يقومون بانتقاء «الذئاب المنفردة» بعناية شديدة من قلب التيارات السلفية وبقايا «حازمون» التنظيم قام بتأسيس معسكرات لاستقبال عناصر شبابية تم تجنيدها
عمليات استقطاب وتجنيد العناصر الجديدة فى صفوف التنظيمات التكفيرية، هى أخطر التحركات التى تواجه الأجهزة الأمنية، إذ إنها تمثل الدعم الإستراتيجى واللوجيستي، لتلك التنظيمات، وقبلة الحياة لاستمرارها لأطول فترة ممكنة، فعلى مدار الأيام الماضية كشفت أجهزة الأمن عن قيام مجموعة من الكوادر الإرهابية، بإعداد معسكر تنظيمى لاستقبال العناصر المستقطبة حديثا لصفوفهم بصحراء الإسماعيلية، وإخضاعهم لبرامج إعداد بدنى وتدريب عسكرى على استخدام الأسلحة النارية مختلفة الأنواع، وتصنيع العبوات المتفجرة، وإصقالهم بدورات لتأهيل العناصر الانتحارية، تمهيدا للدفع بهم لمواصلة نشاطهم العدائى بصفوف التنظيم. بناء على معلومات أكدتها بعض المصادر، فإن"داعش" شرع فى تأسيس عدة معسكرات لاستقبال هذه العناصر الشبابية الجديدة، ومن هم فى مرحلة عمرية صغيرة، عن طريق الوسطاء أو السماسرة الذين يتقاضون مبالغ مالية كبيرة جراء تجنيد هذه العناصر، وانتقائهم بعناية شديدة من قلب التيارات السلفية، وبقايا حركة "حازمون" التى أسسها حازم صلاح أبو إسماعيل فى ظل حكم جماعة الإخوان وقبل سقوطهم فى 30 يونيو2013، ومن خلال شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إخضاعهم لعمليات تدريب ممنهج ومنظم على أيدى عناصر محترفة وليس مجموعة هواة. حيث أشارت المصادر إلى أن السماسرة الإرهابيين المتجولين حالياً، تمكنوا من استقطاب عناصر فى بداية مرحلة الشباب، متأسين بما حدث فى تسعينيات القرن الماضي، من تمكن الجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد من استقطاب العناصر الشبابية، الذين لم يتخطوا العشرين عاماً لسهولة التأثير على أفكارهم وصبغهم بالفكرة الداعشية، دون الدخول فى حالة السجال أو الاعتراض لعدم قدرتهم على التمييز بين حقائق الأمور، أو تعمقهم فى الفكرة الإسلامية بشكل عام. ويستخدم سماسرة الإرهاب، أسماء حركية، للهروب من تعقب الأجهزة الأمنية، ووفقا للمعلومات، فإن هؤلاء السماسرة أو وكلاءهم، يتمتعون بصفات معينة، من القدرة على التأثير والإقناع، وامتلاك لغة عربية سليمة، والاعتماد على خطاب دينى يختلف عن الخطاب الرسمى الذى تقدمه الدولة عبر الأزهر والأوقاف، أو الخطاب الذى تقدمه الجماعات الإسلامية، والتركيز على مفاهيم تتمحور حول القتل والاغتيال وهدم المؤسسات. وتعتبر فكرة التجنيد المبكر مستمدة فى الأساس من فكر جماعة الإخوان، حول استقطاب الأطفال، وتشكيل لجان خاصة لتجنيد من هم فى المرحلة الثانوية والإعدادية من التعليم الأساسى النظامي، وهى المرحلة التى تطلق عليها مرحلة ما قبل العام الجامعي، إضافة إلى اللجان الخاصة باستقطاب طلاب الجامعات. كما أن خلايا التنظيم الإرهابى داخل القاهرة، بدأت فى تطوير الفكرة، معتمدة فى منهجها على فكرة مشروع "أشبال الخلافة"، الذى أسسه داعش فى سورياوالعراق، لخلق كوادر شبابية يمكن التأثير عليها، ويسهل استخدامها وفق نظرية "الذئاب المنفردة"، التى لاترتبط بتنظيم وخلاياه العنقودية، لكنها تنفذ أجندة التنظيم بدقة نظراً لسهولة استقبالهم للتعليمات، وانبهارهم بفكرة الجهاد والاستشهاد. وأن انتشار ظاهرة "السماسرة الدواعش"، كان سبباً رئيسياً فى تزكية الشباب وتهريبهم إلى سورياوالعراق وليبيا، وإلحاقهم بمعسكرات