"القضية رقم 24" فيلم "زياد دويرى" الرابع، وهو دراما محاكمات تناقش قضية الكراهية الطائفية فى لبنان، وزياد الدويرى مخرج من أصل لبنانى تعلم السينما فى الولاياتالمتحدة وعمل كمساعد تصوير فى أفلام كوانتين ترانتينو ويقيم فى باريس حالياً، وأول أفلامه "بيروتالغربية 1998" و"قالت ليلى 2004" و"الصدمة 2012" وهو سر الجدل الواسع والانتقاد الضخم للدويرى لأنه اختار تصوير مشاهد داخل تل أبيب – كنوع من الواقعية - مما اعتبر من السلطات تطبيعاً ومنع عرض الفيلم في البلاد العربية وعلى رأسها لبنان. زياد الدويرى يقدم لنا فيلماً لم يبتعد كثيراً عن المواضيع الجدلية، فلبنان أكثر البلاد العربية من حيث التعددية الدينية والعقائدية والعرقية، لكن المخرج استأصل ضلعين فقط من تلك الطوائف لعرض قضيته عبر خيوط درامية قوية: الضلع الأول يخص الفئة المسيحية، وتتضمن مذاهب وطوائف لا تخلو من الانقسامات، لكن الفيلم لم يتطرق لهذا، والفئة الثانية لها علاقة باللاجئين الفلسطينيين ولهم تداخلات مشهودة فى لبنان منذ الحرب الأهلية 1975 إلى 1990. غير أن من لم يعرفوا التعقيدات اللبنانية لن يجدوا صعوبة فى تفهم الوضع القائم من خلال الفيلم، وكأى دراما فهى تعالج الفكرة أكثر مما تتمحور حول الشخص، وهذا ما أدركه الدويرى حيث لم يخلق تعاطفاً – أو كراهية - بين أى شخصية من طرفى الصراع فالجمهور – بالأخص غير المسيس – يتابع الأحداث بانتباه لبراعته فى كتابة ذروات حوارية وحدثية غير مفتعلة ولا خطابية، لا لرغبتهم فى فوز شخص على الآخر، فكاتب الحوار يدرك تماماً ما يدور حوله، وكل شخصية تتحدث بما يفترض من خلال البناء الدرامي. ابتعد "الدويري" عن تسطيح الشخصيات، فى مقابل الفكرة، فكل الشخصيات دائرية، تظهر رغبات ودوافع عبر إيماءات تمثيلية دقيقة وغير متكلفة، دون أن تنبس تلك الشخصيات بالحوار، الذي يعتبر العنصر الأهم فى تطور القصة، ونتابع تلك الشخصيات المتماسكة والناضجة، فالكتابة من خلال كادرات مكبرة يكثر منها الدويرى فى فيلمه إلى جانب حركة الاستدى كام التى تجعل للمشاهد عينا داخل الحدث لا كمجرد مراقب فقط عبر كادرات ثابتة الى جانب الموسيقى الالكترونية أجنبية الطابع والأشبه بموسيقى أفلام الإثارة والتشويق لكنها بعيدة عن التأثير على المجال الانفعالى وهو ما يجعله جيدا من ناحية حياد التعاطف الشخصى. قصتنا بسيطة فياسر (كامل الباشا) مراقب عمال فلسطينى عينه نائب الدائرة تعاطفاً رغم التضييقات القانونية، ليكون من مهام ياسر إصلاح الانتهاكات القانونية فى مساحات الحى ومن ضمنها مزراب تونى (عادل كرم) الذى يرفض تصليح المزراب لكن ياسر يصلحه عنوة فيكسره تونى فيرد ياسر بقذفه بلفظ خارج. تونى يصر على اعتذار ياسر وهو ما يجده ياسر صعباً فتونى على عكس ياسر شخصية متقلبة المزاج حادة فى غضبها، في حين أن ياسر شخصية قوية كتوم، ومفاجئ، وتلك الصفات الشخصية تهيئ لتقبل المشاهد لضرب ياسر لتونى حينما قال له: "يا ريت شارون – رئيس الوزراء الإسرائيلى- محاكم عن بكرة أبيكم" مع خلفية صوتية لخطاب بشير الجميل – رئيس لبنانى مسيحى اغتيل من حبيب الشرتونى قبل توليه المنصب أثناء الحرب الأهلية - يتحدث فيها عن الفلسطينيين بشكل عدائى، ويستمع اليه تونى بإنصات، يثير غضب ياسر. من هنا تسبب ضرب ياسر بتهتك فى العظام لتونى، ونبدأ فصول دراما المحاكم المحبوكة حوارياً وحدثياً فى تطور سلس ومنطقى حتى عندما وصلت قضية المزراب الى مشكله وطنية تخرج حجم الكراهية بين الناس فى الشوارع والميادين أطلق شرارتها استغلال المحامين الكبار كوجدى وهبة (كاميل سلامة) لقضايا الكراهية لصناعة بروباجندا شخصية على حساب الوطن، وفى المقابل ابنة وجدى وهبة وهى تناصر الفلسطينيين أمام أبيها فى المحكمة، ونرصد أيضاً طبيعة النظام القضائى اللبنانى الذى يظهره الفيلم بشكل محترم وخال من الانحيازات. الفيلم يدور حول الحرب الأهلية راصدا مجازرها من الدامور للسعديات للجويا وقياداتها من المسيحيين إلى الشيعة والسنة والدروز فالفيلم يعرض لنا المجتمع اللبنانى لا كما نعتقده من خلال برنامج (هيدا حكى) لعادل كرم – بطل الفيلم - كبلد نساء مدللات، بل يعلمنا أن من اقتاد الشعوب إلى المجازر هو غرور الأفراد، بفكرهم ومعتقداتهم، وظنهم بأفضليتهم على غيرهم، وامتلاكهم حق القتل بناء على تلك الأفضلية.