بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    عاجل - مجانِّي آخر موعد للمصريين للتقديم لفرص عمل مغرية بالإمارات    إنجاز صيني في الفضاء، هبوط مسبار على الجانب البعيد للقمر بعد شهر على إطلاقه (فيديو)    لحظة منع مراسلة القاهرة الإخبارية من التصوير في تل أبيب، شاهد رد فعلها    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    جريحان جراء غارات إسرائيلية عنيفة على عدة بلدات لبنانية    الاحتلال الإسرائيلى يشن غارة جوية على مدينة بنت جبل جنوب لبنان    وسام أبو علي يتحدث عن.. عرض أوتريخت.. التعلم من موديست.. وغضب كولر    عمرو أديب يعلق صورة محمد صلاح مع حسام حسن (فيديو)    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    السولية: وقفتنا بعد مباراة صنداونز غيرت كل شيء.. ونهائي القرن هو الأصعب مع الأهلي    برقم الجلوس.. الحصول على نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة الدقهلية 2024    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    تطورات جديدة بشأن أزمة فك قيد نادي الزمالك    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    "الأهلي يظهر".. كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا؟    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    غرق طفل داخل حمام سباحة في الغربية    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    وزير التموين: صندوق النقد الدولي لم يطلب من مصر خفض الدعم    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الأوضاع في العراق


1
العراق بعد داعش.. إلى أين؟
كثُرة الأحاديث والمقالات والتكهنات والمشاهد والتصورات والشكوك والمخاوف، عن مآلات الوضع في العراق بعد داعش.. ووسط هذا الحشد من المقاربات بدت الصورة، غامضة وضبابية ومحمّلة أكثر مما يجب بالتوقعات والإحتمالات.. لذلك فإنّ تقديم مقاربات واقعية تنطلق من معطيات وحقائق الموقف، ذات أهمية خاصة، لتقريب الصورة وإضاءة التفاصيل والألوان.. وفي هذا الإطار تندرج هذه المقاربة التي نحاول فيها تقديم رؤية لمسار الحدث.
بداية لابدّ من التأكيد على أنّه من الصعب إعطاء رأي حاسم وقاطع في مسألة ما ستؤول إليه الأوضاع في العراق بعد تحرير أراضيه كاملة من إحتلال داعش الإرهابي، وذلك لأسباب كثيرة، من بينها: أنّ اللاعبين والفاعلين كُثر في الساحة العراقية، المفتوحة لكلّ الإحتمالات، والمكشوفة لكلّ المطامع والتدخلات الإقليمية والدولية.. ومازالت مجاميع من داعش الإرهابية تحتلّ مساحات ليست قليلة من الأراضي العربية في العراق وسورية. ففي العراق مازالت هذه المجاميع الإرهابية تحتلّ بعض المناطق في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى والأنبار وحزام بغداد، إمّا مباشرة أو عبر خلاياها الإرهابية النائمة أو المتنقلة. في تلعفر (التي تجري فيها معارك التحرير حاليا) والحويجة والقائم وراوة وبعض المناطق المحصورة في سلسلة جبال حمرين والجزيرة الصحراوية المفتوحة بإتجاه الحدود السورية والأردنية.. وهناك أيضا المطامع والتدخلات التركية والإيرانية، التي وصلت إلى حدّ إحتلال بعض الأراضي العراقية، كما هو حال الإحتلال المباشر للقوات التركية والميليشيات المحلية التابعة لها مناطق في بعشيقة شمال العراق، والإختراق الإيراني للمناطق التي كانت محتلة من داعش الإرهابي تحت غطاء المستشارين والمدربين وبعض