سيناريوهات ما بعد الاستفتاء تؤكد فشل قيام الدولة الكردية الأكراد رهينة برزانى والبشمرجة قد تقاتل بعضها
اعتبر نورى المالكى – نائب الرئيس العراقى – إجراء استفتاء كردستان بمثابة " إعلان حرب" على وحدة الشعب العراقي. بينما يتفق معه بعض الأكراد فى أن الاستفتاء من أجل الاستقلال، يعد سابقا للأوان وأنهم فى حاجة إلى وحدة كردية ونوع من التفاهم مع بغداد. إلا أنه يبدو أن الاستفتاء فى حد ذاته لم يعد هو المشكلة ولكن وكما تساءلت مجلة الأيكونومسيت البريطانية فى تقرير لها فى منتصف أغسطس الماضى، الأهم هو ما سيلحق هذا الاستفتاء وسيأتى بعد ذلك.
فعلى الرغم من الغموض الذى يكتنف توقيت الاستفتاء، فإن البعض يخشى من أن التصويت للاستقلال سيفضى إلى ردود فعل عنيفة من الحكومة فى بغداد وأيضا الدول المجاورة. وهو ما أكده حيدر العبادى – رئيس الوزراء العراقى القائد العام للقوات المسلحة – من حماية المواطنين فى المناطق تحت سيطرة إقليم كردستان. كما أكد الرئيس التركى أردوغان أن جميع الخيارات مفتوحة لمنع الأكراد من إقامة دولتهم، وأن أنقرة قد تكرر فى شمال العراق ما فعلته فى شمال سوريا، فى إشارة إلى الحملة العسكرية هناك. كما تشعر أمريكا بالقلق، لأن الاستفتاء سيؤدى إلى المزيد من الاضطراب فى بقية العراق مما يؤدى إلى إضعاف رئيس الوزراء حيدر العبادى والمساومة من أجل الحرب ضد الدولة الإسلامية.
ديفيد بولوك - من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني. يركز على الحراك السياسى فى بلدان الشرق الأوسط، ويرى أن الاستفتاء الكردى لا يمثل نهاية العالم أو حتى نهاية العراق. إذ يذكر فى مقال له أن الاستفتاء يجب ألا يمثّل نهاية هذه القصة. فقد أشار أحدث بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أنه بدلًا من ذلك على الولاياتالمتحدة أن تركّز الآن على كيفية إدارة ومعالجة الطلبات المتعارضة والمخاوف المشتركة لمختلف شركائنا المحتملين فى المنطقة بعد الاستفتاء، وهم يشملون الأتراك والعرب طبعًا، إنما أيضًا الأكراد وغيرهم. وستبقى هذه المهمة مخيفة ومقلقة برغم معالجتها بحكمة أكبر، لكنها ليست مستحيلة.
فإن أكو حما كريم - أحد كبار المستشارين فى مجلس الوزراء فى "حكومة إقليم كردستان" – يرى أن قضية الاستقلال لا تزال تشكل موضوع نقاش محتدم فى إقليم كردستان العراق. حيث زعم رئيس "الحزب الديمقراطى الكردستاني" مسعود برزانى أن دحر تنظيم "داعش" سيغيّر خارطة العراق والشرق الأوسط ويمنح الأكراد فرصةً لإعلان دولة خاصة بهم. وقد حاول كريم فى مقال له نشره معهد واشنطن أيضا رسم الخطوط العريضة لطبيعة دولة محتملة. إذ أشار إلى إذا افترضنا أن مطالب "الحزب الديمقراطى الكردستاني" صادقة ومحقة وأنه سينجح فى مسعاه، تشمل الأسئلة المهمة التى تطرح نفسها نوع الدولة التى ستنشأ، وما إذا كان الأكراد سينجحون فى معالجة مشاكلهم الراهنة للحؤول دون اندلاع أزمات مستقبلية. وقد بدأ بالإشارة إلى أن مستقبل دولة كردستان مستقلة ليس مضمونًا، وأنها قد تواجه خطر الفشل. وقد قام بتعريف الدولة الفاشلة بأنها سلطة غير شرعية عاجزة عن تأدية مسئولياتها الأساسية على غرار ضمان التعليم والأمن لأبنائها.
