شارك فى الندوة : جمال الكشكى - مهدي مصطفى - ملك عبد العظيم - وفاء فراج - الطيب الصادق - حسناء الجريسي إدارة طن القمامة تحتاج إلى 200 يورو.. وإذا كانت لها قيمة فلماذا توجد فى الشوارع؟! أكبر محمية طبيعية لدينا تبلغ مساحتها 43 ألف كيلو متر أكبر من مساحة دول مجاورة
مصر عادت إلى إفريقيا على مستوى الملف البيئى وتبوأت دورها بكفاءة وأثنى عليها كل الرؤساء الأفارقة
لدينا 30 محمية طبيعية تشكل 15 % من مساحة مصر ومعدلات التلوث فى نهر النيل أقل من المسموح به عالمياً
لدى سعة صدر فى مواجهة الانتقادات وهناك من يهاجمنى لمصالح شخصية بعضهم مستثمرون
أصبحت وزيرا ..وتحقق حلم والدتى
الرئيس عبد الفتاح السيسى كرس نفسه لمصر.. والمهندس إبراهيم محلب أستاذى فى العمل الوزارى
بعقلية الانضباط والحسم التى تربى عليها فى كلية الشرطة، يتعامل الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة، مع المشاكل التى تواجه البيئة المصرية، وبعقلية الخبير المتخصص يجد الحلول البسيطة، يعرف متى يتكلم ويرد على منتقديه، ويعرف أيضا متى يلتزم الصمت، عندما يشتم أن وراء من يهاجمه أصحاب مصالح شخصية من بعض رجال الأعمال الطامعين فى ثروات ومحميات مصر البيئية.. لم يحلم يوما أن يكون وزيرا، فبعد نحو عامين ونصف العام من تخرجه فى كلية الشرطة عمل خلالهما فى جهاز الأمن العام ، ترك العمل كشرطى وعمل فى مجال البحث العلمى، فدرس اقتصادات تلوث البيئة فى ألمانيا، وحصل على الدكتوراه، ليتحقق بذلك حلم والدته.. «الأهرام العربى» التقت الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة فى دائرة حوارها لهذا العدد، الذى كشف خلاله عن الكثير من قضايا مصر البيئية، ومافيا المصالح الشخصية.
عملت فى بداية حياتك ضابط شرطة.. ما مدى تأثير ذلك على حياتك المهنية؟
عملى فى جهاز الشرطة لم يستمر لفترة طويلة، حيث تخرجت فى كلية الشرطة عام 1974 وتركت الخدمة فى يناير 1977 أى لمدة عامين ونصف العام فقط، عملت خلالها فى الأمن العام، وتعلمت ما لا يمكن أن أتعلمه فى غيرها، تعلمت كيف أتعامل مع الجميع تحت ضغوط شديدة، وأن أحافظ على أسس وثوابت معينة وأن يكون تقديرى للمواقف والأشخاص أقرب ما يكون للواقع.
وماذا عن الخطوة التالية فى مسيرتك المهنية؟
عملت بعد ذلك فى مؤسسة بحثية علمية وهى معهد التخطيط القومى لمدة عام، ثم أوفدت بعد ذلك فى بعثة إلى ألمانيا ودرست اقتصادات تلوث البيئة لمدة سبعة أعوام، إلى أن حصلت على درجة الدكتوراه، وكانت نقطة مهمة فى مسيرتى العلمية، حيث قضيت عامين داخل أكاديمية البحث العلمى هناك، التى تحتوى على دراسة العلوم المختلفة مثل الكيمياء والبيولوجى والهندسة الصناعية وغيرها، بحيث إذا وردت إلينا معلومات نكون على دراية بكيفية التوصل إلى تلك البيانات، وهذه نقطة مهمة فى اتخاذ القرارات والدراسات البيئية، إذ تعد عابرة للقطاعات والتخصصات، حيث يحتاج حل المشكلات البيئية إلى تضافر مجموعة من الخبراء من مختلف التخصصات وبالتالى لابد أن نكون على دراية بأسس كل علم.