الميليشيات التابعة لها.. وكذلك تصعيد بعض الأحزاب الكردية لسقف المطالب بإتجاه الإنفصال ومحاولة قضم مناطق واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى، إلى جانب كركوك كاملة.. يُضاف إلى ذلك الصراعات والخلافات التي تضرب الكتل السياسية والبرلمانية، داخل الكتلة الواحدة وفيما بينها، حول الكثير من المسائل ومن بينها، آليات الإنتخابات وإدارة المناطق المحرّرة. وسيادة الإستقطاب والمنحى الطائفي ومصالحها الخاصة على سلوكها لإدارة الدولة والمجتمع والعلاقات العربية والإقليمية والدولية، في ظلّ غياب الرؤية الوطنية الجامعة لبناء الدولة وتحديد الهوية والثوابت والمحددات والمصالح ومصادر التهديد والمخاطر.. وأخيرا وليس آخرا الرؤية الأمريكية التي تقود تحالف هشاً ضد الإرهاب، والتي تنطلق من المصالح الأمريكية والغربية الخاصة، وتصورها لما يمكن أن تكون عليه المنطقة وفق الترتيبات والإستراتيجيات المعدّة للمنطقة عامة، والوطن العربي بشكل خاص، التي غلب عليها النمط القديم/ الجديد في التعامل مع الوطن العربي عبر تقسيمه سياسيا وإجتماعيا وجغرافيا إلى طوائف وأعراق وأثنيات وأقليات وملل ونحل. وكذلك أسئلة الإستفهام الكثيرة التي أُثيرت حول مدى جدية ومصداقية أمريكا في محاربة الإرهاب. فقد صرّح الرئيس الأمريكي ترامب أكثر من مرّة صراحة حول دور الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته في دورته الأولى كلينتون في تشكيل داعش الإرهابي ودعمه بإتجاه إحتلال الأراضي العربية في سورية والعراق، وما سبقه من دعم لجماعات إرهابية أخرى. ولم يعد سراً أنّ الطائرات الأمريكية، وقبل أن يبدأ الهجوم لتحرير المناطق المحتلة من الإرهابيين، تقوم بنقل القيادات الإرهابية الرئيسية لداعش الإرهابي إلى مناطق أخرى داخل العراق أو سورية أو إلى تركيا وقطر وغيرهما من المناطق المنتخبة الداعمة للإرهاب أو المستضيفة له.

في ظلّ هذه المعطيات والأسباب، وما أفرزته من تشابك وتعقيد وضرورات، فإن صورة المشهد القادم ما بعد داعش تبدو آيلة إلى منحى من التصادم والعلاقات الصراعية المحلية والإقليمية والدولية .. لذلك فإن إدارة الصراع داخل العراق ومن حوله ، ما بعد داعش الإرهابي، وحتى يمكن تلافي هذا المنحى الخطير وثمنه الفادح، فإنّ الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والعقلانية والإرادة المستقلة والحسم في الرؤية والقرارات، بإتجاه مشروع وطني جامع لكلّ العراقيين يحافظ على هوية العراق ووحدته الوطنية أرضا وشعبا وسيادة، ويؤسس لنظام ديمقراطي سليم يقوم على دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، ومبدأ المواطنة، وتجريم الطائفية والعنصرية، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وإقامة علاقات عربية متينة وعلاقات إقليمية ودولية متوازنة.. يبدأ هذا المشروع الجامع بجملة من إجراءات بناء الثقة عبر إعادة النازحين إلى مناطقهم المحررة وتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار، وإصدار عفو عام لمن أكرهوا على مجاراة داعش الإرهابي ولم تتلطخ أيديهم بدماء المواطنين والمال العام، وتحرير البيئة الشعبية من إفرازات داعش الإرهابية والطائفية والتكفيرية بموازاة تحرير وأعمار المناطق المحررة، وتأمين إستقلالية القضاء ودوره الوحيد في توجيه التهم والتحقيق والمحاكمة والعقاب. وإعادة النظر الجذرية بالدستور بما يتجاوز عيوبه وتناقضاته وبنيته ومخاطره التقسيمية.
