بعد قرارات الإطاحة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال وزرائه السابقين، آن الأوان لكي يطرح الجميع السؤال الكبير وهو ما إذا كان يتعين على ترامب الحذر في مواجهة خيارات التدخل المدروسة من بولتون وبومبيو، حيث إنهما غالبا يفضلان الحلول العسكرية باعتبارها الأسرع والأفضل. فقرار ترامب تعيين جون بولتون أحد صقور الإدارة الأمريكية و»المحب للكراهية» كمستشار للأمن القومي، وكذلك مايك بومبيو والذي لا يقل عنه حبا للكراهية في منصب وزير الخارجية يمكن أن يكون نقطة تحول رئيسية في إدارة ترامب.
فلدى كلا الرجلين تاريخ طويل في دعم التدخلات العسكرية وعدم اللجوء إلي الدبلوماسية. إذ تميزت فترة بولتون في إدارة جورج دبليو بوش بحماسة صريحة لحرب العراق وألاعيب البيروقراطية لسحق المعارضين. وسوف يحل بولتون محل اتش آر ماكماستر الذي كان غير قادر على التطور مع ترامب وكان أكثر عزلة في قضايا السياسة.
ترامب وبومبيو لديهما علاقة وثيقة فغالبا ما يقدم بومبيو التقارير الإعلامية اليومية إلى الرئيس. عندما يتفاعل الدبلوماسيون الأجانب مع بومبيو، سيعرفون أنه يتحدث نيابة عن الرئيس الأمريكي. أما بولتون فسيعزف على وتر البيروقراطية الواسعة في واشنطن والتي فشل فيها ماكماستر وتيلرسون لأنهما كانا مبتدئين في هذا المجال.
الأمر الثاني أنه إبان ترشحه لرئاسة أمريكا كان ترامب قد وصف حرب العراق بأنها «خطأ كبير وخطير» واتهم إدارة بوش بالعراق بحيازة أسلحة الدمار الشامل. لكنه الآن دعا بولتون، أحد أكثر المؤيدين المتحمسين لتلك الحرب في البيت الأبيض. وكان بولتون متحمسًا لدرجة أنه دعا في وقت من الأوقات إلى توسيع الحرب إلى إيران. فهو يتفق مع كل من بومبيو وترامب في معارضة الاتفاق النووي الإيراني ويراه كارثيا، وبالتالي فإنهما يريدان إفشال الصفقة، ولكن ذلك يتعارض مع الحلفاء الأوروبيين والوكالة الدولية للطاقة الذرية وجزء كبير من بقية العالم . ولكن سيقوم مسئول أمريكي كبير بجولات فى العواصم الأوروبية لمعرفة ما إذا كان من الممكن إدراج عناصر جديدة في صفقة تم إعادة التفاوض عليها بحلول 12 مايو وهو الموعد النهائي الذي حدده ترامب. ويشمل ذلك وضع قيود على قدرة إيران في مجال الصواريخ الباليستية، وفرض عمليات تفتيش صارمة على المواقع النووية، وتوسيع المهلة الزمنية اللازمة لتخصيب إيران لليورانيوم إلى أجل غير مسمى، وقد يذهب بولتون إلي ما هو أبعد من ذلك. خصوصا عندما صرح بأنه لا يزال بإمكان الضربة أن تنجح بعدما ضرب مثالاً بمفاعل صدام حسين في العراق والذي دمرته إسرائيل عام 1981 والمفاعل السوري والذي دمرته إسرائيل أيضا عام 2007 كانا من تصميم وبناء كوريا الشمالية.
إن وجهات نظر بومبيو حول الصفقة الإيرانية متشددة كونه كان مديرا لل CIA ما أتاح له إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخبارية وبصفته كان عضوًا في الكونجرس فإنه عارض بشدة أي اتفاق مع إيران. ودعا إلى قطع المحادثات في عام 2014 واقترح ضربات جوية لنقل المنشآت النووية الإيرانية. والآن ها هو يصف إيران بأنها دولة قطاع الطرق الاستبدادية كما قارنها بداعش الإرهابية. نستشعر في تعبيرات بومبيو ارتداد مستوى الخطاب إلى عهد ديك تشيني دونالد رامسفيلد والتراكم المستمر لحرب العراق.