ما مدى التأثير أو التداخل بين الجانبين الاقتصادى والبيئى؟
شئنا أم أبينا فإن المشاكل البيئية أساسها اقتصادى، لأن خلاصة الأمر هى من سيدفع التكلفة، فلكى تحمى البيئة هناك تكاليف إضافية، والسؤال الدائم هو من سيدفعها؟، والدليل على ذلك أن مؤتمر تغير المناخ العالمى كان صلب موضوعه،من يتحمل التكلفة وأى الاقتصادات على استعداد أن يتحمل وأيها سيتضرر، وانقلب الموضوع إلى نقاش سياسى اقتصادى وليس بيئيا، فالشق البيئى لا يوجد خلاف كبير عليه، والجديد فى الأمر أن الاقتصاديين طوروا من أدواتهم ومناهجهم بحيث تستوعب المشاكل البيئية، وأن تدمج هذه المشاكل فى خططهم وأدواتهم.
كيف تتعامل مع الانتقادات التى تتعرض لها؟
أخذت عهدا على نفسى بأننى إذا هوجمت من أعضاء البرلمان، فسأرد تحت قبة البرلمان مع كل الاحترام لوسائل الإعلام، وإذا هوجمت من خبراء أو أشخاص عاديين فسأرد إذا كان الرد مجدياً، وهناك أنواع من الهجوم لا يجب أن أعيره انتباهاً ولكن يكون الرد عليه من خلال العمل على أرض الواقع، وأنا أرحب بالنقد من أى شخص طالما أنه موضوعى وغير مكرر بخلاف ذلك فإنه سيكون مضيعة للوقت واستنزافا للطاقات.
هل ترى أن وراء الهجوم عليك أصحاب مصالح شخصية؟
طبعاً هناك بعض الهجوم الذى أتعرض له الآن وراءه مصالح شخصية مائة بالمائة، ومصالح مباشرة، بعضهم مستثمرون لهم مصالح فى بعض المناطق الخاصة بالمحميات الطبيعية، لكن على الجانب الآخر هناك أشخاص أفاضل لهم انتقادات أيضاً ونقوم بدراستها وتحليلها والرد عليها، فأنا لدى سعة صدر أو يمكن أن تسميه «صبر أيوب» فى مواجهة الانتقادات.
بمناسبة مرور عقدين على إنشاء وزارة البيئة.. كيف تقيم أداء الوزارة خلال تلك الفترة؟
العمل البيئى بدأ قبل العقدين بفترة طويلة، فتم تأسيس جهاز شئون البيئة فى مطلع الثمانينيات، ثم نشأت الحاجة لوجود وزارة مختصة ومعنية بشئون البيئة وذلك لتقاطع الشأن البيئى مع أعمال جميع الوزارات الأخرى، وكانت السيدة نادية مكرم عبيد هى أول وزير دولة لشئون البيئة، ثم تطور الأمر لتصبح وزارة وليست وزارة دولة، وعندما بدأت الوزارة الأولى كان هناك جهاز تنفيذى ومكتب للوزير، ثم اتسعت الأجندة البيئية مما جعل الوزارة ينبثق منها جهازان، هما جهاز شئون البيئة وجهاز تنظيم وإدارة المخلفات، كما أن الوزارة الآن بصدد إنشاء هيئة اقتصادية للمحميات، كما أصبح لدينا الآن أول مؤسسة أهلية للطاقة المستدامة حتى يستوعب مساهمة المنظمات الأهلية فى حل مشاكل البيئة، أيضاً هناك مساهمة كبيرة للوزارة فيما يتعلق بالسياسات، على سبيل المثال تسعير خدمة الكهرباء.. فمن وجهة نظر الاقتصاد البيئى نرى أن فى الدعم تشويها للأسعار مما يؤدى إلى الإسراف، وهذا واضح جداً فى مشكلة الطاقة، ويجب ألا يقتصر دور الوزارة على التوعية فقط وإنما يمتد للتفكير فى نظام اقتصادى، ونظام للتحفيز على استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة، ورغم هذا التوسع لم يتوسع حجم الموارد البشرية بها، ولم تزداد الموارد البيئية المخصصة، وبالتالى فالمبالغ المخصصة للوزارة فى الموازنة هى مبالغ ضئيلة جداً، وانخفضت إلى النصف تقريباً فى موازنة هذا العام. وإذا تحدثنا عن المبالغ المخصصة للوزارة فإجمالى مبلغ الموازنة لجهاز المخلفات وجهاز شئون البيئة ومكتب الوزير هو 300 مليون جنيه فقط، ولكننا نقوم بتنمية هذه الموارد من خلال التعاون الدولى والقطاع الخاص ومن خلال آليات تمويلية تدر المزيد من الأموال.
