منذ خمسة وأربعين عاما عندما أغلق الزعيم المصرى جمال عبد الناصر مضيق تيران يوم 23 مايو 1967 بقرار فردى كان ذلك سببا فى اندلاع حرب الأيام الستة كضربة استباقية من جانب إسرائيل ضد جيرانها العرب.. واليوم عندما لوحت إيران بإمكانية غلقها مضيق هرمز فإنها ستتسبب فى حدوث عواقب مماثلة فقليلا ما يستفيد الساسة من عبر التاريخ ودروسه. هكذا يرى الكاتب جاك بنى لوش فى تقريره الذى نشرته اليوم بعض الصحف الفرنسية واصفا القادة الإيرانيين بأنهم يرغبون فى انتزاع الإعجاب - مثلما فعل عبد الناصر – بغلاق مضيق هرمز كإثبات للقوة أمام العالم العربى والإسلامى ولترسيخ سلطانهم أمام الرأى العام وكذلك لاختبار رد الغرب. ولكن يجب على إيران أن تعى جيدا أنها لن تتحمل مواجهة مسلحة قد تكون انتحارية. ورغم أن المحلل يرى أن الولاياتالمتحدة لا يجب أن تعير الموضوع أهمية إلا انه يعود ويؤكد أن أكثر من ثلثى إمدادات النفط فى العالم تمر عبر مضيق هرمز ومعنى منع الملاحة فيه هو إلحاق ضرر كبير بالولاياتالمتحدة الأمر الذى لن تقبله بأى شكل من الأشكال. وقد جاء تهديد إيران بغلق مضيق هرمز ردا على إعلان الولاياتالمتحدة اعتزامها فرض عقوبات مالية شديدة ضد إيران بسبب إطلاقها برنامجها النووى وذلك فى الوقت الذى أعلن فيه وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا أن أمريكا سترد بالقوة إذا سعت إيران لإغلاق مضيق هرمز لأنه خط أحمر كما وقع باراك أوباما مرسوما يقضى بملاجقة البنوك التى تتعامل مع البنك المركزى الإيرانى. على صعيد آخر وافق 27 من أعضاء الاتحاد الأوروبى على فرض حظر على النفط الإيرانى مما أدى إلى انخفاض فورى على صادرات الطاقة بنسبة 25%. ويرى جاك بنى لوش أن ما تفعله إيران هو محاولة لإظهار العضلات لتصبح المسألة حرب تهديدات فأمريكا تهدد برد عنيف إذا ما أغلق المضيق بينما إيران تهدد بزرع ألغام فى مواجهة حقول النفط ومحطات الخليج العربى المنتجة للنفط خاصة المملكة العربية السعودية. وبالطبع لا ينسى أحد أن الإيرانيين قد لجأوا لهذه الأفعال عام 1988 إبان الحرب العراقية الإيرانية حيث لغموا بالفعل الخليج العربى متسببين بذلك فى خسائر جسيمة لناقلات النفط والفرقاطات الأمريكية مما دفع الولاياتالمتحدة لقصف منصتى نفط إيرانيتين وهى الخطوة التى أجبرت إيران على التعامل مع العراق من أجل إنهاء الحرب. يشير المحلل فى إطار تقريره إلى تصريحات رئيس الأركان الإيرانى عطاء الله صالحى الذى حذر فيها حاملة الطائرات الأمريكية ستينيس من مغبة العودة مرة أخرى إلى الخليج العربى لأن إيران لن تتهاون فى الحفاظ على أمن مضيق هرمز. ضاربا فى نفس الوقت عرض الحائط يالتهديدات الأمريكية. من جانبهم فإن الأمريكيين يشوبهم التوتر من هذه التهديدات فرغم إرسال حاملات الطائرات إلى البحرين الأبيض والمتوسط إلا أنهم يخشون الوقوع فى مغبة الاستفزازات والتحريض الذي شهدوه فى الماضى بما يمكن أن يؤدى إلى كارثة أو على الأقل فقدان ماء الوجه. ويلقى التقرير الضوء على ما قام به عبد الناصر سنة 1967 وما تسبب فيه من كارثة عسكرية دامية ربما لن تتكرر فى ظل تأكيد المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل على عدم سعى حكومته إلى الدخول فى مواجهة فى مضيق هرمز. نفس الشىء الذى أعلنه موشية يالون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير القضايا الاسترتيجية الذى وصف الاستفزازت الايرانية تعكس بالدرجة الاولى المخاوف من فرض عقوبات تهدف لإنهاء طموحاتها النووية. مطالبا فى الوقت نفسه بفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة على طهران بما أن ملاذ الخيار العسكرى هو الخيار الأخير. ويرجع المحلل الفرنسى كل ما يحدث إلى رغبة كل من أمريكا وإسرائيل فى تثبيت نظام الدفاع الصاروخى المشترك ليس فقط لإعطاء المناورات شكل الردع ولكن لعمل دعم لأى عمل عسكرى إسرائيلى ضد المنشآت النووية الإيرانية والتى لا يمكن أخذها فى الاعتبار فى الوقت الراهن. ويرى بنى لوش أن المناورات والتهديدات الإيرانية من شأنها إثارة التوتر فى المنطقة العربية التى هى ملتهبة من جراء ما يحدث فيها بالفعل خاصة مع عدم الاستقرار فى سوريا ولكن السلطات الإيرانية مستمرة على نهجها فى التهديدات وآخرها مناوراتها فى مضيق هرمز والخليج العربى والتى جاءت متزامنة مع المناورت العسكرية الأمريكية الإسرائلية لتؤكد أن إيران لا تستفيد من دروس التاريخ.