى العيش فى سلام ليس لأنفسنا فقط بل لكل شعوب الأرض، إن قوتنا ستستخدم فقط للمحافظة على السلام، وليس لانتهاكه أبداً، وللدفاع عن الحرية وليس تدميرها)! تلك الشعارات استخدموها ولا يزالون حتى الآن، وكانت مدخلهم المستمر للتأثير على عقول الشعوب وفى المقابل أرسلوا جيوشهم حول العالم للسيطرة والهيمنة!!... وتوسعت مصانعهم فى إنتاج وبيع الأسلحة لتدميرنا واستنزافنا! وعلى الجانب الآخر كانت حليفتهم تمارس لعبة “اقتلاع العشب” على الأراضى العربية وهو منطق إسرائيل واستخدامها القوة العسكرية ضد المنطقة لفرض سيطرتها واستنزاف الدول العربية من حولها لتنمو وتستقر... وتلك لعبة أخرى للتسليم بإسرائيل ككيان مندمج فى محيطه الإقليمى، حتى تنسى الشعوب أنها كيان مغتصب فرتبت بيتها من الداخل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأيضاً اجتماعياً لتثبت دعائم دولتها... الحقيقة أنا لن أفرد صفحات كما فعل مايلز عن الرئيس الراحل عبد الناصر، ولن أعلق كثيراً على ذلك الهوس الشديد والتفاصيل الدقيقة التى أشك فى مصداقيتها، فيجب أن نتعلم جميعاً عندما نقرأ لجميع السياسيين، أن الحقيقة غائبة ومستترة خلف أغراض مخابراتية استعمارية لتشويه رموزنا، ولن ننساق أبداً مهما قدموا وغلفوا الحقائق بالأوهام التى يصرون على نسج خيوطها فى عقولنا فى أوراقهم المفخخة... وفى نهاية قراءتى لكتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند أحببت أن ألقى الضوء على عدة نقاط أقدمها للغرب وليس للقارئ المصرى أو العربي.. الذى أثق كثيراً فى وعيه لأغلق ملف هذا الكتاب... ادعى مايلز على الرئيس عبد الناصر أنه أعد له جزءا من مسودة خطابه للإعلان عن نبأ حقيقة السلاح الروسى، ونصحه بألا يقول الحقيقة لشعبه، وسرب الخبر إلى هيئة الإذاعة البريطانية B.B.C المخابراتية لتذيعه على العالم قبل خطاب ناصر لإحراجه أمام شعبه فى حفل خريجى مدرسة الطيران، وخرج ناصر إلى الشعب وأذاع الحقائق حول تلك الصفقة وكذبكم. فضحكم ناصر فى خطابه وأذاع على شعبه حقيقة أن دبلوماسياً أمريكياً حضر ليعلمه بإنذار (جورج ألين) لقطع المساعدات الاقتصادية كعقاب على شرائه الأسلحة السوفيتية.. وأذاع على شعبه كل التفاصيل لألاعيبكم وحيلكم.. لم يخرج ناصر أبداً ليدعو إلى تخفيف حدة التوتر مع إسرائيل كما طلبتم منه! أليس هذا ناصر الذى حيركم فى إدراك مقاصده وأهدافه فى رعاية الزعماء الأفارقة والعالم العربى والإسلامي! وجعلكم تتبنون سياسة أكثر تساهلاً ومحاولتكم لكسب ود مصر!!. فى إحدى جلساتكم حول طاولة لعبة الأمم صرخ أحد كبار رجال الخارجية قائلاً “إذا حاول بكباشيك أن يحشرنا فى الزاوية فلن نتأخر فى شطره نصفين”... لقد كان ناصر مصدر قلق ومبعث رهبة فى عقولكم وأبدانكم قضَّ مضاجعكم ولم تتوصلوا أبداً لفك شفرته أو تحليلها واستخدم نفس أساليبكم، لكن بشرف ونبل الفارس وقامت الشعوب فى عهده من تحت وطأة استعماركم، وطالبت بحقوقها واستخدم إذاعة القاهرة منبراً يضاهى فى ذلك الوقت منبركم ال B.B.C بكل ذكاء فحول ضعفنا قوة... قال ناصر فى يوم ما لمايلز: “عقدة عبقريتكم أيها الأمريكيين تكمن فى عدم ارتكابكم الحماقات والأخطاء ببساطة ووضوح، بل غالباً ما تجعلونها معقدة وغامضة إلى الحد الذى نضطر معه إلى التفتيش عن العديد من الاحتمالات، إلا أنها لم تخرج عن كونها حماقات دون ذكاء أو دهاء”. وفى النهاية، أخطأ كل من جلس حول هذه الطاولة، إذا تخيل أنه أذكى وأدهى ممن تآمروا عليهم... وأثبتت مصر أنها أيضاً لديها طاولة... مخطئ من يظن أن لعبة الأمم قد انتهت!!