هبوط حاد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 21-8-2025 عالميًا.. واستقرار بقية العملات الأجنبية    قوات الاحتلال تتعنت في إدخال المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة    تحرك الدفعة ال 20 من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى معبر كرم أبو سالم    نجم الزمالك السابق يتوقع طريقة لعب الأبيض أمام مودرن سبورت الليلة    اشتباه إصابة محمود نبيل بتمزق في العضلة الخلفية.. وبسام وليد يواصل التأهيل لعلاج التهاب أوتار الساق اليمنى    حاولوا منعه، فانس يكشف رد فعل القادة الأوروبيين على اتصال ترامب ببوتين في اجتماع واشنطن    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    فصل رأس عن جسده.. تنفيذ حكم الإعدام بحق "سفاح الإسماعيلية" في قضية قتل صديقه    وداعا القاضى الأمريكى الرحيم فرانك كابريو فى كاريكاتير اليوم السابع    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    رجل الدولة ورجل السياسة    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    كشف المجتمع    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى قبل بداية تعاملات الخميس 21 أغسطس 2025    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    درجة الحرارة تصل 43.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    «عنده 28 سنة ومش قادر يجري».. أحمد بلال يفتح النار على رمضان صبحي    سعر التفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    «لجنة الأمومة الآمنة بالمنوفية» تناقش أسباب وفيات الأمهات| صور    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    السفير الفلسطيني بالقاهرة: مصر وقفت سدًا منيعًا أمام مخطط التهجير    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    علاء عز: معارض «أهلا مدارس» الأقوى هذا العام بمشاركة 2500 عارض وخصومات حتى %50    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    بالصور.. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا الشربيني بفستان قصير    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    أخبار× 24 ساعة.. مياه الجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمنطقة كفر طهرمس    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    عودة المياه تدريجيا إلى كفر طهرمس بالجيزة بعد إصلاح خط الطرد الرئيسي    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الأوضاع في العراق


1
العراق بعد داعش.. إلى أين؟
كثُرة الأحاديث والمقالات والتكهنات والمشاهد والتصورات والشكوك والمخاوف، عن مآلات الوضع في العراق بعد داعش.. ووسط هذا الحشد من المقاربات بدت الصورة، غامضة وضبابية ومحمّلة أكثر مما يجب بالتوقعات والإحتمالات.. لذلك فإنّ تقديم مقاربات واقعية تنطلق من معطيات وحقائق الموقف، ذات أهمية خاصة، لتقريب الصورة وإضاءة التفاصيل والألوان.. وفي هذا الإطار تندرج هذه المقاربة التي نحاول فيها تقديم رؤية لمسار الحدث.
بداية لابدّ من التأكيد على أنّه من الصعب إعطاء رأي حاسم وقاطع في مسألة ما ستؤول إليه الأوضاع في العراق بعد تحرير أراضيه كاملة من إحتلال داعش الإرهابي، وذلك لأسباب كثيرة، من بينها: أنّ اللاعبين والفاعلين كُثر في الساحة العراقية، المفتوحة لكلّ الإحتمالات، والمكشوفة لكلّ المطامع والتدخلات الإقليمية والدولية.. ومازالت مجاميع من داعش الإرهابية تحتلّ مساحات ليست قليلة من الأراضي العربية في العراق وسورية. ففي العراق مازالت هذه المجاميع الإرهابية تحتلّ بعض المناطق في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى والأنبار وحزام بغداد، إمّا مباشرة أو عبر خلاياها الإرهابية النائمة أو المتنقلة. في تلعفر (التي تجري فيها معارك التحرير حاليا) والحويجة والقائم وراوة وبعض المناطق