خسائر متوقعة للصادرات العربية إلى أمريكا الأسواق البديلة سبيل العرب للاستفادة من انخفاض الواردات
شهد العالم بأكمله حالة ارتباك وغضب واسعة عقب إعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، فرضه تعريفات جمركية على واردات الصلب بنسبة 25 % وبنحو 10 % على الألومنيوم لحماية صناعتها الوطنية ضد الإغراق، لكنه فى الوقت نفسه عرض إمكانية التفاوض لإعفاء عدد من الدول أو خفض الرسوم عليها، فاختلفت ردود الأفعال بين الترقب والتهديد بالرد بفرض تعريفات مضادة على الواردات الأمريكية.
بدأت الصين بفرض رسوم جمركية عالية على الصادرات الأمريكية، وبدا فى الأفق ضباب يكتنف مصير ومستقبل اتفاقية التجارة الحرة وحرية تنقل البضائع بين الأسواق، مما يمهد إلى تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية ودخول العالم فى حرب اقتصادية باردة وإغلاق الحدود.
أغلب الصادرات العربية تذهب إلى الاتحاد الأوروبى أو إلى شرق وجنوب شرق آسيا، حيث اليابان والأسواق الصاعدة فى الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا ودول أخرى، لتبقى حصة التصدير إلى أمريكا منخفضة بعض الشئ بالمقارنة بالأسواق السابقة.
وترى تقارير دولية أن الدول العربية كدول مستوردة تبدو مستفيدة على المدى القصير نظراً إلى أن قرار “ترامب” يحمى صناعة الصلب الأمريكية بشكل يؤدى إلى انتعاشها وتلبيتها لحصة إضافية من احتياجات السوق الأمريكية.
ويعنى ذلك أن قسماً من الصادرات الصينية والأوروبية والروسية والكورية الجنوبية التى كانت تذهب إلى هذه السوق ستتنافس بشكل أقوى فى الأسواق الأخرى ومن بينها الأسواق العربية، ما يؤدى إلى تراجع أسعارها بشكل ينعكس إيجابياً على المستهلكين فى الدول العربية المستوردة.
ومن المرجح أن يسهم هذا التراجع فى جعل السيارات الآسيوية والأوروبية أقل تكلفة بشكل ينعكس إيجابياً على المستهلك فى الدول العربية، فضلاً عن منافسة صناعة الصلب والحديد فى دول كمصر والسعودية والجزائر والمغرب ودول آخرى فى عقر دارها.
كما أنه قد يقوض فرص تطويرها وخصوصاً فى دول تطمح إلى تطوير هذه الصناعة بشكل كبير كالسعودية، وهذا ما ينطبق أيضاً على صناعة الألومنيوم – كثيفة الاستهلاك للطاقة - ولو بشكل أقل برغم أن الدول الخليجية تملك ميزة الإنتاج بأسعار منافسة بسبب توافر مصادر الطاقة بأسعار رخيصة.
وفيما يتعلق بصناعة الصلب، فإن الدول العربية فى مجملها مستوردة له، أما الدول المنتجة - وفى مقدمتها مصر والسعودية والجزائر - توجه إنتاجها إلى الاستهلاك المحلى أو إلى أسواق مجاورة.
وبالنسبة للألومنيوم، يتراوح إنتاج الدول العربية السنوى بين أربعة إلى خمسة ملايين طن سنوياً، ويتركز هذا الإنتاج فى الإماراتوالبحرين، حيث أكبر المصانع.
ومن بين الدول العربية المتضررة الإمارات التى تعد من بين أكبر أربع دول مصدرة للألومنيوم إلى الولاياتالمتحدة بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
ووفق بيانات وزارة التجارة الأمريكية لعام 2017، احتلت الإمارات صدارة الدول التى تصدّر الصلب ومنتجاته إلى الولاياتالمتحدة، إذ سجل مجمل صادراتها فى العام الماضى 282.4 ألف طن قيمتها 224.167 مليون دولار.
