د. أمنية حلمى: الأجيال المقبلة ملزمة بسداد هذه الديون د. فخرى الفقى: تقليل عجز الموازنة أهم من تخفيض حجم الدين
قامت وزارة المالية بطرح سندات وأذون خزانة بقيمة إجمالية 24.25 مليار جنيه، لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة، ويبدو أن الحكومة المصرية تدور فى حلقة مفرغة، بدايتها أنها تعانى أزمة مالية وتحتاج لأموال لمواجهة تلك الأزمة، وتنتهى عند محاولاتها تقليل عجز الموازنة، الذى التزمت به من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى، ونعود ثانية للاستدانة لأن الإيرادات لاتكفى مواجهة النفقات، نظرا لزيادة السكان وقلة معدلات النمو لمواجهة تلك الزيادة السكانية.
لكن كيف يمكن تقليل عجز الموازنة ونحن نلجأ للاستدانة من خلال السندات وأذون الخزانة من الداخل والخارج حتى وصل الدين العام المصرى إلى 3.19 تريليون جنيه فى موازنة العام الماضى 2017/2016، ويضطر وزير المالية لتوجيه جزء ضخم من الإيرادات إلى سداد فوائد تلك السندات وأذون الخزانة، الذى يحل أجل استحقاقه والتى تمثل نحو 27 ٪ من الموازنة العامة ونستمر فى تلك الحلقة المفرغة، ويبقى السؤال هل يمكن فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة إعادة هيكلة الدين العام لمصر؟
تلجأ الحكومات فى مختلف دول العالم إلى الاقتراض، عند مواجهتها لأزمات مالية، وقد استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية أذون الخزانة، كأداة لتمويل الخزانة الأمريكية فى عام 1887، ومنذ ذلك الحين أصبحت أذون الخزانة من الأدوات المالية المهمة فى السوق النقدى، لكن لكل أداة مالية ما يعرف بالحدود الآمنة، التى إن تم تجاوزها فإن ذلك بمثابة مؤشر خطر أن سياسات تلك الدولة تواجه مشاكل ويجب حلها، ودوليا يجب ألا يتجاوز الدين العام ما بين 60 أو 70 % من إجمالى الناتج المحلى، ونحن فى مصر وصلنا إلى ما يزيد على 107 %.
وطبقا لبيانات وزارة المالية نفسها، والتى أعلنها الوزير عمرو الجارحى، إن الدين العام الحكومى ارتفع خلال السنوات العشر الأخيرة من 549 مليار جنيه عام 2007 بنسبة 73.8 % إلى 3.19 تريليون جنيه فى موازنة 2017/2016 ، وهو ما يقدر بنحو 91.7 % من إجمالى الناتج المحلى. وأوضحت البيانات أن الدين ارتفع إلى أكثر من 2 تريليون جنيه فى السنوات الخمس عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث كان إجمالى الدين العام فى 30 يونيو 2011 نحو 966 مليارا و847 مليون جنيه، ليصل إلى 3.19 تريليون جنيه حسب البيانات.
وقد زاد استخدام وزراء مالية مصر المتعاقبين لسندات وأذون الخزانة منذ بداية الألفية الثالثة، ومنذ عام 2000 بدأ وزير المالية يوسف بطرس غالى اللجوء إلى تلك الأداة المالية لمواجهة الأزمات المالية المتتالية، وعرف آنذاك معاونوه والموافقون على قبول المزيد من العجز فى الموازنة العامة من أجل اعتبارات النمو بالإصلاحيين الجدد، على الرغم من القائمين على صندوق النقد الدولى، مع موافقتهم على كل برنامج إصلاحى تتقدم به الحكومة المصرية يطالبون بضرورة العمل على تقليل عجز الموازنة.
والأذون أداة مالية منعدمة المخاطر وقصيرة الأجل، حيث يتراوح أجل أذون الخزانة ما بين 3 أشهر وعام، ويتسم أيضا بسهولة التصرف فيه ولا يتعرض حامله لأى خسائر رأسمالية، لأن أذون الخزانة تباع بسعر خصم أقل من قيمته الاسمية، وعند تاريخ الاستحقاق تلتزم الحكومة بدفع القيمة الاسمية المدونة على الأذون، كما أن صاحبه يستطيع الاقتراض بضمانة من البنوك. لكن تبقى المشكلة الرئيسية للإفراط فى استخدام أذون الخزانة وهى أن الحكومة تحمل الأجيال المقبلة عبء تسديد تلك الديون العامة، هذا بالإضافة إلى أن الفوائد أصبحت كبيرة بدرجة أنها تؤثر على الأموال المتاحة لتحقيق السياسات الإنمائية.
وهنا توضح الدكتورة أمنية حلمى، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن الاقتصاد المصرى يعانى مشاكل عديدة بعد ثورة 25 يناير، أهمها توقف العديد من المصانع عن العمل وما زال العديد منها متوقفا حتى الآن، بالإضافة إلى زيادة الرواتب والدخول التى لم يقابلها إنتاج مما أدى إلى زيادة الطلب، لكن العرض محدود، فيحدث التضخم، وهنا تلجأ الدولة إلى استخدام السندات وأذون الخزانة لتقليل السيولة المحلية، وفى نفس الوقت توفير أموال لمواجهة عجز الموازنة المتزايد.