المحصورة في سلسلة جبال حمرين والجزيرة الصحراوية المفتوحة بإتجاه الحدود السورية والأردنية.. وهناك أيضا المطامع والتدخلات التركية والإيرانية، التي وصلت إلى حدّ إحتلال بعض الأراضي العراقية، كما هو حال الإحتلال المباشر للقوات التركية والميليشيات المحلية التابعة لها مناطق في بعشيقة شمال العراق، والإختراق الإيراني للمناطق التي كانت محتلة من داعش الإرهابي تحت غطاء المستشارين والمدربين وبعض الميليشيات التابعة لها.. وكذلك تصعيد بعض الأحزاب الكردية لسقف المطالب بإتجاه الإنفصال ومحاولة قضم مناطق واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى، إلى جانب كركوك كاملة.. يُضاف إلى ذلك الصراعات والخلافات التي تضرب الكتل السياسية والبرلمانية، داخل الكتلة الواحدة وفيما بينها، حول الكثير من المسائل ومن بينها، آليات الإنتخابات وإدارة المناطق المحرّرة. وسيادة الإستقطاب والمنحى الطائفي ومصالحها الخاصة على سلوكها لإدارة الدولة والمجتمع والعلاقات العربية والإقليمية والدولية، في ظلّ غياب الرؤية الوطنية الجامعة لبناء الدولة وتحديد الهوية والثوابت والمحددات والمصالح ومصادر التهديد والمخاطر.. وأخيرا وليس آخرا الرؤية الأمريكية التي تقود تحالف هشاً ضد الإرهاب، والتي تنطلق من المصالح الأمريكية والغربية الخاصة، وتصورها لما يمكن أن تكون عليه المنطقة وفق الترتيبات والإستراتيجيات المعدّة للمنطقة عامة، والوطن العربي بشكل خاص، التي غلب عليها النمط القديم/ الجديد في التعامل مع الوطن العربي عبر تقسيمه سياسيا وإجتماعيا وجغرافيا إلى طوائف وأعراق وأثنيات وأقليات وملل ونحل. وكذلك أسئلة الإستفهام الكثيرة التي أُثيرت حول مدى جدية ومصداقية أمريكا في محاربة الإرهاب. فقد صرّح الرئيس الأمريكي ترامب أكثر من مرّة صراحة حول دور الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته في دورته الأولى كلينتون في تشكيل داعش الإرهابي ودعمه بإتجاه إحتلال الأراضي العربية في سورية والعراق، وما سبقه من دعم لجماعات إرهابية أخرى. ولم يعد سراً أنّ الطائرات الأمريكية، وقبل أن يبدأ الهجوم لتحرير المناطق المحتلة من الإرهابيين، تقوم بنقل القيادات الإرهابية الرئيسية لداعش الإرهابي إلى مناطق أخرى داخل العراق أو سورية أو إلى تركيا وقطر وغيرهما من المناطق المنتخبة الداعمة للإرهاب أو المستضيفة له.

في ظلّ هذه المعطيات والأسباب، وما أفرزته من تشابك وتعقيد وضرورات، فإن صورة المشهد القادم ما بعد داعش تبدو آيلة إلى منحى من التصادم والعلاقات الصراعية المحلية والإقليمية والدولية .. لذلك فإن إدارة الصراع داخل العراق ومن حوله ، ما بعد داعش الإرهابي، وحتى يمكن تلافي هذا المنحى الخطير وثمنه الفادح، فإنّ الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والعقلانية والإرادة المستقلة والحسم في الرؤية والقرارات، بإتجاه مشروع وطني جامع لكلّ العراقيين يحافظ على هوية العراق ووحدته الوطنية أرضا وشعبا وسيادة، ويؤسس لنظام ديمقراطي سليم يقوم على دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، ومبدأ المواطنة، وتجريم الطائفية والعنصرية، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وإقامة علاقات عربية متينة وعلاقات إقليمية ودولية متوازنة.. يبدأ هذا المشروع الجامع بجملة من إجراءات بناء الثقة عبر إعادة النازحين إلى مناطقهم المحررة وتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار، وإصدار عفو عام لمن أكرهوا على مجاراة داعش الإرهابي ولم تتلطخ أيديهم بدماء المواطنين والمال العام، وتحرير البيئة الشعبية من إفرازات داعش الإرهابية والطائفية والتكفيرية بموازاة تحرير وأعمار المناطق المحررة، وتأمين إستقلالية القضاء ودوره الوحيد في توجيه التهم والتحقيق والمحاكمة والعقاب. وإعادة النظر الجذرية بالدستور بما يتجاوز عيوبه وتناقضاته وبنيته ومخاطره التقسيمية.
