مليارا يورو حجم التبادل الاقتصادى بين البلدين و03 ألف مصرى يعملون فى الشركات الفرنسية الرافال والميسترال شاهدان على التعاون العسكرى الوثيق بين القاهرةوباريس
من نابليون إلى ماكرون، قرنان من الزمان شاهدان على قوة العلاقات المصرية - الفرنسية فى جميع المجالات التى تعد نموذجا للعلاقات الأوروبية - العربية القائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
فالعلاقات الفرنسية - المصرية امتداد لتاريخ طويل من الشغف المصرى - الفرنسى منذ الحملة الفرنسية على مصر، التى يعتبرها عميد الأدب طه حسين، الطريق الذى برغم عنفه قد أيقظ مصر، وكان بداية دخولها العصر الحديث بعد ثلاثة قرون من الظلام الذى فرضه عليها حكم المماليك والأتراك، كما أن شغف الفرنسيين بالحضارة المصرية يعد نموذجا للإعجاب الأوروبى بالحضارة المصرية القديمة، وهو المتمثل فى الجناح المصرى بمتحف اللوفر، وآلاف السائحين من فرنسا إلى المقاصد السياحية المصرية.
شهدت السنوات الماضية عقب ثورة 30 يونيو المزيد من التعاون بين البلدين، حيث كان الموقف الفرنسى الداعم لإرادة الشعب المصرى حاسماً فى تغيير النبرة الأوروبية الحادة وقتها ضد الدولة المصرية، وتغيرت لهجة البيانات الصادرة من الاتحاد الأوربى عقب بيان قصر الإليزيه الشهير فى شهر يوليو 2013 والذى أكد احترام فرنسا لإرادة الشعب المصرى .
وتلاقت وجهات نظر مسئولى القاهرةوباريس عبر حوارات ثنائية حول عملية السلام فى الشرق الأوسط، والدعوة لاستئناف مفاوضات السلام لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، حيث تسعى القاهرة بالتعاون مع باريس على جمع الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على طاولة المفاوضات طبقاً لحل الدولتين، والمبادرة العربية للسلام ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقد أثمرت الجهود المصرية التى وجدت دعم فرنسيا كاملا فى تحقيق المصالحة بين حماس وفتح، كما أن القاهرة دعمت فرنسا فى محاولاتها لعقد مؤتمر دولى لحل القضية الفلسطينية .
كما اتفقت باريسوالقاهرة على خلق تعبئة دولية من أجل محاربة المنظمات الإرهابية التى تهدد الأمن الإقليمى والعالمى، ودائما ما تدعو القاهرةوباريس إلى عدم الانتقائية فى الحرب على الإرهاب، وضرورة مكافحة كل الإرهابيين فى أى مكان، وأشادت فرنسا أكثر من مرة بالتعاون المعلوماتى والاستخباراتى مع الدولة المصرية الذى أثمر فى وقف الكثير من العمليات الإرهابية فى فرنسا وإنقاذ أرواح كثير من الفرنسيين .
وتتفق وجهات النظر الفرنسية والمصرية، على ضرورة الحل السياسى فى سوريا بعيداً عن عسكرة الصراعات، حيث اتفقت الدولتان على التطبيق الكامل لبيان «جنيف» الصادر فى 30 يونيو 2012، مع بذل كل الجهد لهزيمة داعش وجبهة النصرة فى سوريا والعراق.
ويشكل دعم الحل السياسى للأزمة الليبية القائم على تعديلات لاتفاق الصخيرات محورا آخر يشهد على التناغم فى المواقف المصرية - الفرنسية، حيث أكدت مصر وفرنسا وحدة وسلامة الأراضى الليبية، وضرورة الانخراط فى طريق الحوار برعاية الأممالمتحدة، وفى هذا الشأن استضافت فرنسا اللقاء الذى جمع بين المشير حفتر قائد الجيش الوطنى الليبى، ورئيس الحكومة الليبية فايز السراح، كما تعمل الدولة المصرية من خلال اللجنة المصرية المعنية بالشأن الليبى على تقريب وجهات النظر الليبية من خلال العمل على توحيد المؤسسات العسكرية فى ليبيا، كما تعمل الدولتان على تعزيز التعاون فيما بينهما لتحقيق السلام والأمن فى منطقتى الساحل والصحراء، بعد المعلومات التى تشير إلى أن قادة داعش فى سوريا والعراق انتقلوا إلى جنوب ليبيا على نفقة الحكومة القطرية، حيث اتفقت البلدان على مكافحة الإرهاب فى البلدان الواقعة على ضفتى البحر المتوسط، وعلى التعاون فيما بينهما فى مجال تبادل المعلومات والتدريب.
الرئيس السيسى ومرحلة جديدة من العلاقات الثنائية
وشهدت العلاقات الفرنسية - المصرية تقاربا ملحوظا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة، فقد بلغ عدد الزيارات الرسمية بين البلدين أكثر من 20 زيارة على مستوى رؤساء ووزراء وكبار المسئولين منذ نوفمبر 2014، توجت بالزيارة الثالثة للرئيس السيسى لباريس، التى عكست رغبة البلدين فى تقوية شراكتهما التى تمتد عبر قرنين من الزمان فى المجالات الاقتصادية والعسكرى والثقافية.
العلاقات الاقتصادية
العلاقات على المستوى الاقتصادى بين البلدين لا تقل أهمية عن العلاقات السياسية، وقد بلغت المبادلات التجارية الفرنسية المصرية مليارى يورو فى عام 2015، حيث بلغ حجم الصادرات الفرنسية 1,5 مليار يورو وحجم الواردات 0,5 مليار يورو. ومثل تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر الفرنسى إلى مصر 250 مليون يورو لفترة 2015- 2016، وقد بلغ مخزون الاستثمار 3,5 مليار يورو فى عام 2015 .