ويبقى الحل فى الإنتاج الحقيقى الذى يولد فرص عمل، ومن ثم يمكن للدولة أن توسع القاعدة الضريبية، فالقاعدة الضريبية الحالية هى فئة الموظفين وهم أساسا أصحاب دخول محدودة، والحل هو توسيع القاعدة الضريبية، فلابد من تنشيط الاستثمار وتشجيعه لتوفير فرص العمل، وكذلك العمل على دمج الاقتصاد الخفى، فهو يمثل ثلثى الاقتصاد المصرى. وضرورة تنمية الوعى الحسى الضريبى عند أصحاب المهن الحرة، فأغلبهم، لا يسددون ضرائب عن أعمالهم.
بالإضافة إلى ضرورة ترشيد جانب النفقات فى الموازنة العامة، وضرورة تحويل الاقتراض قصير الأجل إلى متوسط الأجل، وهو ما يعرف بإعادة هيكلة الدين العام، فليس المهم هو كم الاقتراض، لكن الأهم هو كيفية الاستخدام. هل يستخدم فى سد عجز ميزان المدفوعات أم فى الاستثمارات المنفذة فى الموازنة العامة للدولة أم فى سد عجز الموازنة، والخطورة الحقيقية فى المديونية هى آجال استحقاقها وسعر الفائدة ومعدل التضخم، والحل الوحيد هو العمل والإنتاج فى قطاعات الاقتصاد الحقيقى التى تولد وظائف وسلعا وخدمات وتحدث النمو.
أما الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد ومساعد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى سابقا، فيرى أن الاهتمام بتقليل عجز الموازنة هو الأهم، وليس حجم الدين العام، وأن هناك اتصالا يوميا بين وزارة المالية وخبراء الصندوق لطلب النصيحة. ويؤكد أن اعتماد صندوق النقد الدولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى يعطى الاقتصاد المصرى مصداقية فى الأسواق الدولية. فالاقتراض من الأسواق الخارجية بآجال متوسطة وطويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة قياسا بأسعار الاقتراض من السوق المحلى مهم للاقتصاد المصرى. وقد اقترضنا 7 مليارات دولار بضمان سندات على الحكومة المصرية من أسواق اليورو دولار، وتمت تغطيتها، جزء منهم لأجل خمس سنوات، بمعدل فائدة 6.25 %، وجزء آخر يصل إلى 3 مليارات دولار لمدة 10 سنوات بفائدة 7.25 %، والباقى على 30 سنة بفائدة 8.5 %.
ويرى الدكتور الفقى أن الاقتراض بالدولار أفضل من الاقتراض بالجنيه المصرى، الذى تصل فائدته إلى20 و22 %، وبالتالى فإنه من الأفضل التحول إلى السوق الأرخص فى الاقتراض، وهو السوق الدولى، وهو سوق له مخاطر أهمها ضرورة توفير الفوائد وقيمة القرض بالدولار، فنحن لا نطبع الدولار، لكن بالعملة المحلية عندما لا نجد مفرا يتم طبع الجنيه المصرى، أى السحب على المكشوف. والمطلوب الآن هو تقليل عجز الموازنة مما لا يؤدى إلى إرهاق قدرات الدولة على سداد الدين العام، وليس تقليل عجز الموازنة من 11 % إلى 9.5 %، كما هو مخطط له فى الموازنة الحالية، فإن الدين العام سينخفض ، لكنه سينمو ولكن بنسبة أقل إذا ما تمت قسمته على الناتج المحلى، فمثلا العجز المتوقع فى الموازنة الحالية 370 مليار جنيه، كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى تصل إلى 9.5 % بينما العجز فى موازنة العام الماضى كان 320 مليار جنيه، وكنسبة من الناتج المحلى الإجمالى وصل إلى 10.8 %، فالعجز فى الموازنة العامة للدولة فى تناقص، وهذا هو الأهم بالنسبة لصندوق النقد الدولى وليس حجم الدين العام، وقد كان من ضمن الشروط التى وضعتها دول الاتحاد الأوروبى، للانضمام إلى منطقة اليورو، ألا يزيد عجز الموازنة على 3 % من إجمالى الناتج المحلى للدولة المنضمة إلى منطقة اليورو.
ونحن فى مصر ما زال أمامنا عامان باقيان من برنامج الإصلاح الاقتصادى يجب خلالهما أن تنخفض نسبة العجز فى الموازنة إلى 6.5 % أو 7 % من إجمالى الناتج المحلى. ويجب ألا ننس أن عدد السكان فى مصر فى تزايد مستمر، بالإضافة إلى التزام الحكومة بزيادة الإنفاق على التعليم والصحة بنص الدستور.
وهناك قيد آخر على الحكومة وهو ضرورة الالتزام بعدم اللجوء إلى السحب على المكشوف بأكثر من 10 % من قيمة العجز فى الموازنة. ويجب أن يستمر الإصلاح الاقتصادى، فهو منهج حياة يومى فكل الحكومات فى إصلاح مستمر لأى مشكلة تظهر، فهناك دول دمرت بالكامل، لكن بالعمل والإصلاح المستمرين تقدمت ونهضت، ففيتنام مثلا تصدر ب 165 مليار دولار منسوجات وأحذية وتستورد ب 150 مليار دولار، بينما نحن نصدر ب 22 مليار دولار، ونستورد ب 60 مليار دولار، فالخلل واضح ولابد من الاستمرار فى الإصلاح الاقتصادى.