ريم صابوني: بعد الثورة أصبح رمضان ضيفا ثقيلا على الأسر السورية رئيس رابطة النساء السوريات: نتناول وجبة واحدة طوال أيام العام والسنة كلها رمضان
درويش: لا نستطيع استقبال يوم فكيف نستقبل رمضان؟!
يتميز شهر رمضان دون غيره من شهور العام بنكهة العائلة التي تجتمع على مائدة واحدة، ففي رمضان يتزاور الأهل ويجتمع الأقارب على موائد الإفطار أو السحور، في رمضان تعم الفرحة وتعلو الضحكات وترتفع الروحانيات وتمتلىء الموائد بأشهي الأكلات والحلويات. ولكن فى سوريا رمضان مختلف، فلا موائد تجمع الأقارب الذين شتتتهم الحرب وفرقتهم صواريخ النظام وقنابل داعش، فالعائلات السورية قسمت بين باطن الأرض وظهرها فلا يوجد بيت بلا شهيد ولا عائلة بلا لاجئ ولا أسرة بلا معتقل. خلال السطور التالية نحاول إلقاء الضوء على معاناة السوريين فى رمضان، كيف يقضي السوريون بالداخل الشهر الكريم وكيف يستقبله اللاجئون بأوروبا أو سكان المخيمات بالدول المجاورة لسوريا؟ الصحفي السوري طلال درويش يري أن السوريين حالهم يرثى لها نتيجة الحرب الطاحنة، فالسوري اشتهر بحبه للعمل وقدرته على التخطيط لحياته كي يعيش كريما ومطمئنا، لكن بعد أن دارت رحا الحرب وفقد أغلب السوريين وظائفهم وعملهم الخاص بهم، أصبحت الحياة بائسة ومقيتة بالنسبة له. وقال دروريش وهو مقيم بمدينة أربيل بإقليم كردستان بالعراق: اعتاد السوريون أن تكون لهم مراسم، خصوصا لاستقبال شهر رمضان شهر الخير والبركة، فكانت الأسابيع الأخيرة قبل رمضان هي مرحلة إعداد العدة لهذا الشهر الفضيل، فكان هناك إنفاق وبذل مادي ومعنوي لاستقبال هذا الشهر. وأشار إلى أن السوري لايستطيع اليوم استقبال يوم واحد ليعيشه فما بالك بشهر مقدس مثل رمضان يحتاج إلى لوازم ومبالغ مادية غير متاحة اليوم فمن كان يستقبل رمضان في منزله وبين أهله وجيرانه اليوم يستقبله في متر ونصف متر أو أكثر، تحت خيمة بالية لا تتسع الا لطبق واحد قد لا تكفيه وأولاده.. وبعيدا عن أهله وجيرانه، معتبرا أن حال السوري اليوم من أصعب أحوال البشر، حيث لايوجد سوري مجتمع بعائلته وذويه فى مكان واحد وهو ما يفقد السوريين لذة رمضان التي لا تكتمل سوي باجتماع الكل تحت سقف واحد. وتابع: لا توجد عائلة واحدة مجتمعة فتشردت الناس بين دول الجوار وأبعد من ذلك، فلقد كان السوري يعطي هذا الشهر حقه واليوم لا يوجد لديه أبسط الإمكانات، مشيرا إلى أن شهر رمضان يدخل على السوريين وقد أصبح السواد لونهم المفضل، بعد أن أصبح السوري مقعدا ومكسور الظهر والجناحين، وجميع السوريين يستقبلون رمضان بغصة تحزبهم وحتى السوري المقتدر والغني يعاني بنفس الواقع لأن البلاء عام وتام فلا يوجد في الأفق أي مؤشر للخلاص فهذه لوحدها غصة وألم بحد ذاته. وختم درويش كلامه بقوله: السوري اليوم يتمنى أن يعود لداره، وإن عاد فكل الأيام لديه رمضان وأعياد.. هذا ملخص بسيط عن حال السوري الذي لا يقدر على استقبال أخيه فما بالك إن كان رمضان. ضيف ثقيل الناشطة السورية ريم صابوني تري أن من غادر سوريا مكرها، واغترب خارجها فقد تبدل عليه كل شيء، فالشهور تمضي وتتعاقب الفصول ولا يعرف منها السوري المغترب سوى اسمها وخصوصا الذي اغترب في دول غير عربية. وقالت صابوني ل»الأهرام العربي» إن شهر رمضان كان ضيفاً محبباً ينتظره الأطفال والكبار بفارغ الصبر يجلب معه الفرح والحبور، ولكن منذ ست سنوات صار هذا الضيف ضيفاً ثقيلاً .. لم يعد يجلب معه الفرح والحب.. مضيفة : كان رمضان في سوريا صلات وتراحما ومودة .. اليوم تتكرر الغصات وتختنق الحناجر بالعبرات .. لا توجد منزل لا يشكو الفقد ولا توجد عائلة لم تتجرع كأس الحنين للوطن .. لا توجد أسرة إلا نالها التفكك والاغتراب والبعد ولا توجد عائلة لا تذكر سوريا في دعائها ولا تترحم على شهدائها في رمضان وتدعو بلم الشمل قريبا بأحبائها. وحول وضع السوريين بالداخل فى رمضان أشارت الناشطة إلى أن الأزمة نالت اقتصادياً من البلد، فلم تعد موائد رمضان عامرة كما كانت في سابق عهدها، برغم أن تجار دمشق العاصمة اليوم في ظل الأزمة لعامها السادس يحاولون أن يواكبوا الموسم في شهر رمضان فإن الجميع في الداخل السوري يشتكي