بالأسماء، الحركة السنوية لقيادات الإدارة المحلية بالمحافظات    بعد قليل.. «مدبولي» يشارك في افتتاح مؤتمر الأجهزة العليا للرقابة المالية    «الخارجية» تشكر الرئيس السيسي على ضم شهداء الوزارة لصندوق تكريم الشهداء    سعر جرام الذهب صباح اليوم الأربعاء، عيار 21 يصل لهذا المستوى    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025    وزير الزراعة يشهد توقيع مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة مع ميانمار    رفع كفاءة المرافق بمحيط المتحف الكبير لضمان جاهزية البنية التحتية    شبكة أطباء السودان: التقارير من الفاشر صادمة والدعم السريع تنفذ عمليات انتقامية واسعة    ترامب يصل كوريا الجنوبية    بلد السلام    قوة إعصار ميليسا تنخفض للفئة الثالثة مع اقترابها من كوبا    النصر ضد الاتحاد.. تعرف على قائمة المتأهلين لربع نهائى كأس خادم الحرمين    موعد مباراة الأهلي وبتروجيت والقنوات الناقلة بث مباشر    تشكيل ليفربول المتوقع أمام كريستال بالاس.. موقف صلاح    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    3 قرارات من النيابة بشأن بلوجر متهمة بنشر فيديوهات مخلة بالتجمع    شبورة ورياح على هذه المناطق.. «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس الأربعاء    والد ضحايا جريمة الهرم: زوجتى على خلق والحقيقة ستظهر قريبا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    المترو يطبق غدا مواعيد التوقيت الشتوى بالخطوط الثلاثة    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بطريق السويس الصحراوى    عاجل- فئات مسموح لها زيارة المتحف المصري الكبير مجانا بعد الافتتاح الرسمي    ارتفاع معدل التضخم في أستراليا بأكثر من التوقعات    أسعار الذهب فى أسيوط اليوم الاربعاء 29102025    اليوم.. الأهلى يتحدى بتروجت من أجل "صدارة" الدوري    إدراج شوارع بطنطا ضمن خطة توصيل المرافق استجابة لطلبات النائب حازم الجندى    سوزي الأردنية تواجه أول حكم من المحكمة الاقتصادية    عاجل- الوزراء: بدء التوقيت الشتوي في مصر الجمعة الأخيرة من شهر أكتوبر    عاجل- 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    18 قتيلا فى غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    «خطأ عفوي.. والمشكلة اتحلت».. مرتجي يكشف كواليس أزمة وقفة عمال الأهلي    حقيقة وجود تذاكر لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    ننشر الأخبار المتوقعة ليوم الأربعاء 29 أكتوبر    مصابة بالتهاب الكبد وكورونا، طوارئ صحية بولاية أمريكية بعد هروب قرود مختبرات (فيديو)    خلاف أطفال يتحول إلى كارثة.. سيدتان تشعلان النار في منزل بعزبة الثلثمائة بالفيوم    طائرات مسيرة أوكرانية تستهدف مستودع وقود في منطقة أوليانوفسك الروسية    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    جواهر تعود بحلم جديد.. تعاون فني لافت مع إيهاب عبد اللطيف في "فارس أحلامي" يكشف ملامح مرحلة مختلفة    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    أحمد عيد عبدالملك: الأهلي يمتلك 3 فرق جاهزة للمنافسة وزيزو مستواه متراجع    «زي النهارده».. حل جماعة