أطلق البعض على محاكمة الرئيس المتخلى محمد حسن مبارك، محاكمة القرن، وهى بحق قد تكون كذلك، وسبق لى فى مقال فى أهرام 28 /6 / 2011 وبعنوان : «العائد المادى لمحاكمة مبارك على الهواء». أن أظهرت أهمية أن تبث المحاكمة على الهواء مباشرة، وأن تمنح حقوق البث لشركات متخصصة، لتقوم بتكاليف إعداد قاعدة المحاكمة، وتنظيمها، وتتحمل تكاليف انتقال المتهمين إلى المحكمة، وقدرت العائد المادى لذلك بمبلغ لا يقل عن 15 مليار دولار، وهو مبلغ كانت فضائيات الدنيا بمختلف ألوانها وألسنتها ومواقعها، مستعدة لسداده، ولكان عوضنا ذلك عن طلب القروض أو المنح من الغير عربيا أم أعجميا، ولكننا وباعتبارنا نتصف بتضييع الفرص، أضعنا تلك الفرصة. حتى عندما سمحت المحكمة ناظرة الدعوى، بالبث المباشر، جاء وزير الإعلام السابق، ليطالب المحططات الاجنبية والعربية بتسديد 7 آلاف دولار عن البث اليومى والمحطات المصرية بتسديد 4 آلاف دولار، وجاءت النكتة صادمة، فقناة السي. إن. إن الأمريكية، تستفسر من مراسلها فى القاهرة عما إذا كان مبلغ السبعة آلاف دولار هو ثمن طابع البريد المطبوع على طلب الحصول على البث، وأن سعر البث سوف تطالب القناة بتسديده مستقبلا عند تحديده! ومع تمسكى بأهمية البث الكامل لمثل هذه المحاكمة على الهواء، باعتبارها تمثل حصانة للمتهمين، ومتابعة للشعب المكلوم، وبوجوب الحصول على عائد البث، خاصة بعد أن علمنا أن تكاليف رحلة الرئيس المتهم من المستشفى إلى المحكمة وبالعكس تكلف خزينة الدولة 500 ألف جنيه يوميا! فإننى أستعرض اليوم أمرا مهما، وقد جعلته كذلك مرافعة النيابة العامة التى بثت حزنها فى المرافعة عن أن الداخلية والأمن القومى لم يمدوها بالأدلة، وخرجت المخابرات العامة لتعلن عن عدم مسئوليتها القانونية فى تقديم مثل تلك الأدلة، والداخلية تتذرع بظروف الحال. لذلك حججت لمكتبتى القانونية لأجد أن الرئيس المتخلى كمتهم يتمتع لا بحصانة دستورية ضد المحاكمة، على نحو ما يتمتع به رؤساء الدول فى العالم أجمع، وهو ما جعل الأممالمتحدة، بناء على طلب أمريكا، تسعى لإبرام اتفاقية دولية لتشكيل محكمة جنائية دولية تتصدى لمحاكمة مرتكبى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان، وأن تحرم رؤوساء الدول وكبار مسئوليها من تلك الحصانة الدستورية. وإنما وجدت أن الرئيس المتخلى كمتهم يتمتع بما يمكن أن نطلق عليه “ممانعة دستورية" وليس حصانة دستورية فقط، ومرجع ذلك لما نصت عليه المادة 85 من دستور 1971 – قبل تعليقه – حيث نصت علي:«يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي، أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس» وبعد أن قررت المادة إيقافه عن العمل بمجرد صدور قرار الاتهام وتولى نائبه أو رئيس مجلس وزرائه الرئاسة مؤقتاً، أضافت المادة:» وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب، وإذا حكم بإدانته أعفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى “. عليه يكفى الدفاع عنه أن يتمسك «بالممانعة الدستورية»، للمطالبة ببطلان المحاكمة! والنيابة العامة والمحامون الحاضرون عن المدعين بالحقوق المدنية، سيكون من الصعوبة عليهم