وهو يرى أن النظام السياسى المستقبلى فى كردستان سيكون امتدادًا للنظام القائم الذى يبدو نظريًا ديمقراطيًا لكن من الناحية العملية يزداد استبدادًا. ف "الحزب الديمقراطى الكردستاني" يعتبر نفسه الحاكم الشرعى لإقليم كردستان وذلك كونه الفائز فى الحرب الأهلية مع "الاتحاد الوطنى الكردستاني" بين عامى 1994 و1998.
وبما أن مسعود برزانى وحزبه يعتبران أنفسهما مالكى كردستان العراق، فهما لا يقبلان بالديمقراطية إلا ضمن الحدود التى تخدم مصالحهما. وبالفعل، لقد مالا إلى قمع الديمقراطية حين طرحت تهديدًا على مصالحهما. فعلى سبيل المثال، طرد "الحزب الديمقراطى الكردستاني" رئيس مجلس النواب فى 10 ديسمبر 2015 عندما حاول البرلمان تعديل قانون الرئاسة لإجراء انتخابات رئاسية عادلة.
واستنادًا إلى هذه الأحداث التى جرت أخيرًا، ثمة احتمال كبير بأن يتمثل الهدف من مطالبة كردستان بالاستقلال بترسيخ السلطة فى شخص واحد وحزب واحد وجماعة مهيمنة واحدة. وقد يمهد ذلك لسيطرة نظام استبدادى وغير ديمقراطي. وعوضًا عن بناء دولة ومؤسسات، عمل "الحزب الديمقراطى الكردستاني" على تعزيز هيمنته وقام بترهيب أى كائن يخالفه الرأى أو ينتقد سلطته.
أما فيما يتعلق بالقوات العسكرية الكردية، فقد أكد أكو حما كريم على أنها غير موحدة ولا تنضوى تحت راية مؤسسة، وتنقسم بين الحزب الديمقراطى الكردستاني" و"الاتحاد الوطنى الكردستاني" منذ قيام "حكومة إقليم كردستان. ويتولى كل من الحزبين قيادة قوات البيشمركة وقوات أمنية خاصة به. كما يملك الزعيمان السياسيان للحزبين حراسًا شخصيين وقوات خاصة. وتُعتبر الطبيعة المفككة للقوات الأمنية تهديدًا للتعايش بسلام. ولطالما برز احتمال كبير باستخدام "الحزب الديمقراطى الكردستاني" و"الاتحاد الوطنى الكردستاني" قواتهما الأمنية المنفصلة فى صراع داخلي، كما حصل سابقًا.
كما ستعانى قوات البيشمرجة لإبقاء كردستان مستقلة بمنأى عن التهديدات الخارجية، لا سيما من الدول المجاورة. فتركياوإيرانوالعراقوسوريا أقوى عسكريًا واقتصاديًا من كردستان، فضلًا عن أن غياب الوحدة ونقص الأسلحة والتدريب والتمويل للقوات الكردية قد يؤدى إلى انهيارها، ما يجعلها عديمة الفائدة. ويتمثل مصدر قلق آخر فى احتمال تفاقم الثغرات الأمنية القائمة أساسًا بسبب التحديات الجغرافية والقيود المفروضة على قدرات البيشمرجة الواردة أعلاه. فقد تسعى الميليشيات إلى سدّ الثغرات الأمنية الآخذة فى الاتساع، ما يطرح تهديدًا أمام "حكومة إقليم كردستان" والدول المجاورة. وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، أوضح الكاتب فى مقاله أن إقليم كردستان العراق يعانى اليوم من أزمة اقتصادية عميقة قد يفاقمها وجود كيان دولة. فقد زعم "الحزب الديمقراطى الكردستاني" أن بيع النفط وتأسيس اقتصاد مستقل عن بغداد سيضع كردستان على خارطة الطاقة العالمية مما يسهّل استقلالها ويجعل اقتصادها مزدهرًا. لكن لسوء الحظ، باءت سياسة الاستقلال الاقتصادى بالفشل حتى الآن. ومنذ أن خفضت بغداد حصة "حكومة إقليم كردستان" فى الموازنة الاتحادية فى فبراير 2014، واجهت هذه الأخيرة أزمةً اقتصادية شديدة. وبحسب وزير الموارد المعدنية الطبيعية الكردى أشتى هورامي، تناهز ديون "حكومة إقليم كردستان" الإجمالية 20 مليار دولار.