الإخوان المسلمين 29 أكتوبر 1954    استشهاد 11 فلسطينيا على الأقل في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    «زي النهارده».. العدوان الثلاثي على مصر 29 أكتوبر 1956    بين الألم والأمل.. رحلة المذيعات مع السرطان.. ربى حبشى تودّع المشاهدين لتبدأ معركتها مع المرض.. أسماء مصطفى رحلت وبقى الأثر.. لينا شاكر وهدى شديد واجهتا الألم بالصبر.. وشجاعة سارة سيدنر ألهمت الجميع    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)    شمس البارودى: الليل موحش ويدخل الحزن بدون حبيبى حسن يوسف    "كتاب مصر" يناقش ديوان "مش كل أحلام البنات وردي" للشاعرة ياسمين خيري    الدوري الإيطالي، ميلان يسقط في فخ التعادل 1-1 أمام مضيفه أتالانتا (صور)    تزيد حدة الألم.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى التهاب المفاصل    ميدو: الكرة المصرية تُدار بعشوائية.. وتصريحات حلمي طولان تعكس توتر المنظومة    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر    بمكونات منزلية.. طرق فعالة للتخلص من الروائح الكريهة في الحمام    لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الأوضاع في العراق


1
العراق بعد داعش.. إلى أين؟
كثُرة الأحاديث والمقالات والتكهنات والمشاهد والتصورات والشكوك والمخاوف، عن مآلات الوضع في العراق بعد داعش.. ووسط هذا الحشد من المقاربات بدت الصورة، غامضة وضبابية ومحمّلة أكثر مما يجب بالتوقعات والإحتمالات.. لذلك فإنّ تقديم مقاربات واقعية تنطلق من معطيات وحقائق الموقف، ذات أهمية خاصة، لتقريب الصورة وإضاءة التفاصيل والألوان.. وفي هذا الإطار تندرج هذه المقاربة التي نحاول فيها تقديم رؤية لمسار الحدث.
بداية لابدّ من التأكيد على أنّه من الصعب إعطاء رأي حاسم وقاطع في مسألة ما ستؤول إليه الأوضاع في العراق بعد تحرير أراضيه كاملة من إحتلال داعش الإرهابي، وذلك لأسباب كثيرة، من بينها: أنّ اللاعبين والفاعلين كُثر في الساحة العراقية، المفتوحة لكلّ الإحتمالات، والمكشوفة لكلّ المطامع والتدخلات الإقليمية والدولية.. ومازالت مجاميع من داعش الإرهابية تحتلّ مساحات ليست قليلة من الأراضي العربية في العراق وسورية. ففي العراق مازالت هذه المجاميع الإرهابية تحتلّ بعض المناطق في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى والأنبار وحزام بغداد، إمّا مباشرة أو عبر خلاياها الإرهابية النائمة أو المتنقلة. في تلعفر (التي تجري فيها معارك التحرير حاليا) والحويجة والقائم وراوة وبعض المناطق المحصورة في سلسلة جبال حمرين والجزيرة الصحراوية المفتوحة بإتجاه الحدود السورية والأردنية.. وهناك أيضا المطامع والتدخلات التركية والإيرانية، التي وصلت إلى حدّ إحتلال بعض الأراضي العراقية، كما هو حال الإحتلال المباشر للقوات التركية والميليشيات المحلية التابعة لها مناطق في بعشيقة شمال العراق، والإختراق الإيراني للمناطق التي كانت محتلة من داعش الإرهابي تحت غطاء المستشارين والمدربين وبعض الميليشيات التابعة لها.. وكذلك تصعيد بعض الأحزاب الكردية لسقف المطالب بإتجاه الإنفصال ومحاولة قضم مناطق واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى، إلى جانب كركوك