قبل انطلاق الموسم الكروى بأسابيع قليلة، جاءت أزمة اللاعب محمد ناجى جدو، مهاجم النادى الأهلى لتطل علينا بحلقة جديدة من مسلسل مشكلات وكلاء اللاعبين مع الأندية ولاعبيها، وكأن هذه الأزمات صارت كالدعاية التى تسبق الأفلام السينمائية.. وبينما كانت الجماهير تنتظر قرارات صارمة لتنظيم النشاط الكروى والاستمتاع بمشاهدة المباريات، والعودة إلى المدرجات فى أمان، استقبلت أزمة جديدة لتفتح الملف الشائك. قبل بداية التسعينيات، لم تكن مصر تعرف مهنة وكلاء اللاعبين، وكان الوسطاء من رجال الأعمال وكبار التجار يتدخلون ويسهمون بالأموال فى انتقال لاعب من ناد إلى ناد آخر، ولم يكن هناك من يسعى لحصد الأموال من وراء عملية الانتقال. حتى الآن لم يمتنع رجال الأعمال عن المساهمة فى شراء لاعب من ناديه إلى النادى الذى يدعمه، على الرغم من المبالغة فى المطالب المادية للاعبين وأنديتهم، وهذا التدخل هو أكبر دليل على فشل منظومة الاحتراف فى مصر، لأن الهدف الأساسى منها هو جلب الأموال للنادى وليس البحث عن هذه الأموال فى جيوب رجال الأعمال. ومنذ أن دخلت كرة القدم المصريه عالم الاحتراف فى عام 1990 على يد محمود الجوهرى وودعت عالم الهواية، اختلف مسارها تماما واختلف جميع المتابعين للوسط الكروى حول هذا التحول وهل هو تحول إيجابى أم سلبى، فالمؤيدون أكدوا أن كرة القدم أصبحت صناعة وليست مجرد هواية، لكن المخالفين لهذا الرأى رأوا أن مصر دخلت عالم الاحتراف دون أى ترتيبات، فأصبح الجميع يبحث عن حقوقه دون النظر لمصلحة النادى. ومع وجود وكلاء اللاعبين، زادت الأزمات، لتثبت أن هناك خللا فى المنظومة بأكملها، آخرها أزمة جدو مع وكيل لاعبيه، التى غرمته لجنة التظلمات باتحاد كرة القدم مبلغ 950 ألف جنيه لوكيل لاعبيه، قيمة عمولته على انتقاله إلى النادى الأهلى، ولم تكن هذه الأزمة هى الأولى لجدو مع وكلاء اللاعبين، فقد تعرض لها من قبل بعدما وقع عقدا مع النادى الزمالك، ثم انتقل إلى الأهلى. أيضا غرمت اللجنة اللاعب ياسر على مبلغ 180 ألف جنيه، يدفعها إلى تامر النحاس وكيل اللاعبين قيمة انتقاله إلى نادى الجونة، وكان تامر النحاس البطل الأبرز فى عقوبات لجنة التظلمات وظهر اسمه فى أكثر من شكوى خلال الفترة الماضية. أيضا، صفقة انتقال أحمد حمودى لاعب سموحة، إلى الزمالك كشفت الدور الكبير الذى لعبه وكلاء اللاعبين والسماسرة فى فشل بعض الصفقات، خصوصا بعد الدور الكبير الذى لعبه سمير عبد التواب وكيل اللاعبين، فى التلاعب بجماهير الزمالك عندما فوض نفسه لإنهاء صفقة اللاعب دون علم أو قرار رسمى من مجلس إدارة الزمالك. وشهدت السنوات الأخيرة فشلا ذريعا لوكلاء اللاعبين، خصوصا مع نادى الزمالك بعد فشل صفقة انتقال حسنى عبد ربه، بسبب تدخل الوكلاء فى الصفقة بعد أزمة محمد شيحة وسمير عبد التواب حول المقابل المادى، كما نجح محمد شيحة فى التلاعب بمسئولى الزمالك فى صفقة انتقال محمد سعيد “قطة" لاعب كسكادا، عندما قام بشراء اللاعب من النادى وبيعه لنادى الزمالك. ودخل أحمد فتحى لاعب الأهلى فى خلافات حادة مع أحمد سويلم وكيل اللاعبين، بعد أن تراجع اللاعب عن تنفيذ عقد إعلانى كان قد وقعه اللاعب مع إحدى شركات الاتصالات، والذى كان الوسيط فيه أحمد سويلم، وأصبحت الأزمة صداعا فى رأس مسئولى الأهلى، حيث حصل سويلم على حكم يقضى بدفع غرامة مالية قيمتها مليون جنيه، إذن فالأمر لم يعد يقتصر على انتقال اللاعبين بين الأندية فقط. وكانت صفقة انتقال اللاعب رضا عبد العال من الأهلى