لم يعد السؤال هو: ماذا تريد تركيا من قطر؟ بل أضحى بعد استفحال الأزمة الدبلوماسية الخليجية بسبب التعنت القطري: هل تستطيع تركيا تحقيق مشروعها فى الخليج عبر البوابة القطرية؟ لا بد من القول إن ما يجمع بين المشروعين القطرى والتركى إزاء منطقة الخليج أكبر بكثير مما يتصوره البعض. ولعل الأدوات المهمة بيد الطرفين هى المال القطرى الذى يسيل له لعاب تركيا، والأدلجة الإخوانية التى جعلت من الدوحة وإسطنبول مقراً للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية المتعطشة لإلغاء الحدود الجغرافية بين الدول العربية والإسلامية، وجعلت قطر وكراً لأفاعٍ سامة، تضع مخططات عدة لزعزعة استقرار الدول المحورية فى المنطقة، خصوصاً مصر، والسعودية، والإمارات. ولكن ما مصلحة الشقيقة قطر فى تحالف ستكون هى نفسها أول ضحاياه؟ فقد أظهر المنافق والمرتزق والإخونجى المؤدلج شراهة غير عادية للاستئثار بمقدّرات ومكتسبات الأوطان اعتماداً على تدبير المؤامرات حيناً والتخطيط للانقلابات والصراعات حيناً آخر! لقد بات بما لا يدع مجالاً للشك، أن تركيا منتفخة بوهم إعادة الإمبراطورية العثمانية على حساب دول المنطقة، وترى أن قطر هى البوابة المفتوحة لبناء الإمبراطورية الموءودة. فالدوحة العاصمة الخليجية الوحيدة التى سمحت بإقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها، وفى الغالب مناكفة مقصودة لجيرانها. لا شك أنه منذ الإعلان عن إنشاء أول قاعدة عسكرية خارج تركيا وتحديداً فى قطر ثار جدل واسع، فهذه القاعدة تعتبر باباً جديداً لتركيا للإطلالة على الخليج العربي؟ لكن ما هدف تلك القاعدة العسكرية، ولمن موجهة طالما قطر عضو فى مجلس التعاون الخليجى وقوات درع الجزيرة وكذلك عضو فى اتفاقية الدفاع العربى المشترك؟ هل هناك رسائل معينة لهذه القاعدة التركية، أليس ذلك بمثابة تصعيد عسكري؟ هل طلبت أية دولة خليجية من تركيا أن تضمن أمنها؟ وهل يُعقل أن تغض الدول الخليجية الطرف عن مثل هذا الوجود العسكرى على أراضى دولة لا تزال عضواً فى مجلس التعاون الخليجى وتربطها بدولة اتفاقات أمنية وعسكرية، خصوصاً أن المجلس يؤطر تلك الاتفاقات والمفترض أن تلتزم الدوحة بالمواثيق؟ الأوهام الإيرانية والتركية لن تنجح على حساب الدول الخليجية، وإذا كانت أحلام «الإمبراطورية» لديهما تنسيهما دروس التاريخ، فعلى الأتراك قبل الفرس تذكر معركة الوجبة فى عام 1893، التى انتصر فيها حاكم قطر آنذاك الشيخ جاسم بن محمد آل ثان على العثمانيين، وعليهم أن يتذكروا أن جميع الشعوب الخليجية مستعدة لألف «وجبة». إن الحكمة والمنطق يقتضيان مراجعة قطر لممارساتها والعودة إلى حضنها الخليجى والالتزام بما سبق أن تعهدت به، لا أن تبحث عن فك ينتظر الانقضاض عليها. فما بين قطر والخليج ليس جواراً جغرافياً فحسب، بل إن النسيج الاجتماعى القطرى والسعودى والبحرينى والإماراتى واحد، شديد التداخل، وهو ما دعا تلك الدول لدى إعلانها قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدوحة فى 5 يونيو 2017 أن تعلن حرصها على العلاقة مع الشعب القطري، واستثناء العائلات المشتركة من إجراءات المقاطعة، خصوصاً تنقل أفراد تلك العائلات بين قطر والدول الثلاث المذكورة. حان الوقت أن تفيق قطر من ثمالتها، فقد أضحت سلوكياتها منبوذة تماماً فى محيطها ومجتمعها وخارجها، حتى وسائلها الإعلامية التى كرستها على مدى سنوات طويلة للتفريق والتحريض وجدت نفسها تترنح فى مهب الريح. وصارت حكومة قطر تحت وطأة القرارات المتلاحقة تترنح بعد فضح ممارساتها المؤذية للشعوب الخليجية وحكوماتها، فقد تهاوت فى ساعات من القطيعة مشاريع ظلت تعكف عليها قرابة 20 عاماً. والأهم أن تدرك الدوحة أن قطع العلاقات معها فضح تواطؤها مع إيران التى تجند عملاء تستطيع من خلالهم الهيمنة على الخليج العربى ودول المنطقة. على القيادة القطرية أن تدرك جيداً أن الشعب القطرى الشقيق لن يسلخ جلده مهما تشبثت بإيرانوتركيا، وأن المشروعين العثمانى والفارسى لن يكتب لهما حياة هانئة فى الخليج، وأن التحالف القطرى - التركى أو القطرى - الإيرانى سيجد فى مقابله أكثر من تحالف خليجى وعربى وإسلامى ودولى يتصدى له ويحبط جميع مخططاته. الأكيد أن حكومة قطر تسير فى الطريق الخطأ.. وتضع نفسها بنفسها فى القفص، ولن يخرجها منه سوى التكاتف مع شقيقاتها «صافيات النيات» لا أصحاب الأجندات والمشاريع الذين يهرولون لالتهام دول الخليج والهيمنة على ثرواتها ومكتسباتها!