مشكلة القمامة من أبرز التحديات البيئية.. ما إستراتيجية الوزارة للحد من آثارها؟
بالطبع نعانى من كثرة المخلفات، إذ تبلغ نحو 20 مليون طن سنوياً، ولدينا قمامة متراكمة على حواف الترع والمصارف وهو خليط من الملفات البلدية والزراعية، ويبلغ هذا النوع من المخلفات نحو 25 مليون طن سنوياً أيضاً، وهذا حجم كبير، والمنفعة منها أساساً تساوى صفرا فى التحليل الاقتصادي، وهذا منظور العالم كله ولا يتعامل مع القمامة على أنها كنز، فالقمامة مصدر لموارد طبيعية يحتاج استخلاصها وإعادة تدويرها إلى استثمار، وبالتالى فمنظومة القمامة كلها من أول خروجها من المنزل مروراً بنقلها وكبسها وإعادة تدوير جزء منها لا يتناسب مع حجم الاستثمارات المطلوبة فى تلك العملية، والدليل على ذلك أن آخر تقرير للاتحاد الأوروبى أوضح أن دعم إدارة طن القمامة يحتاج إلى نحو 200 يورو على الرغم من التكنولوجيا العالية المستخدمة فى الاتحاد الأوربي، والخلاصة أنه إذا كانت القمامة كنز فلماذا توجد فى الشوارع؟، ولماذا لم تتصارع الشركات على جمع القمامة وإعادة تدويرها؟
وهل قامت الوزارة بعمل دراسات حول العائد والتكلفة المرتبطة بتدوير القمامة؟
قامت شركتان إحداهما كورية وأخرى صينية بدراسة الوضع فى مصر، وكانت نتائج الدراسة أن الشركتين ستقومان بإنشاء المصانع بدون تدخل فى عملية جمع أو نقل القمامة، وأن تقوم الدولة بدفع تعريفة عن كل طن من القمامة وتقوم الشركة بتدوير المخلفات واستخراج الكهرباء وبيعها للدولة بالسعر العالمى، وهذا هو نهج الكثير من دول العالم، ولا يوجد سوى المصريين الذين يقتنعون أن مخلفاتهم يمكن أن يدفع فى مقابلها أموال كثيرة. ومبدئى أن إدارة القمامة خدمة عامة وليست تجارية، وتكلفة هذه المنظومة أكبر من العائد الممكن توليده منها، ومن ير غير ذلك فليناقشنى.
فى عام 2015 اجتمع زعماء العالم بالأمم المتحدة وأقروا مشروع التنمية المستدامة.. إلى أى مدى يمكن تحقيق هذه الرؤية فى مصر؟
الأهداف الألفية للتنمية المستدامة أهداف مشروعة وافقنا عليها وانضممنا إليها، وتم إدماج هذه الأهداف فى إستراتيجية سنة 2030 وسيتم تنفيذها، فكان فى السابق تحتكر وزارة البيئة العمل على تحقيق التنمية المستدامة، ولا يتحدث عنها إلا خبراء البيئة، أما الآن فالتنمية المستدامة هى مسئولية كل القطاعات، فلا يمكن أن يكون القرار البيئى بعيدا عن القرار السياسى الاقتصادى، وقمت بالاتفاق سابقا مع الدكتور أشرف العربى على أن تقود وزارة التخطيط إستراتيجية التنمية المستدامة، وعندما تمت الموافقة على ذلك طلبت وزارة التخطيط من جميع الوزارات أن تدمج التنمية المستدامة فى كل الخطط التى ستمول من خلال الموازنة بدون تمويل إضافي، وكان هذا بمثابة إدماج البعد البيئى فى إستراتيجيات التنمية، وتعرضت للانتقاد والبعض وصفنى بالتخلى عن خطة التنمية المستدامة بسبب ترك متابعة التنفيذ لوزارة التخطيط، ولكن أنا راض عن هذا خصوصا مع عدم نجاح المنهجيات السابقة، كما أثبتت هذه التجربة إشادة الكثير من دول العالم المتقدم.