كاملة.. يُضاف إلى ذلك الصراعات والخلافات التي تضرب الكتل السياسية والبرلمانية، داخل الكتلة الواحدة وفيما بينها، حول الكثير من المسائل ومن بينها، آليات الإنتخابات وإدارة المناطق المحرّرة. وسيادة الإستقطاب والمنحى الطائفي ومصالحها الخاصة على سلوكها لإدارة الدولة والمجتمع والعلاقات العربية والإقليمية والدولية، في ظلّ غياب الرؤية الوطنية الجامعة لبناء الدولة وتحديد الهوية والثوابت والمحددات والمصالح ومصادر التهديد والمخاطر.. وأخيرا وليس آخرا الرؤية الأمريكية التي تقود تحالف هشاً ضد الإرهاب، والتي تنطلق من المصالح الأمريكية والغربية الخاصة، وتصورها لما يمكن أن تكون عليه المنطقة وفق الترتيبات والإستراتيجيات المعدّة للمنطقة عامة، والوطن العربي بشكل خاص، التي غلب عليها النمط القديم/ الجديد في التعامل مع الوطن العربي عبر تقسيمه سياسيا وإجتماعيا وجغرافيا إلى طوائف وأعراق وأثنيات وأقليات وملل ونحل. وكذلك أسئلة الإستفهام الكثيرة التي أُثيرت حول مدى جدية ومصداقية أمريكا في محاربة الإرهاب. فقد صرّح الرئيس الأمريكي ترامب أكثر من مرّة صراحة حول دور الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته في دورته الأولى كلينتون في تشكيل داعش الإرهابي ودعمه بإتجاه إحتلال الأراضي العربية في سورية والعراق، وما سبقه من دعم لجماعات إرهابية أخرى. ولم يعد سراً أنّ الطائرات الأمريكية، وقبل أن يبدأ الهجوم لتحرير المناطق المحتلة من الإرهابيين، تقوم بنقل القيادات الإرهابية الرئيسية لداعش الإرهابي إلى مناطق أخرى داخل العراق أو سورية أو إلى تركيا وقطر وغيرهما من المناطق المنتخبة الداعمة للإرهاب أو المستضيفة له.

في ظلّ هذه المعطيات والأسباب، وما أفرزته من تشابك وتعقيد وضرورات، فإن صورة المشهد القادم ما بعد داعش تبدو آيلة إلى منحى من التصادم والعلاقات الصراعية المحلية والإقليمية والدولية .. لذلك فإن إدارة الصراع داخل العراق ومن حوله ، ما بعد داعش الإرهابي، وحتى يمكن تلافي هذا المنحى الخطير وثمنه الفادح، فإنّ الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والعقلانية والإرادة المستقلة والحسم في الرؤية والقرارات، بإتجاه مشروع وطني جامع لكلّ العراقيين يحافظ على هوية العراق ووحدته الوطنية أرضا وشعبا وسيادة، ويؤسس لنظام ديمقراطي سليم يقوم على دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، ومبدأ المواطنة، وتجريم الطائفية والعنصرية، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وإقامة علاقات عربية متينة وعلاقات إقليمية ودولية متوازنة.. يبدأ هذا المشروع الجامع بجملة من إجراءات بناء الثقة عبر إعادة النازحين إلى مناطقهم المحررة وتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار، وإصدار عفو عام لمن أكرهوا على مجاراة داعش الإرهابي ولم تتلطخ أيديهم بدماء المواطنين والمال العام، وتحرير البيئة الشعبية من إفرازات داعش الإرهابية والطائفية والتكفيرية بموازاة تحرير وأعمار المناطق المحررة، وتأمين إستقلالية القضاء ودوره الوحيد في توجيه التهم والتحقيق والمحاكمة والعقاب. وإعادة النظر الجذرية بالدستور بما يتجاوز عيوبه وتناقضاته وبنيته ومخاطره التقسيمية.