2
السيد عمّار الحكيم.. وتيار الحكمة الوطني

فاجأ السيد عمار الحكيم الكثيرين داخل العراق وخارجه، بإعلان إنسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي، وتشكيل "تيار الحكمة الوطني". ذلك المجلس الذي ساهمت عائلة الحكيم، برمزيتها الدينية، ممثلة في عمه (السيد محمد باقر الحكيم) ووالده (السيد عبد العزيز الحكيم)، بدور رئيسي في تشكيل وقيادة هذا المجلس، منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينات القرن الماضي وحتى عام 2017. لذلك شكّل الإعلان مفاجأة أمام ما يقارب أربعة عقود من الدور والقيادة.. ومثل أيّ حدث بهذه الأهمية والدلالة فقد تناولته الكثير من الأقلام والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي، كلّ حسب رؤيته ودوافعه ومعطياته.. وسنحاول هنا المساهمة في تقديم رؤية لأسباب ودلالات إعلان السيد عمار الحكيم عن تأسيس " تيار الحكمة الوطني"، التي لا يمكن تقييمها إلاّ في ضوء رؤية شاملة للماضي والحضر والمستقبل.. وفي هذا الإطار فإنّ هناك أسباب ودوافع محدّدة قادت إلى موقف السيد الحكيم، ويمكن إجمال هذه الأسباب، بما يلي:
أولا- بعد أكثر من أربعة عشر سنة من التجربة السياسية في ظلّ الإحتلال الأمريكي وما بعد إنسحابه، وإفرازاته الطائفية والتقسيمية وتمزيق النسيج الوطني والمجتمعي، وفشل العملية السياسية، والصراعات السياسية العمودية والأفقية حول إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، وإحتلال داعش الإرهابي لمناطق واسعة من العراق، وما خلّفه من مآس وويلات ومخاطر مادية وبشرية وسياسية ومعنوية، مضافا إليها المعطيات والمتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.. هذا المدى الزمني من التجربة السياسية، بكلّ آلامها النازفة وآمالها المُجهضة، ولّدت إختلافات جذرية في الرؤى والقناعات في المجلس الأعلى، بين جيل الشباب الذي عاش أغلبه داخل العراق، وجيل القيادات المؤسسة التي عاشت جميعها خارج العراق خصوصا في إيران.. فقد تولّدت لدى جيل الشباب رؤية جديدة بخصوص إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، خصوصا العربية منها، وبالتأكيد هذا الجيل من الشباب لا يريد القطيعة مع إيران، لكنه في نفس الوقت لا يقبل التبعية لها، فالعراق دولة عربية وإيران دولة فارسية، ويجمعهما الجوار الجغرافي، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة بينهما ندّية قائمة على المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمواثيق والمعاهدات الدولية، إلى جانب ضرورات العقيدة الإسلامية الواحدة.. أمّا القيادات المؤسسة فترى أنّه ليس من السهل تجاوز دورها التاريخي في التأسيس والقيادة والعمل المعارض، وترى أنّ لإيران الفضل الأكبر في إستضافتها وإيوائها ودعمها والوصول بها إلى السلطة في العراق، وبالتالي لا بدّ أن تكون العلاقة معها متميّزة إذا لم تكن تبعية، تحتّمها الضرورات المذهبية.. ومع إنسحاب السيد الحكيم من المجلس فقد إنحازت الغالبية الساحقة من الشباب إلى تياره الجديد.