إلى الزمالك هى الأشهر فى تاريخ الكرة المصرية، حيث انتقل اللاعب من الفريق الأحمر إلى الأبيض مقابل مبلغ 625 ألف جنيه، ومن بعدها صفقة انتقال التوأم حسام وإبراهيم حسن من الأهلى إلى الزمالك، وهى الصفقات التى تدخل الوسطاء لإنهائها بدفع مبالغ مادية لاستكمال الصفقة. وفى ظل غياب اللوائح المنظمة وضعف القائمين على الإدارة الكروية وتدخل الأهواء فى شئون اللعبة، أصبح وكلاء اللاعبين يتحكمون فى المنظومة الكروية، فمنهم من نصب نفسه الراعى الرسمى لانتقالات اللاعبين فى أحد الأندية، ولن يسمح بدخول أى لاعب إلى هذا النادى إلا بمباركته، وظل الهدف الأساسى هو تحقيق مكاسب مادية. وإذا كان هناك وكلاء لاعبين يقعون فى بعض الأخطاء ويلجأون إلى الحيل لتحقيق مكاسب مادية، فإن بعض اللاعبين يقومون بالاتفاق مع أكثر من وكيل لاعبين، ويوقعون على عقود انتقال مع ناديين فى وقت واحد، وذلك لأنه على علم تام بقدرته على دفع الغرامة المادية التى توقع عليه فى النهاية. محمد عبيد خبير اللوائح الدولية لكرة القدم، كشف عن أن الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) قرر علاج هذه الظاهرة بعد أن أصبحت من عوامل الفساد فى كرة القدم، حيث أكدت التقارير أن 70% على الأقل من صفقات الانتقالات على مستوى العالم تتم بعيدا عن الوكلاء المعتمدين وبعيدا عن مبدأ الشفافية فيما يتعلق بقيمة الصفقة ومستحقات الأطراف المختلفة من لاعبين وأندية. أيضا، فإن بعض اللاعبين يقومون بالتوقيع مع أكثر من وكيل وتقوم الأندية بممارسة الخطأ نفسه مما تسبب فى حالة عدم انضباط، كما أن بعض الاتحادات الأهلية بالقيام ببيع إجابات الأسئلة الخاصة باختبارات الحصول على رخصة وكيل لاعبين معتمد مقابل مبالغ مالية. ويرى الفيفا، أن وكلاء اللاعبين لهم الدور الأكبر فى ارتفاع أسعار اللاعبين وهو ما أدى إلى حدوث أزمات مادية للعديد من الأندية واللاعبين، حيث أن الطرفين يتعاملان بمبدأ التخوين، وهو أحد الأسباب التى دفعت مسئولى الفيفا لبحث مراجعة اللوائح فيما يخص قوانين العمل ومنح التراخيص الخاصة بمزاولة النشاط للعمل والعمولة المستحقة. لجأ الفيفا لذلك نتيجة لتضخم فساد وكلاء اللاعبين على بالرغم من التعديلات الذى أجراها على لائحته، حيث ظهرت الخطوة الأولى لتنظيم عمل وكلاء اللاعبين عام 1991 من خلال لائحة بسيطة، حيث منحت الاتحادات الأهلية صلاحيات لمنح تراخيص وكلاء اللاعبين بعد أن كان ذلك يقتصر على الفيفا فقط، كما فوض الاتحادات الأهلية بإجراء الاختبارات الخاصة بمدى إلمام الوكلاء بالقوانين المحلية ومعرفته بالأنظمة واللوائح الرياضية التي تنظم عمله في هذا المجال، وهو ما تسبب فى أن بعض الاتحادات الأهلية أجرت اختبارات منح رخصة وكيل اللاعبين باللغة العربية فى بعض الدول مثل مصر. وكيل اللاعبين هو شخص يقوم بتقديم اللاعبين للأندية بمقابل مادى، بعد تفاوض من أجل عقد اتفاقية انتقال طبقا للأحكام المنصوص عليها فى اللوائح الدولية المنظمة لانتقالات اللاعبين، ولا يقوم وكيل اللاعبين بالعمل إلا بعد حصوله على “رخصة" تصدر من الاتحاد التابع لبلده. ويشترط فى وكيل اللاعبين أن يكون ولاؤه التام لموكله ومصلحته وفقا للوائح المنظمة دون الإخلال بحقوق الآخرين، وأن يلتزم بالوضوح والشفافية التامة مع موكله، ويحسن النصح له مما يحقق مصلحته الشخصيه سواء كانت بسبب مادى أم انتماء شخصى. كا يجب ألا يلتف وكيل اللاعبين على القوانين واللوائح واستغلال الثغرات فى العقود لتحقيق استفادة مادية أكبر.