التدريب، وتأهيلهم على التعامل مع السلاح والمتفجرات، الأمر الذى يفتح الباب لمعرفة طريقة تجنيد واستقطاب العناصر الجديدة، وهو ما كشفته مصادر خاصة، من أن تنظيم بيت المقدس، لديه داخل القاهرة، مجموعة من "السماسرة" المتجولين بين التيارات الإسلامية المتعددة، لاسيما أنصار التيار السلفي، والجماعة الإسلامية، وتنحصر وظيفتهم فى استقطاب وتجنيد الأشخاص والعناصر الجديدة، نظراً لامتلاكهم العقلية الإقناعية والقدرة فى التأثير على أفكار وعقول الأشخاص وفقاً للرؤية الجهادية الداعشية. وصرحت مصادر أمنية، بأن الأجهزة الأمنية فى القاهرة، اتبعت نظرية جديدة فى ملاحقة العناصرالتكفيرية، أطلقت عليها مسمى "صاعق الذباب"، وهى عملية يتم من خلالها كشف العناصر التى تلعب دور الوسطاء، أو الوكلاء فى مراحل التجنيد والاستقطاب، بحيث يتم استهداف الخلية بأكملها من خلاله، ومعرفة الشبكة التى يتعامل معها داخل مصر وخارجها. وترصد «الأهرام العربى» تفاصيل أخطر وثائق الخلايا الإرهابية داخل القاهرة، والتى يتم استخدامها بشكل مباشر فى طريقة تجنيد وصناعة عناصر "الذئاب المنفردة" داخل القاهرة ، ووجدتها الأجهزة الأمنية بحوزة عدد من الخلايا الداعشية التى تم إلقاء القبض عليها. تحدثت الوثائق الجهادية، عن كيفية صناعة وتجنيد الذئب المنفرد، وحجم المعلومات التى يتلقاها، والدور المكلف به لتنفيذ مخطط التنظيم الجهادى داخل المحافظات المصرية، والطرق القتالية التى يجب أن يتبعها، مثل استخدام كاتم الصوت فى السلاح، واستخدام السم، والدهس. وأشارت مصادر خاصة إلى أن وثيقة"الذئاب المنفردة جند الله الأخفياء الأنقياء"، ترتبط بوثيقة أخرى هي"أروع اللفتات فى فنون الاغتيالات"، وتدخل الوثيقتان فى إستراتيجية التدريب والتجهيز العسكرى للتنظيمات الجهادية، لكسب أفراد، ومحاولة ادخال مصر فى مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، وفقا لمباديء كتاب "إدارة التوحش"، والذى يعتبر دستور "داعش"، فى القتل والإجرام. كما أن الوثيقتين تمثلان المرحلة الثانية فى العمل الجهادى، حيث تخاطب معتنقى الفكر الجهادى سواء كانوا تنظيميين أم غير تنظيميين، ويسبقها نشر الفكر الجهادى والمقولات الجهادية بين الشباب وطوائف الشعب، لكسب أتباع ينفّذون تلك التعليمات سواء كان بطريقة لا مركزية فردية أم بطريقة مركزية، وأن خطورة تلك الوثيقة تأتى من انتشارها بالفعل بين معتنقى الفكر الجهادي. واعتمدت الوثيقة الجهادية فى صياغتها لصناعة "الذئاب المنفردة" على التأثير فى أفكار عناصر الخلايا وفق أسلوب مستوح من الفكرة الجهادية القديمة وهى "مؤمن آل فرعون"، فتقوم بتنفيذ عملية واحدة وتختفى، ويكون العمل فردياً، وغالباً ما يكون فردا واحدا يمثل الخلية، أو عددا لا يزيد على خمسة لا يُعرفون بأسماء صحيحة، ويتعاملون بأسماء حركية، وإذا ما نفذوا عملياتهم جمدوا وسكنوا كما كانوا من قبل. ووفقا لما أشارت إليه الوثائق، فإنها اعتبرت مرحلة الجهاد فى مصر، تختلف بشكل كبير عما حدث فى سورياوالعراق، نظرا لوجود المكون السني، وتصارع الأحداث، وتماسك الجبهة الداخلية المصرية، التى ربما تعيق تمصير الحالة الجهادية. وحرضت التنظيمات الجهادية التكفيرية، فى رسائلها لعناصرها على إقامة فريضة الجهاد على أرض مصر وليس خارجها، وأن الطريق الوحيد لهم هو الدخول فى سرب "الذئاب المنفردة"، التى يصعب على الأجهزة الأمنية فى مصر تتبعها، والوصول اليها ، _ من وجهة نظرهم _ لاسيما أنها