أشرف عامر: نحتاج دعم رجال الأعمال د. هيثم الحاج: معارض الهيئة تحقق الغرض أحمد أبو العلا: الدولة اعتبرته مشروعاً خاصاً محمد كشيك: حسنة عصر مبارك الوحيدة
«لاتزال كتب مهرجان القراءة للجميع التى تحمل شعار «مكتبة الأسرة» محفورة فى الأذهان، بكل ما تحمله من فنون أدبية شكلت وجدان جيل بأكمله، لكن للأسف أهملت مصر أهم مهرجان كان قيام على أرضها على مدار 20 عاما، كقبلة للأطفال والشباب، فى وقت تسعى فيه أغلب الدول العربية لإقامة مهرجان مماثل، ينهل فيه الشباب العربى من بحر المعرفة فى الموسم الصيفى».
«الأهرام العربى» أثارت القضية وطرحت التساؤل «لماذا لايعود مهرجان القراءة للجميع»؟
أسهم مهرجان القراءة للجميع منذ انطلاقه عام 1991، فى انتشار القراءة بمعدلات تفوق ما يتم قراءته اليوم، وبعد ثورة 25 يناير اختفت ملامح هذا المهرجان الكبير، وأصبح مجرد ذكرى نحكيها لأطفالنا المنغمسين فى عالم الفيس بوك، وأهملنا جميعا شراء قصص للأطفال أو حتى حكاية حواديت قبل النوم، ليظل السؤال قائما لماذا لا يعود مهرجان القراءة للجميع كما كان عليه فى العهد السابق؟ ومن المسئول، الدولة أم وزارة الثقافة التى أصبحت مخازن قطاعاتها المختلفة تتكدس بالكتب تبحث عمن يقتنيها؟
فى البداية صرح رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أشرف عامر قائلا: فى أول اجتماع يعقد مع مجلس قيادات الوزارة سيتم طرح فكرة مهرجان القراءة للجميع، وسيتم وضع ملامح وتصور يتناسب مع اللحظة التاريخية مع المحافظة على مضمون الفكرة الأساسي، ويشير إلى أن القرار ليس فى يده وحده، فالإدارة الحديثة لا تعتمد على فكرة القرار الأوحد لابد من معرفة آراء مختلف القطاعات ومدى التعاون الذى تقدمه لعودة هذا المهرجان ثانية.
ويرى عامر أن هذا المهرجان يسهم بشكل كبير فى إحداث تنمية ثقافية حقيقية لذلك فهو يحتاج إلى تكاتف الجهود خصوصا رجال الأعمال، حتى تتنوع فيه الخدمات الثقافية المقدمة لا بد أن يصاحب المهرجان احتفالات كبرى ولا يكون مجرد كتاب فقط فهذا المهرجان يعد بمثابة مشروع قومى يهدف إلى التنمية الثقافية فى كل محافظات مصر. يقول د. هيثم الحاج على - رئيس الهيئة العامة للكتاب- إن مهرجان القراءة للجميع كان يحقق نجاحا كبيرا قبل الثورة، لأنه كان يقام بدعم واضح من قرينة الرئيس الأسبق السيدة سوزان مبارك، فضلا عن الدعم المقدم من جهات كثيرة مختلفة ووزارات مختلفة.
وعن إمكانية عودة مكتبة الأسرة، كما كانت من قبل اعترف رئيس الهيئة العامة للكتاب بأن المكتبة فى الفترة الماضية واجهت بعض المشكلات، من بينها نقص الدعم الذى كانت تقدمه الوزارات المختلفة، وهذا ما نحاول أن نعوضه باعتبار مكتبة الأسرة مشروعا متكاملا، أيضا من ضمن الأشياء التى عطلتنا بعض الشيء، هى عدم تماثل مقايسات الطباعة التى تم وضعها من قبل بأسعار قديمة.
ويؤكد رئيس الهيئة العامة للكتاب أننا شكلنا مجلس هذا العام لنحدد ما يقرب وجهات النظر فى الهيئة، وقمنا بعمل مقايسات واضح فيها حقوق الملكية الفكرية وحقوق الطباعة، وبالتالى نبدأ خلال الأيام المقبلة تطبيق هذه المقايسة ودور النشر الخاصة تأخذ منا هذه المقايسة وتبدأ العمل عليها.
