رب صدفة خير من ألف ميعاد، فهناك بعض القضايا الشائكة التى لو بحثت وراءها وأنفقت كثيرا من الجهد و المال، لن تصل لشئ سوى إلى لافتة صغيرة مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب»، وبطريقة مقصودة أو عفوية قامت السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون بتعدى التقاليد الدبلوماسية ونسفت الأعراف السياسية وضربت بكل القواعد البروتوكولية عرض الحائط، وتعاملت مع الإعلام المصرى على طريقة السيد والعبيد، بل إنها لم تمانع فى إرسال التهديدات المباشرة له فى حالة توجيه انتقادات إلى السياسة الأمريكية وتعاملها مع القضايا الحساسة فى مصر، وذكرت السفيرة فى الخطاب المرسل إلى قناة النيل للأخبار عن وجود 41 ألفا و73 جنديا أمريكا فى شبه جزيرة سيناء، وذكرت هذا الرقم فى الخطاب بدون مواربة «الأهرام العربى» حاورت بعض الخبراء العسكريين والإستراتيجيين عن هذا الرقم المخيف الذى يمثل احتلالا لسيناء. اللواء جمال مظلوم، الخبير العسكرى قال إن هذا الرقم مبالغ فيه، ربما هى تقصد هذا الرقم على فترات متباعدة منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أى خلال الثلاثين عاما الماضية، لأنه كما يعلم الجميع بأن نقط الملاحظة المنتشرة داخل سيناء تحتاج من عشرة إلى عشرين جنديا ولا تتعدى عدة نقاط و لا تحتاج إلى أكثر من ذلك، فلو فرضنا أن القوات الأمريكية شاركت خلال الثلاثين عاما التى مضت بألف جندى أو أكثر كل عام فسنصل إلى الإجمالى الذى ذكرته السفيرة الأمريكية باترسون، لأن الأمريكان يقومون بتغيير قواتهم كل عام مثلما حدث فى العراق، وهى مصادفة فى الرقم الذى ذكرته وهو من إجمالى القوات المشاركة فى حفظ السلام التى تتكون من عدة جنسيات مختلفة. وعن وجود بعض القواعد الأمريكية فى مصر التى أفصحت عنها بعض وسائل الإعلام الأمريكية مثل مجلة النيوز ويك الأسبوعية، قال اللواء مظلوم إن هذا الكلام تردد أكثر من مرة، وفى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، وكان يردده معارضوه، وقيل إن هناك اتفاقية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر باستخدام أربع قواعد فى مصر، وقيل وقتها إنها استخدمت فى ضرب العراق والصومال وحتى أفغانستان، وأعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، وأن مصر لن تسمح بوجود قوات أو قواعد أمريكية أو غيرها فى مصر لأنها تهدد الأمن القومى المصرى قبل أى شئ، بالإضافة إلى تهديد الدول المجاورة خصوصا السعودية وسوريا، والأولى رفضت وجود قواعد أمريكية بأراضيها، وإن كانت هناك تدريبات مشتركة سنوية بين القوات الأمريكية والقوات السعودية، ويضيف اللواء مظلوم، هذه الأيام ظهرت نغمة جديدة عن وجود قواعد أمريكية فى مصر واتفاقيات أمنية جديدة، خصوصا بعد العلاقات الحميمة بين الإخوان ومحمد مرسى والأمريكان، خصوصا بعد زيارة هيلارى كلينتون والمقابلات المستمرة بين السفيرة الأمريكية وقيادات الإخوان، وأتمنى من الحكام الجدد أن يكونوا على قدر المسئولية ويضعوا مصلحة الوطن العليا فوق أى مصلحة شخصية أو حزبية. وفى نفس الاتجاه تحدث اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الإستراتيجى، ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية بدار التحرير، حيث أكد أن هذا الرقم مبالغ فيه جدا، وأعتقد أن السفيرة ذكرتها فى لحظة عنترية لأن قوة المراقبة الموجودة فى سيناء لا تزيد على 3500 فرد لا غير، وبمشاركة أكثر من ثمانى دول، والمشاركة الأمريكية ضعيفة جدا، و أقل من الربع، خصوصا أن المراقبين فى قوات حفظ السلام بالأمم المتحدة منهم مدنيون، وهى نسبة كبيرة وعسكريون سابقون، و بالتالى السفيرة بالغت فى هذا الرقم، ولا أفهم ما قصدها من هذا الموضوع، وأتمنى منها عدم كثرة الأحاديث فى هذا التوقيت، لأنه يمكن أن يساء فهمه ويعتبر تدخلا صريحا فى الشئون المصرية، وهذا لا يرضى به النخبة السياسية والمثقفة، بدليل رفض زيارة هيلارى كلينتون إلى مصر فى الفترة الأخيرة. وعن وجود قواعد أمريكية فى مصر، أكد اللواء سامح سيف اليزل بأن هذا الكلام غير صحيح، و الأمور واضحة فى هذا الشأن منذ أيام النظام السابق، ولا أعتقد أنه يمكن أن يتم الآن خصوصا فى ظل الحراك الشعبى والوعى السياسى لدى المواطنين بأنهم يقبلون مثل هذه الأمور برغم تأكيد البعض على التفاهم الكبير بين الأمريكان والإخوان، ويضيف اللواء سيف اليزل، أن اللقاءات التى تتم بين الرئيس المصرى الجديد د. محمد مرسى وقيادات حزب الحرية والعداالة وبين الأمريكان هى لقاءات تفاهم وتنظيم التفكير وقراءة ما يدور فى أقطار القيادة المصرية الجديدة والمرحلة التى تمر بها مصر، وهذه لقاءات عادية، و أعتقد أنها ضروريةلقراءة أفكار كل طرف، خصوصا لمكانة وقيمة مصر، والمرحلة الجديدة وما يدور فى المنطقة ككل.