ثانيا- منذ تأسيس المجلس الأعلى ومع تطورات الموقف والمعطيات والعلاقات الداخلية والخارجية، بدأت بوادر خلاف بين الخط الفقهي الذي تمثّله عائلة الحكيم والقيادات الدينية الأخرى، وبين الخط السياسي الذي تمثّله القيادات المدنية، وممثلها البارز الدكتور عادل عبد المهدي، ذو الخلفية القومية والماركسية بحسب المراحل التي تطور بها فكريا. الخط الفقهي ينتمي إلى التعليم الديني التقليدي، الذي يصعب إفلاته من أحكامه النمطية ((المقدّسة)) المسبقة، عند ممارسته للسياسية وإدارة الحكم اللتين يغلب عليهما طابع الجمود والإقصاء والتقوقع على الذات، الفرد والجماعة.. بينما القيادات المدنية تنتمي إلى التعليم المدني الحديث حتى وإن تلقّت تعليما دينيا كجزء من أيديولوجية التنظيم الديني الذي تنتمي إليه، وبالتالي يغلب على ممارستها للسياسة وإدارة الحكم الرؤية الواقعية والقدرة على التجديد والتواصل مع الآخر.. وقد تجاوز السيد الحكيم بإنسحابه الخطين معا، وما تبقى من المجلس تجري فيه محاولة التعايش بين الخطين ولو إلى حين. ويأتي إنتخاب الشيخ همام حمودي(النائب الأول لمجلس النواب) رئيسا للمجلس الأعلى خطوة توفيقية بين الخطين بإعتباره يجمع بين التعليمين الديني والمدني، وهو شخصية توافقية وتصالحية إلى حدّ كبير.
ثالثا- الإعتراض على التوريث في المجلس الأعلى، في إطار عائلة الحكيم ورمزيتها الدينية المذهبية. فمن السيد محمد باقر الحكيم وإلى السيد عبد العزيز الحكيم(الأخ) ومن ثم إلى السيد عمّار عبد العزيز الحكيم(الإبن).. الأمر الذي برز مع وفاة السيد عبد العزيز الحكيم وإنتخاب السيد عمار الحكيم خلفا له في رئاسة المجلس. حيث رأى البعض داخل المجلس ضرورة إحداث قطيعة كاملة مع هذا التوريث، الذي تجاوز دور التجربة العمرية الطويلة للقيادات المؤسسة وأسندها لتجربة عمرية وسياسية قصيرة إذا ما قورنت بتجربتها وأحقيتها. وهو ما حقّقه السيد عمار الحكيم بانسحابه كاملا من المجلس الأعلى، ما يتيح الفرصة لقطع التوريث، وطرح مظلات وشخصيات جديدة بعيدا عن الرمزيات الدينية والشخصية.
رابعا- كثراً ما أُتهُم المجلس الأعلى بالطائفية والإرتباط بإيران وولايتها الفقهية، وهي تهمة جاهزة في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، الموجهة في جلّها إلى الغرائز لا إلى العقل. لذلك تبلورت قناعة جديدة لدى السيد عمّار الحكيم وجيل الشباب بضرورة فك الإرتباط جذريا بإيران وبناء علاقات داخلية تتجاوز المعايير والتوصيفات الطائفية، ما يضع حدّا لهذه التهمة وينفيها بالعمل والخيارات الجديدة.
خامسا- ومن دلالات هذا الإعلان الرئيسية، هي فشل التيارات الإسلامية السياسية بشقيها، ما سمي (( بالسنيّة والشيعية)) في إدارة الدول والعملية السياسية والعلاقات في الداخل ومع الخارج، خصوصا في العراق ومصر، والإستقواء بالتدخل الخارجي وإستجلاب الإحتلال الأجنبي، ومشاركتها المباشرة مع العدوان الخارجي في تدمير ليبيا وسورية واليمن، وتهديد باقي الدول العربية بمخاطر الإرهاب، وتمزيق جبهة القضية العربية الفلسطينية، وبالتالي تفكك المنظومة العقائدية والفكرية والسياسية والإعتبارية لهذه التيارات، ونزع ((القداسة)) عنها.. ما دفع بعض ممثلي هذه التيارات إلى القطع مع هذا التراث الغارق بالتكفير والدم والإرهاب والتوحش والطائفية، والبحث عن خيارات ومرجعيات مدنية جديدة، في مواجهة هذا الفشل، لإستئناف دورها في مجال الحركة السياسية العربية المعاصرة.. وفي هذا الإطار أيضا يندرج إعلان السيد عمار الحكيم، الذي تضمّن نقدا ذاتيا مبطنا وإعترافا صريحا بفشل هذه التيارات.