وحلَّت مصر فى المرتبة الثانية بإجمالى صادرات وصل إلى 747.84 ألف طن تقدر بنحو 77.817 مليون دولار، أما السعودية فحلت ثالثة بإجمالى صادرات 747.84 ألف طن بقيمة 77.784 مليون دولار، وستعانى الصادرات العُمانية أيضاً من القرار، إذ بلغت 451.26 ألف طن قيمتها 30.535 مليون دولار.
أما تونس بلغت صادراتها 463.1 طن بقيمة 353.5 ألف دولار، لتأتى المغرب بعدها بإجمالى صادرات وصل إلى 30.4 ألف طن بقيمة تصل إلى 1.5 مليون دولار. وستعانى الصادرات البحرينية أيضاً من هذا القرار، إذ صدّرت المملكة فى العام الماضى نحو 3.6 آلاف طن بقيمة 39.1 مليون دولار، فى حين سجلت صادرات الأردن نحو 104.7 طن قيمتها 87.7 ألف دولار. الإمارات تعتبر الإمارات ثالث أكبر مصدِّر ألومنيوم إلى الولاياتالمتحدة بعد كندا وروسيا وشركة الإمارات العالمية للألومنيوم هى ثالث أكبر منتج للألومنيوم الأولى خارج الصين. وبرغم كون الإمارات من أكبر المصدرين إلى أمريكا، فإن شركاتها الكبرى قللت من التأثير السلبى عليها بسبب التعريفات، وقالت شركة الإمارات العالمية للألومنيوم إنها مستعدة جيداً لأى تغيير فى السوق مع فرض تعريفات جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، حيث تعد أسواق أوروبا وآسيا مهمة للغاية كوجهات تصديرية إلى جانب أمريكا. فيما قالت “مجموعة الغرير” فى بيان إن هذه الإجراءات ستؤدى إلى موجة عكسية من إجراءات الحماية من قبل الدول المصدرة للمعادن، ما سيعزز من المطالبات لحماية الصناعة الوطنية من باب المعاملة بالمثل. ومن جانبه، أوضح “بهارات باتيا” الرئيس التنفيذى لشركة “كوناريس” ثانى أكبر مصنع للحديد فى الإمارات – فى تصريحات صحفية - أن حجم التأثير فى صادرات الحديد للسوق الأمريكى يعتمد بشكل كامل على طبيعة القرار وعلى تاريخ تنفيذه. البحرين تعد البحرين أحد المتضررين أيضاً، حيث تملك واحداً من أكبر عشرة مصانع صهر ألومنيوم فى العالم، وهى شركة ألومنيوم البحرين “ألبا” التى أعلنت - قبل فرض التعريفات - عزمها استثمار قدره ثلاثة مليارات دولار لبناء الخط السادس فى الشركة، ورفع طاقتها الإنتاجية إلى 1.5 مليون طن سنوياً، ما سيجعلها أكبر مجمع لصهر الألومنيوم فى العالم. وتعتمد خطة توسيع المصهر على أن تقوم “ألبا” بتصدير 55 % من إنتاجها للخارج، 12 % منها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها، لكن قرار “ترامب” يهدد استمرار هذه الخطة. وقال “قيس الزعبي” رئيس غرفة التجارة الأمريكية فى البحرين إن الألومنيوم يجيء فى مقدمة صادرات البحرين إلى الولاياتالمتحدة، حيث يشكل نسبة 61 % من إجمالى السلع المصدرة من البحرين إلى الولاياتالمتحدة فى 2017. وأضاف أن البحرينوالولاياتالمتحدة تتمتعان بعلاقات طيبة للغاية، وهو ما يستوجب التفاؤل بإمكانية إعفاء البحرين من الرسوم الجمركية المقترحة من منطلق العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين ولكون البحرين تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، كما أن هناك اتفاقية