إلى أى مدى ترى ضرورة تضمين الآثار الاقتصادية للقرارات البيئية؟
على خبراء البيئة أن يتعلموا مخاطبة صناع القرار بلغة الاقتصاد، وأتذكر أننى فى اجتماع مع المهندس إبراهيم محلب كان الحديث عن التنوع البيولوجى الذى يعد من الموضوعات المتخصصة بدرجة كبيرة، وعندما حولت الموضوع إلى لغة الاقتصاد قال لى المهندس محلب «أنت أول خبير بيئة أفهم منه»، وهذا ما جعل لوزارة البيئة صوتا مسموعا.
الآثار المناخية هى بسبب أفعال دول معينة فى فترات معينة وتتحمل تبعاتها دول العالم كله، وللأسف بسبب هشاشة النظم البيئية فى الدول الفقيرة فإنها هى الأكثر تضرراً منها، على سبيل المثال قارة إفريقيا بأكملها لا تزيد نسبة الانبعاثات الحرارية التى تسببها على 3 %، ومع ذلك هى أكثر القارات تأثراً بالتغيرات المناخية، بينما أمريكا وحدها وراء 18 % من حجم الانبعاثات، وقد اتفقنا فى باريس على نظام لتوزيع الأعباء، والإدارة الأمريكية رأت أن الاتفاقية مجحفة لها. وأثناء المفاوضات قاد الرئيس السيسى المجموعة الإفريقية وكنت وزير البيئة المسئول عن مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة، ولأول مرة كانت الدول الإفريقية يدا واحدة، وشكلنا مع الكثير من الدول مثل الصين ودول أمريكا اللاتينية قوة ضغط كبيرة، فلم تستطع الدول المتقدمة الحصول على كل ما كانت تريده، وخرج الاتفاق بشكل متوازن.
وماذا عن تبعات هذا الانسحاب؟
فنياً أمريكا لم تنسحب من الاتفاقية أو المعاهدة الكبرى، لكن انسحبت من اتفاقية باريس، وهذا اقتناع من الجانب الأمريكى أن هناك تغيرات مناخية وأن هناك آثارا لذلك، وإلا لكان الجانب الأمريكى انسحب من الاتفاقية بشكل كامل، ثانياً حتى يكون هذا الانسحاب فعالاً لابد أن تمر أربع سنوات على هذا الانسحاب.
هل توجد وسائل ضغط على الجانب الأمريكى للقبول بنتائج الاتفاقية؟
هناك الكثير من الوسائل ولكن لا يمكن اعتبارها وسائل ضغط، فالجانب الأمريكى أعلن بكل وضوح أنه يريد العودة إلى مائدة المفاوضات، وفى نفس الوقت فالدول الأوربية بزعامة ألمانيا وفرنسا أعلنت أنه لا عودة لموائد التفاوض، والمشكلة تكمن فى من يلتزم بخفض الفجوة سواء بخفض هذه الانبعاثات أو بتعويض الدول النامية عن أضرارها، وهذا ما سيتم تحديده فى المؤتمر المقبل.
