أنهى «مصطفى بك» تدريبى وتسبب فى طردى دون أن يقصد برده القاطع على سؤالى الذى اعتبروه اتهاما هو ليس بريئا منه بأنه أمريكانى.. وبإقراره أنه ديكتاتور وغير ديمقراطى، بل لابد أن يكون وغيره كذلك فى مجال العمل!! تركنى لتلاميذه من أولى الأمر.. وقد كانت تلك هى السنة السوداء التى قرر فيها السادات أن أوراق اللعبة فى يد «بسلامتها» أمريكا يا ويكا.. وكنا نشهد أيامها الانفتاح يا رجالة على مصراعيه وشربنا «البيبسى» والسفن، والذى منه وأكلنا الفراخ الفاسدة وارد توفيق عبد الحى وعوقب أحمد بهاء الدين على كلمته الانفتاح سداح مداح ومنع هو الآخر من الكتابة! فى تلك السنة اللعينة شد السادات أذن والدى، بسبب أبو غزالة الملحق العسكرى فى أمريكا الذى أبلغه أن رئيس شعبة المهندسين بالقوات الجوية اللواء محمد فهيم ريان يتسبب فى توتر العلاقات بين مصر وأمريكا بعد رفضه تحميل طائرات القوات الجوية بورق التواليت الأمريكانى للخبراء الأمريكان فى مصر!!، وقد علق والدى على ذلك ساخرا: ماله ورق التواليت المصرى.. «صنفرة»؟ مما اعتبره الأمريكان استهزاء بالذات العليا الأمريكية.. ولم يمنع السادات من الإطاحة بوالدى إلا نائبه محمد حسنى مبارك الذى دافع عنه.. موضحا مشوار بطولاته وزملائه المهندسين، واقترح عليه إعفاءه من الخدمة!! وتفويضه على مصر للطيران للنهوض بها وإبعاده عن الخبراء العسكريين الأمريكان ومن زعل أبو غزالة!! وهكذا انصبت اللعنة الأمريكية على رأسى وأبى.. فبقرار من موسى صبرى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم أعطى تعليماته بطردى من التدريب فى أخبار اليوم، متسائلا عن «الوساطة» التى أتت بى للتدريب من الأساس؟
وعندما لم يجدوا لى أحدا وأننى دخلت بترشيح من أحد معيدى كلية الإعلام النابغة «محمود علم الدين» للتدريب، مع نبيل أباظة رئيس قسم الأدب آنذاك، وعلى الرغم من أننى كنت قد قابلت نصف عمالقة مصر من الكتاب والفلاسفة وأجريت معهم حوارات وتحقيقات، فإن هذا لم يشفع لى صراحتى فى سؤال مصطفى أمين عن وطنه الثانى أمريكا!! لم يكن الشلوت الذى أخذته زميلتى التى تكبرنى بخمسة عشر عاما من مصطفى أمين، والذين أخذوا يتحاكون عنه هو آخر شلوت فى بلاط صاحبة الجلالة أخبار اليوم.. فقد أخذته معنويا عندما وجدت نفسى أطير من فوق سلالمها لأجلس القرفصاء على بلاطها أبكى وأبحث عن وساطة للتدريب.. وأنا التى كنت أظن أن الصحافة لا تحتاج إلى وساطة، قلتها لصديقى الكبير إبراهيم سعدة نائب رئيس تحرير أخبار اليوم آنذاك الذى حزن كثيرا، ولم يكن يملك لى شيئا إلا أن قال مواسياً إن الوساطة سأحتاجها فقط للعودة والدخول من البوابة، أما النجاح الصحفى فليست له وساطة.. فهل صدق؟
ما الوساطة التى يمكن أن تكون أقوى من مصطفى أمين صاحب الدار سابقا والأب الروحى للمسيطرين على أخبار اليوم .
جلست أربعة أشهر فى المنزل مضربة عن الحياة! ووالدى المهندس الضابط خالى الوفاض، يضرب كفا على كف ويقسم أنه ليست لديه معرفة بأى من أصحاب الكلمة.. إلا أحمد رجب الذى كان صديقا لخالى، وجاء شاهدا على زواجه من أمى! قطعت صوت فوازير نيللى الرمضانية سلسلة البحث عن وساطة، وهى تزقزق على رأى صلاح جاهين وتقول: مش إنتى الصحفية.. هئ ما صحفاش تقولها.. وأنا أسمع وأعيط.. وأبى يسب ويلعن اليوم الذى دخلت فيه كلية الإعلام والصحافة.