2
السيد عمّار الحكيم.. وتيار الحكمة الوطني

فاجأ السيد عمار الحكيم الكثيرين داخل العراق وخارجه، بإعلان إنسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي، وتشكيل "تيار الحكمة الوطني". ذلك المجلس الذي ساهمت عائلة الحكيم، برمزيتها الدينية، ممثلة في عمه (السيد محمد باقر الحكيم) ووالده (السيد عبد العزيز الحكيم)، بدور رئيسي في تشكيل وقيادة هذا المجلس، منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينات القرن الماضي وحتى عام 2017. لذلك شكّل الإعلان مفاجأة أمام ما يقارب أربعة عقود من الدور والقيادة.. ومثل أيّ حدث بهذه الأهمية والدلالة فقد تناولته الكثير من الأقلام والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي، كلّ حسب رؤيته ودوافعه ومعطياته.. وسنحاول هنا المساهمة في تقديم رؤية لأسباب ودلالات إعلان السيد عمار الحكيم عن تأسيس " تيار الحكمة الوطني"، التي لا يمكن تقييمها إلاّ في ضوء رؤية شاملة للماضي والحضر والمستقبل.. وفي هذا الإطار فإنّ هناك أسباب ودوافع محدّدة قادت إلى موقف السيد الحكيم، ويمكن إجمال هذه الأسباب، بما يلي:
أولا- بعد أكثر من أربعة عشر سنة من التجربة السياسية في ظلّ الإحتلال الأمريكي وما بعد إنسحابه، وإفرازاته الطائفية والتقسيمية وتمزيق النسيج الوطني والمجتمعي، وفشل العملية السياسية، والصراعات السياسية العمودية والأفقية حول إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، وإحتلال داعش الإرهابي لمناطق واسعة من العراق، وما خلّفه من مآس وويلات ومخاطر مادية وبشرية وسياسية ومعنوية، مضافا إليها المعطيات والمتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.. هذا المدى الزمني من التجربة السياسية، بكلّ آلامها النازفة وآمالها المُجهضة، ولّدت إختلافات جذرية في الرؤى والقناعات في المجلس الأعلى، بين جيل الشباب الذي عاش أغلبه داخل العراق، وجيل القيادات المؤسسة التي عاشت جميعها خارج العراق خصوصا في إيران.. فقد تولّدت لدى جيل الشباب رؤية جديدة بخصوص إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، خصوصا العربية منها، وبالتأكيد هذا الجيل من الشباب لا يريد القطيعة مع إيران، لكنه في نفس الوقت لا يقبل التبعية لها، فالعراق دولة عربية وإيران دولة فارسية، ويجمعهما الجوار الجغرافي، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة بينهما ندّية قائمة على المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمواثيق والمعاهدات الدولية، إلى جانب ضرورات العقيدة الإسلامية الواحدة.. أمّا القيادات المؤسسة فترى أنّه ليس من السهل تجاوز دورها التاريخي في التأسيس والقيادة والعمل المعارض، وترى أنّ لإيران الفضل الأكبر في إستضافتها وإيوائها ودعمها والوصول بها إلى السلطة في العراق، وبالتالي لا بدّ أن تكون العلاقة معها متميّزة إذا لم تكن تبعية، تحتّمها الضرورات المذهبية.. ومع إنسحاب السيد الحكيم من المجلس فقد إنحازت الغالبية الساحقة من الشباب إلى تياره الجديد.
ثانيا- منذ تأسيس المجلس الأعلى ومع تطورات الموقف والمعطيات والعلاقات الداخلية والخارجية، بدأت بوادر خلاف بين الخط الفقهي الذي تمثّله عائلة الحكيم والقيادات الدينية الأخرى، وبين الخط السياسي الذي تمثّله القيادات المدنية، وممثلها البارز الدكتور عادل عبد المهدي، ذو الخلفية القومية والماركسية بحسب المراحل التي تطور بها فكريا. الخط الفقهي ينتمي إلى التعليم الديني التقليدي، الذي يصعب إفلاته من أحكامه النمطية ((المقدّسة)) المسبقة، عند ممارسته للسياسية وإدارة الحكم اللتين يغلب عليهما طابع الجمود والإقصاء والتقوقع على الذات، الفرد والجماعة.. بينما القيادات المدنية تنتمي إلى التعليم المدني الحديث حتى وإن تلقّت تعليما دينيا كجزء من أيديولوجية التنظيم الديني الذي تنتمي إليه، وبالتالي يغلب على ممارستها للسياسة وإدارة الحكم الرؤية الواقعية والقدرة على التجديد والتواصل مع الآخر.. وقد تجاوز السيد الحكيم بإنسحابه الخطين معا، وما تبقى من المجلس تجري فيه محاولة التعايش بين الخطين ولو إلى حين. ويأتي إنتخاب الشيخ همام حمودي(النائب الأول لمجلس النواب) رئيسا للمجلس الأعلى خطوة توفيقية بين الخطين بإعتباره يجمع بين التعليمين الديني والمدني، وهو شخصية توافقية وتصالحية إلى حدّ كبير.