وما تفاصيل هذا المؤتمر؟
المؤتمر سيعقد فى بون فى نوفمبر، وهو مؤتمر سنوى ستشارك فيه كل الدول الأطراف، والبالغ عدد 196 دولة، تم الانتهاء من تشكيل الوفد المصرى من وزارات الخارجية والبيئة والكهرباء والزراعة والطيران المدنى والدفاع، وقد تمت دعوتنا للمشاركة فى اجتماعات مفاوضات خبراء الوفود فى جزيرة فيجي، ومصر لها شأن كبير فى هذا المجال ولها حجمها شاء من شاء وأبى من أبى.
هل تعتقد أن هذا المؤتمر سيحسم الموقف الدولى؟
فى السياسة الدولية لا تحسم الأمور بشكل كامل بسهولة، ولكن خلال هذا المؤتمر سيتضح رد فعل دول العالم، وهل سيتم إنقاذ اتفاقية باريس أم لا، فهو فرصة لعرض وجهة نظر جميع الأطراف بكل وضوح وشفافية، فهو مؤتمر لإنقاذ اتفاقية باريس، وكان من المفترض أن يكون مؤتمرا لتنفيذ اتفاقية باريس.
كيف يتم التنسيق مع وزارات البيئة العربية فى الوقت الحالى؟
لدينا مؤتمر وزراء البيئة العرب، وتترأسه فى الدورة الحالية قطر، ونجتمع مرة سنوياً فى جامعة الدول العربية بالقاهرة أو باستضافة إحدى الدول الأعضاء، وتتم مناقشة مواقفنا البيئية ومواقفنا فى الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية لتوحيد وتنسيق المواقف، على سبيل المثال فى نهاية العام الماضى كان هناك مؤتمر للتنوع البيولوجى فى المكسيك، وطلبت مصر استضافة هذا المؤتمر عام 2018، وهذا يمثل وضعا بيئيا متميزا للدولة المستضيفة، بالإضافة إلى دوره فى تنشيط السياحة لاستضافته نحو 10 آلاف فرد خلال 24 يوما، وقدمنا عرضاً لاستضافة المؤتمر فى شرم الشيخ، ثم تقدمت بعدنا تركيا بعرض مغر لاستضافة هذا المؤتمر على أن تدفع 25 مليون دولار، إضافة لاستضافة جميع الدول النامية على حسابها، ودخلنا فى مفاوضات ومباحثات فى المكسيك من أجل تنظيم المؤتمر وأخذنا دعم اوتأييدا من جميع الدول الإفريقية وكذلك الدول العربية لتنظيم مصر للمؤتمر، واستطعنا فى النهاية الحصول على تنظيم المؤتمر بعد انسحاب الجانب التركى، وهذا التنسيق ساعدنا كثيراً فى تحقيق ذلك.
مع اهتمام القيادة السياسية بالبعد الإفريقى.. ما مدى تحقيق ذلك على الصعيد البيئي؟
على مستوى الملف البيئى مصر عادت إلى إفريقيا وتبوأت دورها بكفاءة وأثنى عليها كل الرؤساء الأفارقة، والرئيس عبد الفتاح السيسى كان رئيس لجنة رؤساء الدول الإفريقية المعنية بالتغيرات المناخية، وفى نفس الوقت وزير البيئة المصرى كان رئيس مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة وتم تركيز الجهود مع الجانب الإفريقي، ولأول مرة يوجه الرئيس الفرنسى السابق رسالة مكتوبة للرئيس السيسى يشكره على دور وزارة البيئة المصرية فى توحيد الكلمة الإفريقية أثناء المفاوضات، فأعتقد أننا قمنا بالدور الدبلوماسى البيئى على أكمل وجه.3
إذا عدنا إلى الشأن الداخلى . ما الوضع الحالى لحجم التلوث فى نهر النيل؟
كل المؤشرات وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية تؤكد أن نهر النيل خالى من التلوث، وأن معدلات التلوث فيه أقل من المعدلات المسموح بها، ولكن لدينا بؤر للتلوث مثل بعض المناطق فى أسوان وبعض المناطق فى فرع دمياط..