لكن السؤال الأساسي في مواجهة هذا الحدث، هل يقوى السيد عمار الحكيم على إستكمال الشوط إلى مداه المطلوب، في تجاوز الطائفية، وقواعد وحلقات لعبتها السياسية المثقلة بالصراعات والخلافات الصفرية، والمطامع والمصالح والتدخلات الإقليمية والدولية ؟. هذا ما ستجيب عليه معطيات ومفاجآت القادم من الأيام.
3
زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات

إلى جانب مفاجأة السيد عمار الحكيم، كانت هناك مفاجأة أخرى للسيد مقتدى الصدر بزيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا تقلّ أهمية ودلالة عن المفاجأة الأولى، إذا لم تكن أقوى في وقعها وصداها، خصوصا ما تعلق بالتوقيت.. وقد حُمّلت هذه الزيارة بأكثر مما تحتمل في مسارها وأهدافها.. فمن متابعة كثافة المقالات والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي التي تناولت الزيارة، برز رأيان حدّيان على طرفي نقيض: الأول رأى في الزيارة خيانة للطائفة وإيران والعراق، وراح يكيل التهم والتوقعات والإحتمالات جزافا. والثاني رأى في الزيارة فتحا عروبيا بإتجاه ترسيخ عروبة العراق وعودة العراق إلى محيطه العربي والقطيعة مع إيران، وراح يتغنّى برفع سقف توقعاته وإحتمالاته خيالا. وكلا الرأيين بعيدان عن مسار وأهداف الزيارة، وينطلقان من أحكام مسبقة ومنحى رغبات.. فالتيار الصدري حاله حال التيارات الدينية الأخرى ذات الصفة المذهبية أو الطائفية ((الشيعية))، محسوبة، بهذا التوصيف والمعيار أو ذاك، على إيران بصفتها المذهبية أو الطائفية. وفي ضوء تصاعد وتيرة التوتر بين الدول العربية، خصوصا السعودية والإمارات، وإيران، وإنعكاساته السلبية المؤكّدة على هذه التيارات، والتيار الصدري منها، والعراق بشكل عام. سارع السيد مقتدى الصدر بالدخول على خط التهدئة بين الأطراف، وبالتالي محاولة إستباق وتلافي هذه الإنعكاسات السلبية، عبر زيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولم يكن هذا الدخول من باب التوجيه أو الوساطة، لكنّ تصاعد التوتر والأزمة إلى مستويات قد تنذر بالإنزلاق إلى الصدام المباشر، سيضع التيار الصدري والتيارات الدينية الأخرى المماثلة له في موقف حرَجٍ سياسي لا تُحسد عليه، ويُعرّضها لخيارات حاسمة تصعب فيها مواقف التوفيق والموازنة والوسطية. الخيار القومي والوطني أم الخيار الطائفي والمذهبي؟
في إطار هذا المسار والأهداف جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر إلى الرياض وأبو ظبي ودخوله على خط التهدئة بين السعودية والإمارات، وإيران، إنطلاقا من رؤية واقعية وإستباقية. ولم تكن خيانة أو فتحا عروبيا.. فالتيار الصدري غير قادر وغير راغب على فك الإرتباط بإيران، بحكم البنية الدينية الصلبة للتراتبية والمرجعية المذهبية. وعروبة العراق جزء لا يتجزأ من النسيج العقلي والإجتماعي والكياني للعراق، وبالتالي هي أكبر من دور أيّ شخص أو تيار، وأقوى من أيّ مشروع يُحاول عبثاً تفكيكها أو إلغائها.. لكن تبقى للزيارة أهمية خاصة في ضرورة إنفتاح كلّ الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية في العراق على وطنها القومي العربي الكبير، وضرورة إنفتاح الوطن العربي الكبير على جميع الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية العراقية، وعلى مسافة واحدة من الجميع.. فقد أكّدت أحداث الإحتلال والإرهاب، أنّ مصادر ومخاطر التهديد واحدة، ومصادر القوة والتوحيد في مواجهتها واحدة، وبالتالي فإنّ المصير العربي واحد لإمة، باتت وحدتها وتحت أيّ شكل دستوري، ضرورة وجود وحياة وتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.