بمكان أن يردوا على ذلك الدفع فى ضوء حقيقة ما يلي: إن الإعلان الدستورى الأول الصادر فى 13 فبراير 2011 – بعد يومين من تخلى الرئيس السابق عن الحكم – قرر تعطيل العمل بأحكام الدستور، وكذلك حل مجلسى الشعب والشوري. ثم استدرج فى المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 2011 الصادر فى 14 فبراير بأن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الإعلان الدستورى يبقى صحيحا ونافذا، ما لم يتم إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى الإعلان الدستوري. مما مؤداه أن دستور 1971 بما تضمنه من قواعد صحيح ونافذ قبل تاريخ 13 فبراير 2011 . إن الإعلان الدستورى الثانى الصادر فى 30 مارس 2011 لم ينص صراحة على سقوط دستور 1971 أو استمرار تعليقه، وإنما يمكن اعتباره أنه قد ألغاه ضمنيا عملا بحكم المادة 2 من القانون المدني، التى تعتبر أن القانون اللاحق يلغى السابق ضمنا أن نظم ذات أحكامه، ومع ذلك حرص الإعلان الدستورى الجديد فى المادة 62 منه على تأكيد صحة ونفاذ القوانين السابقة عليه. مؤدى ما تقدم، أن دستور 1971 يعد صحيحا ونافذا قبل تاريخ 13 فبراير 2011 ، ومن ثم جواز التمسك بحكم المادة 85 منه للقول بتمتع الرئيس المتخلي، بمبدأ الممانعة الدستورية. وبطبيعة الحال لا يمكن الاعتماد على جدل فقهى يعتبر أن مبدأ صحة ونفاذ القوانين واللوائح السابقة على صدور الإعلان الدستوري، لا يشتمل على الدستور، وإنما فقط يقتصر على القوانين واللوائح بهذا المعنى الحرفي، لا يمكن الاعتماد عليه، لأن محكمتنا الدستورية العليا وحتى تاريخه تقضى بعدم دستورية قوانين صدرت مخالفة لحكم نصوص دستور 1971 حيث حكمت بجلسة 13 / 11 / 2011 فى الدعوى رقم 113 لسنة 28 ق. «دستورية» بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنه 1991، قبل تعديله فيما تضمنه من تخويل وزير المالية سلطة مد المدة التى يجوز فيها لمصلحة الضرائب تعديل الإقرار المقدم من المسجل. وبسقوط قرارى وزير المالية رقمى 231 لسنة 1991 و 143 لسنة 1992. عليه وجب البحث عن الحل، والحل فى نظرنا هو فى وجوب الاعتداد بالشرعية الثورية لا الشرعية الدستورية، فى محاكمة القرن. بمعنى وجوب صدور إعلان دستورى جديد، يقضى بتشكيل محكمة ثورة، تتولى محاكمة رموز النظام السابق عن الفساد السياسي، والجنائى خاصة جرائم قتل وإحداث عاهات وإصابة المتظاهرين، وكذلك إصدار قوانين تحدد تلك الجرائم والعقاب عليها، والتأكيد على أن الرئيس المتخلى لا يتمتع بالممانعة الدستورية، حال كون الشرعية الثورية ألغت حكمها. وعندها فقط تهدأ أرواح الشهداء، ونفوس الضحايا، وتجف دموع الثكالى والأبرياء. أما الفساد الاقتصادى فلا أنصح كباحث اقتصادى بالتصدى له فى المحاكمة، وإنما تشكل ورش عمل لبيان ما يمكن اتخاذه فى ضوء السياسة الاقتصادية الحكيمة، فلا يحق لنا أن نقع فى خطأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما صفى الإقطاع الزراعى ووزع أراضيه على الفلاحين، فخسرنا الأرض الزراعية والمنتجات الزراعية. لدينا اليوم إقطاع عقارى، وخدمى،وصناعى، وجب علينا المحافظة عليه. رئيس بمحكمة الاستئناف بالقاهرة سابقاً.