وأخيراً عثر والدى على كارت وساطة «رئاسية»!! ألوح بها، ولم أكن أعلم أن رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم موسى صبرى سطوته ونفوذه أقوى من كل رجال الرئاسة! لكنه تنازل وعمل اعتبارا لكارت التوصية وأجرى لى اختبارا صحفيا ثم تنازل وتعطف وأعطانى قصاصة من الورق تسمح لى بالمرور من بوابة الدار دون اعتراض الأمن! ، ولنا مع هذه الحدوتة كلام وكلام.
وفى أول يوم وعند البوابة وجدت مصطفى بيه يدخل فى موكبه، وقد اصطف طابور طويل من الشباب يسلمون عليه من الطلبة والشباب البسطاء الذين ينتظرون «ليلة القدر» باب شراء القصص الإنسانية ونشرها، وهو الباب الذى رفضت تماما العمل فيه لأننى كنت أشعر بأن مقابل المساعدة المالية ضرورة نشر القصة بالصور.. وهذه كانت أول بدعة نشر واستغلال الغلابة فى الصحافة والإعلام.
وبنظرة تعرف علىَّ!! وقال: إيه الشقاوة دى يا بنت!! إنتى محررة صغيرة عندنا!! كنت فين المدة دى كلها؟ وكانت المفاجأة أنه نسى أو لم يهتم بما قلته وتسبب فى طردى.. بل من الواضح أنه لم يكن يعلم أساسا بما حدث.. هل هو إنكار أو استنكار أو زهايمر، بعد كل ما حدث له ومعه من إساءات فى السجن كما يقول، أم أنها فقدان ذاكرة، للإساءة.. أنهى مصطفى أمين حيرتى واصطحبنى معه إلى مكتبه أمام اندهاش رجال الأمن والاستعلامات واندهاشى أنا شخصيا! جلست فى مكتبه أحاول احتواء اللحظة فى ذاكرتى.. إن الشباب وقود الصحافة منهم وبهم تصنع! لابد من الاستفادة بهم حتى من وطنيتهم! كدت أسأل مندهشة، إلا أننى فرملت لسانى.. ليحكى لى كيف استطاع الاستفادة زمان من وطنية الكثير منهم صحفيا!! فقال: عندك مصطفى شردى كان صحفيا شابا بورسعيديا مثله مثل كل شباب بورسعيد الوطنى إلا أنه كان ممن بقوا فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى فى 1956، بدلا من السلاح قرر شردى رفع سلاح الكاميرا ليسجل بشاعة العدوان ثم حافظ على أفلام الصور وتسلل فى الظلام بملابس صيد ليغوص فى بحيرة المنزلة.. حتى وصل لدار أخبار اليوم فى الفجر ليسلم أفلام الصور لى، وكانت كنزا صحفيا قمت باستغلاله على المستوى الدولى! قلت فى سرى.. تانى! لكنه لحقنى بقوله: إنه كان بأمر قيادة مجلس الثورة، حيث قام بتوزيعها على كبرى صحف العالم لتنشر على صدر صفحاتها الأولى وتفضح العدوان الثلاثى!! وما فعلته لصالح الثورة كررته معهم فى علاقاتى الدولية، فقد كنت مثل العصفورة.
كل ما أفعله من منطلق الغرام الصحفى وهذا ما أسىء استغلاله، لعبت دور العصفورة، وعندما ساءت العلاقات ذبحوا العصفورة ورفض السادات بعد 9سنوات الإفراج عنى لبراءتى، إنما لظروفى الصحية.
أرجو أن يكون هذا ردا على سؤالك من عدة شهور.. طيرى يا ابنتى فالصحفى وطنه صاحبة الجلالة.. ونظريته وعقيدته لا تخدمى أحدا بهما.. إنما من أجلها كلنا خدم!! وبدأت بالفعل خدمتى.. كالعصفور وسط الصقور وسنة أولى صحافة بطولة مصطفى أمين!! ومحمد حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية!! الذى كان كارت الوساطة التى قدمتها لموسى صبرى .