من غلاء الأسعار. كما أن باقي المناطق السورية المنكوبة تعاني من وضع إنساني كارثي، لذا سيمر رمضان عليهم كباقي أيام العام لا طعم له ولا روح. بالنسبة لي كسورية مغتربة أعيش في دولة عربية كمصر الشقيقة فإني لا أشعر بالاغتراب، أصدقائي المصريون هم عائلتي الثانية في مصر، معهم أحاول أن أصنع معهم ذكريات جميلة تواسيني عن فقدان طعم شهر رمضان في سوريا وتابعت: أتسامى فوق الآلام لكي يستشعر طفلي معناه، ويتعلم أن يحب رمضان، وأن ينتظره بفارغ الصبر كما كنت أنتظره في سوريا سابقا، لذلك لا أبخل عليه باصطناع مظاهرالاحتفال، وختمت صابوني تصريحاتها بقولها: السوريون اليوم بحاجة للدعاء والدعم المادي والمعنوي من الإنسانية أو ممن ينتمي للإنسانية، ولن أقول من ينتمي للإسلام، لأن كثيرا ممن هو على قيد الإسلام وليس على قيد الإنسانية. نصوم العام كله مفيدة الخطيب رئيس رابطة النساء السوريات بمصر، تري أن السنة كلها رمضان بالنسبة للمخيمات السورية بالداخل، حيث تعاني أزمات في كل شىء حتى فقدان الأمان من النظام السوري، كما أن المخيمات في الحدود المجاورة لا تقل أوضاعها سوءا عن التي في الداخل إذا استثنينا القصف. وأضافت ل«الأهرام العربي» رمضان كل السنة هو وجبة واحدة يتناولها اللاجئ السوري بالمخيم، فى الداخل يعيش المواطن السوري أيام شهر رمضان حالة من الجحيم الذي لا يطاق من قتل وتدمير وتهجير من مكان لآخر بسبب قصف الطيران الروسي، وحالة من الغلاء وعدم الاستقرار وارتفاع المواد الغذائية إلى جانب الليرة السورية المتدهورة بسبب الأوضاع. وتابعت: حالة من الحزن والألم يعيشها كل بيت على التراب السوري، وذلك بسبب فقدان الأحبة وتشتت العائلات وإما بسبب موتهم وفقدانهم ناهيك عن عدم الاستقرار بسبب حالات التهجير التعسفي. وكذلك في الأماكن التي تحتلها داعش، حيث انعدم الأمان بشكل كامل، ناهيك عن الوضع المعيشي التعسفي فهناك حالة غلاء لا طاقة لهم بها. كذلك السوريون الذين هم خارج حدود بلدهم في مخيمات اللجوء التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة والكرامة الإنسانية. وختمت الخطيب تصريحات قائلة : أي رمضان ونحن نفتقد فلذة أكبادنا، أى رمضان ولا سفرة تجتمع العائلة ، أي رمضان وكل الجحيم في بلادي. صوت المآذن سعاد حموطو لاجئة سورية بألمانيا، تري أن الشعب السوري له قدرات مميزة جدا.. بالنسبة لبقية الشعوب الأخرى..مع احترامي لكل الشعوب. وأوضحت ل»الأهرام العربي» ظهرت تلك القدرات الخاصة خلال رحلة التشرد في أرجاء العالم فقد جاب السوري بلادا عديدة وخاطر وركب بحار الموت عله يصل لشواطئ الأمان قبل أن يصطدم بواقع مغاير تماما لما كبر وترعرع عليه.. وبرغم كل ذلك فهو يواجه كل هذه الصعوبات.. ربما بتأفف أحيانا وبالآهات أحيانا أخرى ...آهات تكاد تنزع قلبه من بين ضلوعه. وتابعت: برغم التمايز والتباعد في نمط الحياة بين بلده والمجتمع الجديد الذي احتضنه ووفر له ما لم تقم به الدول العربية (للأسف).. وبرغم ما يعانيه من ثقل نفسي.. نجد أنه يسعى جاهدا للقيام بكل ما هو مطلوب منه كلاجئ. وربما أكثر. وأضافت: السوري يمر بصعوبات نفسية كثيرة..كالحنين والشوق وصعوبة التلاؤم والعيش في مجتمع بعيد كل البعد عن مجتمعه.. دينيا واجتماعيا من حيث العادات والتقاليد والأعياد والمناسبات.. وثقافيا وحتى سياسيا. فإنه لا يقف عاجزا.. فهو دائما يسعى لترتيب حياته وفقا لمتطلبات الفترة. وحول عادات اللاجئين السوريين بألمانيا أكدت حموطو أن النهار بألمانيا طويل جدا.. وموعد الإفطار في العاشرة ليلا، حيث يقضي الصائم أغلب يومه خارج البيت ثم يعود لتحضير طعام الإفطار.. وطبعا مائدته تفتقر لنكهات وعوائد رمضان في بلادنا.. حيث كانت مائدة الإفطار بسوريا تعج بالأهل والأقارب يوميا يقضون معا أياما رمضانية سعيدة، منتظرين قدوم العيد ليجعلوها مناسبة وفرصة للتقارب والصلح فيما بين المتخاصمين . وأشارت إلى أن السوريين فى المهجر يفتقدون لمة العائلة وصوت الأذان وقت الإفطار، حيث الجوامع تتسابق برفع أصواتها للسماء معلنة عن طاعتها لله وحده، أما هنا فلا جوامع ولا صوت أذان .. مجرد تنبيه على الهاتف بوقت الإفطار .