وقد اتسع أخيرا الحضور الاقتصادى الفرنسى فى مصر المتمثل فى 160 فرعا لمنشآت فرنسية توظف أكثر من 30000 شخص، وتستفيد المنشآت الفرنسية من مزايا حقيقية فى القطاعات الواعدة فى الاقتصاد المصرى أى الصناعة والصناعة الزراعية، والمعدات الكهربائية والأدوية والتوزيع واستغلال النفط والغاز والسياحة والبنى التحتية والمشروعات القومية العملاقة التى تنفذها الدولة المصرية، وتنوى فرنسا الدخول بقوة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة فى مصر خلال الفترة المقبلة، وفى قطاع النقل يعد مشروع قطار مترو الأنفاق فى القاهرة مشروعًا بارزا فى التعاون الثنائى بين البلدين، بمشاركة مهمة للمنشآت الفرنسية بفضل الدعم المالى الفرنسى الاستثنائى (أكثر من مليارى يورو من التمويل بشروط ميسرة منذ عام 1980)، وفى هذا الصدد، فازت المنشآت الفرنسية أخيرا بعقد المرحلة 4A من مشروع الخط 3 من قطار مترو الأنفاق فى القاهرة (بقيمة 440 مليون يورو)، فضلا عن العقود المتعلقة بتنظيم الإشارات (بقيمة 170 مليون يورو) والكهروميكانيكية (بقيمة 480 مليون يورو) من المرحلة 3 من مشروع الخط 3 إلى جانب العقد الخاص بالهندسة المدنية لهذه المرحلة (بقيمة 1,12 مليار يورو)، وتعد ركائز التعاون الاقتصادى استمرارًا لتعاون مالى قديم تلعب فيه الوكالة الفرنسية من أجل التنمية دورًا رئيسيا سواء الاستثمارات المباشرة فى قطاع النقل البرى والموانىء، والعمل فى الخدمات اللوجيستية المرتبطة بمشروع تنمية قناة السويس، أو التمويل التفضيلى الذى من المرجح أن يزداد حجمه خلال الفترة المقبلة ليتوجه إلى بعض مشروعات البنية التحتية ومشروعات التدريب والابتكار.
العلاقات العسكرية
حافظت الدولتان دائما على علاقات عسكرية قوية ترتكز على عدة اتفاقات ثنائية، خصوصا اتفاق التعاون العسكرى والفنى الذى تم توقيعه فى 30 يونيو 2005 مما أعطى دفعة مميزة فى العلاقات العسكرية بين البلدين ، وهناك جزء كبير من تجهيزات القوات المسلحة المصرية منذ منتصف السبعينيات فرنسى الصنع، كما أن هناك حوارا دائما بين البلدين فى مجال التكنولوجيا وصيانة المعدات وتبادل الخبرات.
وفى أكتوبر 2015 شهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، مراسم التوقيع على خطاب للنيات حول الأمن والدفاع بين وزارتى الدفاع المصرية والفرنسية، بالإضافة إلى عقد شراء حاملتى المروحيات من طراز «ميسترال»، وفى 16 فبراير 2015 حضر الرئيس عبد الفتاح السيسى مراسم التوقيع على عدد من الاتفاقيات فى مجال التسليح بين الجانبين المصرى والفرنسى، التى قامت بموجبها فرنسا بتوريد 24 طائرة مقاتلة من طراز «رافال» وفرقاطة متعددة المهام من طراز «فريم» لمصر، فضلاً عن تزويد القوات المسلحة بالأسلحة والذخائر اللازمة للطائرات والفرقاطات، بجانب نقل التكنولوجيا العسكرية إلى مصر، فضلا عن التعاون المصرى - الفرنسى فى مجال مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية.
العلاقات الثقافية
العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا نموذج آخر على حيوية التعاون بين البلدين الصديقين، ففى مجال البحوث، يتمثل الحضور الفرنسى بوجه خاص فى مجال الآثار حيث تتبوأ فرنسا الصدارة فى هذا المجال فى مصر عبر المعهد الفرنسى لعلم الآثار الشرقية (IFAO)، والمركز الفرنسى المصرى لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الإسكندرانية، والبعثات الأثرية الفرنسية فى مصر، وتميزت النخبة المصرية بالتقليد الفرانكوفوني، فقد تولى الدكتور بطرس بطرس غالى منصب الأمين العام الأول للمنظمة الدولية للفرنكوفونية من عام 1998 حتى عام 2002، بالإضافة إلى المؤسستين التعليميتين ذات الإدارة الفرنسية المباشرة والمؤسسات المعتمدة، تمثل المدارس ثنائية اللغة أساس الفرانكفونية، فهى تهيئ الطلاب للدخول إلى فروع التعليم العالى فى اللغة الفرنسية والجامعة الفرنسية فى مصر، وهى مؤسسات تهدف إلى توفير تعليم ممتاز.
وفى المجال التقنى تنتهج فرنسا سياسة تعاون مهمة مع مصر فى العديد من القطاعات، لا سيما فى مجالى الإدارة العامة والعدالة، فتسهم فى برنامج سنوى يتيح لكبار الموظفين والقضاة المصريين متابعة برامج تدريب فى المعهد الوطنى للإدارة والمعهد الوطنى للقضاة فى فرنسا.