بومبيو.. طفل تل أبيب المدلل جاءت إقالة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون واستبداله بمدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، لتلقى الضوء إلى تشدد فى الموقف الأمريكى واتجاهه نحو سياسة جديدة من سياسات “الصقور” القدامى والمحافظين. ف “مايك بومبيو هو مسئول جاسوسية من طراز رفيع وهو مسئول عن الشئون الخارجية. طالما أعلن عداءه للاتفاق مع إيران. وهو عضو بارز ومعروف فى “حزب الشاي” المحافظ جدًا للجمهوريين. وبالتالي، فإن تعيينه إشارة دبلوماسية ورسالة انتخابية. فهو الوجه الجديد للدبلوماسية الأمريكية، كما أنه يمتلك نفس طريقة التفكير التى يمتلكها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. تمكن مايك بومبيو، على عكس ريكس تيلرسون، من الحصول على مكان قريب من قلب وعقل ترامب بسبب اتفاق آرائهما السياسية ضد إيرانوكوريا الشمالية، وكذلك اتفاقهما على ضرورة الحزم الشديد حيال العديد من الدول. ولد مايك بومبيدو عام 1963 فى أورانج بكاليفورنيا. التحق بالجيش الأمريكى عام 1986. تخرج فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد، تلك الجامعة المرموقة الشهيرة ليصبح محاميا. أسس شركة هندسية فى كنساس، ثم سرعان ما انضم إلى “لجنة الاستخبارات فى مجلس النواب”، حيث سهل له ذلك الوصول إلى الكثير من المعلومات السرية. وبفضل كفاحه المرير إلى جانب الجمهوريين ضد هيلارى كلينتون فى قضية تفجير بنغازى التى أودت بحياة السفير الأمريكى فى ليبيا فى عام 2012، سطع نجمه واستطاع القفز من الظل إلى النور. كان بومبيو قد قدم إلى ترامب التقارير التى جمعتها وكالات الاستخبارات فى شكل رسوم بيانية لعلمه بكراهية ترامب للقراءة. ولأنه يملك نفس أفكاره فيما عدا كراهية القراءة، فقد كرر نبرة رئيسه العدوانية، التى تشبه الحرب أحيانا، بوعده أن تكون ال”سى. آى. إيه” عدوانية ووحشية وقاسية ولا هوادة فيها. صفق الجمهوريون لتعيينه ووصفه السيناتور ليندسى جراهام، بأن لا أحد يفهم التهديدات التى تمثلها كوريا الشماليةوإيران أفضل منه، فلا أحد لديه علاقات أقوى مع الرئيس ترامب أكثر من مايك بومبيو، فهو شريك موثوق على حد تعبير جون ماكين. طالما أعرب وزير الخارجية الأمريكى الجديد مايك بومبيو، عن دعمه لمواقف الدولة اليهودية فى مجموعة متنوعة من القضايا، لكن لأن الإسرائيليين كانوا قلقين فى الفترة الماضية من الأزمة السياسية التى هددت بالإطاحة بالائتلاف الحاكم، فقد تجاهل السياسيون فى القدس بشكل كبير الإعلان بأن الولاياتالمتحدة ستحصل على وزير خارجية جديد، لكن عقب الهدوء النسبى الذى ساد فى الأوساط الإسرائيلية، سرعان ما أعرب رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو ومعظم أعضاء حكومته عن سعادتهم بالإطاحة بتيلرسون وتعيين بومبيو، لدرجة أن وزير الاستخبارات يسرائيل كاتز، الذى كان قد التقى بومبيو عدة مرات خلال فترة حكمه التى امتدت 14 شهرًا كرئيس لوكالة التجسس الأكثر شهرة فى العالم، ذهب لتهنئة بومبيو على تويتر، شاكرا إياه على دعمه لإسرائيل، فيكفى أنه سيعيد النظر فى صفقة إيران النووية التى تقول إسرائيل إنها تهدد السلام فى جميع أنحاء العالم، خصوصا أن تيلرسون وزير الخارجية المنتهية ولايته لم يشارك ترامب فى كراهيته العميقة للاتفاق النووى الإيراني. فى المقابل فإن بومبيو “صقر” معروف فى إيران. وجهات نظره حول الصفقة الإيرانية لعام 2015 تتطابق تمامًا مع آراء ترامب ووجهات نظر نيتانياهو. جميعهم يعتقدون بأن الصفقة كانت كارثة، وأنه يجب أن يتم تحسينها أو رفضها بشكل نهائي. كما أن بومبيو يرى أن إيران أكبر دولة فى العالم ترعى الإرهاب، كما أنها أصبحت لاعباً أكثر جرأة وإزعاجاً للاستقرار فى الشرق الأوسط، لذلك بدا أصدقاء الجمهورية الإسلامية فى دق ناقوس الخطر فور إعلان اسم بومبيو، لدرجة أن المجلس الوطنى الإيرانى الوطنى حذر من أن إدارة الشئون الخارجية على يد بومبيو ستزيد من مخاطر “حرب جديدة فى الشرق الأوسط”.
