ظهر الرئيس السوري بشار الأسد مرتين خلال يومين ليؤكد إصراره على التحدي وثقته في قدرته على إخراج بلاده من الاضطرابات وسفك الدماء لكنه لن يفعل شيئا لاثناء معارضيه الذين يسعون الى إسقاطه. إنها صورة معدة بعناية لزعيم قوي يبدو عليه الاسترخاء ويتمتع بشعبية لكنها فشلت في تشتيت المعارضين الذين يطالبون بإسقاطه والقوى الغربية التي تقول إن حملته العنيفة المستمرة منذ عشرة اشهر على الاحتجاجات جردته من اي حق في حكم سوريا. وقال جوليان بارنز ديسي كبير الباحثين بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "انطوت كلمته على إنكار كامل للواقع فيما يتعلق بما يتكشف حوله." وأضاف "هناك شعور متزايد بالتضليل وهو ربما أمر متعارف عليه بالنسبة للحكام الشموليين في لحظة الصحوة العربية" في إشارة الى موجة الانتفاضات التي أطاحت بثلاثة زعماء عرب وألهمت المحتجين في سوريا. وبعد عشرة اشهر من الاضطرابات التي قتل خلالها الآلاف ينكمش اقتصاد سوريا بسرعة ويعوقه حظر غربي على صادراتها من النفط علاوة على تعطل التجارة والأعمال. وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا وأعلنت فرض عقوبات على دمشق مما زاد من عزلة الأسد. لكن الرئيس (46 عاما) الذي ورث الحكم حين توفي والده عام 2000 قد يجد بعض الراحة في الانقسامات بين معارضيه في الداخل والخارج والتي تجعل مهمة إرخاء قبضة عائلة الأسد على الحكم تحديا صعبا. وقال بارنز ديسي "هناك ثقة... تنبع من أن المعارضة على الرغم من قوتها لا تملك قوة الدفع او القوة المحلية او الدولية ورائها واللازمة لتغيير ميزان القوى." وفشلت جماعات المعارضة السورية في تضييق هوة الخلافات فيما بينها كما أن الدول أعضاء حلف شمال الأطلسي التي تدخلت للمساعدة في الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تحجم عن القيام بعمل عسكري في سوريا التي تقع في قلب الشرق الأوسط الساخن. وأنهى الأسد صمتا طويلا ليتعهد في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء بضرب "الإرهابيين" بيد من حديد وتهكم على الدول العربية والأجنبية التي قال إنها تتآمر ضد سوريا ووعد بإجراء استفتاء على دستور جديد تعقبه انتخابات برلمانية تأجلت لفترة طويلة. بعد ذلك بيوم وعد آلاف المؤيدين في وسط دمشق بأن تنتصر سوريا على "المؤامرة" الاجنبية. وقال الأسد الذي أحرق مراكبه مع الكثير من الدول العربية خلال الكلمة التي ألقاها يوم الثلاثاء إن الجامعة العربية البالغ عدد أعضائها 22 فشلت في دعم اي قضية عربية على مدى العقود الستة الماضية. كانت رسالته للسوريين القلقين من تفاقم أعمال العنف والذين يخشون من احتمال انزلاق بلادهم الى حرب أهلية طائفية أنه لايزال قادرا على تحقيق الاستقرار. وتقول الأممالمتحدة إن اكثر من خمسة آلاف شخص قتلوا في الحملة على المحتجين وإن وتيرة القتل تصاعدت منذ وصول مراقبي الجامعة العربية قبل أسبوعين للإشراف على مبادرة تهدف الى وقف إراقة الدماء. وتقول السلطات السورية إن جماعات مسلحة قتلت الفين من أفراد الجيش وقوات الأمن. وقوت تفجيرات وقعت في العاصمة حجتها فيما يبدو بأنها تكافح عدوا متشددا وليس حركة احتجاجية سلمية. ويقول هلال خشان استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت إن الأسد يأمل في سحق المعارضة قبل إجراء اي انتخابات. لكنه توقع الا يستمر الرئيس السوري في الحكم حتى نهاية العام. وقال خشان "إنه دجاجة مذبوحة... ما قاله (يوم الثلاثاء) كان يمكن أن يصبح وسيلة للاستمرار في الحكم لو كان فعل هذا في بداية الأزمة. "لم يعد هذا ممكنا. أريق الكثير من الدماء والناس لا يدعون الى إصلاحات. إنهم يطالبون بإسقاطه." وقال أيهم كامل من مجموعة يوراسيا لاستشارات المخاطر إن الأسد "يحاول الاستفادة من الأجواء في سوريا ليلقى قبولا لدى القاعدة التي تدعمه... السوريون المعتدلون وليس المعارضة." وأضاف كامل الذي توقع قبل إلقاء الأسد خطابه أن يستمر الرئيس السوري في الحكم "خلال معظم عام 2012" إنه يتوقع سياسة مزدوجة المسار تهدف الى طمأنة أغلبية السوريين بأن الإصلاح قادم مع تكثيف الحملة على معاقل الاحتجاج الرئيسية. وتغير الجدول الزمني الذي حدده الأسد لإجراء انتخابات برلمانية اكثر من مرة وأحدث موعد مستهدف هو مايو ايار او يونيو حزيران وهو ما يعني تأجيلا لثلاثة أشهر أخرى. لكن كامل يقول إن الانتظار الى أن يتم إقرار الدستور الجديد ينطوي على احتمال بأن يدلي السوريون بأصواتهم في انتخابات لا تضمن الفوز لحزب البعث الحاكم. وأضاف "هذا مهم ليس للمعارضة وإنما للسوريين الوسطيين الذين قد يرغبون في تفادي حرب أهلية و(استغلال) الفرصة للتصويت في انتخابات حرة نوعا ما." وتابع أنه من ناحية أخرى ستكون الحملة على المعارضة في المناطق الساخنة مثل حمص وإدلب اكثر عنفا. وقال "في غياب الإصلاحات لن يفيد العنف وحده." واستطرد قائلا: "اذا نفذ (الاسد) هذه المبادرة بالفعل... قد يغير هذا الديناميكية في سوريا." ورفض معارضو الأسد خطابه الذي ألقاه يوم الثلاثاء بمجرد انتهائه منه. وقال برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري وهو جماعة المعارضة الرئيسية إن الأسد لايزال مصمما على تصوير الانتفاضة على أنها "مؤامرة إرهابية."