للتجارة الحرة مبرمة بين البلدين. مصر يجرى جهاز مكافحة الدعم والإغراق التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية التنسيق مع الدول المتضررة من قرار “ترامب” لاتخاذ موقف موحد وعرضه على منظمة التجارة العالمية خلال الفترة المقبلة. وتصدر مصر إلى الولاياتالمتحدة ما يزيد على 170 ألف طن من الصلب سنوياً، وتقدر وزارة الصناعة والتجارة الخسائر التى تتكبدها الشركات المصرية بسبب قرار “ترامب” بنحو 180 مليون دولار. وهو ما يشكل جزءاً صغيراً من مجمل قيمة واردات الولاياتالمتحدة السنوية من الصلب، التى وصلت قيمتها إلى 33 مليار دولار عام 2017. وبرغم هذا التأثير المحدود فإن مصر أُدرجت ضمن قائمة الدول المتضررة، ولا يعد القرار مؤثراً بقوة على مصر بسبب تصديرها صلب لباقى دول العالم. وفيما يتعلق بتأثير القرار على السوق المحلي، أعلنت مجموعة من مصانع حديد التسليح عن زيادة جديدة فى الأسعار بمتوسط مائتى جنيه للطن جراء الارتفاع المتتالى فى أسعار خام البيليت بالأسواق العالمية وتسجيله 575 دولاراً للطن. وأعلنت مجموعة «بشاى» عن أسعارها الجديدة مسجلة 12.900 ألف جنيه للطن تسليم المصنع، وسجل حديد المصريين 12.850 ألف جنيه للطن تسليم المصنع، فيما أعلنت مجموعة الجيوشى للصلب عن أسعارها مسجلة 12.850 ألف جنيه للطن بزيادة 200 جنيه على آخر نشرة سعرية أعلنتها المجموعة قبل أسبوعين، وأعلنت شركة بيانكو عن أسعارها مسجلة 12.750 ألف جنيه للطن. وقال “طارق الجيوشي” عضو غرفة الصناعات المعدنية، رئيس مجموعة "الجيوشي" للصلب، إن وصول أسعار خام البيليت بالأسواق العالمية إلى 575 دولارا للطن أربك جميع المنتجين بمختلف الدول، ومنها بطبيعة الحال المصانع المحلية، مشيراً إلى أن الأسواق العالمية غير مستقرة بسبب تضاعف أسعار مدخلات إنتاج خام البيلت من أقطاب الجرافيت اللازمة لعمليات الصهر بسبب ندرته بالأسواق العالمية. وأشار “الجيوشي” إلى أن الزيادة فى أسعار الحديد بالمصانع المحلية لا يمكن مقارنتها بمصانع الدول الأخرى، لافتاً النظر إلى أن المصانع المصرية تعتمد فى إعلان أسعارها على حساب متوسطات أسعار مدخلات الإنتاج وعلى رأسها خام البيليت. الكويت جاء رد فعل الكويت مختلفاً عن نظرائها من الدول العربية، حيث قررت وزارة المالية زيادة الرسوم الجمركية على حديد التسليح ولفائف الحديد من 5 % إلى 10 % بدءاً من مارس الحالى حتى نهاية فبراير عام 2019 فى إطار مكافحة الإغراق لتلك الصناعة، مع إمكانية تمديد القرار وذلك تطبيقاً لتوصية الأمانة العامة لدول مجلس التعاون. وتستهدف الرسوم الجديدة زيادة أسعار الحديد المستورد فى مقابل إعطاء ميزة تنافسية للمصانع المحلية، وجاء قرار زيادة الرسوم مع استقرار الأسعار فى السوق الكويتى بعد أشهر طويلة من المضاربات لتستقر الأسعار ما بين 220 و230 ديناراً للطن الواحد. ويأتى ذلك ضمن إجراءات تسير فى نفس سياق السياسات الاقتصادية الأمريكية الداعية لحماية صناعتها الوطنية وزيادة التوظيف فى القطاع على المستوى المحلي.