اللاجئون السوريون بمصر الإعلامية السورية سهير أومري أكدت ل»الأهرام العربي» أن أهم ما حصل عليه السوريون في مصر أنهم تمكنوا من قضاء هذا الشهر الكريم، وأداء العبادات فيه في وضع آمن ، وحالة معيشية مستقرة، وتمكنوا من إسعاد أطفالهم، والنزول للمساجد لصلاة التراويح والقيام، بعد أن فقدوا الكثير مما سبق في سوريا بسبب الحرب. ويقضي السوريون نهار رمضان في مصر في الصيام، وتلاوة القرآن، وإعداد الطعام، وبعد الفطور يذهبون للمساجد لصلاة التراويح، ويقضون ليالي رمضان بالزيارات والسهر والتسوق والعبادة والسحور، ولكن تبقى في قلوبهم غصة الوطن وغصة لمّة الأهل. وحول العادات والطقوس السورية خلال الشهر الكريم قالت أومري يحتفي السوريون عادة وقبل الحرب بقدوم الشهر الكريم من خلال تزيين البيوت وشرفات المنازل بالأنوار، وتجتمع الأسر على موائد الإفطار, وتكثر الدعوات بين الأقرباء لتناول طعام الإفطار بشكل جماعي، ويتبادل الجيران بعض الأطباق من الأطعمة قبل أذان المغرب، وتكثر الزيارات في ليالي رمضان وتجتمع العائلات حتى السحور، كما تجتمع النساء لصنع حلويات العيد. ويبادر السوريون لتقديم يد العون لبعضهم من المحتاجين والفقراء بتوفير السلل الغذائية والإعانات المادية لهم، ويشتد التنافس بين أفراد العائلة على تلاوة القرآن، وتذهب العائلة كلها لصلاة التراويح ، وصلاة القيام في المسجد. أما اليوم ، وبعد أن صارت في كل بيت غُصَّة ودمعة وكرسي فارغ بسبب الموت أو الاعتقال أو النزوح فقد خفت مظاهر البهجة والفرح عموما، كما أن الحاجة وتراجع الوضع الاقتصادي للكثيرين فرض واقعاً جديدا. أما العادات التي اكتسبها السوريون من المصريين, فأشارت إلى أنه في مصر ومنذ شهر شعبان تكثر فوانيس الزينة الملونة في كل مكان بكل الأحجام والأشكال، وهذا لم يكن معروفاً بالنسبة للسوريين، ولكنهم صاروا يهتمون به، فيشترونه ويزينون به بيوتهم في رمضان كما يشترونه لأولادهم. كما تأثر السوريون بعادة جميلة وهي السحور الشعبي في الأماكن الشعبية المعروفة كالحسين والسيدة زينب وغيرها، بالإضافة إلى اهتمامهم بأنواع جديدة من المأكولات الشعبية المصرية كالفطير المشلتت ، والسوبيا ، والفول بأنواعه ، والكنافة وغيرها. وحول الدور المصري في دعم اللاجئين، فتري أمورى أن مصر مشكورة لم تبنِ للسوريين مخيمات بل تستضيفهم في مدنها وأحيائها، وتسمح لطلابنا بالدراسة في المدارس والجامعات المصرية وتمنحنا بذلك إقامة غير سياحية، وأخيرا في الأشهر السبعة الأخيرة سمحت الحكومة المصرية مشكورة للسوري الذي معه إقامة غير سياحية أن يلم شمل عائلته من الدرجة الأولى (أم ، أب، زوج، زوجة، ابن، ابنة) ممن هم في سوريا، كما يستطيع السوري في مصر أن يشتري عقارات ويستثمر أمواله في مشاريع اقتصادية.