سيناء التى نحبها فى الأغانى، وتذوب عشقا فى كل حبة رمل من رمالها فى قصائد الشعراء، ونرقص ونهلل ونطبل فى عيد تحريرها، ليست سيناء التى تمثل ثلث مساحة مصر وتعداد سكانها أقل بكثير من الشهداء الذين ارتوت رمالها بدمائهم. سيناء «المرمية» فى الجانب الشرقى للوادى، مطمع الصهاينة وحلمهم والتى أعددنا «وهما» لتنميتها مئات الأبحاث والخطط طوال ثلاثين عاما هى نكبة مصر فى عهد المخلوع، وأنفقنا فيها من ميزانية الدولة 40 مليار جنيه بوهم التعمير، وقد ذهبت لتعمير جيوب أبناء الوزراء والمسئولين، وإذا أردنا مثالا على ذلك فها هو نائب مجلس الشعب السيناوى محمد فراج الذى هاجم بضراوة ما يسمى «هيئة تنمية سيناء» شاهد على نهب أبناء المسئولين على 64 مليون يورو (آخر دفعة تعمير فى عهد المخلوع) حوالى 500 مليون جنيه. وحتى يتم دفن جريمة السرقة قامت الهيئة بتوزيع 225 ألف جنيه للقبائل بدعوى إقامة مشروعات تنموية. العجيب فى أمر سيناء أنك إذا تحدثت مع خبراء الآثار قالوا: إنها الأمل وبها من الآثار ما يجلب الخير الكبير ويكفينا فيها طريق العائلة المقدسة، والآثار الإسلامية والمسيحية، وطريق صلاح الدين الأيوبى إلى بيت المقدس وقلعته بسيناء التى لا يعرفها كثيرون. وإذا تكلمت مع خبراء الصناعة سيقول إن سيناء كلها خيرات مليئة بالمعادن والأحجار الكريمة والنفيسة وجبال صناعة الأسمنت والبترول. وإذا أخذك الحديث مع أهل الزراعة وفنونها سيقولون ما تدهش له أن بسيناء أكثر من 400 ألف فدان جاهزة الآن للزراعة تنتظر القرار فقط. وكذا السياحة بكل أنواعها الترفيهية والغطس والدينية. أما إذا ذهبنا إلى أرض الواقع كانت المرحلة صفرا كبيرا ربما أكبر من صفر الرياضة الشهير عندما فشلنا فى استضافة كأس العالم لمصر برغم الأموال التى أنفقت من أجل هذا الهدف. الشيخ الصادق إبراهيم رئيس اللجنة الشرعية لفض المنازعات بشمال سيناء لخص القضية فى كلمات بسيطة حين قال: مبارك خان الوطن وعطل تنمية سيناء عمدا لصالح إسرائيل. أما اللواء عبد المنعم سعيد محافظ جنوبسيناء والخبير العسكرى قال حزينا: سيناء مليئة بالخبرات التى تجعل من المصريين «شعب من الأثرياء» كان ذلك فى مؤتمر صحفى بدار الشئون المعنوية فى الذكرى ال 30 لتحرير سيناء، ولنرجع إلى شهادة د. حسب الله الكفراوى وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة فى عهد السادات وبداية حكم مبارك الذى قال:«رفض مبارك تنمية سيناء بشكل شامل واقتصاره على المنتجعات السياحية». أما إذا قرأت اللقاءات الصحفية ل«الأهرام العربى» مع المحافظين فى شمال سيناء ستفاجأ بأن الكلام لا يتغير برغم تغير المحافظ:«لدينا 400 ألف فدان قابلة للزراعة، لدينا منطقة السر والقوارير أرض خصبة جدا فى سيناء إمكانيات تعدينية لا حدود لها وهكذا». وتبقى سيناء لغز محيرا أمام المخلصين وسؤال يقول: كل هذا الخير وشباب مصر محرومة من فرصة عمل والبطالة بالملايين والفساد يتراقص ويخرج لسانه للجميع وغير بعيد عنا، فضيحة د. عاطف عبيد «نزيل سجن طره الآن» وبيعه أرضى حدودية فيما يسمى «قضية سياج». والعجيب أنه لم يتفق الصحفيون والكتاب والزراعيون والسياسيون وأصحاب المهن والحرف والحاكم والمحكوم فى مصر، إلا على ضرورة تنمية سيناء وتعميرها، إلا أن هذا الاتفاق الفريد النادر ينتحر غرقا فى شاطىء النخيل (سابقا) بعد أن دمرها أصحاب الشاليهات بمباركة المخلوع وتنفيذ المحافظ السابق اللواء منير شاش وحتى يغلق باب الجريمة بالقانون، أصدر قرارا بتغريم من يقطع نخلة من أصحاب الشاليات خمسين جنيها. وهكذا تم تدمير قرابة نصف مليون نخلة، وتدمير شاطىء العريش بهدوء شديد. وتبقى سيناء أرض عزيزة تواجه قلوب قاسية، برغم كثرة خطط التنمية التى لا تنفذ واللجان التى لا حصر لها والدراسات القيمة حتى جاءت حكومة الإخوان وأصدر حزب الحرية والعدالة دراسة مستوفية لحل مشاكل سيناء وضرورة تعميرها وتوطين ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة لها، حلم الرئيس السادات الذى لم يتحقق حتى الآن، فهى تفك اللغز وستعمر سيناء فعلا. وإذا أنحينا كل الملفات المهمة التى لابد منها جانبا وذهبنا إلى الملف الأمنى، فإن اللغز يزداد تعقيدا ففى عام ونصف العام منذ قيام ثورة 25 يناير تعيش سيناء سلسلة من التفجيرات وها هو الاعتداء الأخير الفاجر يحمل رقم (28) فى تلك السلسلة، ويذهب ضحيته خيرة شباب مصر حراس الحدود، وفى ذلك رسالة عنيفة تقول لابد من السيطرة الأمنية الكاملة على كل سيناء لابد من مراجعة أى اتفاقية تحول دون ذلك.