ذكرت بعض التقارير أن عام 2015 شهد تدهوراً ملحوظاً للمحميات الطبيعية، فهل هناك وسيلة الآن لاستغلال المحميات الطبيعية لدينا واستثمارها؟
العالم كله غير سياسة إدارة المحميات الطبيعية، فتم التحول من سياسة الحماية إلى سياسة صون المحميات، وهذا الاتجاه طبقه الكثير من دول العالم، وعن حجم المحميات فإن نحو 15 % من مساحة مصر تدخل ضمن نطاق المحميات الطبيعية عبارة عن ثلاثين محمية، وعن ميزانيتها فيجب أن نوضح أنها كانت نحو 30 مليون جنيه، وفى الموازنة الحالية انخفضت إلى 13 مليون جنيه، أكبر محمية لدينا تبلغ مساحتها 43 ألف كيلو متر، وهى أكبر من مساحة دول مجاورة، وأقل محمية من حيث المساحة هى محمية الغابة المتحجرة وتبلغ مساحتها 6 كيلو مترات مربعة، ولدينا مشكلة هجرة للكفاءات المتخصصة فى إدارة المحميات الطبيعية.
تم اختيارك كوزير للبيئة مرتين وكانت بينهما استقالة.. نود معرفة تفاصيل ذلك،؟
كل خبرتى العملية بعد الدكتوراه كانت فى مشروعات للتعاون الفنى داخل وزارة البيئة، وفى آخر ثلاث سنوات قبل تولى الوزارة دخلت فى مشروع بعيد عن البيئة وهو مشروع اللا مركزية الخاص بوزارة التنمية المحلية، وفوجئت بأحد الأصدقاء وكان يعمل فى منظمة دولية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية يتصل بى مساء، وقال لى إنه رشحنى لأحد المناصب واعتقدت فى بداية الأمر أنه كان منصبا فى الولاياتالمتحدة، وسرعان ما أخبرنى أنه رشحنى لمنصب وزير البيئة، وكان وقتها باقيا على انتخابات البرلمان نحو ثلاثة أشهر، وعندما أخبرته أننى دائم العمل فى مؤسسات أجنبية وأن منصب الوزير بعيد عني، فأخبرنى أنهم سيتصلون بي، وبعدها تلقيت اتصالا من رئيس الوزراء وقتها هشام قنديل يريد مقابلتى فى صباح اليوم التالي، وذهبت صباح اليوم التالى لمقابلته وأخبرنى أنه بصدد تغيير وزارى وأننى من المرشحين لمنصب وزارة البيئة، سألته وقتها عن سبب مجيئى كوزير لمدة ثلاثة أشهر فقط طبقاً لاتفاقهم مع القوى السياسية فى ذلك الوقت، فقال لى إنه لا يمكنه شرح أسباب تغيير وزير البيئة فى هذا الوقت، وأخبرنى أننى جئت لمهمة محددة.
وما تلك المهمة المحددة التى جئت من أجلها فى هذه الوزارة؟
أخبرنى قنديل أنهم بصدد تدشين مشروع دولى فى مجال البيئة وباعتبارى لدى خبرات طويلة فى التعاون الدولى فى مجال البيئة فأنا الشخص المناسب فى هذا التوقيت، حيث تم إبرام العديد من الاتفاقيات ولم تتحرك، وكان من المفترض أن يكون منوطاً بى تحريك هذه الاتفاقيات وكان هذا المشروع هو مشروع المخلفات الصلبة.
وعلى أى شيء انتهى الاجتماع؟
قبل نهاية الاجتماع سألته سؤالا واحدا «من سيكون رئيسي؟»، فأجابنى بأنه سيكون هو رئيسى المباشر، فقلت له وهذا يعنى أننى لن أتلقى أى تعليمات إلا منك مباشرة بمعنى أننى لن يكون لى اتصال لا بالأحزاب ولا بمستشارى الرئيس، فقال إن هذا هو فعلا ما سيحدث وأى تعليمات من رئيس الجمهورية سينقلها هو عنه، ومن بعدها لم أتلق أى تأكيد من رئاسة الوزراء أو من الرئاسة إلى أن فوجئت بإعلان اسمى كوزير للبيئة فى وسائل الإعلام، ولكن وعده بعدم التدخل من قبل أى شخص آخر لم ينفذ، ففوجئت باختراقات داخل الوزارة، وكانت هناك تكليفات لبعض القيادات للوزارة تحدث دون علمي.