2
السيد عمّار الحكيم.. وتيار الحكمة الوطني

فاجأ السيد عمار الحكيم الكثيرين داخل العراق وخارجه، بإعلان إنسحابه من المجلس الأعلى الإسلامي، وتشكيل "تيار الحكمة الوطني". ذلك المجلس الذي ساهمت عائلة الحكيم، برمزيتها الدينية، ممثلة في عمه (السيد محمد باقر الحكيم) ووالده (السيد عبد العزيز الحكيم)، بدور رئيسي في تشكيل وقيادة هذا المجلس، منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينات القرن الماضي وحتى عام 2017. لذلك شكّل الإعلان مفاجأة أمام ما يقارب أربعة عقود من الدور والقيادة.. ومثل أيّ حدث بهذه الأهمية والدلالة فقد تناولته الكثير من الأقلام والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي، كلّ حسب رؤيته ودوافعه ومعطياته.. وسنحاول هنا المساهمة في تقديم رؤية لأسباب ودلالات إعلان السيد عمار الحكيم عن تأسيس " تيار الحكمة الوطني"، التي لا يمكن تقييمها إلاّ في ضوء رؤية شاملة للماضي والحضر والمستقبل.. وفي هذا الإطار فإنّ هناك أسباب ودوافع محدّدة قادت إلى موقف السيد الحكيم، ويمكن إجمال هذه الأسباب، بما يلي:
أولا- بعد أكثر من أربعة عشر سنة من التجربة السياسية في ظلّ الإحتلال الأمريكي وما بعد إنسحابه، وإفرازاته الطائفية والتقسيمية وتمزيق النسيج الوطني والمجتمعي، وفشل العملية السياسية، والصراعات السياسية العمودية والأفقية حول إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، وإحتلال داعش الإرهابي لمناطق واسعة من العراق، وما خلّفه من مآس وويلات ومخاطر مادية وبشرية وسياسية ومعنوية، مضافا إليها المعطيات والمتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.. هذا المدى الزمني من التجربة السياسية، بكلّ آلامها النازفة وآمالها المُجهضة، ولّدت إختلافات جذرية في الرؤى والقناعات في المجلس الأعلى، بين جيل الشباب الذي عاش أغلبه داخل العراق، وجيل القيادات المؤسسة التي عاشت جميعها خارج العراق خصوصا في إيران.. فقد تولّدت لدى جيل الشباب رؤية جديدة بخصوص إدارة الدولة وعلاقاتها الخارجية، خصوصا العربية منها، وبالتأكيد هذا الجيل من الشباب لا يريد القطيعة مع إيران، لكنه في نفس الوقت لا يقبل التبعية لها، فالعراق دولة عربية وإيران دولة فارسية، ويجمعهما الجوار الجغرافي، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة بينهما ندّية قائمة على المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمواثيق والمعاهدات الدولية، إلى جانب ضرورات العقيدة الإسلامية الواحدة.. أمّا القيادات المؤسسة فترى أنّه ليس من السهل تجاوز دورها التاريخي في التأسيس والقيادة والعمل المعارض، وترى أنّ لإيران الفضل الأكبر في إستضافتها وإيوائها ودعمها والوصول بها إلى السلطة في العراق، وبالتالي لا بدّ أن تكون العلاقة معها متميّزة إذا لم تكن تبعية، تحتّمها الضرورات المذهبية.. ومع إنسحاب السيد الحكيم من المجلس فقد إنحازت الغالبية الساحقة من الشباب إلى تياره الجديد.
ثانيا- منذ تأسيس المجلس الأعلى ومع تطورات الموقف والمعطيات والعلاقات الداخلية والخارجية، بدأت بوادر خلاف بين الخط الفقهي الذي تمثّله عائلة الحكيم والقيادات الدينية الأخرى، وبين الخط السياسي الذي تمثّله القيادات المدنية، وممثلها البارز الدكتور عادل عبد المهدي، ذو الخلفية القومية والماركسية بحسب المراحل التي تطور بها فكريا. الخط الفقهي ينتمي إلى التعليم الديني التقليدي، الذي يصعب إفلاته من أحكامه النمطية ((المقدّسة)) المسبقة، عند ممارسته للسياسية وإدارة الحكم اللتين يغلب عليهما طابع الجمود والإقصاء والتقوقع على الذات، الفرد والجماعة.. بينما القيادات المدنية تنتمي إلى التعليم المدني الحديث حتى وإن تلقّت تعليما دينيا كجزء من أيديولوجية التنظيم الديني الذي تنتمي إليه، وبالتالي يغلب على ممارستها للسياسة وإدارة الحكم الرؤية الواقعية والقدرة على التجديد والتواصل مع الآخر.. وقد تجاوز السيد الحكيم بإنسحابه الخطين معا، وما تبقى من المجلس تجري فيه محاولة التعايش بين الخطين ولو إلى حين. ويأتي إنتخاب الشيخ همام حمودي(النائب الأول لمجلس النواب) رئيسا للمجلس الأعلى خطوة توفيقية بين الخطين بإعتباره يجمع بين التعليمين الديني والمدني، وهو شخصية توافقية وتصالحية إلى حدّ كبير.