هاسبل.. عين القط المثيرة للجدل الصورة التي نشرت في بعض وسائل الإعلام الأمريكية عند إعلان تعيينها على رأس وكالة الاستخبارات المركزية فى 13 مارس الماضى، لم تكن الصورة الصحيحة. لجينا هاسبل أول امرأة تقود وكالة الاستخبارات المركزية، وقد تم تعيينها في هذا المنصب من قبل الرئيس دونالد ترامب لتحل محل مايك بومبيو، الذي وجد نفسه مدفوعا إلى منصب وزير الخارجية، قرار تعيينها جاء مكافأة لها برغم كونها واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الولاياتالمتحدة. فاسمها مرتبط باستخدام التعذيب واختطاف الإرهابيين المشتبه بهم. في عام 2002 ، ترأست سجنا من أول السجون السرية في تايلاند والمسمى ب”الموقع الأسود”. هاسبل – 61 عاما - أول امرأة تقود وكالة الاستخبارات المركزية. تتمتع بأكثر من 30 عامًا من الخبرة في الوكالة، كما أنها أيضا زعيم متمرس، وتتمتع بقدرة خارقة على فعل الأشياء وإلهام من حولها. بدأت هاسبل عملها عام 1985، حيث بنت الكثير من حياتها المهنية كعميلة سرية، حيث استمرت 33 عاما في الظل وقدمت خدمات للاستخبارات الأمريكية في العديد من أنحاء العالم بما في ذلك لندن. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 أقامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بموافقة الرئيس بوش سجوناً سرية في ثماني دول كي تتمكن من استجواب الأفراد الذين يشتبه في أنهم أعضاء في القاعدة. وفي عام 2002 تم إرسال جينا هاسبل النجمة الصاعدة للوكالة إلى تايلاند لتشغيل أحد مواقعها تحت عنوان “عين القط”. كانت أول امرأة يتم تعيينها مديراً للخدمة الوطنية السرية. كانت مسئولة عن السجون السرية في الخارج، حيث خضع المشتبه بهم لأساليب استجواب أقل ما توصف أنها وحشية، مثل الإغراق في الماء والحرمان من النوم. وفي عام 2013 ، تم إيقافها عن العمل بشكل مؤقت بعد أسابيع من تعيينها بسبب شكوك حول مسئوليتها في تنفيذ هذه الاستجوابات الوحشية. وكانت بالفعل متورطة في أسوأ انتهاكات حدثت من خلال وكالة المخابرات المركزية في عهد إدارة بوش، كما لعبت دورًا مهمًا في تعذيب المعتقلين. هاسبل متواطئة أيضا في تدمير فيديوهات الاستجواب، حيث كتبت أمرًا لتدمير مقاطع الفيديو حتى بعد أن أمر البيت الأبيض وكالة المخابرات المركزية بعدم القيام بذلك، ما يعني أنها امرأة مستعدة لخرق القانون، وهو الأمر الأكثر إثارة للقلق. من هنا فإن تعيين هاسبل يعقد مهمة أعضاء مجلس الشيوخ، فمشاركتها في برنامج السجون السرية والتعذيب الذي تبنته وكالة الاستخبارات المركزية بعد 11 سبتمبر يقسم أعضاء الكونجرس، ففي حين أعرب الجمهوريون عن حماسهم، فإن لدى الديمقراطيين تحفظات حول الطريقة التي تعاملت بها هاسبل مع المعتقلين. فهي بالنسبة لهم ذاكرة مظلمة ووجه غامض إلى حد كما انها تبدو بكماء لا تستطيع الكلام، وذلك لأنها ببساطة قضت معظم حياتها المهنية أي نحو ثلاثين عاما، في خصوصية التجسس! وبعد قضاء معظم سنوات حياتها في الظل أصبحت الآن في الضوء الكامل. المثير في الأمر أن مايك بومبيو دافع عن هاسبل عام 2014 واصفا أسلوب التعذيب الذي كانت تستخدمه، وهو محاولة إغراق المتهم أو ما يسمى بالإيهام بالإغراق بأنه أسلوب تقني في استجوابات المتهمين، خصوصا عندما يتسبب هؤلاء المتهمون في وضع حياة الأمريكيين في خطر، وطالب بأن يتم التعامل مع عملاء المخابرات الأمريكيين من أمثال جينا هاسبل على أنهم أبطال وليسوا مجرمين يجب التحقيق معهم!
الطريف في الأمر أن مديرة وكالة المخابرات المركزية الجديدة جينا هاسبل، التي”عذبت الناس”، ربما لن تتمكن من زيارة الاتحاد الأوروبي لمقابلة نظرائها الآخرين في الخدمة السرية خوفا من خطر التعرض للاعتقال. إذ قد يتم توقيفها بسبب شكوى مقدمة من المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان (برلين) (المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان) إلى المدعي العام الألماني. ففي يونيو 2017 ، طلب المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان من السلطات الألمانية إصدار مذكرة توقيف بحق السيدة هاسبل فيما يتعلق بقضية تعذيب الإرهابيين المشتبه بهم.