وكيف تعاملت مع هذا الاختراق؟
بعد أن تولت الوزارة بفترة قمت بعقد اجتماع مع جميع القيادات فى الوزارة، وقمت بالاتصال بمستشار رئيس الجمهورية لشئون البيئة وحدثته أمام الجميع وقلت له إن الوزارة لها مدخل واحد وهو وزير البيئة، وبالتالى فى حالة طلب أى معلومات يجب أن يخاطب الوزير وهو الذى يحدد من يكلفه لتنفيذ التكليفات، ووقتها قررت التحمل لحين تغيير الوزارة ولكن هذا لم يحدث فبعدها بعدة أشهر تم إجراء تغيير وزارى، وكنت أنا من ضمن الوزراء الذى أبقوا عليهم، إلا أن جاءت حركة «تمرد» وفوجئت بأن زوجتى وابنى قد انضما إليها، وذكرت ذلك فى أحد الاجتماعات فى رئاسة الوزراء وقلت لهم إن حركة «تمرد» حقيقية وأن هناك درجة كبيرة من الغليان فى الشارع، وبعد هذا الاجتماع قررت أنا والوزراء الثلاثة تقديم استقالتنا وأرسلناها لرئيس الوزراء الذى طلب منا بعدها عقد اجتماع معه، وبعد عرض أسباب الاستقالة أثناء الاجتماع قال رئيس الوزراء إننا طبقاً للدستور نظل فى أماكننا لحين تعيين وزراء جدد، وعندما أنهينا الاجتماع وعدت إلى مكتبى كانت القوات المسلحة قد أعلنت البيان الثانى لها، وهو ما أكد لى أننى على الطريق الصحيح، ومن المفارقات العجيبة أنه بعدها بيومين بعد أن عدت إلى منزلى فى المعادى فوجئت بحارس العقار الذى أسكن فيه يخبرنى بأن محيط المنزل محاط بقوات كثيفة من الأمن، وظننت فى بادئ الأمر أنه صدر أمر باعتقالى ولكن لم أكن أنا المقصود وإنما كان أحد قيادات الإخوان فى أحد العقارات المجاورة.
وما الذى جعلك تظن أنه صدر أمر بالقبض عليك؟
كنت فى صباح هذا اليوم فى اجتماع فى مجلس الوزراء، وكان النقاش حادا واضطروا فى النهاية إلى رفع الاجتماع خصوصا مع انحياز بعض الوزراء من الموالين للإخوان لرأينا، ولما عدت إلى المنزل ظننت أن هذا المشهد كان نتيجة لما حدث فى هذا الاجتماع.
إذا قمت بكتابة مذكراتك.. من أى منطقة ستبدأ؟
سأبدأها من مرحلة الصغر، فأنا لم يكن لدى حلم لأن أصبح وزيراً أو شخصية مهمة فى مجالي، فكنت دائما أسعى للتطور ولكن ليس بالضرورة أن أصبح الأفضل، لكن والدتى رحمة الله عليها كانت تقول لى إنها حلمت قبل ولادتى بيوم واحد بأنى سيصبح لى شأن فى هذه الدولة، دون أن تعلم أى ما هذه المكانة، والمفارقة أن والدة زوجتى قبل وفاتها بفترة قليلة حلمت حلماً آخر فى نفس السياق، ولكن كان هذا قبل توليى الوزارة بعدة أشهر، ولو قابلت والدتى لسألتها «هل صرت كما كانت تحلم أم لا؟»، فما يؤرقنى هو هل أديت واجبى على النحو الأفضل أم لا؟، أيضاً من المراحل المهمة فى حياتى هى توليتى هذه الوزارة فى مرحلة تاريخية والعمل مع رئيس تاريخى بكل المعايير وبالطبع الخدمة معه فى هذا التوقيت ليس تشريفاً وليست حياة رغدة.