ثالثا- الإعتراض على التوريث في المجلس الأعلى، في إطار عائلة الحكيم ورمزيتها الدينية المذهبية. فمن السيد محمد باقر الحكيم وإلى السيد عبد العزيز الحكيم(الأخ) ومن ثم إلى السيد عمّار عبد العزيز الحكيم(الإبن).. الأمر الذي برز مع وفاة السيد عبد العزيز الحكيم وإنتخاب السيد عمار الحكيم خلفا له في رئاسة المجلس. حيث رأى البعض داخل المجلس ضرورة إحداث قطيعة كاملة مع هذا التوريث، الذي تجاوز دور التجربة العمرية الطويلة للقيادات المؤسسة وأسندها لتجربة عمرية وسياسية قصيرة إذا ما قورنت بتجربتها وأحقيتها. وهو ما حقّقه السيد عمار الحكيم بانسحابه كاملا من المجلس الأعلى، ما يتيح الفرصة لقطع التوريث، وطرح مظلات وشخصيات جديدة بعيدا عن الرمزيات الدينية والشخصية.
رابعا- كثراً ما أُتهُم المجلس الأعلى بالطائفية والإرتباط بإيران وولايتها الفقهية، وهي تهمة جاهزة في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، الموجهة في جلّها إلى الغرائز لا إلى العقل. لذلك تبلورت قناعة جديدة لدى السيد عمّار الحكيم وجيل الشباب بضرورة فك الإرتباط جذريا بإيران وبناء علاقات داخلية تتجاوز المعايير والتوصيفات الطائفية، ما يضع حدّا لهذه التهمة وينفيها بالعمل والخيارات الجديدة.
خامسا- ومن دلالات هذا الإعلان الرئيسية، هي فشل التيارات الإسلامية السياسية بشقيها، ما سمي (( بالسنيّة والشيعية)) في إدارة الدول والعملية السياسية والعلاقات في الداخل ومع الخارج، خصوصا في العراق ومصر، والإستقواء بالتدخل الخارجي وإستجلاب الإحتلال الأجنبي، ومشاركتها المباشرة مع العدوان الخارجي في تدمير ليبيا وسورية واليمن، وتهديد باقي الدول العربية بمخاطر الإرهاب، وتمزيق جبهة القضية العربية الفلسطينية، وبالتالي تفكك المنظومة العقائدية والفكرية والسياسية والإعتبارية لهذه التيارات، ونزع ((القداسة)) عنها.. ما دفع بعض ممثلي هذه التيارات إلى القطع مع هذا التراث الغارق بالتكفير والدم والإرهاب والتوحش والطائفية، والبحث عن خيارات ومرجعيات مدنية جديدة، في مواجهة هذا الفشل، لإستئناف دورها في مجال الحركة السياسية العربية المعاصرة.. وفي هذا الإطار أيضا يندرج إعلان السيد عمار الحكيم، الذي تضمّن نقدا ذاتيا مبطنا وإعترافا صريحا بفشل هذه التيارات.
