سعيد بتكريمى فى ملتقى «أولادنا» وسوف أعود لزيارة مصر مرة أخرى مصر من الدول المتقدمة فى رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة
فوزى بجائزة أحسن ممثل من مهرجان«كان» رسالة للعالم أننا قادرون على الوصول لما نريد
اختتم منذ أيام قليلة بالقاهرة ملتقى «أولانا» لذوى الاحتياجات الخاصة، الذى أقيم تحت رعاية رئاسة الجمهورية، وقد استمرت فاعلياته على مدار، أسبوع وشاركت به أكثر من ثلاثين دولة، وقد كرم الملتقى فى حفل افتتاحه النجم البلجيكي العالمي «بسكال دوكين» الذى يعتبر النجم الوحيد على مستوى العالم الذى فاز بجائزة أحسن ممثل من مهرجان «كان» السينمائى عام 1996، وهو من ذوى الاحتياجات الخاصة، وعلى هامش الملتقى التقت «الأهرام العربي» بالنجم العالمى ليجيب عن كل أسئلتها فى الحوار التالى. بداية كيف جاءت مشاركتك فى ملتقى «أولادنا» لذوى الاحتياجات الخاصة؟ إدارة الملتقى تواصلت معى على مدار شهرين قبل انطلاقه، وأثناء المراسلات قالوا إنهم مهتمون بخروج الملتقى فى أفضل صورة لتكون رسالة للعالم أجمع أن هناك أفرادا موجودون بيننا لديهم بعض القصور، ليست لهم يدٍ فيها، لكن فى نفس الوقت لديهم مواهب كثيرة فى فنون أخرى مثل الرسم والموسيقى والغناء والتمثيل، ويستطيعون تحقيق بطولات قد تكون صعبة على بعض الأسوياء، من هنا قررت المجىء إلى مصر والمشاركة فى الملتقى. كيف وجدت الحياة على أرض مصر؟ من الأشياء الجميلة أننى ومنذ وصولى إلى مصر أجد هناك رعاية كبيرة بذوى الاحتياجات الخاصة، فيكفي عدد الدول المشاركة معنا التى تصل إلى ثلاثين دولة، بالإضافة إلى عنصر آخر وهو وجود رعاية خاصة من رئاسة الجمهورية فى مصر للملتقى، فهذه رسالة مهمة مبعثها أن رأس الدولة فى مصر تنظر بعين الاعتبار للأطفال والشباب متحدي الإعاقة، وهو ما ينم عن وعى كامل من المسئولين بهؤلاء، وهو ما أسعدنى كثيراً، خصوصا أننى عانيت فى بداية حياتي بوجود صعوبات كثيرة فى التعامل بينى وبين الآخرين، لذلك كنت سعيد جداً بوجودى فى القاهرة وتكريمي أثناء حفل افتتاح الملتقى الذى حضره العديد من المسئولين ومندوب عن الرئاسة، بالإضافة لجموع من أبناء الشعب المصرى. هل اكتفيت بمتابعة فاعليات الملتقى فقط أم زرت بعض الأماكن السياحية؟ فى الحقيقة وأنا فى أوروبا كنت أسمع كثيراً عن المعالم السياحية لمصر، وقد رأيت بعض اللقطات فى أفلام كثيرة وتمنيت أن أزور هذه الأماكن السياحية التى لها صدى كبير فى أوروبا، لذلك عندما حضرت إلى القاهرة صممت أن أذهب لأرى الأهرامات وأبو الهول، ولا تتخيل مدى انبهارى بما رأيت، فكيف بنيت هذه الأهرامات بأبعادها الهندسية الرائعة منذ آلاف السنين، بالتأكيد كانت هناك دولة متقدمة فى ذلك العصر, أيضا ذهبت إلى شارع المعز ومنطقة الحسين لأرى بعينى فن العمارة القديمة فى المباني والمساجد منذ العصر الفاطمى، وذهبت لرؤية كنيسة سمعان الخراز وهى تحفة معمارية جميلة، حقاً لديكم حضارة كبيرة أكبر مما سمعت عنها فى أوروبا بكثير، لذلك أنا سعيد جداً بوجودى فى القاهرة، وسوف أحكى لأصدقائى عن هذه الزيارة وما شاهدته بنفسى، وسوف أحتفظ بصورى فى هذه الأماكن الأثرية الجميلة لتكون مرجعاً لأصدقائى الذين يودون المجىء إلى مصر. الجمهور المصرى يود التعرف أكثر ب بسكال دوكين؟ اسمى بسكال دوكين عمرى 44 عاما ولدت لأسرة صغيرة توفيت شقيقتى الكبرى عن عمر عامين، بسبب خطأ طبي أثناء الولادة، بعدها ولد شقيقي الأكبر الذى يكبرنى بست سنوات ثم ولدت أنا، وقال الأطباء لوالدتى عقب الولادة إن لدي كروموزومات أكثر من النسبة المعتادة للإنسان الطبيعى وهو ما سيجعل شكلي أقرب إلى الشكل «المنغولى» وهذه الكلمة أرفضها تماماً فهى تعبير غير جيد بالمرة، وعندما علم أبى بذلك هجر المنزل ولم يستطع تكملة الحياة معنا، وهو ما أثر بالطبع على حال الأسرة. ماذا عن مرحلة الدراسة الأولى؟ عندما استطعت المشى على قدمى ألحقتنى أمي بالمدرسة وكان ذلك فى فترة السبعينيات، وهى فترة بالطبع لم تكن متقدمة بالنسبة للتعامل مع الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، لكن لاحظ أحد المدرسين حبي الشديد للموسيقى والرقص، لدرجة أن الأطفال الأسوياء زملائي فى المدرسة، كانوا يحبون مشاهدتى وأنا أرقص وأعزف الموسيقى، وهو ما كان يشعرني بالسعادة خصوصا أن هذا الحب أزال الحواجز بينى وبين زملائى، فلم يكن هناك فرق وهو ما ساعدنى على تقبل الحياة بشكل أفضل. هل شاركت فى بطولات أخرى غير الموسيقى والرقص؟ نعم فأنا أعشق السباحة وقد فزت بأكثر من 100 ميدالية فى سباقات دولية لمتحدى الإعاقة 40 ميدالية ذهبية والباقى بين الفضة والبرونز، فى كل مرة كنت أشارك فى مسابقات السباحة كنت أريد أن أثبت لنفسى أننى قادر على الوصول للنصر لذلك أبذل كل جهدى وقد تحقق بالفعل. كيف دخلت عالم التمثيل والسينما؟ أثناء فترة المدرسة كنت أشارك فى نشاطات متعددة مثل السباحة والموسيقى والرقص، وهو ما رشحنى للمشاركة فى فريق التمثيل المدرسى، وأثناء أحد العروض كان المخرج «جاك فان دورمال» حاضرًا وهو مخرج سينمائى كبير وعقب انتهاء العرض جاءني قائلاً أنت ممثل ممتاز وأريد أن تشارك معى فى فيلمى الجديد وأنا فى انتظار رأيك، ولا أخفى سراً أننى كنت خائفا بشكل كبير لأننى لا أجيد حفظ الكلام، لكن شقيقي الأكبر ووالدتى وزوجها شجعوني وقالوا أنت قادر على أداء الشخصية بسهولة، وبالفعل قدمت معه بطولة فيلم بعنوان «توتو البطل» وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وهو ما شجعنا على إعادة التجربة أكثر من مرة وبدأ مشوارى السينمائى فى الصعود. كيف تتعامل مع السيناريو خصوصا أنك لا تحب الحفظ؟ هذه النقطة كانت تمثل لي مشكلة فى السابق، خصوصا أننى كما قلت من قبل لا أحب الحفظ، لكن عندما بدأت العمل السينمائى جلس معى المخرج «جاك فان دورمال» الذى لاحظ ذلك، وقال لي أنا لا أريدك أن تؤدى الشخصية كما هى مكتوبة على الورق، أنا أريدك أن تؤدى شخصيتك أنت ورؤيتك أنت للموقف، وعلى هذا فهو يحكى لي الموقف ويترك الحركة والكلام يخرجان مني تلقائياً ليعبرا عن المشهد داخل سياق الفيلم، وهو ما يصل بسرعة للجمهور الذى يشعر بذلك على الشاشة، فمثلا فى فيلم «اليوم الثامن» كان المشهد أن أتناول البطاطس والناس تنظر لي فقط، فقمت بتناول البطاطس وعندما انتهيت وضعت أصابعى فى فمي لألتقم ما علق بها من بقايا البطاطس، فوجدت طفلة صغيرة عندما شاهدتنى فعلت نفس الشىء وتم تصويرها، وكان المخرج فى غاية السعادة. هل كل أدوارك تحمل صفة الطيبة أم هناك أدوار أخرى؟ من الأمور الجميلة أن والدتى وشقيقي والمخرج «فان دورمال» شجعوني على قبول بطولة فيلم بعنوان «الحجرة «وهو فيلم بوليسي جسدت فيه شخصية رجل شرير، وهو ما يتعارض مع الشخصيات التى يتعاطف معها الجمهور، لكن الغريب أن الجمهور تفاعل مع الشخصية وأقبل على الفيلم الذى حقق نجاحا كبيرا عند عرضه. أنت الممثل الوحيد فى العالم الذى فاز بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان «كان» وهو من ذوى الاحتياجات الخاصة.. ما شعورك وقتها؟ عندما عرض علي المخرج «فان دورمال» المشاركة فى فيلم اليوم الثامن كان يريد أن يمشى كل شىء بشكل طبيعي بعيداً عن التمثيل، فهو يريد أن يبعث برسالة للعالم أن هناك حياة لبعض الناس لا بد أن نتعامل معهم ولا ننفر منهم، ولا أنسى أن هناك مشهدا فى هذا الفيلم، حيث كنت فى أحد المطاعم أرتدى نظارة سوداء ورأيت شابة صغيرة تلعب فالتقطت وردة وأهديتها لها فتقبّلتها بابتسامة، وعندما خلعت النظارة عن عيني خافت ورمت لي الوردة وذهبت مسرعة، هذا المشهد طبيعى جداً لم يكن مكتوبا لكن المخرج أراد أن يسأل الجمهور لماذا ننفر من أناس يقدمون لنا الابتسامة، وقد شارك الفيلم فى مهرجان «كان» السينمائى ونال إعجاب لجنة التحكيم بالإجماع، وهو ما رشحنى للفوز بجائزة أحسن ممثل فى تلك الدورة مناصفة مع النجم الفرنسي «دانييل أوتويي» وقد كانت سعادتى كبيرة، حيث شعرت بأنى قدوة للإرادة والتحدى فى هذا العالم، ومنذ ذلك التاريخ قررت أن أفتتح مؤسسة بنفس عنوان الفيلم «اليوم الثامن» لمساعدة الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة الذين أقول لهم دائما ابذلوا كل جهدكم فسوف يحترمكم العالم ويقدر ما تفعلون.