قائمة على فكرة الفرد الأوحد، الذى لا يعرف سوى نفسه، ولايرتبط بتنظيم أوكيان، لكنه مجرد شخص يتلقى التعليمات لتنفيذ عملية بعينها، ثم يظل ساكنا فى مكانه لايمكن كشفه أو التعرف عليه، ولا يمكن تتبعه أو رصده مطلقا، وإذا تم إلقاء القبض عليه فلن يستطيع الكشف عن أية معلومات أخري، نتيجة عدم ارتباطه بأى عنصر جهادى آخر. من جانبه أشار مؤسس الجهاز الأمنى لتنظيم الجهاد، الدكتور صبرة القاسمى، إلى أن معسكرات التدريب التى أسستها خلايا تنظيم "داعش" التابعة لتنظيم داعش بمصر، ستتجه الفترة المقبلة، للعمليات الانغماسية داخل القاهرة، للخروج من حالة الاختناق والتضييق التى يشنها الجيش المصرى عليها فى سيناء، وكبدت التنظيم خسائر فادحة على المستويين المادى والبشرى. وأشار القاسمى إلى أن العنصر الانغماسى، يوظف للقيام بالعمليات الانتحارية داخل خطوط الخصم، ويخضع لعمليات تأهيل غير عادية سواء على مستوى التربية الدينية الروحية، أم التربية القتالية البدنية، وأن السلفية الجهادية المسلحة بشكل عام، ترى أن العمليات الانغماسية هى الأكثر نجاحاً، حيث إنها لا تترك خلفها بصمات واضحة المعالم يمكن من خلالها تتبع بقية عناصر التنظيم، كما أنهم ينفذون عمليات فجائية يصعب توقعها أو الرد السريع عليها من قبل قوات الأمن المصرى، أو الاشتباك معها. وأفاد القاسمى أن هناك فرقاً بين الانغماسى والانتحارى، فالانغماسى يكون مزروعاً وسط الهدف ويمعن فى الخدعة، وإحداث الفوضى لكى يحقق الهدف المطلوب منه من اغتيالات وغيرها، أما الانتحارى فيعمل على عنصر المفاجأة السريعة من القتال والفرار الفوري، وأن الانغماسيين لهم عمل محدد مثل اقتحام السجون والوحدات العسكرية واغتيال الحكام واقتحام المدن مثلما حدث فى الموصل وعين العرب. يذكر أن الانغماسى مصطلح ظهر مع دخول تنظيم القاعدة إلى العراقوسوريا عام 2014، واستخدمته معظم التنظيمات السلفية الجهادية فى كل من العراقوسوريا واليمن، وهو كناية عن عنصر مدرّب تدريباً عسكرياً عالياً على المهام الخاصة والاقتحامات، ويتمتع بلياقة بدنية عالية تمكّنه من الاستمرار فى القتال والمناورة أطول فترة ممكنة. وعادة ما يأتى دور الانغماسيين بعد الانتحاريين، الذين يفتحون ثغرة فى الخطوط الأمامية للخصم من خلال تفجير أو عدّة تفجيرات انتحارية، يدخل بعدها الانغماسيون لإكمال مهمة خلخلة الصفوف الأمامية للخصم، تمهيداً لهجوم باقى عناصر الفصيل. ويعتبر أبو الحسن الفلسطينى من أشهر من نظر لفكر الأعمال الإرهابية الانتحارية، وكان هو المفتى الشرعى لتنظيم القاعدة والجهاد ببلاد الرافدين، وأحد مشرعى تنظيم القاعدة والذى يقال عنه إنه العقل المفكر وقائد جرائم قتل وخطف وابتزاز وقع معظمها خلال السنوات الماضية، لكن على ما يبدو فإن ما نُسب إليه حتى الآن لا يشكل إلا نسبة صغيرة من خطورته الحقيقية. وتعد فتوى "البشرى المهدية لمنفذى العمليات الاستشهادية" من أهم الفتاوى الشرعية التى تؤصل لفكرة جواز العمليات الانتحارية فى صفوف العدو على حد وصفهم، وتعتبر سلسلة من الكتب التى نشرتها أحد المواقع الجهادية بعنوان "بدمائنا نصحناهم" كان منها رسالة "جهادُ مَنْ لَمْ يَحْضُر الجهادَ"، و"الوصية الثلاثينية لأمراء وجنود ما يسمى الدولة الإسلامية". ويعتبر كتاب "البشرى" تأصيلاً إرهابياً لجواز الالتحام بالجسد فى صفوف الخصوم، وتفخيخ السيارات والطائرات والمجنزرات لتفجيرها فى صفوف الخصوم، لينال منهم ويثخن فيهم الجراح.