لكن السؤال الأساسي في مواجهة هذا الحدث، هل يقوى السيد عمار الحكيم على إستكمال الشوط إلى مداه المطلوب، في تجاوز الطائفية، وقواعد وحلقات لعبتها السياسية المثقلة بالصراعات والخلافات الصفرية، والمطامع والمصالح والتدخلات الإقليمية والدولية ؟. هذا ما ستجيب عليه معطيات ومفاجآت القادم من الأيام.
3
زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات

إلى جانب مفاجأة السيد عمار الحكيم، كانت هناك مفاجأة أخرى للسيد مقتدى الصدر بزيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا تقلّ أهمية ودلالة عن المفاجأة الأولى، إذا لم تكن أقوى في وقعها وصداها، خصوصا ما تعلق بالتوقيت.. وقد حُمّلت هذه الزيارة بأكثر مما تحتمل في مسارها وأهدافها.. فمن متابعة كثافة المقالات والفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي التي تناولت الزيارة، برز رأيان حدّيان على طرفي نقيض: الأول رأى في الزيارة خيانة للطائفة وإيران والعراق، وراح يكيل التهم والتوقعات والإحتمالات جزافا. والثاني رأى في الزيارة فتحا عروبيا بإتجاه ترسيخ عروبة العراق وعودة العراق إلى محيطه العربي والقطيعة مع إيران، وراح يتغنّى برفع سقف توقعاته وإحتمالاته خيالا. وكلا الرأيين بعيدان عن مسار وأهداف الزيارة، وينطلقان من أحكام مسبقة ومنحى رغبات.. فالتيار الصدري حاله حال التيارات الدينية الأخرى ذات الصفة المذهبية أو الطائفية ((الشيعية))، محسوبة، بهذا التوصيف والمعيار أو ذاك، على إيران بصفتها المذهبية أو الطائفية. وفي ضوء تصاعد وتيرة التوتر بين الدول العربية، خصوصا السعودية والإمارات، وإيران، وإنعكاساته السلبية المؤكّدة على هذه التيارات، والتيار الصدري منها، والعراق بشكل عام. سارع السيد مقتدى الصدر بالدخول على خط التهدئة بين الأطراف، وبالتالي محاولة إستباق وتلافي هذه الإنعكاسات السلبية، عبر زيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولم يكن هذا الدخول من باب التوجيه أو الوساطة، لكنّ تصاعد التوتر والأزمة إلى مستويات قد تنذر بالإنزلاق إلى الصدام المباشر، سيضع التيار الصدري والتيارات الدينية الأخرى المماثلة له في موقف حرَجٍ سياسي لا تُحسد عليه، ويُعرّضها لخيارات حاسمة تصعب فيها مواقف التوفيق والموازنة والوسطية. الخيار القومي والوطني أم الخيار الطائفي والمذهبي؟
في إطار هذا المسار والأهداف جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر إلى الرياض وأبو ظبي ودخوله على خط التهدئة بين السعودية والإمارات، وإيران، إنطلاقا من رؤية واقعية وإستباقية. ولم تكن خيانة أو فتحا عروبيا.. فالتيار الصدري غير قادر وغير راغب على فك الإرتباط بإيران، بحكم البنية الدينية الصلبة للتراتبية والمرجعية المذهبية. وعروبة العراق جزء لا يتجزأ من النسيج العقلي والإجتماعي والكياني للعراق، وبالتالي هي أكبر من دور أيّ شخص أو تيار، وأقوى من أيّ مشروع يُحاول عبثاً تفكيكها أو إلغائها.. لكن تبقى للزيارة أهمية خاصة في ضرورة إنفتاح كلّ الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية في العراق على وطنها القومي العربي الكبير، وضرورة إنفتاح الوطن العربي الكبير على جميع الشخصيات والتيارات والمؤسسات الرسمية والشعبية العراقية، وعلى مسافة واحدة من الجميع.. فقد أكّدت أحداث الإحتلال والإرهاب، أنّ مصادر ومخاطر التهديد واحدة، ومصادر القوة والتوحيد في مواجهتها واحدة، وبالتالي فإنّ المصير العربي واحد لإمة، باتت وحدتها وتحت أيّ شكل دستوري، ضرورة وجود وحياة وتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.