ثالثا- الإعتراض على التوريث في المجلس الأعلى، في إطار عائلة الحكيم ورمزيتها الدينية المذهبية. فمن السيد محمد باقر الحكيم وإلى السيد عبد العزيز الحكيم(الأخ) ومن ثم إلى السيد عمّار عبد العزيز الحكيم(الإبن).. الأمر الذي برز مع وفاة السيد عبد العزيز الحكيم وإنتخاب السيد عمار الحكيم خلفا له في رئاسة المجلس. حيث رأى البعض داخل المجلس ضرورة إحداث قطيعة كاملة مع هذا التوريث، الذي تجاوز دور التجربة العمرية الطويلة للقيادات المؤسسة وأسندها لتجربة عمرية وسياسية قصيرة إذا ما قورنت بتجربتها وأحقيتها. وهو ما حقّقه السيد عمار الحكيم بانسحابه كاملا من المجلس الأعلى، ما يتيح الفرصة لقطع التوريث، وطرح مظلات وشخصيات جديدة بعيدا عن الرمزيات الدينية والشخصية.
رابعا- كثراً ما أُتهُم المجلس الأعلى بالطائفية والإرتباط بإيران وولايتها الفقهية، وهي تهمة جاهزة في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، الموجهة في جلّها إلى الغرائز لا إلى العقل. لذلك تبلورت قناعة جديدة لدى السيد عمّار الحكيم وجيل الشباب بضرورة فك الإرتباط جذريا بإيران وبناء علاقات داخلية تتجاوز المعايير والتوصيفات الطائفية، ما يضع حدّا لهذه التهمة وينفيها بالعمل والخيارات الجديدة.
خامسا- ومن دلالات هذا الإعلان الرئيسية، هي فشل التيارات الإسلامية السياسية بشقيها، ما سمي (( بالسنيّة والشيعية)) في إدارة الدول والعملية السياسية والعلاقات في الداخل ومع الخارج، خصوصا في العراق ومصر، والإستقواء بالتدخل الخارجي وإستجلاب الإحتلال الأجنبي، ومشاركتها المباشرة مع العدوان الخارجي في تدمير ليبيا وسورية واليمن، وتهديد باقي الدول العربية بمخاطر الإرهاب، وتمزيق جبهة القضية العربية الفلسطينية، وبالتالي تفكك المنظومة العقائدية والفكرية والسياسية والإعتبارية لهذه التيارات، ونزع ((القداسة)) عنها.. ما دفع بعض ممثلي هذه التيارات إلى القطع مع هذا التراث الغارق بالتكفير والدم والإرهاب والتوحش والطائفية، والبحث عن خيارات ومرجعيات مدنية جديدة، في مواجهة هذا الفشل، لإستئناف دورها في مجال الحركة السياسية العربية المعاصرة.. وفي هذا الإطار أيضا يندرج إعلان السيد عمار الحكيم، الذي تضمّن نقدا ذاتيا مبطنا وإعترافا صريحا بفشل هذه التيارات.
لكن السؤال الأساسي في مواجهة هذا الحدث، هل يقوى السيد عمار الحكيم على إستكمال الشوط إلى مداه المطلوب، في تجاوز الطائفية، وقواعد وحلقات لعبتها السياسية المثقلة بالصراعات والخلافات الصفرية، والمطامع والمصالح والتدخلات الإقليمية والدولية ؟. هذا ما ستجيب عليه معطيات ومفاجآت القادم من الأيام.
