يابخت من كان سعد زغلول خال "أمه " ..!! عاش وتربي حفيدا في بيت زعيم الأمة الذي حرم من الأطفال .. فانطبق عليه المثل .." يابخت من كان النقيب خاله ! " وكان من الطبيعي أن تتأصل فكرة انعدام سقف الحرية في التفكير والثقافة، والتي كان يخصنا بها مصطفى أمين دروسا كل أسبوع ! فقد كان مصطفي أمين صاحب الدار «أخبار اليوم» التي أخذت منه بعد 23يوليو لايزال يعتبر أن البيت بيته والدار داره مهما دار الزمان وانقلب، إلا أن ملكيته لجدران ومطابع وحتي البشر من العاملين جزء لا يتجزأ من ملكيته الخاصة!! كان حريصا بعد خروجه من السجن وعودته بإفراج صحي علي يد أنور السادات إلى أخبار اليوم, أن يستمر لقاء الأجيال الجديدة من صحفيي الدار .. وأجيال وراء أجيال حتى بلغ مصطفى أمين جيلنا في الثمانينيات من القرن الماضي.
لم يكن ينتظر قدومنا إليه فكان يخرج باحثا عنا .. ضاحكا مستبشرا بوجوه أجيال صغيرة دارسة إعلام علي أصوله علي يد واحد من تلاميذه وأصدقائه، هو جلال الحمامصي .. لأسباب فكرية سياسية كنت أتجنب لقاءه .. إلا أن عشقي للصحافة ونظرية المهنية جعلتني أتجرأ مؤقتا من الهروب من جلساته مع شباب أخبار اليوم .. خصوصاً وبعدما سمعت كثيرا عن قسوته مع أجيال سبقتنا وعدم تهاونه مع أي تقصير صحفي من جانبهم .. أنا لا أحب الدلع في العمل.. وإذا خيروني وسألوني ماذا تريد في قبرك لقلت لهم أريد قلما وورقا حتي أكتب تحقيقا صحفيا عن الموت !! أخذت تلك الكلمات وابتلعتها، لكنها وقفت في زوري إلي أن سألت أحد أساتذتي وهو تلميذ نجيب من تلاميذ مصطفي أمين، وأنا مستنكرة إلي حد كبير ما يقوله فأنا أرفض التجاوز في التعبير مع أو عن السماء لكن أحمد رجب أبي الروحي الذي تولي تعليمي وتوجيهي في أخبار اليوم، بعد أن لمس بداخلي ميولا للسير علي دربه في الكتابة الساخرة .. أجلسني لأعرف منه أن عشق مصطفي أمين الأول والأخير ووطنه وفكره وأيدولوجيته هي الصحافة والصحافة والصحافة ومن اجلها صنعت الحرية !
لقد عمل مصطفي أمين بها ولديه 8سنوات مع توأمه علي أمين وقد صنعا مجلة أسماها "أخبار البيت " ! واشتغل صحفيا علي أهل البيت، ومصادره السائق والبواب والخادم .. أولا ثم الأهل وأهل الدار وأصحابهم وأصحاب العاملين في البيت، ولا ننسي أن البيت لم يكن عاديا فقد كان بيت الأمة !! وبالتالي عمل مصطفي أمين صحافته وهو في سن الثمانى سنوات علي أخبار بيت الأمة !! فلا داعي للانزعاج عندما يريد إنهاء حياته في قبره بقلم وورقة كاتبا تحقيقا.. عن الموت!! بعد وفاته !! خرجت من مكتب أحمد رجب وأنا أضرب كفا علي كف، أتمتم بكلمات لا تفهمها حتي نفسي.. وضحكت منها وعليها وأنا أسابق خطواتي لألحق بدرس مصطفى أمين الأسبوعي لشباب أخبار اليوم الثمانيني والتي كنت أصغرهم .. لم أجد مقعدا .. فقد كانت صالة تحرير الجورنال عبارة عن مكتب صغير في الدور العاشر نجلس فيه، كلنا بالتناوب مابين متدربين ومحررين ورؤساء أقسام!! وكان نواب رؤساء التحرير يقتسمون المكاتب إلا مدير التحرير محمد طنطاوي والذي كان مصطفي أمين متزوجا أخته، فكان له مكتب لوحده !! أيوه ياعم .. وبالرغم من ذلك كان مصطفى أمين يصمم علي الجلوس في صالة التحرير التي تجمع الشباب .
وفي هذا اليوم وجدته يتحدث عن السقف !!
قائلا .. كلما كان سقف الحرية في الصحافة عاليا .. أخرجت عمالقة وكلما انخفض مستوي السقف صغر العمالقة ولم تخرج إلا أقزاماً.. بحيرة واستفزاز داخلى سألته: وماذا يفعل العمالقة إذا انخفض علي رأسهم فجأة سقف الحرية ..؟ عليه أن يخترق السقف ويتخطاه .. وبالطبع ساعتها سوف يلقي مصيري ويدخل السجن .. ضحك الجميع, ولكنني لم أضحك ولم اكتف بالصمت وبدأت في الاستعداد لسؤال آخر وأنا أنظر إلي سقف مكتبنا المنخفض !!!فأنا علي يقين أنه لم يدخل السجن ظلما وعدوانا.. وأنه لا تنطبق عليه مقولة ياما في الحبس مظاليم !