إذا كانت والدة سيادتك هى البطل الأول فى المذكرات فمن الأبطال الآخرون؟
والدى أيضاً، فهو من ساعدنى على إعادة توجيه نفسي، وكان يعمل أميناً عاماً لمعهد التخطيط القومى وشغل منصب الأمين العام لبنك الاستثمار القومى، وأيضاً أميناً عاماً لوزارة التعاون الدولي، ودرس الاقتصاد فى الولاياتالمتحدة وكان أحد المهتمين بالحث العملى وهو مشهور فى الأوساط الاقتصادية، الشخصية الأخرى هى زوجتى وقد مر على زواجنا أربعون عاماً ووقفت إلى جوارى بدءاً من عملى كضابط فى الأمن العام وتركى للعمل فى جهاز الشرطة، وكذلك الانتقال إلى ألمانيا وكانت دائمة العون والمساندة فى مراحل حياتى المختلفة ورزقنا الله بولدين وبنت، وما زالت عوناً لى إلى الآن.
ماذا تقول لمنتقديك؟ أقول لهم أهلاً وسهلاً بكم ونقدكم على الرأس طالما أنه نقد موضوعى.
ماذا تقول للبرلمان؟
لك كل الحق فى الرقابة، لكن هناك فرقا بين الوظيفة التنفيذية والوظيفة التشريعية وإذا اختلطت الوظيفتان فلن تستقر الأمور، فالتشريع لا يضع الخطط ولا يضع الإستراتيجيات ولكن هذه هى وظيفتنا وعليك محاسبتنا.
ماذا تقول للمهندس إبراهيم محلب؟
أستاذى العظيم فى العمل الوزاري، فهو لم يدرس لى ولم يسبق لى العمل معه، لكن حينما عملت معه فى وزارته جعلنى حقاً أقول عنه أستاذ.
من الشخصيات التى ترك فى حياتك المهنية بصمة؟
ثلاثة أشخاص، أولهم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى وشرفت بمرافقة سيادته فى عدة مأموريات ومهام فى الخارج، وأدركت أنه كرس نفسه لمصر، فحينما تجد رئيسك لا يخلد إلى الراحة، وفى بعض السفريات لم ينم إلا ساعة واحدة تقريباً فهذا بالنسبة لى مدرسة عرفتها عن قرب.
الشخصية الثانية كما سبق وأن ذكرت هو المهندس إبراهيم محلب، ولديه قدرة رهيبة على المتابعة مع كثرة الأعباء الوزارية والمحلية والخارجية، وكان دائم الابتسامة فى أحلك الظروف. والثالث هو المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء الحالي، وشرفت بالعمل معه منذ أن كان وزيراً للبترول وكنا فى تعاون وتشاور دائمين فى مشاكل الطاقة، وتعلمت منه التفكير العميق والمنظم وعدم التأثر بردود الفعل الطارئة والقدرة على السماع للغير أياً كان.
أيضاً هناك شخص آخر وهو السيد منير فخرى عبد النور، وكانت لى واقعة طريفة معه حينما كنت وزيراً فى حكومة هشام قنديل، وتقابلنا فى تأبين البابا شنودة، وكان هو على يسارى وشعرت بنظرته غير المرحبة بى على الإطلاق، فحاولت أن أتجاذب أطراف الحديث معه وقلت له «مساء الخير يا منير بيك» فقال لى «مساء النور يا معالى الوزير» وكان الرد بكل اقتضاب، فقلت له: هل تعلم أننى من المعجبين بشخصك جداً، وأننى أتمنى أن يكون أدائى مثل أدائك، وقلت له ضاحكاً «أنا مش منهم فلا تعاملنى بهذه الطريقة» فضحك، بعد ذلك اجتمعنا فى نفس وزارة واحدة وهو شخص سياسى واستفدت من نصائحه السياسية كثيراً.