ويقول: طلبنا من وزير الثقافة حلمى النمنم، إرسال خطابات للوزارات المختلفة حتى نتعاون معنا. ويلفت النظر إلى أن المعارض التى تنظمها الهيئة فى مختلف محافظات مصر، تحقق نفس رد الفعل الذى كان يحققه مهرجان القراءة للجميع، ومن الممكن أن يكون بديلا للدور الذى كان يلعبه.
وبالسؤال حول تغيير اسم المهرجان ليصبح «مصر تقرأ» يؤكد رئيس الهيئة العامة للكتاب أن الفكرة ممكن يكون فيها أكثر من صيغة، المهم أن يكون هناك آليات للتنفيذ على أرض الواقع.
ويقترح: المفترض أن نعمل مجموعة أنشطة تجذب الناس للقراءة، وهو ما نحاول تعويضه عبر معارض الأقاليم التى نحرص على أن يكون بها ورش للأطفال، وذلك لجذب الأطفال للقراءة بشكل غير تقليدى ما يؤهل الطفل للقراءة بعد سماعه للحكايات .
أما الشاعر محمد كشيك، فيعتبر أن الحسنة الوحيدة التى كانت تحسب لفترة حكم مبارك هى هذا المهرجان، الذى كان يضم كبار الكتاب ويشارك فيه كبار الروائيين. ويأسف كشيك: كنت أتمنى أن يعود هذا المهرجان بنفس الفاعلية والطاقة التى كان عليها، وأشاد بدور الدكتور فوزى فهمى الذى أسهم فى إبراز عدد كبير من جيل الشباب المبدعين، وكذلك الشاعر عبد العزيز موافى الذى كان يسهم فى مشاريع ثقافية كبيرة فى ذلك الوقت. هذا المشروع، الذى كان من أهدافه الأساسية (تشجيع القراءة، لدى الناس خصوصا النشء وجيل الشباب) وانبثق عنه مشروع آخر هو مشروع (مكتبة الأسرة)، تلك المكتبة التى طُبُع - من خلالها - عدد كبير من الكُتب المهداة، والتى وُزعت بأسعار زهيدة. بينما يقول الناقد أحمد أبو العلا: إن هذا المشروع الذى بدأ فى عام 1994 تطور – بعد هذا التاريخ - ليُصبح حملة ثقافية قومية تهدف إلى نشر الثقافة والمعرفة فى أنحاء مصر، تحت عنوان «الحملة القومية للقراءة للجميع»، وقد حملت شعار «القراءة للحياة»، بمشاركة العديد من الجهات والوزارات، منها جمعية الرعاية المتكاملة، التى كانت تترأس مجلس إدارتها سوزان مبارك، ووزارات الثقافة، والإعلام، والتربية والتعليم، والتنمية المحلية، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة. ويرى أن المأزق الذى وقع فيه هذا المشروع، هو ارتباطه باسم سيدة مصر الأولى – كما كان يُطلق عليها – وكانت بسلطتها - كزوجة للرئيس – تستطيع متابعة وزراء الجهات المعنية، والمُشاركة فى المشروع، وأيضا بعض رجال الأعمال، ومطالبتهم الحاسمة بدعم المشروع ماليا وأدبيا، وبمجرد ابتعادها عن الضوء بعد سقوط زوجها عقب ثورة 25 يناير 2011 تعثر المشروع تماما.
ويتابع أبو العلا توقفت المكتبات التى كانت تحمل اسم مبارك، عن القيام بدورها وبعضها أغلق، وتعثر أيضا مشروع مكتبة الأسرة، ولم يعد بنفس القوة التى كان عليها فى السنوات التى استطاعت فيها تلك المرأة تطويره، ويرى الناقد أبو العلا أنه كان ينبغى للمشروع أن يستمر بدونها، لكن العكس حدث تماما، لأن الدولة بمؤسساتها اعتبرته - على ما يبدو - مشروعا خاصا بسوزان وليس مشروع الدولة!