كما تشير اكتشافات حديثة إلى أن إقليم كردستان العراق لا يملك احتياطيات نفطية كبيرة كما زعم سابقًا. وحاليًا، تُنتج كردستان وكركوك معًا نحو 700 ألف برميل فى اليوم. وخلال السنوات القليلة الماضية، خفض عدد من الشركات النفطية، بما فيها "إكسون موبيل" و"شفرون"، عدد المناطق الاستكشافية فى كردستان. وفى حين أشارت معظم التصريحات الرسمية إلى مستويات إنتاج منخفضة، أشارت بعضها إلى أن عمليات الانسحاب كانت ذات اعتبارات سياسية أكثر منها أمنية.
و نظرا لأن اقتصاد إقليم كردستان يعتمد اعتمادا كبيرا على النفط، فمن غير المحتمل أن يبقى صامدا على المدى الطويل. فخلال السنوات الخمس والعشرين الفائتة، عجزت السلطات الكردية عن بناء اقتصاد محلى قوى قادرا على تأمين أساس متين لبناء دولة مستقلة. وفى الواقع، عملت على تدمير الاقتصاد التقليدى لصالح النفط وشجعت الاستهلاكية داخل المجتمع الكردي.
ويواجه اقتصاد "حكومة إقليم كردستان" مشاكل هيكلية ترتبط بالفساد وانعدام الشفافية واحتكار الأسواق والتدخل المفرط فى الشئون الحكومية من قبل زعماء الأحزاب لصالح شركات أو أشخاص نافذين مرتبطين بالحزب.
وقد أسهمت هذه المشاكل فى انتشار الظلم بطريقتين. أولًا، أسفرت عن بروز أقلية ثرية تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الحاكمة، فى حين بقيت غالبية الشعب فقيرة. ثانيًا، ظهرت فوارق جغرافية كبيرة أثبتها التفاوت الكبير بين المدن والمناطق الريفية.
ولفت كريم أيضا الأنظار إلى الطبيعة الجغرافية حيث كردستان لا تملك منفذًا بحريًا، وأن تكون محاطة بالكامل من دول مجاورة لا تدعمها بالكامل. وبالتالي فإن الموقع الجغرافى وانعدام الاكتفاء الذاتى قد يجعلان "حكومة إقليم كردستان" تخسر سيادتها الوطنية أو يؤديان إلى رضوخها لإحدى الدول المجاورة - لا سيما تركيا أو إيران.
وفى حال رضخت الحكومة، ستعانى دولة كردستان من تدخلات متكررة قد تزعزع استقرارها. وبالفعل، قد تصبح دولة كردستان المستقلة مسرحًا شائعًا للصراعات الإقليمية. وقد خلص إلى أنه استنادًا إلى المؤشرات المذكورة أعلاه، قد يكون فشل دولة كردستان مستقلة محتمًا. وعوضًا عن توفير السعادة والراحة إلى الشعب الكردي، سيعزّز الاستقلال القلق والانقسامات الداخلية وظروف المعيشة الرديئة والتدخلات الخارجية والتبعية.
فكل كردى يحلم بدولة مستقلة. لكن هذا الاستقلال قد لا يكون مستحقًا لكابوس قد يتبلور. فالعامل الأهم ليس الاستقلال بحدّ ذاته، إنما النجاح فى تحقيقه.