3
زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات

إلى جانب مفاجأة السيد عمار الحكيم، كانت هناك مفاجأة أخرى للسيد مقتدى الصدر بزيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا تقلّ أهمية ودلالة عن المفاجأة الأولى، إذا لم تكن أقوى في وقعها وصداها، خصوصا ما تعلق بالتوقيت.. وقد حُمّلت هذه الزيارة بأكثر مما تحتمل في مسارها وأهدافها.. فمن متابعة كثافة المقالات والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي التي تناولت الزيارة، برز رأيان حدّيان على طرفي نقيض: الأول رأى في الزيارة خيانة للطائفة وإيران والعراق، وراح يكيل التهم والتوقعات والإحتمالات جزافا. والثاني رأى في الزيارة فتحا عروبيا بإتجاه ترسيخ عروبة العراق وعودة العراق إلى محيطه العربي والقطيعة مع إيران، وراح يتغنّى برفع سقف توقعاته وإحتمالاته خيالا. وكلا الرأيين بعيدان عن مسار وأهداف الزيارة، وينطلقان من أحكام مسبقة ومنحى رغبات.. فالتيار الصدري حاله حال التيارات الدينية الأخرى ذات الصفة المذهبية أو الطائفية ((الشيعية))، محسوبة، بهذا التوصيف والمعيار أو ذاك، على إيران بصفتها المذهبية أو الطائفية. وفي ضوء تصاعد وتيرة التوتر بين الدول العربية، خصوصا السعودية والإمارات، وإيران، وإنعكاساته السلبية المؤكّدة على هذه التيارات، والتيار الصدري منها، والعراق بشكل عام. سارع السيد مقتدى الصدر بالدخول على خط التهدئة بين الأطراف، وبالتالي محاولة إستباق وتلافي هذه الإنعكاسات السلبية، عبر زيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولم يكن هذا الدخول من باب التوجيه أو الوساطة، لكنّ تصاعد التوتر والأزمة إلى مستويات قد تنذر بالإنزلاق إلى الصدام المباشر، سيضع التيار الصدري والتيارات الدينية الأخرى المماثلة له في موقف حرَجٍ سياسي لا تُحسد عليه، ويُعرّضها لخيارات حاسمة تصعب فيها مواقف التوفيق والموازنة والوسطية. الخيار القومي والوطني أم الخيار الطائفي والمذهبي؟
في إطار هذا المسار والأهداف جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر إلى الرياض وأبو ظبي ودخوله على خط التهدئة بين السعودية والإمارات، وإيران، إنطلاقا من رؤية واقعية وإستباقية. ولم تكن خيانة أو فتحا عروبيا.. فالتيار الصدري غير قادر وغير راغب على فك الإرتباط بإيران، بحكم البنية الدينية الصلبة للتراتبية والمرجعية المذهبية. وعروبة العراق جزء لا يتجزأ من النسيج العقلي والإجتماعي والكياني للعراق، وبالتالي هي أكبر من دور أيّ شخص أو تيار، وأقوى من أيّ مشروع يُحاول عبثاً تفكيكها أو إلغائها.. لكن تبقى للزيارة أهمية خاصة في ضرورة إنفتاح كلّ الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية في العراق على وطنها القومي العربي الكبير، وضرورة إنفتاح الوطن العربي الكبير على جميع الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية العراقية، وعلى مسافة واحدة من الجميع.. فقد أكّدت أحداث الإحتلال والإرهاب، أنّ مصادر ومخاطر التهديد واحدة، ومصادر القوة والتوحيد في مواجهتها واحدة، وبالتالي فإنّ المصير العربي واحد لإمة، باتت وحدتها وتحت أيّ شكل دستوري، ضرورة وجود وحياة وتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.