وهنا يقول: تلك مسألة غريبة بالفعل تدفعنا لطرح السؤال: إلى متى سيظل المسئول يعمل بأوامر السلطة الأعلي؟ وإلى متى ستظل الإستراتيجية غائبة عن أعمال هؤلاء الوزراء؟ إن المشروع الذى كانت غايته نبيلة توقف تماما، وبالتالى لن تتحقق أهدافه والتى من بينها تشجيع عادة القراءة، والاطلاع فى زمن صار فيه الإنترنت هو البديل عن الكتاب، خصوصا أن أسعار الكُتب قد ارتفعت بعد اتباع سياسة تعويم الجنيه، وفى هذا الإطار: أين مكتبات الهيئة العامة للكتاب المتنقلة، تلك التى كانت تجوب القرى والنجوع، وتذهب بالكتاب إلى الناس؟ وكيف تُدار - الآن - مكتبات مبارك التى تغير اسمها لمكتبات مصر؟ وهل تقوم الهيئة العامة لقصور الثقافة بدورها فى هذا الإطار، وكان لها الدور الأكبر أثناء نشاط المهرجان. ويعتقد أن وزارة الثقافة، لم يعد يعنيها الفعل الثقافى المتحرك على أرض الواقع، حيث اكتفت بالنشاط داخل الحجرات المُغلقة، وحتى المكتبات الموجودة داخل بيوت وقصور الثقافة فى المحافظات لايتم دعمها بالكتب الحديثة، والجديدة، والمُهمة، مما أدى إلى انصراف القارئ عنه، وصارت مجرد أرفف خشبية توضع عليها الكتب التى لا تساير أفكار الشباب، ولا تتبنى – بموضوعاتها - اهتماماتهم فى ضوء المتغيرات الجديدة، التى حدثت فى الواقع المصرى خلال السنوات الأخيرة.
بينما يقول الشاعر مسعود شومان: حين تكون بعض المشاريع الثقافية، مقترنة بأشخاص فإن غيابها سيكون مؤكدا بغيابهم، وهذا ما حدث فى مشروع القراءة للجميع فلم يعد المشروع ضمن إستراتيجية الدولة، ولم يكن تحكمه سياسة ثقافية وبرغم أهميته، فإنه لم يكن مشروعا ذا بنيان صلب مؤسس على حلم استعادة قيمة القراءة وما يستتبعها من قيم كالعلم والفكر والتغيير، فلم يكن المشروع مبنيا على أسس موضوعية فقد كانت بعض أنشطته ورقية وبعضها قائم على إرضاء وتزويق من فى السلطة لكى تبدو فى صورة غير جوهرها.
ويوضح: نحن نحتاج لاستعادة القراءة عبر مشروع إستراتيجى تشارك فيه وزارات القوة الناعمة، لأن القراءة من الصناعات الغذائية الثقيلة، فدورها ليس ترفيهيا فحسب لكنه دور مهم فى خلق وعى مغاير وقيم حضارية وعقول تقدر العلم، ولابد أن يتغير اسمه حتى لا يذكرنا بسوءات المشروع السابق، ويقترح شومان: لا بد أن يكون شعاره “مصر تقرأ” بوصف القراءة فعلا واجبا فى مدارسنا ومؤسساتنا وشوارعنا وقرانا، ولنبدأ بالقرى الأكثر حرمانا، لتكون قرية كذا تقرأ وبلدة كذا تقرأ.
وقد بدأ هذا المشروع لكنه سرعان ما أهمل بعد فترة، لأن هذه المشروعات المؤسسية ليست ابنة لموسم أو لعام لكنها ابنة لدولة تريد أن تتغير وتقدر العلم ولا تعنى القراءة أن يكون الأمر متعلقا بالكتاب فحسب، لكن لابد أن تشارك كل الفنون ويصبح كل مصرى كأنه فى احتفال بالقراءة والرسم والموسيقى، كما لابد أن تكون هناك أدوات قياس لتوضيح لنا مدى ودرجة الإفادة.